فى الفترة الأخيرة وما قبلها اضطررت لأكثر
من مرة للتعامل مع العديد من الخدمات الحكومية. وفى بعض جهات الخدمات الحكومية،
كثيرًا ما كنت أخرج غاضبًا لسوء الخدمة وطول الانتظار وسوء معاملة الموظفين
والزحام الذى لم يراع وباء فيروس كورونا بأى حال من الأحوال ودون أية إجراءات
احترازية.
لكن تحت الحاجة والاضطرار، كنت أتحمل مثل
أى مواطن.
لكن صباح السبت الماضى، لم أصدق نفسى حينما
ذهبت فى الثامنة إلى مجمع إصدار تراخيص المرور بالقاهرة الجديدة، والذى يقع فى التجمع
الثالث أو ما يطلق عليها تجاوزا منطقة القطامية، الذى يتولى إصدار تراخيص السيارات
الملاكى لمناطق القاهرة الجديدة ومصر الجديدة ومدينة نصر.
لم أصدق نفسى أنا وكل من يذهب إلى هناك
لترخيص سيارته سواء لأول مرة أو فى مرات متتالية.
لم أصدق نفسى على هذه السهولة منذ اللحظة
الأولى التى بدأنا فيها فحص السيارة وشراء الأدوات المفروضة على كل صاحب ترخيص أن يشتريها
من طفاية وشنطة إسعاف ومثلث فسفورى وخلافه.
وكانت المفاجأة الأكبر عندما دخلت مبنى
التراخيص فى الدور الأول، حيث إصدار التراخيص لساكنى التجمع الخامس، فلم أصدق ما رأيته
من السهولة فى الإجراءات، وعظمة النظام الذى يجعل كل من يذهب إلى هناك يلتزم به حبًا
وليس جبرًا.
فكثرة عدد الشبابيك التى تؤدى للخطوة الواحدة
من الخدمة وعدم وجود أية طوابير أو زحام، بل يحصل كل فرد على رقم، لتسمع رقم كل صاحب
دور بصوت جميل، وكأننا فى مطار القاهرة أو بنك يقدم الخدمات بأرفع وأفضل مستوى.
وفى كل مرحلة، متسع من المقاعد المريحة
لاستيعاب أكبر عدد من المنتظرين لأدوارهم.
مساحات شاسعة، والكل يجلس منتظرا وجها بشوشا
دون أى غضب ودون أى انفعال.
الخدمات تؤدى بسهولة والإرشادات واضحة ومكتوبة
بخط كبير، وهناك مكتب خاص لكبار السن، يصل الأمر فيه أن يقوم الموظف المختص بتوصيل
الملفات للموظف الذى يليه فى مكان آخر.
الضباط المسؤولون، كما رأيت يشرفون بأنفسهم
على تقديم الخدمات بسهولة، فلا تجد ضابطا فى مكتبه، الكل كما رأيت فى حالات تقديم الخدمات
للمواطنين.
فى كل دور، توجد ماكينات التصوير لتسهيل
تصوير أى مستند وفى كل دور مصلى كبير مفتوح مفروش بأفضل أنواع السجاد، وكذلك يوجد فى
كل دور كافيه، وعلى مدار الساعة ينشط موظفو الكافيه بين المترددين لبيع المياه والعصائر
والمشروبات الساخنة.
دفع الرسوم بالفيزا لمن يريد مقابل الحصول
على خفض ٥ فى المائة، والخدمات تقدم بسهولة وكل موظف يقوم بعمله مبتسمًا دون الحاجة
للحصول على أية منافع مالية، ليس لأن هناك كاميرات فى كل مكان، ولكن لأن هناك نظاما،
وأعتقد أن هذا النظام يضمن نظام حوافز وإثابة لهؤلاء الموظفين ولكل من يعمل داخل مجمع
إصدار تراخيص المرور التابع لوزارة الداخلية.
فى أقل من ثلاث ساعات حصلنا على رخصة السيارة
دون الحاجة إلى أى وسطة أو تدخل من أى رتبة فى الشرطة، فالنظام يسير بشكل طبيعى يحقق
الشفافية ويمنع أى تدخل من أول خطوة للحصول على الرقم الخاص بكل خطوة ونهاية بالحصول
على اللوحة المعدنية والرخصة ثم إلى الملصق الإلكترونى فى خارج المبنى.
بعد أن رأيت بنفسى مثل أى متردد على هذا
المجمع، تحول عدم التصديق إلى اليقين بأننا إذا أردنا فإننا نستطيع وما رأيته يؤكد
ويقول إن هذا من أجل احترام قيمة الإنسان المصرى ومكانته. وهذا يعكس إيمان اللواء محمود
توفيق وزير الداخلية بضرورة تحديث وتطوير الخدمات الجماهيرية التى تؤديها وزارة الداخلية.
خرجت وكلى أمل وتفاؤل بأننا نستطيع، وأن
هذا الذى رأيته فى مجمع إصدار تراخيص المرور بالقاهرة الجديدة، لابد أن يمتد إلى كافة
منافذ إصدار تراخيص المرور على مستوى الجمهورية، رغم التمنى فمن المؤكد أن هناك نماذج
مماثلة لمجمع إصدار تراخيص المرور فى القاهرة الجديدة.
ورغم ارتفاع الرسوم التى تنظمها القوانين
واللوائح وتذهب بالكامل لوزارة المالية، فإن حسن تقديم الخدمة وبشكل غير مسبوق قد أنسى
كل من يذهب إلى هناك زيادة هذه الرسوم، ليس لأنهم قادرون، ولكن لأن هناك مكانا مثل
هذا يشرف كل مصرى فى تقديم خدماته بشفافية كاملة ودون أى فساد.
ويبدو أن تطوير الخدمات الجماهيرية لكل
المصريين، أصبح عقيدة فى وزارة الداخلية مثل عقيدة التضحية ومواجهة الإرهاب، فقبلها
بأيام ذهبت إلى قسم التجمع الخامس لإصدار «صحيفة الحالة الجنائية» كنت خائفًا أن أمكث
ساعات وأن استلمه بعد عدة أيام، وخائفًا من حبر البصمات، فإذا بالمفاجأة، فى أقل من
١٥ دقيقة يتم إنهاء إجراءات الفيش ودون أحبار بل عبر وضع أصابع اليد على شاشة صغيرة
إلكترونية واستلام «الفيش» فى صباح ثانى يوم مباشرة وبالفعل حصلت على أسرع فيش وكنت
أسمع قبلها اذهب إلى إدارة الأدلة الجنائية بالعباسية لتحصل على «الفيش» فى أسرع وقت.
كذلك لا يختلف الحال فى بقية مراكز تقديم
الخدمات التابع لوزارة الداخلية سواء فى إصدار شهادات الميلاد أو إصدار الرقم القومى
أو شهادة القيد العائلى.
ورغم تطور الخدمات فى إصدار شهادة الميلاد
فى الحال وإصدار بطاقة الرقم القومى بعد أكثر من أسبوع والقيد العائلى بعد أسبوع من
منافذ التجمع الخامس والتجمع الأول، ورغم الاهتمام براحة المواطنين، كما الحال فى منفذ
قسم التجمع الأول، إلا أن هناك زحاما يستوجب زيادة المنافذ للقضاء على ظاهرة الطوابير
وزيادة عدد المنافذ بصفة عامة مثل النموذج الذهبى الذى شاهدناها فى مجمع إصدار تراخيص
المرور بالقاهرة الجديدة، أطالب بذلك لأن هناك زيادة فى الطلب على هذه الخدمات.
قبل أن أترك الحديث عن الخدمات الجماهيرية
التى تقدمها وزارة الداخلية، لابد أن أسجل حالة الانضباط الخاصة بارتداء الكمامات لكافة
المترددين وكافة الموظفين وكافة الضباط وأمناء الشرطة والجنود، على النقيض من ذلك،
ما يحدث يوميًا فى مكاتب التأمينات التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى.
وأسجل ذلك من خلال ما رأيته بنفسى للعذاب
اليومى للمواطنين فى تلك المكاتب.
ذهبت خلال الأسبوع الماضى للحصول على مستند
يخص الرقم التأمينى لأول مرة، من مكتب التأمينات فى مساكن رابعة فى منطقة النزهة.
دخلت إلى المكتب، فإذا بطوابير وزحام فى
ظل أزمة كورونا ودون ضوابط لارتداء الكمامات، من شدة الزحام ذهبت إلى مدير المكتب للسؤال
عن سر هذا الزحام، قال «السيستم كان واقع»، وكان أن وقفت فى الطابور وبعد ساعة من الزحام
الخطر فى ظل أزمة كورونا، وبعد أن تنفست الصعداء من وصولى إلى الشباك، إذا بالموظف
يقول لى «أنت مش هنا اذهب إلى مدينة نصر ٢» بجوار مدرسة المنهل فى الحى الثامن أو المنطقة
التاسعة.
ذهبت فى الحال إلى مكتب «تأمينات مدينة
نصر ٢» فإذا بى أجد مشكلة أخرى وهى زحام يومى كما عرفت لأكثر من ٥٠٠ متردد يوميًا،
على مكتب موظف واحد تقريبًا.
بالطبع طوابير طوابير، وكعادة المصريين،
وكما يحدث فى كل مكان هذا يفتقد إلى النظام يذهب البعض من الساعة السابعة صباحًا ليحجز
دوره، ويقوم المترددون ذاتيًا بتسجيل أسمائهم حسب الحضور، ويتطوع مواطن بذلك حتى يأتى
دوره فيسلم الكشف إلى مواطن آخر، يقوم بالمناداة على الأسماء، أى أنه أصبحت عادة، يقوم
المترددون بتنظيم أنفسهم ذاتيًا.
وكان أن دخلت وسط الناس وتعايش الجميع فى
حكايات وحكايات ما بين الحزن ورفض هذا الأسلوب.
وما إن جاء الدور الخاص بى، طلب منى الموظف
تسليم شهادة الميلاد للحصول على الرقم التأمينى لأول مرة والمجىء فى اليوم بعد التالى
لاستلام الرقم التأمينى وذهبت مبكرًا جدًا لأحجز دورا فى اليوم الذى طلبه الموظف المسؤول،
وسجلت اسمى وفقًا لحالة التنظيم الذاتى وسط زحام مخيف، عرفت أنه يحدث يوميًا، خاصة
أنه لا يوجد مكتب تأمينات فى القاهرة الجديدة للذهاب إليه.
وبعد أكثر من ساعة وصلت إلى الشباك وكانت
المفاجأة التى حدثت وتحدث لغيرى أن قال الموظف «فوت علينا بكرة» الرقم لم ينزل، انفجرت
فى صوت عال إلى أقصى درجة، واتصلت بالمسؤول الإعلامى فى مكتب رئيس صندوق التأمينات،
كان رده مؤدبًا: تعالى شارع الألفى وسنقوم بإصدار الرقم فى دقائق لكم.
فكان أن رفضت وذهبت إلى مدير المكتب الذى
يعمل للأمانة مثل أى موظف ووفقًا لما هو متاح وبناء على النظام الذى يتسم بالخلل فى
كل المكاتب، لأنه لا يوجد نظام فى الأصل تؤمن به الوزيرة المسؤولة سواء السابقة أو
الحالية، أو حتى رئيس الصندوق القومى للتأمينات سواء السابق أو الحالى.
وكان أن سمعت أنه لا يوجد موظفون كافون
لأداء الخدمة، خاصة مع وقف التعيينات فى الجهاز الحكومى.
المهم، اضطر المدير إلى إصدار الوثيقة الخاصة
بالرقم التأمينى المطلوب، وتركت المكتب والزحام والعذاب اليومى يتكرر.
ما رأيته كان مجرد لقطة، لن تتكرر لكن المسؤول
عن ذلك يعرف ذلك ولا يتحرك ولا يعالج.
والمعاناة يومية وسوف تستمر، ولا حل ولا
حديث سوى أنه ولا توجد إمكانيات والأعداد تتزايد والعذاب يتواصل ولا حل سوى فى «الرقمنة»
رقمنة كافة الخدمات الحكومية رغم ذلك لم أقتنع، رغم أن الرقمنة قادمة قادمة.
ولكن الأمر يتعلق بعدم الاهتمام فى مكاتب
التأمينات التى قبلت أن تتعايش فى حالة اللا نظام وتعذيب الناس رغم ضخامة الأموال التى
يحصلون عليها فى أشكال مختلفة من المتعاملين معهم.
نفس الشىء يتكرر، فى الشهر العقارى إلى
حد كبير فى الزحام وطول فترة الانتظار.
فى سنوات سابقة، كما كنت أرى فى مكاتب فى
الشهر العقارى بمدينة نصر، ليس الزحام فقط واللانظام ولكن البدائية فى العمل، البدائية
التى تستمر حتى الآن فى حين أن كل دول العالم تقدمت فى رقمنة التسجيل وأعمال الخدمات
الحكومية، إلا أن أسلوب العمل فى الشهر العقارى لا يزال يتم بالبصمة والحبر الأزرق
وتسجيل البيانات والتوقيع فى دفتر التسجيل بشكل مكتوب.
نعم هناك تطور فى بعض المكاتب والحصول على
أرقام، لكن العمل فى الشهر العقارى بذات الأساليب البدائية، لا يزال يطيل فترة الإجراءات.
ليس هذا فقط، بل ويؤدى إلى وجود سهولة فى
حالة من الفساد فى بعض الحالات.
لم أتحدث عن مكتب الشهر العقارى الذى يقولون
عنه إنه نموذجى فى نهاية شارع التسعين بالتجمع الخامس، ولكن سوف أتحدث عما رأيت عندما
ذهبت إلى الشهر العقارى مؤخرًا بنادى الزهور فى التجمع الخامس أى تقديم الخدمة لأعداد
محدودة من أعضاء النادي، والمفروض أن تتم سريعًا.
لكن هذا لم يحدث، وذهبت مبكرًا لكى أحصل
على رقم «٣٤» لأن الموظف يقوم بتقديم الخدمة لنحو ٤٠ شخصًا يوميًا.
وكان أن انتظرت من الساعة الثامنة والنصف
صباحًا حتى الثانية ظهرًا حتى انتهيت من عمل توكيل بيع سيارة وسألت.. لماذا كل هذا
التأخير؟
قالوا.. لا يوجد سوى موظف واحد على الشباك،
لأن هناك عجزا كبيرا فى موظفى الشهر العقارى.
لكن الأخطر هو بدائية العمل فى الشهر العقارى
والذى لم يتغير ولم يتطور منذ إنشائه فى مصر ولا يزال لم يعرف التطوير أو العمل بالكمبيوتر،
وإنما بالتوقيع المطلوب فقط لأن الدفتر الذى يتم التوقيع فيه من صاحب توكيل يتم فى
دفتر ضخم جدًا صعب تحريكه، وكما يقولون لا بديل فى التطوير سوى «بالرقمنة».
ولا يختلف الحال كثيرًا كما رأيت عن بدائية
العمل فى الضرائب العقارية أيضًا.
وكأنهم لا يعرفون الكمبيوتر ولا يسمعون
عنه ولا يعرفون التطوير ولا يعرفون أى نظام حديث، ولا يزالون يعملون بذات الأساليب
التى بدأت ربما قبل أكثر من مائة عام دون أى تطوير.
والنتيجة رغم أنهم مسؤولون عن تحصيل المليارات
الآن، إلا أنهم لا يعرفون سوى العمل والتسجيل فى الدفاتر الورقية، والنتيجة طول الإجراءات
بشكل قاتل، وبشكل يؤدى إلى تأخير مستحقات الدولة إلى سنوات وسنوات.
لم أتكلم عن نوعية الموظفين التى أفنت عمرها
فى التعامل مع أفرخ الكربون وكأنه لا يوجد أى تقدم من حولنا فى إصدار إيصالات الدفع
أو التحصيل بالفيزا.
وأعتقد أن ما تشهده الضرائب العقارية يحتم
أن نطالب الدكتور محمد معيط وزير المالية بالعمل على تطوير مصلحة الضرائب العقارية
التى تعد نقطة سوداء فى هذا الكيان وفى وزارة المالية التى تقوم بتحصيل مئات المليارات.
أشياء كثيرة رأيتها فى الضرائب العقارية
ورآها غيرى، لكن من الصعب أن أكتبها فى هذا المقال سوى أن البيروقراطية تعشش فى الضرائب
العقارية.
وإذا كنت قد استعرضت فى هذا المقال صورا
من الواقع وليس خيالات.. وكل هذا يتبع حكومة واحدة، فلماذا حدث تطور كبير فى الخدمات
الجماهيرية التى تقدمها وزارة الداخلية ولم يحصل فى أماكن أخرى كما بينت، فى التأمينات
والشهر العقارى والضرائب العقارية.. وغيرها لم أتعرض له فى هذا المقال.
ورغم هذا السؤال، فإن الإجابة الحاسمة التى
ذكرها لى أكثر من مسؤول أن الحل فى «رقمنة» كل الخدمات والأعمال الحكومية، وهذا هو
المشروع الضخم الذى يقوم به الرئيس عبدالفتاح السيسى الآن، وسوف ينقل مصر إلى مستوى
آخر أكثر تقدما تطورا وإلى آفاق جديدة، تؤدى إلى المزيد من تحسين الخدمات الجماهيرية
واحترام المواطن المصرى وإلى تحقيق الشفافية وإلى القضاء على الفساد فى تقديم تلك الخدمات،
ولذلك فلابد أن ندعم السير فى إنجاز هذا المشروع لأنه فى النهاية لصالح المواطن.