الثلاثاء 28 مايو 2024

موالد في حُب آل البيت وأولياء الله

فن26-10-2020 | 22:00

الموالد طقس أصيل ضارب في جذور التراث المصري الشعبي, يُعبِّر في مجملهِ عن احتفال بمَولد شخصية دينية تاريخية مهمة, أو إحياء ذكرى لها مناسبة تتعلق بها، وكذلك احتفاء بأشخاص عاشوا بين الناس ممن يعتبروهم من أولياء الله الصالحين. ويرجع البدء في إقامة الموالد في مصر إلى عصر الدولة الفاطمية (973–1171م)، وامتدت من حينها حتى الآن؛ إذ قام المعز لدين الله الفاطمي بإقامتها تقربًا إلى الشعب المصري لِما أدركه فيهم من حبه لآل البيت النبوي وللأولياء والصالحين. وترتبط الموالد بشكل عام بالطرق الصوفية المختلفة باعتبارها المسؤولة عن الإشراف عليها وتنظيمها, وفي هذا الصدد تختلف كل طريقة عن الأخرى في الاحتفال بالمولد في طقوس الاحتفال أو طريقة إحياء الذكرى الدينية ذاتها, وفي ذلك الصدد يمكننا التمييز بين الموالد الدينية الكبرى لآل البيت النبوي وبين سائر موالد أولياء الله الصالحين التي تقام في المدن والأقاليم والقرى والنجوع.  


* موالد آل البيت الكبرى : 


ترتبط عادة الموالد الكبرى بالبيت النبوي الشريف يتقدمهم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف, الذي بدأ الاحتفال الأول به عام 973 م، في عهد المعز لدين الله الفاطمي, ومن ذلك التاريخ وصار الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو المناسبة الدينية الأهم في مصر, وفي العصر الحديث تحتفي به الدولة وتعتمده إجازة رسمية. في العهد الملكي لأسرة محمد علي كانت هناك مراسم خاصة بالمناسبة: تبدأ بالموكب الرسمي بخروجه من قصر عابدين وعلي رأسه الملك في العربة الملكية المكشوفة تجرها الخيول العربية, وصولا إلى العباسية -حيث مكان الاحتفال- ويعزف السلام الوطني وتطلق المدفعية 21 طلقة ويكون في استقبال الملك عند سرادق الاحتفال: ولي العهد، ورئيس الوزراء، ورئيسا مجلسي النواب والشيوخ, وشيخ الأزهر, وشيخ مشايخ الطرق الصوفية وكبار رجال الدولة ومحافظ القاهرة, ونفس الاحتفالية تقام باختلاف بسيط في المراسم في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة. 


ثم يأتي بعد المولد النبوي الشريف من حيث الأهمية، مولد الإمام الحسين بن علي, ويقام احتفالا مهيبًا كل عام في مسجده المقام في حي الحسين المسمى على اسمه, وهو ما يعد تخليدا لذكرى استشهاده بالعراق في صحراء كربلاء, وبعدما عُرف بين الناس أن رأسه الشريف قد دُفنت في مكان المقام -مقام الحسن- الحالي. 


وفي احتفال آخر لا يقل أهمية عن سابقيه يأتي مولد السيدة زينب أم الحسن والحسين, والملقبة باسم "الطاهرة", "أم هاشم", "أم العواجز"، وهنا يتضح فضل أهل مصر وحبهم لبيت النبوة وحب بيت النبوة لهم, إذ أن السيدة زينب بعد فاجعة مقتل الحسين في كربلاء جاءت إلى مصر, باعتبارها الملاذ الآمن لها بعد ما شاهدته من أهوال ومن تربص الأمويين بكل آل البيت وقَالَت "يا أهل مصر، نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا" فسموًا الحي الذي نزلت فيه باسمها وبنوا لها جامع كبير يقام فيه المولد.  


تشرفت مصر فيما سبق بإرسال كسوة الكعبة المشرفة إلى الحجاز, وكان يتم في احتفال آخر له نفس الطابع الاحتفالي الديني عرف اسمه بالمحمل الشريف, ولكنه لا يرتبط بمولد أو ولي صالح, إنما كان احتفال ديني هام يرعاه الملك ويحضره, إذ يتم استعراض الكسوة أمامه في حضور الحاشية وقادة الجيش الذين يؤدون أمامه استعراضا للقوى العسكرية ثم يأذن الملك خلال الاحتفال لأمير الحج بالسفر إلى الحجاز.


* موالد الأولياء والصالحين الكبرى : 


في مقدمة الموالد الكبري يأتي مولد السيد البدوي, إذ تحتفل محافظة الغربية كل عام بمولد سيدي أحمد البدوي في الجامع الكبير الذي يضم مقامه وقد أصبح رمزا للمحافظة بأسرها, ويزور المولد قرابة مليوني زائر, ويعتقد أن السيد البدوي من بلدة "فاس" في المغرب جاء إلى مصر مهاجرًا, وأنه نسل الحسين بن علي وسُميّ بالغضبان لكثرة غضبه على المنكرات في عصره, وإن كراماته تتمثل في ورعه وتقواه, وقدرته على تحرير الأسرى المسلمين لدي الصليبيين وتم تلقيبه بالبدوي لأنه كان يغطي وجهه دائما على الطريقة البدوية. وهناك مولد آخر ضخم تحتفل به محافظة كفر الشيخ ألا وهو مولد "إبراهيم السوقي" ويعتقد أيضا أنه من نسل بيت النبوة الطاهر, وكان الدسوقي معاصرا للحملات الصليبية ويحُث الناس على الجهاد والحرب ضد المعتدين، ونفس الدور قام به "أبي الحسن الشاذلي" الذي يحتفل به أهل الصعيد كل عام في مولد كبير, وتلميذه العارف بالله "شهاب أبي العباس" الذي له مولد آخر هو الأشهر في الوجه البحري ألا وهو مولد "المرسي أبو العباس" ويتم الاحتفال به على الطريقة الشاذلية, وقد استخلفه أستاذه أبو الحسن الشاذلي على مسجد العطارين وقد تتلمذ على يده العديد من العلماء مثل الإمام البوصيري, وابن عطاء السكندري, ياقوت العرش, ابن اللبان, العز بن عبد السلام. وبعد ثلاثة وأربعين عاما قضاهم في الإسكندرية دُفن في جامع كبير تسمى على اسمه. وفي الصعيد هناك موالد كبرى أخرى لأولياء الله من الصالحين مثل "العارف بالله" في سوهاج , "عبد الرحيم القنائي" في قنا, "الحجاج" في الأقصر.


* الأضرحة والمقامات : 

لا يخلو أي إقليم أو قرية أو نجع في مصر من وجود ذكرى لرجل صالح عاش بين الأهالي ويسموه "بالولي الصالح", "المبروك", "الشيخ". وعادة ما يكون قد أظهر كرامة معينة يتميز بها عن الناس خصّه الله بها دونًا عن عباده, تتمثل في الورع والصلاح بالاستجابة الربانية لدعواته, والقدرة على شفاء الناس من الأمراض. وعادة ما يرتبط موته بكرامة أخرى تُبقي ذكراه مستمرة, فيقيمون له فوق مكان دفنه مقامًا عبارة عن قبة داخل جامع، أو قائمة بمفردها تصير مزارًا للتبرُك. وحتى الآن تبين أنه يوجد أكثر من 2500 مقام لأولياء الله الصالحين الذين تقام لذكراهم موالد محلية بانتظام داخل القرى والنجوع ويقصدها جماعات عديدة من البلدان المجاورة للمقام. 

تتفق مظاهر الاحتفال في كل الموالد مع بعضها تقريبًا بوجود الأنوار المبهرة والمقاهي الساهرة وألعاب القوى والنيشان ووجود الحواة وجوقات الغناء, ووجود باعة وإبداعهم في عمل تماثيل من الحلوى على شكل عروسة وفارس (عروسة المولد وحصان أبوزيد الهلالي) ومراجيح الأطفال المبهجة. 


*الموالد والطرق الصوفية : 


ظهرت الطرق الصوفية في مصر من أيام الدولة الفاطمية, ثم ظهرت بشكل كبير أيام صلاح الدين الأيوبي, وانتشر مشايخ الطرق كل شيخ يخلف الآخر بعهد الطريقة وسرها, ومن ورائهم انطلق المريدون في كل مكان. ولما أصبح وجودهم أمر واقع ومؤثر وهام في المجتمع المصري أصدر الخديو عباس حلمي الثاني فرمانًا بإنشاء المجلس الأعلى للطرق الصوفية عام 1895م, والذي أوكل له إدارة شئون الاحتفالات بالموالد وشئون الأضرحة المباركة, ومن وقتها بدأ الاعتداد بشيخ المشايخ الصوفية كمنصب رسمي وهام في الدولة أسوة بشيخ الأزهر ورئيس الوزراء, فكان الملك في المولد النبوي ينتقل بنفسه إلى سرادق شيخ مشايخ الطرق الصوفية وفيه يستمع إلى نقيب الأشراف وهو يتلو القصة النبوية الشريفة، وكذلك في العصر الحالي يستوجب أي احتفال ديني رسمي وجود شيخ كشيخ الطرق الصوفية ونقيب الأشراف. 


للطرق الصوفية ومقامات أولياء الله الصالحين, رصيدًا كبيرًا في نفوس وحياة المصريين على مر الأزمنة فهي تعبر عن حبهم لآل بيت النبي وللأولياء الصالحين, إذ أن سنويًا يرتاد الموالد ما لا يقل عن أربعين مليون زائر يأتون من كل البلاد إليها مهما طالت المسافة بين محال إقامتهم وبين المولد أو ضريح الولي الصالح