فيروس كورونا المستجد خطير. لا، إنه ليس كذلك. إنه وباء مُعدي سيقتل الملايين من سكان العالم. ارتدوا الكمامات، استخدموا المطهرات. إنها تحميكم من الفيروس. لا، غير صحيح. لا ترتدوا الكمامات، إنها غير فاعلة ولا تحمي من الإصابة بالفيروس لأنه لا يستقر في الهواء فهو ثقيل، بينما يبقى على الأسطح فقط لعدة أيام، ثم تٌظهر الدراسات أنه يظل عالقاً في الهواء لمدة قد تزيد عن ثلاث ساعات، وقد يتحرك لمدى أوسع.
البحث عن حلول
يخوض الناس حروبا نفسية بسبب سرعة انتقال الفيروس واتساع رقعة انتشاره وكأن الكل ينتظر دوره، أحياناً تنتشر تلك الحروب بسبب حكوماتها التي لا تفكر خارج الصندوق ولا تبحث عن حلول بديلة، ولا خطط وتدابير وقوانين توقف الجشع في السلوك الجماهيري المتوقع والمتكرر في أوقات الأزمات، فنقص المواد المطهرة له حلول، ونقص الكمامات له حلول، ففي بريطانيا على سبيل المثال تضطر الممرضات لارتداء أكياس الزبالة على الرأس حماية لأنفسهن لعدم توافر الكمامات، وهناك طفل عراقي فقير قام بتصميم الكمامات وصار يوزعها على الناس، ثم ظهرت نساء تصور كيف تُصنع الكمامات في البيوت، وكيف تتحول إلى مهنة؟. تماماً مثل أزمة ورق التواليت في أوروبا التي انتهت بمحاكاة العرب والمسلمين في استخدام «الشطاف».
بينما الصين، في عشرة أيام فقط أقامت مستشفى ميداني مُجهز يستطيع أن يستوعب عشرة آلاف مريض. هذه المقارنة الأولية توضح لماذا تتفوق الصين وتؤكد بسلوكها أنها سوف تقود العالم في السنوات المقبلة، إنها لا تتحدث عن المشاكل ولكن تبحث عن حلول. فعندما ضرب الفيروس مدينة ووهان التي تُعد المركز الصناعي في الصين، حيث تصدر من خلالها ٧٨٪ من صادراتها بالعالم، لم تنهزم الصين، لم يشلها الذعر رغم الكارثة، أقامت المستشفيات لاستقبال الحالات. أغلقت المصانع وفرضت الحظر. ألزمت الناس بالبقاء في بيوتهم. كانت حازمة وصارمة في ذلك. حتى أنها راقبت الناس بالطائرة من دون طيار. دعمت الاقتصاد بضعف دخلها القومي، إلى أن حاصرت الوباء تماماً، ثم أعادت العمال للمصانع ودبت الحياة في المدينة، والآن تحاول تعويض خسائرها الاقتصادية ومساعدة الدول المنكوبة، لأن رئيىسها يؤمن بضرورة التوازي بين حماية الإنسان وبين النهوض بالاقتصاد.
العلاج المنتظر
لا يكاد يمر يوم واحد إلا ونقرأ خبراً ينتشر بسرعة البرق عن اكتشاف علاج لفيروس كوفيد ١٩ الذي يُعد أكبر تحد يواجه العالم منذ الحرب العالمية الثانية. بعيداً عن الشائعات والمعلومات المغلوطة، والوصفات الخرافية، مثل حكاية حبة البركة، والثوم، والملوخية الصعيدي والبصل، وغيرها من الأمور التي يتعلق بها البسطاء. فقد أكد الأطباء والعلماء عدم صحتها.
لكن الأهم؛ ما يصدر عن الأطباء والعلماء، والتضارب والتناقض بينهم. المؤكد أن هناك سبقا عالمياً محموماً للوصول للدواء، لكنه محاط بالاختلافات والخلافات، بين الرفض والتأييد. فبعضهم يُصرح؛ اكتشفنا عقارين لفيروس كورونا. هناك أدوية يتم تجريبها في الصين وأمريكا ودول عدة. لكن المؤكد حتى الآن أن الكلوروكين، وهيدروكسي كلوروكين الذين كانا يُستخدما لعلاج الملاريا أثبتا فاعلية في علاج آثار كورونا المستجد.
بينما جهات طبية أخرى تحذر بأن تلك الأدوية لها آثارا جانبية خطيرة، مؤكدين؛ الدواء لم تثبت فعاليته. بينما ترامب يعلن استخدامه، ويُجري اتفاقات مع الهند - التي تعد أكبر دولة في العالم منتجه لهذا العقار - لتصنيعه وتصديره لأمريكا، لكن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA، وكذلك منظمة الصحة العالمية تنفيان. بينما فرنسا ينقسم فيها الأطباء، وفي نيجيريا ولاجوس رغم التحذيرات من مخاطر هذا الدواء وآثاره الجانبية لكن يهجم الناس على الصيدليات فيختفي الدواء من الأسواق، ثم تظهر حالات تسمم عديدة هناك بسبب الجرعات الزائدة، خصوصاً أن سعره رخيص، ولا يحتاج إلي روشتة طبية، لكن تم تقييد شراءه واستخدامه بشدّة منذ تسميته علاجاً محتملاً لفيروس كوفيد ـ ١٩.
بارقة ضوء رغم الخلاف
يوم ١٠ أبريل تصلني رسالة من طبيب مصري في أمريكا يؤكد أنهم يستخدمون دواء هيدروكسي كلوروكين وأنه يأتي بنتائج جيدة جدا منذ اليوم الثاني في العلاج، محذراً بضرورة تعاطيه تحت إشراف طبي لمخاطره الشديدة، فهو يؤثر على العقل ويسبب الاكتئاب والبارانويا والخوف الشديد ويكاد يسبب الجنون والتسمم إن زادت الجرعات. ويُلمح إلى أن ارتفاع حصيلة التعافي في مصر ربما تعود إلى استخدامه.
والسؤال الآن؛ إذا كان هناك إنسان على شفا الموت، فهل نتركه يموت، أم نُعطيه دواءاً له آثاراً جانبية خطيرة. هل يقبل المريض وأهله بالموت أم يوافقوا على الحياة المشروطة؟! ربما سيٌحسم الجدل في غضون أسابيع قليلة، لكن الخوف الآن من أن عائلة كورونا تُطور نفسها، بالنظر إلى السرعة الكبيرة التي تتحور بها، وتحقق مناعة ضد مضادات الفيروسات، مما يشي بأن الجنس البشري يخوض معركة طويلة الأمد ضد فيروس أصغر منا حجما بخمسة ملايين مرة. مع ذلك إنها ليست نهاية العالم، فما أكثر الجوائح التي واجهت البشرية، فالطاعون قتل نحو ثلث سكان أوروبا، والأنفلونزا الإسبانية حصدت أرواح نحو خمسين مليون إنسان، وهناك أمراض الجدري وشلل الأطفال والإيدز التي بدلت حياة الإنسان دون أن تقضي على البشرية.
شبهات حول التهوين
في أوقات الأزمات لا يتوقف الأمر عند الخوف الشديد، ولكن ينتشر الذعر. يحتاج الناس إلى التدريب النفسي والبدني والذهني للسيطرة على الخوف، ولعدم الانسياق للتضليل بكافة أشكاله. هناك دائما في كل الجوائح العالمية فئة مستفيدة من التضليل وخداع جماهير الناس. التضليل بفعل تحقيق مكاسب مادية، أو لابتزاز بعض الحكومات لتحقيق مآرب خاصة. وأحيانا يأتي التضليل أو التعتيم من الحكومات نفسها.
بعض هذه الحكومات قد لا يكون هدفها من التعتيم والتخبئة أمراً سيئاً، لكنها تخشى من المصارحة والمكاشفة التي تعتقد أنها قد تثير الذعر لدى شعوبها، مما ينجم عنه آثار عنف وعدوان يفلت زمام السيطرة عليهما، فتلجأ مثل تلك الحكومات للتهوين والتبسيط، وعدم مصارحة الشعب من الأساس، ومن يتحدث قد تعاقبه كما حدث مع الطبيب الصيني الذي اكتشف كورونا مستهل ديسمبر ٢٠١٩، وكما فعل ترامب مع شعبه في بداية الأزمة، رغم تحذيرات الأطباء هناك، وكما حدث في إيطاليا قبل تفشي الوباء هناك حيث كان الشباب وحتى كبار السن يسخرون من كورونا ويواصلون تجمعاتهم واحتفالاتهم.
بداية؛ هناك فرق كبير بين التهويل والتهوين وقول الحقائق الأساسية التي تساعد الناس على حماية أنفسهم، وإن كان بشكل متدرج وفق مراحل الحالة. هناك فرق شاسع بين التخويف لحد الترويع وبين الاستهانة والتقليل من حجم المخاطر، وبقدر الفارق بين النقيضين يأتي الفارق بين الإدارة الصادقة الصريحة الملتزمة بالشفافية واتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الاحترازية الممكنة في مواجهة جائحة خطيرة مثل كوفيد ١٩ وبين إدارة آخرى تستهين بالوباء وتدعي أن شعبها في آمان بحجة أنها لا تريد أن تُثير الذعر.
ثانياً؛ رغم ما ذكرته تقارير صحفية عالمية - بعضها أمريكي - وإدانة ترامب وتفسير استهانته وتساهله في بداية الأزمة بأنه تواطأ مع شركات الأدوية لتحقيق مكاسب شخصية، فقد كانت هناك تحذيرات قوية من مدير معهد الأمراض المعدية تؤكد خطورة الفيروس في اجتماعه الأول مع الكونجرس، لكن ترامب استدعاه وظل يُهون من الأمر، إلى أن وقعت الكارثة الإيطالية فتجاوزت الصين في عدد الإصابات والوفيات. حينها أوقفت أمريكا الطيران مع أوروبا كما فعلت مع الصين.
أياً كانت الحقيقة وراء تصرف الإدارة الأمريكية سواء صدقت الاتهامات الموجهة لترامب، أو أن التفكير في حملته الانتخابية شغله عن صحة الشعب، فإن اتهامه في الثلث الأول من شهر أبريل الموجه لمنظمة الصحة العالمية بأنها تحابي الصين على حساب أمريكا، مدعياً أنها طالبت ترامب بعدم وقف الطيران مع الصين لأن الفيروس غير خطير، فيبدو من توقيت الاتهام وكأن ترامب يحاول تحميلها أسباب الكارثة عنده، إذ يتوفي من شعبه يومياً ما يقترب من ألفي مواطن أمريكي؟ هل يستطيع عقلنا تصور وفاة ٢٠٠٠ مواطن يومياً؟ ٢٠٠٠ جثة يتم وضعها في أكياس أو حقائب تمهيداً لدفنها؟! ٢٠٠٠ أسرة يوميا تفقد أحبائها من دون أن تودعها أو تحضر جنازتها أو تُقيم لها عزاء.
الفرق بين الإدارتين؛ الأمريكية والمصرية
هنا يأتي التساؤل: لماذا انساق ترامب لتصريحات منظمة الصحة بينما كان لديه أعظم الأطباء في العالم الذين أكدوا له خطورة الأمر؟! إنها لعبة سياسية مكشوفة. وهذا السلوك يجعلنا نقارن بين الإدارة المصرية للأزمة ونظيرتها الأمريكية.
منذ تفشي كورونا في الصين، سارعت مصر بإجلاء أبنائها من ووهان، وعددهم ٣٠١، كان بينهم ١١ رضيعاً، أحضرتهم لمطار العلمين، للحجر الصحي، بمرسى مطروح لمدة أسبوعين للتأكد من عدم إصابة أي منهم بالفيروس.
كذلك، قبل أن يتفجر الوضع الكارثي في إيطاليا، وإسبانيا، عايشت التدابير الصحية في المطارات المصرية وفحص القادمين مرتين، إحداها أثناء عودتي نهاية يناير من دبي، ثم عندما عدت من مهرجان برلين السينمائي أوائل مارس الذي يُعد أحد أهم ثلاثة مهرجانات سينمائية بالعالم بعد كان وفينيسيا، ويبدو أنه سيكون المهرجان الكبير الوحيد الذي أفلت من التأجيل.
ورغم التوجس من مخاطر كورونا الذي كان يُخيم على أجواء المهرجان حتى قبل بدايته، لكن السلطات الألمانية لم تفكر في تقديم أي فحوصات بالمطار للقادمين لأراضيها، فقط اكتفت برفض منح تأشيرات للوفد الصيني، وذلك رغم أن الفيروس كان بدأ في الظهور في إيران وفي بعض الدول الأخرى.
بينما عندما عدت إلى مصر من ألمانيا. كانت الفحوصات في مطار القاهرة لاتزال مستمرة. ثم تواصل الأطباء معي عدة مرات هاتفيا للاطمئنان. بينما زميلة آخرى زارها الأطباء في الببيت عندما علموا أنها مرت ترانزيت على مطار إسبانيا. ثم أوقفت مصر رحلات الطيران مع عدد كبير من الدول، وأعادت المصريين بالخارج الراغين في العودة. إضافة إلى الإرشادات الصحية المتوالية، ووقف بعض المهرجانات القائمة بحزم شديد، لمنع التجمعات. ثم بدأ تعقيم المؤسسات الحكومية، ومساندة الاقتصاد بضخ أموال لإنعاشه، وتأجيل تسديد القروض تسهيلاً على المواطنين، وعزل المصابين أفراد وقرى وعمارات، ثم مواجهة الشائعات بردود فورية، حصار المخالفات، تزويد محلات السوبر ماركت بالسلع باستمرار، ووضع تدابير إضافية احترازية.
فيروس الذعر أخطر من كورونا
أذكر تلك التفاصيل لتوضيح كيف تعاملت مصر بعدم استهانة مع الفيروس منذ البداية. وهو ما يُفسر عدم تفشي الفيروس بشراسة كما في دول أوروبية وحتى أمريكا نفسها. لقد استفادت مصر من خبرات الدول الأخرى. كما أن قيادتها أدارت الأمر من دون إثارة الذعر بين المواطنين، وظل المسئولون يؤكدون على وجود احتياطي غذائي لبث الطمأنينة في نفوس المواطنين. مثلما أدارت أزمة المطهرات باحترافية عالية، حيث تدخلت الدولة لمنع جشع التجار، ومقاومة أغنياء الكوارث والمحن.
وذلك، بعكس دول أخرى، فمثلاً الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا لجأ لاستخدام القوة المفرطة خلال تطبيق حظر التجوال المفروض في البلاد للمساعدة في وقف انتشار فيروس كورونا، إذ تم تصوير قوات الأمن وهي تطلق الغاز المسيل للدموع على الأشخاص، وبنيهم أطفال، وتضربهم بالسياط والهراوات.
إن تصرف الرئيس الكيني هو نموذج لذعر القادة وعدم الحكمة في إدارة أزمة الوباء، هذا الذعر وصل لبعض النجوم فجعلهم يتفوهون بكلمات ضد الإنسانية، مثلما فعلت الممثلة الكويتية حياة الفهد، عندما طالبت بطرد المصريين، والعمالة الأخرى بالكويت ورميهم في الصحراء لحماية أهل الكويت مما عرضها لهجوم عنيف على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يجعلنا نتساءل عن مسئولية الفنان؟! والشخصيات العامة التي يجب أن تضبط نفسها، وتسيطر على حالتها النفسية ومخاوفها لأنها قدوة.
بينما في كوت ديفوار قاد الذعر المواطنين الغاضبين والخائفين لتدمير مركزا في أبيدجان لعلاج المصابين بفيروس كورونا المستجد، قائلين إنه سوف يلوث الحي. بينما أحرق السكان ونهبوا خياما وهياكل في مركز علاج مؤقت أقيم في ضاحية يوبوجون.
العمل ضرورة ملحة
هنا، لا يمكن الفصل بين القيادة والتصرفات العامة الشعب. هنا يأتي دور القيادة الواعية، الحكيمة، يأتي دور الفئات المثقفة، في توجيه الوعي الجمعي، وتفعيل دور العقل الباطن لمجابهة الجائحة نفسيا التي قد لا تقل أهمية عن مقاومتها جسديا.
إن المراقب لخطوات الإدارة المصرية يُدرك أنها تتابع بحرص شديد التوجيهات والسيناريوهات الدولية وتحاكي الأفضل، لذلك عندما تحدثت منظمة التجارة العالمية والخبراء عن الانهيار الاقتصادي على غرار ما حدث خلال فترة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين، وتوقعت استفحال أعداد البطالة، وهو ما سيؤثر بدوره على نظم الرعاية الصحية، وأن التجارة ستمثل عنصرا مهما في تحقيق التعافي الاقتصادي بعد الأزمة، كذلك عندما أعادت الصين العمال إلى المصانع بدأت مصر في المحاكاة وإن بحذر، فقللت ساعات الحظر، ولم تُوقف العمل. إنها خطوة ضرورية لحماية اقتصاد البلد من الانهيار، للحد من تفاقم الكساد، والبطالة، لمنع تفشي الفقر والذي يقود بدوره لانتشار الجريمة.
كذلك، مواصلة العمل والمحافظة على الاقتصاد خطوة مُلحة لتطوير أنظمة الرعاية الصحية وتفعيل قدرتها على مواجهة الوباء، فالمؤكد أن كوفيد ١٩ لن ينتهي سريعاً، لكنه سيُرغم الناس في جميع أنحاء العالم على تغيير أسلوب حياتهم، وعلينا التعايش معه، لحماية اقتصاد بلادنا، وفي نفس الوقت حماية أنفسنا. لأن العالم ما بعد كورونا لن يكون كما قبله.