الخميس 2 مايو 2024

«مشتاق أبوالعرّيف التخصصي».. الفصل الأخير من كتاب «السيبراني»

فن27-10-2020 | 10:48

 تنشر بوابة «الهلال اليوم» الفصل الأخير، من كتاب «السيبراني» للكاتب الصحفي "أكرم القصاص"، والذي جاء تحت عنوان "مشتاق أبوالعرّيف التخصصي".

خبير ومحلل وعميق

لا يأتي أي حدث سواء تعديل وزاري أو حادث عادي إلا ونجد أنفسنا أمام حالة من التكهنات والتوقعات والتحليلات.. ومثلما كانت هناك ظاهرة عبده مشتاق، وعشرات من الخبراء والمستعرضين والأكاديميين، وكل منهم يسوّق نفسه على أنه أفضل من يتولى الوزارة.. مشتاقون كانوا يطمحون في رئاسة الوزارة أو يكتفون بوزارة، يفبركون عن أنفسهم أخبارًا أن «فلان الفلاني خبير في إصلاح التعليم أو ترقيع الصحة، أو رصف الطرق».

وعندما اخترع الكاتب الراحل أحمد رجب شخصية عبده مشتاق، كان يشير إلى شخصيات تظهر بالفعل، كان هناك الدكتور نبيل الشهير بحامل الدكتوراهات في الاقتصاد والسياسة والتقريب بين الأديان والمذاهب، واعتاد أن يضع لافتات في الميادين مع كل انتخابات يؤيد فيها الحزب الوطني ورئيسه وأصدقاءه، وظل يفعلها حتى تم تعيينه بالفعل في مجلس الشورى، وصار يومها مثالا على المشتاق الذي طال.

تواصلت بعد 25 يناير ظاهرة عبده مشتاق، لكنها كانت مصحوبة بـ«أبوالعريف»، الخبير الفاهم في كل شيء، من الاقتصاد للسياسة الخارجية والداخلية والتموين وخلافه.. ونجح بعضهم في التسلل إلى حكومات ما بعد الثورة، لكن انتهت الظاهرة، خاصة أن منصب الوزير لم يعد يحتفظ بهيبته.

تقلصت ظاهرة عبده مشتاق، لكنها امتزجت بأبوالعريف، وهم خبراء ومحللون ظهروا في غيبة من الزمن، وانتشروا وتوغلوا، ونراهم يتحدثون في التليفزيونات أو يدبجون مقالات تأييد أو معارضة أو بوستات يعلقون فيها على كل حدث وكل شيء، من العقارات إلى المباني، ومن الاقتصاد إلى النووي والطيران والزلازل، والطب والأعشاب.. وأنتجت فترة ما بعد 25 يناير ظاهرة الإعلامي الذي أصبح سياسيًا، والسياسى الذي أصبح إعلاميًا، والناشط الذي أصبح خبيرًا في إصلاح الأنظمة السياسية و«إعادة بناء الأطر وإعادة تمتين العلاقات الجسرية».. ومعالج روحاني أصبح معلقًا سياسيًا، ومعلق رياضي صار خبيرًا سياسيًا أرض فضائيا، وترك الباحث العلمي مكانه ليصبح محللا في شؤون المياه والأرض والاجتماع والتربية النملية.. والنتيجة أنه اختلط الحابل بالنابل والطالع بالنازل، وأبو قرش على أبوقرشين.. وكل النتيجة حالة كلام.

بالطبع من حق كل واحد أن يعبر عن رأيه في زمن الانفجار المعلوماتي، مع بعض التواضع والتحليل على أنباء صحيحة، بدلًا من تحليل الوهم وتفصيص الفراغ.. البعض يبني تحليلاته الاستعماقية على شائعة، أو يقيم الدنيا على استنتاج غير منطقي، وهؤلاء هم من كان يطلق عليهم الأستاذ أحمد بهاء الدين «الجهل النشيط».

اختفى عبده مشتاق وحل مكانه أبوالعريف التخصصي، الذي يناسب عصر المعلومات والانفجار «الفيساوى المعنوي الاكتوارى التخصصي»، يحل أي أزمة ويفتي في كل قضية وهو جالس في مكانه حول «الفراغ».

«الجمهور مش عايز كده»

لم أصدقه يحدثني بحزن وشعور بالفقد ويعدد ميزات المهندس إبراهيم محلب، رئيس الحكومة المستقيل، ويؤكد أنه كان من أفضل رؤساء الحكومات وأكثرهم إخلاصًا، وبدا غاضبا وهو ينتقد خروج محلب أو إخراجه من رئاسة الوزراء.. لم أصدق بل صدمتني آراؤه وهو نفسه كان ممن شنوا هجوما كاسحا على محلب، وطالب مرارا وتكرارا بإقالته، وساق مبررات لذلك بأن محلب مجرد موظف وضعيف وجولاته للشو الإعلامي، وأخبرني بأنه حزين ويرفض إقالة محلب.. أعدت على مسامعه ما كتبه وقلت له: كنت حتى الأسبوع الماضي تهاجم محلب وتطالب بإقالته ومحاكمته!!

ابتسم وبدأ يأخذ هيئة «المحلل الاستراتيجي الفيسبوكي» قائلا إن النظرة القريبة تختلف عن البعيدة، وإن الهدف كان الانتقاد وليس الإقالة.. ذكرته بعشرات المواقف المتناقضة التي اتخذها طوال سنوات، منذ عين نفسه مفكرا، يستهدف «اللايكات» ويسعده «الريتويتات».

كان صاحبنا نموذجًا من عشرات ولدوا وترعرعوا مع أدوات التواصل ويتخذون مواقف لا يقصدونها بهدف الالتحاق بجماعة مشهورة أو البحث عن معسكر من ألتراس سوشيالي جاهز للتصفيق أو التصفير، تأييدا أو معارضة، يطرحون آراء حسب الهوى، وهو واحد من عشرات يفترض أنهم يقودون الرأي العام أو على الأقل يوجهونه، ولا يعرف هذا الرأي العام أن صاحبنا وأمثاله ليسوا جادين ولا أصحاب مواقف، وإنما مجرد «طبل فارغ».

صاحبنا ليس حالة خاصة لكنه تكرار لعشرات بل ومئات ممن اعتادوا اتخاذ مواقف مجانية بالتأييد أو المعارضة، الرفض أو النفاق، من دون تفكير ولمجرد إثبات موقف والظهور في شكل الفاهم العارف المحلل، سواء في التوك شو أو من خلف الكيبورد والشاشة.

بالطبع لا أحد يتوقف ليراجع ما سبق وقالوه من قبل، أو كتبوه على صفحاتهم.. وهذه الطريقة لا تزال مستمرة، وترجع إلى أن المحلل من هؤلاء يصعب عليه الجلوس ساكنا وهو يرى نقاشا ما، فيعلن موقفا يعود عليه بتفاعل من مؤيدين أو مصفقين، أو أنه مشتاق يقترب فيؤيد، ويبعدونه فيسخن، يفعلون ذلك مع الحكومة والطائرات والدستور، بلا فهم، فقط «تطبيل أو تصفير».

وما جرى مع محلب سواء أكان تأييدا أم رفضا، جرى بدرجات متفاوتة مع كل رئيس وزراء منذ يناير، حيث خرج من يطالبون بعصام شرف رئيسا للوزراء، وبعد فترة تبرأوا من ذلك، وقالوا «مش إحنا»، وهناك ثوار تظاهروا ضد تولي الدكتور الجنزوري رئاسة الوزراء وسخروا من السن والأجيال، وكان الجنزوري للمفارقة أكثر رؤساء الوزراء فيما بعد يناير إنجازًا وتفهمًا لمنصب رئيس الوزراء، وأحداث مجلس الوزراء التي يعتبرها البعض من المناسبات الثورية غير واضحة الهدف.

السادة المتناقضون المشتاقون أو المنافقون لا يعرفون أنهم يضللون غيرهم، ممن يتبعون بلا عقل، ويظنون أن «الجمهور عايز كده» بينما الجمهور اكتشف تناقضاتهم وكذبهم مرات، ولا يمكن أن يكون «عايز هؤلاء».. تذكروا هذا وأنتم تطالعون تحاليل جديدة من محترفي «التطبيل أو التصفير».

 

على المشتاقين مراعاة فروق «فيس بوك»

من المؤكد أن صفحات فيس بوك أو تويتر أو أحاديث وتصريحات الشخص على يوتيوب سوف تكون ضمن تقارير الفحص حال ترشح الشخص لمناصب وزارية أو حكومية أو حتى يستعد للعمل العام أو الانتخابات.. مادام الواحد ليس لديه طموحات سياسية أو اشتياقات عمومية، يمكنه أن يكون حرا يكتب كما يشاء، ويشارك ما يريد.

وطبيعي أن يحاسب المجتمع المرشح للمنصب، لكن كالعادة الحساب أحيانا يكون موضوعيا، وفي كثير من الأحيان يكون متجاوزا، وفى حال حكومة «شريف» فإن منشورات صفحة الدكتور الهلالي الشربيني، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الجديد، في «فيس بوك»، تحولت إلى موضوع محاكمة وسخرية، وهذا لأنه وزير تعليم ولا يعرف الفرق بين الزاى والذال «التعذيب» و«التعزيب»، ناهيك عن ركاكة أسلوبية، ولهذا كان الوزير موضوعًا لحالة واسعة من السخرية والنقد، لأنه وزير تعليم، وحتى لو اتسمت بالمبالغة فهي أمر طبيعي، لأن أفكار الوزير معروضة على الناس، وليس هذا أمرا شخصيا.

على العكس كان هناك تجاوز في التعامل مع السفيرة «نبيلة مكرم» وزيرة الهجرة وشؤون المصريين في الخارج التي أدت القسم الدستوري أمام الرئيس، وظهر بعض الفقاقيع ممن انتقدوا كونها ترتدي «فستان نص كم»، أو أنها ظهرت بفستان سبق لها الظهور به منذ عامين.. وفي انتقاد هذا تزيد وتجاوز وعدم لياقة، لأن الأمر هنا يتعلق بالشكل، في وقت بدت الوزيرة بمظهر لائق جدا، وانتقادها نوع من السطحية.

وكلا المثالين دليل على أن مواقع التواصل يمكن أن تكون نوعا من الرقابة الشعبية الاجتماعية مثلما جرى مع وزير التعليم، بينما تتحول إلى تفاهة وقلة قيمة مع وزيرة الهجرة.

مع ملاحظة أنه كان هناك بالطبع رغبة واسعة في تغيير وزير التعليم، بل ووزراء في حكومة المهندس محلب، بينما ظهرت حالة من الحنين بعد رحيله، بل ورأى البعض أنه لا تغيير يذكر، ومحلب أصبح مساعدا للرئيس للمشروعات القومية.

والمؤكد أن من يكتب شيئا على فيس بوك عليه أن يتوقع أنه سيكون محسوبا عليه، إذا كانت لديه طموحات عامة، كل المواقف مسجلة على «فيس بوك» والأقوال على «يوتيوب». ويفوز في كل هذا من يبقى متسقا مع نفسه، موحدا في كلامه ومواقفه، وليس «يويو أو نطاطا أو منافقا».. ولدينا زعماء يخلطون بين الحروف، وبعضهم لا يجيد اللغة العربية أصلا، لكن تبقى مواقع التواصل محاكم، بعضها يبحث عن هدف، والبعض يبحث عن فضيحة.. وعلى المشتاقين مراعاة فروق الـ«فيس بوك».

 

الصوت الواحد والوكيل الرسمي

سواء في الانتخابات أو السياسة عموما، هناك تيارات تبحث عن الجانب الحاسم «أبيض/ أسود»، ولا تميل إلى التدرج، ويصعب على بعض هؤلاء تقبل نظريات «الزوايا المختلفة».. هناك تطرف في المقاطعة، وتطرف في الثورة، في الانتخاب، في الرأي.. أما هؤلاء الذين يحملون وجهات نظر إصلاحية متدرجة فهم يفقدون الآراء المتعصبة التي تريد حلا سهلا واضحا حتى لو كان مستحيلا، وفي كل التحولات الكبرى غالبا ما يكون النجاح نتاجا لتفاعل التطرف مع التدرج والإصلاح، بعد الصدام المتكرر.

وربما ينطبق هذا الأمر على حالة عمرو الشوبكي الذي خاض الانتخابات وهو متهم من كل الأطراف تقريبا من 25 و30، والإخوان والـ«توكشويين» والوطني وغيرهم، في مفارقة تكشف عن تأثيرات الإعلام والدعايات المختلفة في صياغة عقول البعض.. وكيف يمكن لأشخاص أن يصدقوا أن مرشحا واحداً يعمل في وقت واحد لصالح الإخوان والأمريكان والسلطة والمعارضة والثورة، وأيضا الثورة المضادة.

اتهمه مؤيدو 25 يناير أنه متخاذل وأنه انضم للثورة المضادة، واتهمه الإخوان أنه انقلابي، واتهمه أنصار 30 يونيو أنه من معسكر25 يناير، فيما اتهمه أنصار الحزب الوطني أنه إخواني وأمريكاني، ورأى بعضهم أنه من «الخونة»، مع أنه كان ضمن الهيئة الاستشارية لانتخابات السيسي.

عمرو الشوبكي انتقد تسلط مبارك وأيد 25 يناير، وبعدها كثيرا ما كان ينتقد التطرف والمعارك الفرعية أو تحويل الثورية إلى شتائم واتهامات، ثم خاض الانتخابات البرلمانية في مواجهة مرشح الإخوان عمرو دراج، وفاز في دائرة الدقي والعجوزة.

واجه الشوبكي حكم الإخوان ومرسي، وأيد 30 يونيو، وما بعدها، وطوال الوقت كان إصلاحيا يميل للوسطية، ولديه وجهة نظر تبتعد عن الأشخاص وتقترب أو تبتعد حسب القضية، ورفض شخصنة المعارك، ربما لهذا لم يرض عنه أي من الأطراف المختلفة، ووجدنا آراء تعلن وتؤكد أنه هو الذي كتب برنامج الإخوان، وكان هناك دائما من لديه استعداد لتصديق كل هذا، بالرغم من أن الشوبكي كان فقط صاحب اجتهاد ورأي، لكنه لم ينجح في كسب هؤلاء الذين يميلون لرأي واحد مريح، مع أن السياسة والحياة ليس فيهما هذا الحسم.

وبالرغم من أن كثيرين يتحدثون عن الوسطية والاعتدال؛ فإن الاستقطاب كثيرا ما يكون أكثر شيوعًا في أوقات التوتر.. والمفارقة أنه بعد يناير كان هناك أمل لبناء يشارك فيه الجميع، وظهر من يسمون «الوكيل الرسمي للثورة» من ائتلافات وتجمعات تاهت وتوهت الجمهور، وأتاحت الباب لمتطرفي الدين، ثم عدنا لنوع آخر من متطرفي 30 يونيو لا يرون غير أنفسهم، يكررون نظرية «الوكيل الرسمي»، لا يؤمنون بالتعدد والتنوع الطبيعي بعيدًا عن الصوت الواحد.

 

السياسة في بحر المزايدات الافتراضية

من علامات موت السياسة، العجز عن إدارة حوار حول أي قضية، واللجوء إلى الاتهامات وتشجيع الانقسام على حساب التفاهم.. يختلف أي اثنين في المناقشة ويسارع كل منهما إلى اتهام الطرف المختلف بأنه «لجنة»، يعني مؤجر لإعلان موقف تأييد أو معارضة.. لكن اللافت خلال سنوات سيادة السوشيال ميديا، هو الخلاف لدرجة الصدام والخصام بين أصدقاء أو معارف، يعرف كل منهما أنه ليس لجنة وإنما لديه وجهة نظر مختلفة، فى أى قضية قبل أو بعد موضوع الجزر «تيران وصنافير»، حيث رأيت شخصيًّا مناقشة بين اثنين يعرف كل منهما الآخر، وصل الخلاف بينهما إلى تبادل الشتائم وإلقاء الاتهامات بالخيانة، واتهم كل طرف الآخر بأنه «مغسول المخ» وبعد تبادل الاتهامات الثنائية والفردية، نزل عليهما هدوء واستعادا عقليهما وتصالحا على أن يحتفظ كل منهما برأيه، لكن بقيت قضية الاتهام بأن فلان»لجنة» واردة ومشهرة. ولجنة هو توصيف شاع على مواقع التواصل ، ويقصد به أعضاء اللجان الإلكترونية الموجهة أو المدفوعة لخدمة تيار أو جماعة.

أما عن اللجان فهي في جزء منها حقيقة وجزء مبالغ فيه، يتخذ البعض منه شماعة يطعن بها الطرف المخالف، وهو أمر يتعلق بما نراه شرخًا يعكس العجز عن إقامة حوار من دون شتائم، وهي خلافات مستمرة منذ سنوات، وصلت إلى الأمور العائلية حيث يختلف شقيقان أو صديقان فيختلفان ويتخاصمان بعد تبادل الاتهامات، مثلما تلقت الزوجة علقة من حماتها عندما تجرأت وحذفتها من قائمة «الفريندز» وطلبت الزوجة الطلاق، وها نحن نرى السياسة تقود لما هو أكبر من الطلاق.

قد تكون واقعة الزوجة والحماة هي التي وصلت للمحكمة، لكن مثلها كثير في السياسة تتجسد في اتهام كل طرف للآخر بأنه لجنة، ولا يريد كل طرف سوى أن يسمع صوته فقط ومعارفه، وهى صراعات تعكس عجزا عن المنطق وشيوعا واستسهالا للاتهامات والشتائم.

تعكس هذه الصراعات تحولات في النفسية واتساعا للمشاركة وتدفقا للمعلومات والآراء والأوراق والوثائق، التي تبقى محل نقاش ولا يمكن التعويل عليها لكون كل طرف يوظفها لصالح رأيه، والنتيجة أن أعمق النظريات الجيوسياسية والتحليلات أصبحت معروضة وأقلها يفتقد للمنطق وبعض الخلافات تدار على طريقة مباريات الكرة وليس بمنطق الحوار والأخذ والرد.

أما موضوع اللجان فهو يعكس غيابا للحوار، وسيادة لمنطق فردي لدى من يعرفون بعضهم ومع ذلك يسارع كل طرف باتهام الطرف الآخر، وبعضهم تخلى عن وقاره واندمج في المشتمة.، ولا نعرف إن كان التعصب انتقل من الرياضة للسياسة أم العكس، لكن الأمر كله ينقلنا إلى «موت» السياسة، وأزمة غياب للحوار مستمرة من سنوات تدفع نحو الاستقطاب وتحرم كل طرف من إعلان رأيه بالتأييد أو المعارضة، من دون أن يجد نفسه متهما، وهو ما يطلق عليه في السياسة المزايدة.. يختلف اثنان فيطلق كل منهما على الآخر «روح كده وإنت لجنة»، وفي كل الأحوال تختفي السياسة خلف المزايدات.

 

كاراكترات المعارضة.. وهيستيريا التأييد

ليس بالضرورة أن يكون المتحمسون للدفاع عن أي قضية أصحاب حق، ومع كامل التقدير لمشاعر كثيرين تغضبهم تصرفات أو آراء أشخاص مختلفين مع السياسات أو السلطة أو الرئيس؛ فإن الأمر يحتاج لترشيد يوقف هيستيريا ضارة بالدولة والصحة والسياسة.. ولعل مثال ما جرى من محمد جبريل ومعه وقبله اللاعب أحمد الميرغني وغيرهما، مجرد ردود أفعال عصبية، ومطالب بالوقف والمصادرة، بينما ينصرفون عن مواجهة جدية لقضايا الإرهاب والتنمية والتعليم والصحة.

قلنا إن محمد جبريل قارئ صوته حلو، ليس له آراء يعتد بها في السياسة أو الدين، وكل ما يشغله ليلة أو أكثر في نهايات رمضان ليؤم المصلين ممن يعجبهم البكاء الدرامي، قد يرى البعض أنه بما فعله في المرة الأخيرة من دعاء، سواء كان يقصد به مصر أو تركيا، فهو يوظف المناسبة توظيفًا استعراضيًّا، لكن كل هذا لا يحتمل ردود الفعل العصبية والاتهامات وقرارات غير مدروسة، وكان يمكن ترك الأمر للنقاش من دون قرارات عصبية مهزوزة.

وحتى في حالة كثير من الدعاة ورجال أعمال الدعوة، أصبحنا أمام ممثلين يقدمون أداءً الهدف منه الربح وليس الدعوة ولا الصالح العام.. وأمثال «وجدي» ومن على شاكلته أصبحوا مجرد كاراكترات يقدمون فقرات تمثيلية كلها شتائم وألفاظ خارجة، تبقى مجرد فقرات للتسلية على مواقع التواصل، ومعها رؤى وقصص وحواديت قيادات الفضائيات التركية.. كلها فقرات يتم ترويجها على مواقع التواصل، والهدف أن يكسب الكاراكترات.

يعني أننا أمام عمليات تسويق أو ترويج، تحتاج لمعاملة بالمثل، وهناك تحليلات وطرق للتعامل معها على مواقع التواصل من دون عصبية؛ لأن سلبيات العصبية أكثر من ميزاتها، ثم إن المواقف والقرارات العقابية المتعجلة غالبًا ما تضيّع الفرصة على نقاش وتفنيد الآراء والتصرفات، وتصنع أبطالا من مسوخ و«كاراكترات».

تمامًا مثل بعض أنصار البروباجندا مدعي المعارضة، مثلما هم مدعون في التأييد، بعضهم مشتاق يرى أنه مستبعد عن السلطة، وبعضهم يرى أنه بعيد عن الأضواء، فيخترع موقفا أو رأيا ليخلق حوله رد فعل، بل وبعضهم يقصد الظهور في صورة المعارض بحثا عن ردود لأفعال هيستيرية يعرفها ويتوقعها.

ومن هنا فإن السادة المتحمسين من دعاة «اهجم عليه» يفعلون نفس ما كان يفعله أنصار الجماعة في إعلامهم، من هيستيريا ودعوات تحريض ومصادرة وشتائم منفرة وضارة، ومن يفعلون هذا يظهرون الدولة في صورة ضعيفة، ويشوشون على قضايا حقيقية.. ينشغلون بفلان قال وعلان عاد، وهم «كاراكترات هيستيرية مؤيدة بلا عقل».

والحل ترك الآراء للآراء، و«دع مائة يوتيوب يتشير.. وما يبدأ في مواقع التواصل ينتهى فيها»، وعلى السادة المتحمسين أن يتفرغوا لما هو أهم.

 

    Dr.Randa
    Dr.Radwa