الأربعاء 26 يونيو 2024

الكنيسة المصرية والمشاركة الوطنية

فن26-10-2020 | 21:05

الكنيسة الوحيدة التى تضع هويتها المصرية قبل مذهبها الأرثوذكسى هى كنيستنا المصرية، ذلك لأنها تعرف أنها كنيسة مصر كلها: مسلمين ومسيحيين، فنحن شعب واحد جينياً، بيولوجياً، جغرافياً، تاريخياً.


مارجريت كندل، ومن بعدها العميد الدكتور طارق طه رئيس قسم المناعة والبصمة الوراثية، أثبت الاثنان أننا شعب واحد مسلمين ومسيحيين فى 97 ونصف بالمائة من الشعب المصرى، وأن 87 ونصف بالمائة من جينات توت عنخ آمون موجودة فينا جميعاً، فنحن أحفاد هؤلاء الأجداد العظماء، كنا نعتنق الآمونية، ثم جاءت المسيحية فاعتنقناها، ثم جاء الإسلام فتحولت الغالبية إلى الإسلام، ولكننا مصريون قبل الأديان وإلى آخر الزمان، لذا نجد البابا شنودة يقول: «مصر وطن يعيش فينا، وليس وطنا نعيش فيه» ونجد البابا تواضروس يقول: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن."


عرفت الكنيسة المصرية أن الأوطان قبل الأديان، وأن الله خلق الأرض قبل الإنسان، وأن للكنيسة ربا يحميها كما أن للبيت ربا يحميه، وأذكر هنا حجة الإسلام الإيرانى حسين بهراز وقوله: إيران هى أمى، وديانتى المحمدية زوجتى، أستطيع أن أطلق هذه، ولا أستطيع أن أطلق تلك! وهذا صحيح فمصر قبل توراتى وإنجيلى.


كان مفهوم المواطنة قبل الحملة الفرنسية: بالعرق تركى أم فلاح، بالدين.. مسلم أم كافر، بالقرب من الحاكم، أو بالقوة المالية.. غنى أم فقير! جاءت الحملة الفرنسية بمفهوم جديد للمواطنة: حادثة الميلاد! أنت ولدت على هذه الأرض، إذن لك كل الحقوق وعليك نفس الواجبات التى لأى إنسان آخر ولد على أرضها بغض النظر عن الدين أو العرق أو القرب من الحاكم أو القوة المالية، هذا المفهوم الجديد للمواطنة كان له أثر كبير فى الكفاح الوطنى للكنيسة المصرية.


كان الوالى التركى خورشيد باشا، رجلاً ظالماً، اجتمعت مصر كلها بقيادة عمر مكرم والمعلم جرجس الجوهرى وعزلوا خورشيد باشا وجاءوا بمحمد على باشا 1805.


توحد الشعب 1807 وهزموا فريزر قائد القوات البريطانية، ثم توحد مرة ثانية 1811 وكانت مذبحة القلعة للقضاء على المماليك.


ملحوظة: كان يمكن اعتقالهم ومحاكمتهم.


اكتسبت المواطنة بمفهومها الحديث مكاسب كثيرة خصوصاً بعد رفض البابا بطرس الجاولى عرض قيصر روسيا لحماية أقباط مصر، فكان رد البابا لمندوب القيصر: القيصر سوف يموت ولكن إلهنا لن يموت، عرف محمد على باشا بهذا الموقف النبيل فسالت دموعه أمام البابا!.


سمح محمد على بدخول المصريين الجيش بعد حرمانهم 25 سنة من الاحتلال، كما سمح للمصريين بالتعيين فى الوظائف العامة بصرف النظر عن الدين، فكان رئيس وزرائه نوبار باشا مسيحياً، وسليمان باشا الفرنساوى قائداً عاماً للقوات المسلحة مسيحياً، كما كان كلوت بك (بمثابة وزيراً للصحة الآن) مسيحياً، كما سمح بحق تملك الأراضى، كما أرسل البعثات للخارج.


كان البابا كيرلس الرابع الملقب بأبى الإصلاح، فهو أول من أنشأ مدارس للبنات، كما أسس مدرسة الأقباط الكبرى التى تخرج فيها وزراء ورؤساء وزارات مصر، كما استورد مطبعة من ألمانيا فكانت ثانى مطبعة بعد المطبعة الأميرية، ولكن أهم أعماله أنه أطفأ نيران حرب كادت تشتعل بين مصر وأثيوبيا.


تألق كفاح الكنيسة المصرية فى عصر البابا كيرلس الخامس 1874، حيث وقفت الكنيسة مع عرابى ضد الإنجليز والخديو توفيق، بل ذهب وفد من الأقباط على رأسهم البابا كيرلس الخامس للخديو توفيق يطالبون بعودة عرابى، إلى القوات المسلحة وبقائه وزيراً للحربية كما كان، ووافق الخديو تحت هذا الضغط الشعبى من الأقباط والمسلمين، بل حدث ما هو أكثر خطورة من ذلك، إذ وقع البابا كيرلس الخامس على قرار خطير ومعه بطرس باشا غالى، باعتبار الخديو توفيق خارجاً عن الشرع والقانون، ووجوب عرض الأمر على الباب العالى، بل وقع البابا على قرار استمرار الحرب ضد الإنجليز، وقامت المعارك والتى انتصر فيها عرابى ممثلاً عن الشعب المصرى مثل الإسكندرية، خورشيد، أبو قير، إلى أن كانت موقعة التل الكبير، الولس حيث هزم عرابى، نسبة إلى ولسلى قائد القوات البريطانية، بمعاونة الخديو توفيق، وبعض الضباط الخونة مثل على يوسف الملقب بالخنفس، ورئيس الحزب الوطنى سلطان باشا! كانت موقعة التل الكبير هزيمة عسكرية، ولكنها كانت انتصاراً للوحدة الوطنية.

احتل الإنجليز مصر 1882م.


وقفت الكنيسة ضد الإنجليز حتى أن اللورد كرومر قال: أقباط مصر أعداء لنا، ولا بد أن نبادلهم عداء بعداء! عزل الأقباط جميعاً من مناصبهم واستبدلهم بالمسيحيين السوريين، كما قال: أنت لا تستطيع أن تفرق بين المسلم والمسيحى، إلا أن هذا يذهب إلى الجامع يوم الجمعة، وذاك يذهب للكنيسة يوم الأحد، ما قاله كرومر يؤكد ما قاله ستامب: المشكلة فى مصر ليس فى غزوها بل فى الوصول إليها، فنادراً ما تجد شعباً متماثلاً فى شكله الظاهرى بل وفى ملامحه الجسمية والنفسية بل وفى مزاجه وتقاليده مثل الشعب المصرى.


أراد اللورد كتشنر مقابلة البابا كيرلس الخامس بدون موعد سابق، وكان واقفاً بباب الكاتدرائية، رفض البابا، وأرسل تلميذه قائلاً: اذهب يا ولد وقال للورد: البابا لا يقابل أحداً بدون موعد سابق! وحين طلب الملك فؤاد من البابا أن يعطى البركة لوزارته كما أعطاها من قبل لحكومة سعد باشا زغلول، رفض البابا وقال للملك فؤاد: البركة لا تمنح باليمين حتى تسلب باليسار.


قاطع البابا كيرلس الخامس إرسالية يوحنا هوج للتبشير، فذهب إليه يوحنا هوج قائلاً: لماذا تقاطعوننا ونحن نعلم الإنجيل؟! فكان رد البابا الإنجيل عندنا من قبل أن يكون لأمريكا وجود! ليس هذا فقط، بل رفض حماية إنجلترا، كما رفض أن تقدم إنجلترا معونات للمدارس القبطية، لذا كان سعد باشا زغلول يشيد بوطنية الكنيسة المصرية وقال: لولا وطنية الأقباط لاستطاعت إنجلترا أن تضعفنا، وهذا ما قاله أخيراً مأمون فندى: شكراً يا أقباط مصر، لولاكم لأصبحت مصر طالبان! قاومت الكنيسة المصرية مع ويصا واصف (محطم السلاسل) ومرقس حنا حزب أخنوخ فانوس لأنه تمزيق للأمة، كما رفض قداسة البابا شنودة قيام حزب سياسى قبطى، إذن هو موقف ثابت للكنيسة المصرية وتشتعل وطنية الأقباط فى كفاحها الوطنى، فها هوذا مكرم عبيد يقول: لا تقولوا مسلمين ومسيحيين بل قولوا مصريين ومصريين، بل قولوا للإنجليز.. انقسامنا غسلناه بدموعنا.


هوذا القمص سرجيوس يخطب فى 49 جامعاً على رأسهم الجامع الأزهر، ويقول: اهتفوا معى يحيا الإنجليز، فقد وحدوا صفوفنا.


ويأتى عريان يوسف سعد ويلقى قنبلتين فى 15/12/1919 على رئيس الوزراء يوسف وهبه لتعاونه مع الإنجليز، وتقول صفية زغلول: لا تقتلوه، حاولوا أن تخطفوه، أريد أن أقابل هذا الشاب! حكم عليه بالمؤبد، وأفرج عنه 1924 فى حكومة سعد باشا زغلول.


جدير بالذكر حين تقدم سعد باشا بقائمة الوزراء للملك فؤاد لاعتمادها، قال الملك لسعد باشا: هذا ليس مجلساً للوزراء بل مجلساً ملياً! قال سعد: أنا لا أرى فى هذه القائمة مسلمين أو مسيحيين، بل أراهم جميعاً مصريين!.


ويأتى بعد هذا الكفاح الوطنى المرشد مصطفى مشهور ليقول: إن الأقباط ممكن أن يسهلوا مهمة العدو، رددت عليه فى روز اليوسف: حسن البنا هو الذى كان عميلاً للأجانب، فهو الذى أخذ من الإنجليز 500 جنيه أى خمسة ملايين الآن، وهو الذى دافع عن إسماعيل صدقى حبيب الإنجليز بآية قرآنية: "واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً"، وكنتم وراء اغتيال أحمد ماهر باشا، الخازندار، النقراشى، السادات، محاولة اغتيال عبدالناصر! 


تستروا بأمور فى ديانتهم ..ودينهم دين الزناديق.. نكذب العقل فى تصديق كاذبهم.. والعقل أولى بإكرام وتصديق!