الجمعة 7 يونيو 2024

سما الرومي وأجنحة محمود سعيد

فن27-10-2020 | 20:37

هو نوع من أنواع الذكر عند متبعي الطريقة الصوفية. يسمى أحياناً رقص سماع، ويكون بالدوران حول النفس والتأمل الذي يقوم به من يسمون دراويش بهدف الوصول إلى مرحلة الكمال. أغلب ممارسي هذه الطقوس هم من أتباع الطريقة المولوية، ويهدفون إلى كبح شهوات النفس والرغبات الشخصية عبر الاستماع إلى الله والموسيقى والتفكر في الله والدوران حول النفس الذي أتى مفهومه من خلال دوران الكواكب حول الشمس.


المولوية: "الدراويش" هم الأتباع ويطلق عليهم  الدراويش. ويجب أن يصاحب أدائهم للرقص آيات وابتهالات من الذكر الحكيم. وكانت حلقات الذكر المولوية تقام في مساجد أنشئت خصيصاً لهذه الطريقة. يشارك الدراويش بإحياء المناسبات الدينية مثل ذكرى المولد النبوي، وليلة الإسراء والمعراج وغيرها من المناسبات الدينية، ولكل مناسبة من هذه المناسبات أناشيدها الخاصة بها وأدعيتها. وقد شارك في بعض منها شمس فريدلاندر الأستاذ في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومؤلف كتاب "دوامة الدراويش" عند زيارته إلى قونية ويعتبر من أبرز مريدي الطريقة المولوية.


الأزياء: التي يرتديها الدراويش الراقصون فهي ترمز لعناصر مختلفة في شكلها ولونها. فالأبيض يرمز للكفن، والأسود للقبر، أما القلنسوة اللباد فترمز إلى شاهدة القبر، والدورات الثلاث حول باحة الرقص ترمز إلى المراحل الثلاث في التقرب إلى الله وهي: العلم والرؤية والوصال.


مسيرة محمود سعيد

واسمي إن أخطأت اسمي

بخمسة أحرف أفقية التكوين لي

ميم المتيم والميتم والمتمم ما مضى

حاء الحديقة والحبيبة حيرتان وحسرتان

ميم المغامر والمعد المستعد لموته

الموعود منفيا مريض المشتهى

واو الوداع الوردة الوسطى

ولاء للولادة أينما وجدت ووعد الوالدين

دال الدليل الدرب دمعه

دارة درست ودوري يدللني ويدميني

وهذا الاسم لي ولأصدقائي أينما كانوا


تشعر أن محمود درويش وصف مع وصفه لذاته وصف محمود سعيد هنا في حضرة الفنان السكندري محمود سعيد لي قصة معه محببة لقلبي كنت طالبة في كلية الفنون الجميلة حين تحول قصره إلى متحف فسمح لمريديه من تقفي أثرة فرشاتة حامل الرسم الخاص به مرسمة وهنا لحظات يشعرها كل محب أن تمضي في صيرورة من تحب، وحين أعيد افتتاح متحف الكلية بقصر مظلوم باشا وكنت يوميا أصعد لأقف بإجلال أمام لوحة محمود سعيد المرأة النحاسية الملامح وهي ترتدي قميصا باللون الفيرميلم وأمامها تكوين لاثنتان من قلل ذوات الغطاء النحاسي المشع وقسمات وجهها السمراء التي لفحتها شمس الإسكندرية الملهمة مدينة الجن والملائكة البحر كان المعلم الأكبر حالة المد والجذر الاتصال الرهبة الاتساع الشفافية كلها معاني أكسبت إبداعية الاسترسال الانسيابي والعمق استمد فلسفته من البحر، فالبحر دائرة أبدية لا نهائية فظل يحمل سفينته ويرتحل به ليصل لمرفأ التعبيرية المصرية الخالصة في مشهدية آثرة يمتلك سعيد كنز من اللوحات فهو مصور الملامح الملهم المادي الروحي وجاء الربط بينه وبين رحلة التصوف في مصر لرسمه الكثير من مشاهد الوجد ورائعته لوحة الدروايش التي تمثل رقصة سما أو المولوية.


فنون العمارة والعمارة الداخلية والتصوير الزيتي والأزياء تتكامل لتمنحنا بانوراما سعيد الرحبه والموحية فقد صور نفسه في لوحة "الرسول" 1924 بعد تعافيه من التيفوئيد مما يخلق لنا عبر دارستنا اكتشاف البعد الروحي الذي جاء عبر مقامات العشق الحسي فإدراكه لنسب الجمال في الجسد أغراه بالبحث في حقيقية الجسد فأدرك الروح وسما بها إلي مقامات الوصول فجسدها في حركات ورمز لها بدرجات لونية وصورها في احتفالات ومنحها ذاتية في رسوم البروتريه.


مثلت الطقوس الروحية والشعائر الدينية بعدا مغايرا لمدرسته الفنية حيث تنوعت لوحاته بين الصلاة ،الذكر، المقرئ فى السرادق، التى جسدت حالة التصوف التى عاشت فيها ذاته. 


قراءة في "لوحة الصلاة": 


العشق كان قنديله ولعل تجليه في لوحة الصلاة يذكرني برابعة العدوية البصرية شهيدة العشق الإلهي التي ولدت في 714م وتوفت في 801م بالبصرة- العراق، أول من فتح لنا باب الحب الإلهي في التصوف الإسلامي "في ليلة تحكي رابعة رآها سيدها وهي تصلي وفوقها قنديل منير فتأثر برؤيتها وأعتقها وهكذا انتقلت رابعة من حياة عادية إلى حياة التصوف.


لوحة "الصلاة" محممود سعيد، متحف الفن الحديث، القاهرة 1934


القنديل ورمزيته في اللوحة الأجساد المنحنية للركوع الخلفية الأروقة ذات العقود القوطية وهي عنصر معماري يعتمد على نقطتي ارتكاز يربط بين طرفي بناء لذلك هو يعلو المداخل والحنايا النافذة ليربط بين طرفيه وينتمي العقد إلى الطرازالقوطي السائد في أواخر القرون الوسطى وبخاصة من منتصف القرن الثاني عشر الميلادي بباريس العاصمة التي تلقى دراسة فيها للقانون حيث أثرت فيه كلا من الحضارة المصرية القديمة أم الحضارات، والحضارة الأوروبية.


تمنحك بعدا رمزيا تجلى في اتحاد المصلين مع العقود المتتالية ليتحد الإنسان روحا، وجسدا في مكان العبادة  الذي يكسب اللوحة خلفية اللوحة الاستمرارية من خلال قيم المنظور الهندسي.


سعيد فنان تشكيلي مصري من مواليد الإسكندرية في 8 أبريل 1897، وتوفى في 8 أبريل 1964.مفارقة أن يكون الشهر الرابع واليوم الثامن تكرار يثير التأمل وللأرقام دلالات ورمزيات رقم 8 يرمز إلى الكرم الروحي والفكر الفلسفي لنعيد القراءة في كتاب سعيد الذهبي يعد من أوائل مؤسسي المدرسة المصرية الحديثة في الفنون التشكيلية. 


في عام 1919، حصل على ليسانس الحقوق الفرنسية، ووافق والده "محمد سعيد باشا رئيس وزراء مصر السابق" على سفره إلى باريس لاستكمال دراسته العليا للقانون فاغتنم هذه الفرصة حيث التحق بالقسم الحر بأكاديمية جراند شومبير لمدة عام ثم أكاديمية جوليان، وانشغل بتأمل ومشاهدة الثروات الفنية في متاحف باريس ومعارضها وبالقراءة حول تاريخ الفن في كل من إيطاليا وفرنسا وبريطانيا.


من أشهر أعماله ولوحاته: الدراويش ، الشادوف، المدينة، بنات بحري، بائع العرقسوس، بنت البلد، الشحاذ، ذات الرداء الأزرق، ذات الجدائل الذهبية، الخريف. ولوحة افتتاح قناة السويس التي تصور وتسجل الحدث التاريخي لافتتاح قناة السويس في عهد الخديو إسماعيل. كذلك قام برسم أشخاص من أفراد عائلته وأصدقائه فهناك صورة خالدة للملكة فريدة ملكة مصر، وهي في مراحل عمرها الأولى.


تترجم أعماله الجسد والحياة والتي رمز لها بالمرأة والروح والموت التي رمز لهما بالعبادة  والمناظر الطبيعية.


دراسة "لوحة الدراويش" 


الفكرة الفلسفية :


"الدراويش" حيث الحركة الدائرية، وحيث تذوب الشخوص وجدا في حب الله، والوصول إلى المطلق، فالدائرة ومفهومها للسمو وللوصول، حركة تؤكدها الظلال والنور، وما يساعد على ترسيخ الحركة اللانهائية هذه الطرابيش وامتدادها إلى أعلى لتحقيق الانسجام، وملامح الدراويش تذوب وتمحى وتتلاشى من أثر الوجد.


هي تجسيد لوني لرقصة سما أو المولوية نسبة لمولانا جلال الدين الرومي الذي حُفطت أشعاره، وتأملاته، وتُرجمت إلى عدد من اللغات حول العالم، ونُسبت إليه أقوال كثيرة، وأُلِّفت حوله الروايات.  تُرجمت كذلك إلى عدد من اللغات.


وصفت هيئة الإذاعة البريطانية «BBC»، عام 2007، في ذكرى ميلاد مولانا الـ800، بأنه أشهر شاعر في أمريكا.


وبين الشعر والرقص والموسيقى والرسم خطوط تموج بالعشق، بالفن، بالجمال، بالتأمل.


في أبريل 2010 بيعت لوحته " الدراويش" عن طريق صالة مزادات كريستيز العالمية بمبلغ 2.434 مليون دولار وفى وقت بيعها سجلت كأغلى لوحة رسمها فنان من الشرق الأوسط في العصر الحديث ورسمت هذه اللوحة في 1935.


لوحة الدراويش

فنجد أننا أمام أكثر من ستين عامًا من الحياة الزاخرة بالسفر والإبداع والفن والتجديد، لم يكن محمود سعيد متفرغًا فيها للفن تمامًا، وإنما ظل يعمل في سلك القضاء حتى عام 1947، حين قرر التخلي عن ذلك المنصب والتفرغ للفن بشكل كامل.


 إن الإسكندرية امتازت بالجمع بين المعاني التي ابتكرها فلاسفة أثينا، والمعاني والقيم الدينية من ناحية أخرى، والتوفيق والتلفيق بينهما، وتعتبر فلسفة الإسكندرية في نهاية هذا الخط الممتد من أفلاطون 


تم تكريم محمود سعيد على أكثر من مستوى، فنال ميدالية الشرف الذهبية في معرض باريس الدولي عام 1937، عن الجناح المصري، ثم منحته فرنسا وسام اللجيون دوبنر عام 1951، وفي عام 1960 كان أول فنان تشكيلي يحصل على جائزة الدولة التقديرية للفنون وتسلمها من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.


توفّيَ محمود سعيد في نفس اليوم الذي ولد فيه 8 أبريل عام 1964، بعد أن تَبَّرع بقصره الواقع في شارع محمد سعيد باشا، والمُسمّى باسم والده، في حي جناكليس بالإسكندرية إلى وزارة الثقافة التي خصصته قصرًا ثقافيًا يضم مجموعة من المتاحف الفنية ومنها متحف سيف وأدهم وانلي، ليُطلق عليه مركز "محمود سعيد للمتاحف" بالإسكندرية.


وصف توفيق الحكيم محمود سعيد في كتابة : "الفنان النابض بالحياة إما أن يكون متيقظ الحس إلى حد الوحشية أو متيقظ الروح إلى حد الصوفية، ومحمود سعيد جمع بين يقظة الحس ويقظة الروح معا".

نحط الرحال ونترك دواة القلم كلنا محبة لمعلمينا الروحيين اللذين أنارا لنا عتمة السير ومنحونا ذواتهما في رقصة سما ركعت أرواحنا في صلاة سعيد وترّقت ذواتنا في سما جلال الدين وعرفنا الله بعين اليقين نزلنا معهما المقامات وصعدنا معهما الدرجات وفينا تجسدت نورانية خلوتهما من الرياء ومحبتهما الخالصة الممتدة عبر الزمن المرتحلة في زوايا المكان أنسنا بهما وحشة الدنيا وعرفنا بهما لذة القرب من الله الواحد، وكما علمنا سيدنا إبراهيم الدسوقي نردد صلاة "الذات المحمدية" لتمنحنا السكينة في ما نمر به من مصاب كبير 

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى الذَّاتِ الْمُحَمَّدِيةِ اللَّطِيفَةِ الأَحَـِديَّةِ

شَمْسِ سَمَاءِ الأَسْرَارِ وَمَظْهَرِ الأَنْوَارِ

وَمَرْكَزِ مَدَارِ الْجَـلاَلِ وَقُطْبِ فَلَكِ الْجَمَـالِ

اَللَّهُمَّ بِسِـرِّهِ لَدَيْكَ وَبِسَـيْرِهِ إِلَيْكَ

آمِنْ خَوْفِى وَأَقِلْ عَثْرَتِى وَأَذْهِبْ حُزْنِى وَحِرْصِى

وَكُنْ لِى وَخُذْنِى إِلَيْكَ مِنِّى وَارْزُقْنِى الْفَنَاءَ عَنِّى

وَلاَ تَجْعَلْنِى مَفْتُوناً بِنَفْسِى مَحْجُوباً بِحِسِّى

وَاكْشِفْ لِى عَنْ كُلِّ سِرٍّ مَكْتُومٍ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ

"هكذا أود أن أموت في العشق الذي أكنه لك، كقطع سحب تذوب في ضوء الشمس"

الرومي