الأربعاء 26 يونيو 2024

شرخ ١٩٦٧.. وشروخ ١٩٧٣

29-10-2020 | 11:21

العنوان في المعركة الماضية التي وقعت بيننا وبين إسرائيل سنة ١٩٦٧، كنا نتحدث عن الشرخ الذى حدث يومئذ.

وكان الشرخ يومئذ هنا.. في مصر.. وفى الصف العربي أيضا.

أما فى معركة اليوم، فماذا حدث؟

لقد حدث شرخ.. بل عدة شروخ.

ولكن أيا منها لم يكن هنا.. لا فى مصر، ولا في الصف العربى.

الذى حدث هنا هو العكس تماما.

تماسك رائع في مصر، وتماسك أكثر روعة فى الصف العربي.

وتعاطف قوى مع القضية العربية فى القارة الإفريقية، وفى دول عدم الانحياز، وفى الرأي العام العالمي، انتهى إلى إجماع كامل فى مجلس الأمن على ضرورة وضع حد لحالة اللا سلم واللا حرب فى ميدان الشرق الأوسط، على أساس الحل الذى يطرحه القرار رقم ٢٤٢، والذى يقضى - أول ما يقضى- بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في عدوان سنة ١٩٦٧.

أما الشروخ التي حدثت هذه المرة، فعلينا أن نسجلها للتاريخ:

شرخ فى إسرائيل.. بدأ بانهيار خط بارليف الخط الذى أنفقت عليه إسرائيل مئات الملايين من الدولارات، واعتقدت أنه يحميها إلى الأبد من الطوفان المصري، فإذا هو يتهاوى تحت موجات هذا الطوفان فى ست ساعات، وتتهاوى معه أسطورة الجيش الذى لا يغلب وتتفق آراء المعلقين السياسيين والعسكريين فى العالم كله- وفى إسرائيل أيضًا- على أن مستقبل الجنرال موشيه ديان قد انتهى إلى الأبد، وتعلو فى إسرائيل ذاتها أصوات مسؤولة تطالب بعزله، ومحاسبته على خطأ حساباته بالنسبة لطاقة القوات المصرية المسلحة ومقدرتها على استيعاب أساليب الحرب الإلكترونية ويبلغ ارتفاع هذه الأصوات إلى درجة استقالة وزير العدل الإسرائيلي.

يضاف إلى هذا، الشرخ الكبير الذى حدث فى علاقات إسرائيل بالدول الإفريقية فى الآونة الأخيرة، والذى انتهى إلى قيام خمس وعشرين دولة إفريقية بقطع علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل، بسبب عدم انسحابها من الأراضي العربية وتسوية قضية فلسطين.

وشرخ آخر فى سياسة الوفاق بين الدولتين العظميين، أو بين «الجبارين" كما تسميهما بعض الإذاعات الغربية.

ولقد ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تحقيق هذا الوفاق لعامين كاملين، توصل الجباران خلالهما إلى عقد كثير من الصفقات، حتى لقد بدا لنا وللعالم كله، فى بعض اللحظات، أن الفودكا والكوكا كولا- على حد تعبير الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة- قد أصبحا شرابين ممتزجين..

ولكن حينما تحركت معركة الشرق الأوسط.. أوشك وفاق العامين أن يذهب فى ساعتين، وتأهبت قوات حلف وارسو من ناحية، وقوات البنتاجون من الناحية الأخرى، تأهبا وضع العالم فى لحظة من اللحظات على فوهة بركان نووى ينذر بفناء البشرية.

وشرخ ثالث فى حلف شمال الأطلنطي.. حين رفضت دول غرب أوربا أن تسخر قواعدها لنقل العتاد الأمريكي إلى إسرائيل لمحاربة العرب.. وحين غضبت هذه الدول - وهى شريكة لأمريكا فى الحلف- لأن أمريكا أعلنت حالة التأهب بين قواتها فى جميع قواعدها فى غرب أوربا، دون أن تستشير الدول التى تقوم هذه القواعد على أرضها.

ولا شك أن دول غرب أوربا - إن لم تكن قد قدرت عدالة القضية العربية- فقد قدرت، على الأقل- فاعلية سلاح الطاقة الذى يملكه العرب، والذى يستطيع أن يسدل عليها ستائر الإظلام، ويرعد فرائضها من البرد، ويوقف عجلات الصناعة فيها، لو إنها وقفت ضد الحق العربي، نزولا على إرادة أمريكا التي لن تستطيع أن تمدها بهذه الطاقة، لأنها هى الأخرى تستوردها من المنطقة العربية وأوربا الغربية ليست على استعداد للتضحية بنفسها وشعوبها من أجل سواد عيون المستر نيكسون.

بقيت كلمة واحدة..

بقى أن يعرف العرب من هم، وأين هم..

بقى أن يستعرض العرب وقفتهم الأخيرة الرائعة، التى أحسوا خلالها أنهم أمة واحدة، ذات رسالة خالدة، وأنهم استطاعوا حينما أحسوا أنهم أمة واحدة، وليسوا دولا متفرقة وأنظمة متباينة وزعامات متنافرة، أن يهزوا محور الأرض، ويقوضوا قوى الشر، ويمحوا أسطورة الأساطير، ويصنعوا هذه الشروخ فى أجساد العمالقة..

اليوم، يستطيع كل منا أن يذهب مزهوا إلى كل مكان فى الوجود، ويقول وهو مرفوع الرأس: أنا عربي !