الأربعاء 3 يوليو 2024

احذروا خطر الموجة الثانية لـ«كورونا»

29-10-2020 | 10:20

تساؤلات عديدة تتردد خلال الفترة الأخيرة حول الموجة الثانية لفيروس كورونا المستجد، سواء ما يتعلق بموعد الموجة المرتقب وهل بدأت أم ما زلنا فى الموجة الأولى؟، طبيعة الموجة وهل ستكون أعنف أم أضعف من الأولى؟، أو حتى ما يتعلق بطبيعة تعامل المواطنين مع الوضع الحالى، ففى الوقت الذى تتردد فيه مثل هذه التساؤلات نجد على النقيض حالة من التراجع فى الالتزام بإجراءات الوقاية من ارتداء الكمامة أو التباعد الاجتماعى من قبل الكثيرين بحيث أصبح ارتداؤها الاستثناء وليس القاعدة..

وفق تصريحات الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، فإن إدارة أزمة فيروس كورونا المستجد فى مصر كانت الأمثل بين دول إقليم شرق المتوسط، مؤكدة أن مصر على أتم الاستعداد لمواجهة أى موجة ثانية لفيروس كورونا المستجد )كوفيد (١٩- نتيجة الخبرات المتراكمة والدروس المستفادة من الموجة الأولى، وأن إدارة جائحة فيروس كورونا فى مصر إدارة الدولة مجتمعة من خلال لجنة الأزمات واللجنة الطبية برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وبالتعاون بين جميع مؤسسات الدولة.

وزيرة الصحة أكدت أيضا استعداد الوزارة لاستقبال فصل الشتاء، وأنه تم تطوير أكثر من ٤٥ مستشفى ضمن مستشفيات الحميات والصدر على مستوى الجمهورية، وجار تطوير باقى المستشفيات، وأن تلك المستشفيات كانت حائط الصد الأول بالتعاون مع مستشفيات العزل لمواجهة الجائحة، مشيرة إلى زيادة قدرة المعامل لـ٦١ معملًا على مستوى الجمهورية بقدرة تشغيلية حوالى ٣٠ ألف عينة يوميًا، كما تم زيادة المقاعد بالخط الساخن من ٥٠٠ إلى ٨٠٠ مقعد باللغتين العربية والإنجليزية، لسرعة الاستجابة والرد على استفسارات وبلاغات المواطنين بشأن فيروس كورونا.

الدكتور أحمد شوقى محمد، أستاذ أمراض الصدر بكلية الطب بجامعة طنطا، مدير مستشفى الصدر الجامعى، عضو اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا المستجد بوزارة الصحة يرى أن بداية الوضع الحالى فى مصر مقارنة بالفترة السابقة، ومقارنة بدول العالم، مستقر إلى حد كبير جدا، معدل انتشار ثابت تقريبا لأكثر من أربعة أو خمسة أسابيع، ثبات تقريبى لعدد الإصابات المعلنة من قبل وزارة الصحة، وفى حال حدوث تغيير فى المعدل يكون للأفضل بنقص عدد الحالات يوميا مع ثبات معدل الوفيات، ونسبة الوفيات إلى الإصابات أصبحت أفضل من المعدلات العالمية، والدليل الواقعى هو نسبة الإشغال بمستشفيات العزل على مستوى الجمهورية، فنسبة الإشغال حاليا أقل من ١٥ أو ١٠ فى المائة.

بالنسبة لمدى التزام المواطنين قال د.أحمد: أثناء ذروة الإصابة كان الالتزام فى أعلى درجاته، وكان لذلك مردود جيد فى استقرار الوضع الحالى، لكن بنقص الحالات الجديدة التى كانت نتيجة منظومة متكاملة من إجراءات حكومية وإجراءات علمية وإجراءات على مستوى الفرد، فحدوث هذا النقص ونجاح المواجهة أعطى إحساسا للمواطن بانتهاء الحرب مع الفيروس وأن المواجهة انتهت وهذا غير صحيح فالمواجهة ما زالت مستمرة، خاصة مع كل هذه الإجراءات والالتزام لأكثر من أربعة أشهر من البقاء فى المنزل والتباعد الاجتماعى وعدم رؤية الأهل وقلة اللقاءات مع الأصدقاء، كل هذا أحدث نوعا من الضغوط النفسية الناتجة عن هذه الإجراءات مع طول الفترة الزمنية، وانتهى هذا الضغط بما نراه الآن حاليا من عدم التزام الكثير من المواطنين بارتداء الكمامة وأصبحت مجرد شكل رمزى ويرتديها بشكل متقطع وشكل ظاهرى عند أداء أى مصلحة من أى مؤسسة أو لدخول مصلحة حكومية وهكذا، فللأسف لم نعد نرى الكمامة كما كنا نراها من قبل، ولا الالتزام بالتطهير بالكحول، ورأينا المصايف وحفلات الأفراح وتبادل الزيارات والمجاملات وغيرها من التصرفات الحياتية غير المقبولة حاليا، فلا بد أن يعى المواطن أن نجاح المواجهة أو منع انتشار أى فيروس فى الوقت الحالى هو مهمة مجتمعية من الدرجة الأولى.

وأضاف: «ما زلنا فى الموجة الأولى، لأنه لا يوجد زيادة فى أعداد الحالات اليومية المعلنة من قبل وزارة الصحة بشكل صارخ أو مضاعف أو تصاعدى، وبالتالى فالوضع مستقر، لكن طالما توجد حالات إصابة جديدة يومية، وطالما لا يوجد لقاح فعال، وقرب فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة وتوقع زيادة حدوث نزلات البرد والأنفلونزا واحتقان الجهاز التنفسى العلوى، وحدوث انتكاسات حادة لمرضى الجهاز التنفسى المزمنين، وما نراه يحدث فى دول العالم، كل هذا يجعلنا نتوقع حدوث موجة ثانية، مع بداية فصل الشتاء قد تكون أقل، وقد تكون أعلى من الموجة وهذا من المستحيل توقعه.

الاستعداد للموجة الثانية بحسب د. أحمد شوقى بدأ منذ انتهاء ذروة الموجة الأولى، ويتم العمل على الهدف الأول كمرض فيروسى بإنهاء الموجة الأولى، بتطبيق البرتوكول العلاجى لحالات الإصابة، وتطبيق العزل للمريض سواء عزلا منزليا أو داخل مستشفيات العزل، التشديد على كل الإجراءات الاحترازية وأهميتها، التوعية الصحية، ضرورة التطعيم بلقاح الأنفلونزا ومنذ منتصف سبتمبر بدأ إعطاء لقاح الأنفلونزا خاصة للمجموعات عالية الخطورة أو المهددة بالإصابة مثل كبار السن، أصحاب الأمراض المزمنة، السيدات الحوامل، من يتعرضون لخطر الإصابة نتيجة طبيعة عملهم مثل العاملين فى القطاع الطبى، الشرطى، القضائى، الاستعداد من خلال المتابعة اليومية والرصد الجاد للحالات لتصعيد الإجراءات الاستباقية فى حال حدوث زيادة فى الأعداد تحسبا للموجة الثانية.

مضيفا أن “برتوكول العلاج المصرى من أقوى برتوكولات العلاج العالمية، والناجحة بدليل الوضع الحالى والنجاح الذى يتحقق على أرض الواقع، واللجنة العلمية دائمة الانعقاد بوزارة الصحة منذ بداية الجائحة، وخلال الفترة الأخيرة نقوم بعمل تغييرات وتعديلات بالخطة العلاجية للفترة المقبلة وإجراء ما يلزم من تعديلات، سواء كانت مرتبطة بظهور أدوية جديدة فى مواجهة الفيروس، أو بعض الجرعات، وتعديل توقيت إعطاء بعض الأدوية، وهذه التعديلات مبنية على التجربة الفعلية على أرض الواقع وما تم اكتسابه من خبرات خلال الموجة الأولى، وما استلزمه ذلك من تنظيم دورات تدريبية للأطباء المنوطين بالمواجهة خلال الفترة المقبلة».

وعن اللقاح المنتظر قال الدكتور أحمد “فى فترة حدوث الأمراض لا أهتم كثيرا باللقاح قدر الاهتمام بالاحتياج لدواء فعال أكثر منه لقاحا للوقاية، فما زالت كل اللقاحات فى مرحلة التجارب ولا مانع من دخول أمور سياسية وصراعات دول وضغوط سياسية ما، اللقاحات فى التجارب المعملية منها ما وصل لمرحلة التجارب السريرية، هناك بعض الأمور المبشرة فى بعض الأنواع، خاصة النوع الصينى الذى تعاقدت عليه مصر، وتجرى التجارب عليه حاليا، وبشكل عام اللقاحات كلها فى مرحلة التجارب وبالتالى لا يمكن الإدلاء مبكرا ومن المتوقع ظهور اللقاحات فى الربع الأول من العام المقبل، لذا لا بد أن يعرف المواطنون أهمية الالتزام بالإجراءات الاحترازية، ففى هذه المرحلة تعد الكمامة مثلها مثل اللقاح وهى السلاح الأهم حاليا مع التباعد الاجتماعى».

الدكتور فايد عطية، أستاذ مساعد الفيروسات الطبية والمناعة بمدينة الأبحاث العلمية بالإسكندرية، قال “إن الإصابات بدأت ترتفع فى دول العالم، وبشكل ملحوظ فى دول أمريكا وأوربا، وبدأت دول تتخذ إجراءات احترازية أكثر من ذى قبل مثل فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وأمريكا، وهذا الوضع لم يكن موجودا فى الفترة من شهر يونيو حتى أوائل سبتمبر، لكن منذ منتصف سبتمبر بدأت الأعداد تتزايد مرة أخرى وتتصاعد بشكل ملحوظ كإصابات ووفيات، ورغم هذا الوضع ما زلنا فى الموجة الأولى فى معظم دول العالم، فالقول بأنها موجة ثانية يكون عندما تسجل دولة معينة أو مكان معين صفر إصابات ويظل فى حالة الصفر هذه لمدة ١٥ يوما، ثم تبدأ تسجيل حالات بشكل متزايد وملحوظ مرة أخرى، هنا تسمى موجة ثانية، لكن طالما لم تصل الدولة لحالة الصفر لمدة أسبوعين أو ثلاثة فمعنى هذا أن الموجة الأولى لم تنته وتكون الدول فى مرحلة توابع وتبعات الموجة الأولى.”

مضيفا “ما حدث أنه مع بداية الجائحة منذ يناير وبدأت الأعداد تتزايد ومع تزايد حالات الإصابة والوفيات، بدأت الدول تتخذ إجراءات احترازية ورقابية ووقاية أكثر وإجراءات تباعد اجتماعى، فبدأت الأعداد تقل بالتدريج، وهذا حدث فى عدد من الدول، ومع تناقص الأعداد بالتدريج بدأت الدول بعد وقت معين وتحت الضغوط الاقتصادية تفتح تدريجيا حتى فتحت معظم الدول بشكل كامل تقريبا، وعادت الحياة لطبيعتها تقريبا، هذا فى ظل وجود الوباء وعدم انتهائه، فمازلنا فى الموجة الأولى والصعود فى الإصابات نتيجة الاختلاط مرة أخرى وعدم التباعد الاجتماعى وعودة معظم الأنشطة الاقتصادية والرياضية والثقافية».

الموجة الثانية بحسب د.فايد تحدث عند التوقف عن تسجيل إصابات لمدة ١٥ يوما ثم العودة للتسجيل بأعداد كبيرة، هذا الوضع متوقع حدوثه لأننا فى فترة الخريف ثم الشتاء، فهذه الفترة من فصول السنة بيئة خصبة لنشاط الفيروس أكثر وانتشار أكثر، الأمر الثانى هو عدم التعرض للشمس لفترة وكذلك انخفاض فى درجات الحرارة فى معظم دول العالم وهذا وضع ملائم لانتشار الفيروس، بالإضافة إلى أن مناعة الجسم تكون أقل كفاءة نوعا ما فى الشتاء عنه فى الصيف، هذا هو التخوف الموجود الفترة المقبلة على مستوى العالم كله، فهناك دول تكاد تكون قاربت على الموجة الثانية من حيث قلة الأعداد، ووارد خلال الفترة المقبلة تزايد الأعداد بها بشكل ملحوظ، ووارد بسبب الخريف والشتاء، وارد مع المدارس والجامعات والاختلاط، وارد أيضا مع عدم الوعى بالإجراءات الاحترازية، كل هذه عوامل تزيد احتمالية الموجة الثانية وبشكل قد يكون أعنف من الموجة الأولى، هذا الوضع ينطبق على مصر ومعظم دول العالم، والنماذج هنا كثيرة منها إيطاليا كان المنحنى بدأ يستقر فى نهاية يونيو وأغسطس وفرنسا وألمانيا ولكن منذ أسبوعين بدأنا نسمع عودتها لتسجيل أعداد إصابات بشكل عال، الوضع فى مصر حتى الآن شبه مستقر، ولكن بدأنا ملاحظة تزايد للإصابات مرة أخرى.

مضيفا «المعادلة هنا قلة وعى، تقليل إجراءات احترازية، قلة وقاية يقابلها زيادة فى الأعداد، فهذا ألف باء أمراض وأوبئة، نتيجة التحورات الجينية والطفرات الوراثية التى يقوم بها الفيروس فهو من عائلة كثيرة الطفرات الجينية، تحاول المقاومة لآخر وقت، تحاول تغيير شكلها بشكل أعنف وأشرس وتتكاثر بشكل أكبر، وهذا من التحديات، أيضا من تحديات الموجة الثانية التحدى الاقتصادى، فالاقتصاد فى كل دول العالم تأثر بشكل واضح بسبب الجائحة ومصر من بين الدول التى تأثرت سلبا، فالتحديات لدينا فى الموجة الثانية كثيرة فى مصر، خاصة أنها متوقع حدوثها فى الشتاء مع انخفاض درجات الحرارة وتكون بزيادة عددية كبيرة، التحدى الثانى هو الطاقة الاستيعابية للمستشفيات وأن تكون على قدر من الكفاءة لاستيعاب الأعداد، التحدى الأكبر هو أنه حتى الآن لا يوجد لقاح للوقاية، أيضا لا يوجد علاج نهائى وقاطع للفيروس، أيضا من الممكن أن يحدث الفيروس تطورات وتحورات جينية تجعل إصابته فى الموجة الثانية أعنف من الموجة الأولى، فالدول ومنها مصر أمام صراع قائم منذ بداية الوباء وهو الميزان بين الصحة والاقتصاد وكيف أحقق التوازن بين الحفاظ على صحة المواطنين وتقليل الأعداد وتناقص الوباء، وفى نفس الوقت لا أحدث خللا أو ضررا اقتصاديا للدولة وللمواطنين وهذا معادلة صعبة جدا، فبالنسبة للأوبئة أو الفيروسات وموجاتها، فما حدث فى الأنفلونزا الإسبانية فى ١٩١٨-١٩٢٠ الموجة الثانية كانت أعنف من الموجة الأولى، والموجة الثالثة كانت أعنف من الأولى والثانية ونأمل ألا يحدث ذلك مع الموجة الثانية لفيروس كورونا المستجد، فمن الوارد أن يكون الفيروس أشرس فى الموجة الثانية ومن الوارد أيضا أن يكون أضعف، الاحتمالان قائمان ولكن علماء الفيروسات والأوبئة يرجحون أنه فى الموجات المتتابعة لأول موجة تكون أعنف لأن الفيروس يريد البقاء فيحدث تحورا وطفرات، فالصراع هنا من أجل البقاء.

المطلوب تحسبا لموجة ثانية، بحسب د.فايد، هو اتخاذ الإجراءات الاحترازية من التباعد الاجتماعى وارتداء الكمامة، التعقيم والتطهير، البعد عن الأماكن المزدحمة قدر الإمكان، التغذية السليمة والحفاظ على كفاءة الجهاز المناعى، فعلى المواطنين الحذر وحماية أنفسهم وأسرهم قدر الإمكان من خلال اتباع هذه الإجراءات التى نلحظ تكاسل البعض وعدم التزام البعض بها خلال الفترة القليلة الماضية، وهنا لا بد أيضا لإجراءات من الدولة لتعيد التزام المواطنين بهذه الإجراءات، لأنه للأسف تبين أن الكثيرين لا يلتزمون بشكل تطوعى ولكن بشكل إجباري، فهى مجموعة بنود تبدأ بإجراءات دولة ملزمة ووعى دولة، ثقافة ووعى مواطنين، بهما يمكن تخطى موجة ثانية وثالثة.