السبت 8 يونيو 2024

تدهور الاقتصاد يهدد إيران بالشيخوخة

29-10-2020 | 12:30

ربما يكون عام ٢٠٢٠ هو أسوأ عام تشهده إيران على الإطلاق فى ظل الأزمات المتلاحقة التى تتعرض لها من تفشى فيروس كورونا وعقوبات أمريكية خانقة وتراجع فى أسعار النفط كان لها جميعا تداعيات وخيمة على الاقتصاد فى إيران. تدهور الاقتصاد كان له دوره فى التأثير على حياة المواطن الإيرانى ودفعه للعزوف عن الزواج والإنجاب والذى فجر أخطر مشكلة يمكن أن تواجهها البلاد بالاقتراب من الشيخوخة والتحول إلى مجتمع هرم.

للعام الرابع على التوالى يسجل النمو السكاني رقما سلبيا فى إيران ويصل معدل المواليد لأدنى مستوياته. وقد حذرت السلطات الإيرانية من أن معدل النمو السكاني قد انخفض إلى أقل من ١ فى المائة للمرة الأولى فى ١٢ شهرا حتى نهاية مارس الماضي. وكان معدل المواليد يبلغ نحو١.٧ أطفال لكل امرأة عندما اضطرت الحكومة لتشجيع تنظيم الأسرة واستخدام وسائل منع الحمل التى كان الملالى يرفضونها فى بداية الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩ مما أسفر عن تضاعف عدد السكان خلال ٤١ عاما فارتفع من ٣٧ مليونا إلى ٨٤ مليون مواطن. ولكن كان لهذا أثر سلبى على أنظمة التعليم والصحة كما كان هناك نقص حاد فى الاستثمارات وهو ما دفع الحكومة لتشجيع توزيع وسائل منع الحمل وتوفير الاستشارات الطبية فى أنحاء إيران. ونجحت هذه السياسة فى تحقيق أهدافها، وفى عام ٢٠١٠ انخفض معدل المواليد من ٥.١ إلى ١.٧ واستمرت هذه الإحصائية حتى السنوات الأربع الأخيرة والتى انخفض فيها عدد المواليد بشكل ثابت حتى وصل إلى أقل من ١ فى المائة.

وقد انتقد المرشد الإيرانى الأعلى على خامنئي انخفاض معدلات المواليد خاصة وأنه يرغب فى وصول عدد السكان إلى ١٥٠ مليون نسمة .

وفى عام ٢٠١٢ فرض المرشد تعديلات فى سياسات الأسرة بوقف الدعم لخدمات تنظيم الأسرة كما أعلن أن رفع معدلات المواليد ستكون هدفا استراتيجيا.

اتخذت إيران العديد من الإجراءات للتشجيع على ذلك منها حرية المرأة الحامل فى الحصول على الإجازات المرضية بشهادة طبية بسيطة وتسهيل الحصول على قروض وفرص عمل للعائلات التى لديها أطفال . صاحب هذه الإجراءات دعاية مكثفة فى وسائل الإعلام الرسمية والمؤسسات بما فيها الجامعات ليس هذا فقط ولكن حذر المرشد أيضا من أن تحول السكان بسرعة شديدة نحو الشيخوخة هو أمر مرعب وسيء، وأنه إذا استمر هذا الاتجاه فسيكون من الصعب إنقاذ إيران فى المستقبل . وهو ما أيده المتشددون الذين ذكروا أن إيران يمكن أن تصبح أقل دولة فى الشرق الأوسط شبابا من حيث التركيبة السكانية بحلول عام ٢٠٥٠ . وقال أمير زاده هاشمى عضو البرلمان إن النمو السكاني فى المستقبل أمر حاسم لأمن البلاد ونهج إيران نحو القوة . إن إلقاء نظرة عابرة على الإحصائيات السكانية يوضح أن المتوسط العمرى فى منتصف الثمانينيات كان يبلغ ٢٢ عاما وقد وصل هذا الرقم إلى ٢٨ عاما فى ٢٠٠٦ والى ٣٠ عاما فى ٢٠١١.

التحذيرات من الأوضاع الحالية لم تقتصر على الداخل الإيراني لكنها جاءت من الخارج أيضا حيث ذكرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد أن تزايد أعداد المسنين وانخفاض أعداد الشباب قد يصبح عقبة ضخمة أمام الجهود التى تبذل للتوسع الاقتصادي والتغلب على الفقر.

لكن مع ذلك يبدو أن هذا لم يكن كافيا لإقناع الشباب لتغيير فكره فى دولة يصل فيها معدل سن الزواج نحو٣١ سنة . فالعديد من الشباب لا يتحملون رؤية أسرة لديها العديد من الأطفال . وخلال السنوات الست الماضية تراجع معدل الزواج بنسبة ٤٠ فى المائة مقارنة بما قبل عام ٢٠١٤.

برر بعض المراقبين عزوف الشباب عن الزواج والإنجاب بأنهم عندما يرون تدهور أوضاع بلادهم الاقتصادية يوما بعد يوم وتفاقم صعوبة الحياة كل عام عن الذى يسبقه فهم يزهدون فى الزواج والإنجاب وحتى إذا تزوج أحدهم فهو يؤجل الإنجاب بقدر الإمكان حتى يتجاوز الأزمات المالية المصاحبة لسنوات الزواج الأولى . وقد واجه الشعب الإيراني مختلف الأزمات الاقتصادية والمعيشية بما فيها الارتفاع المفاجئ لأسعار البنزين الذى أدى إلى اندلاع موجة واسعة من الاحتجاجات فى نوفمبر الماضي، وتظهر التقارير الاقتصادية الأخيرة الصادرة عن مركز الإحصاء الإيراني أن نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع قد ارتفعت إلى ٥٠ فى المائة بينما كانت فى عام ٢٠١١ حوالى ١٨فى المائة وزاد هذا المعدل عام ٢٠١٨ إلى حوالى ٢٤فى المائة وفى عام ٢٠١٩ وصل إلى ٣٥فى المائة .

وتشير التقديرات إلى أن خط الفقر يصل إلى ١٠ ملايين تومان وخط الفقر المدقع إلى ستة ملايين و٨٤٠ ألف تومان وتعانى العديد من المدن الإيرانية من أزمة نقص الخبز، وأصبحت ظاهرة الطوابير فى المخابز تطول كل يوم والناس يصرخون مطالبين بتوفير الخبز . وخلال الأيام الماضية ارتفع سعر الدقيق أكثر من ٧٠ فى المائة وقامت العديد من المخابز التى تحصل على نصف الدعم من الحكومة بإغلاق أبوابها وتقليص كمية الخبز . ولم يعد من الممكن بيع الخبز المحلى بالسعر السابق مع غلاء الدقيق وصل سعر رغيف الخبز فى بعض المخابز إلى ٢٥٠٠ تومان بل وصل الأمر أن يبيعه البعض على شبكات التواصل الاجتماعي بضعف سعر المخبز . كما هبط الريال الإيراني إلى مستوى قياس جديد حيث سجل ٣٢٠ ألف ريال لكل دولار وقفز سعر العملة الذهبية إلى ١٦٠ مليون ريال . وتجاوزت معدلات التضخم حاجز الـ ٤٠فى المائة فى منتصف العام الجاري. ويتوقع رئيس البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همت أن تشهد الأسواق الإيرانية خلال الأسابيع المقبلة ضغوطا متزايدة قبيل إجراء الانتخابات الأمريكية ذات الحساسية البالغة بالنسبة لإيران، ويفسر المراقبون أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار العملات والعملات المعدنية فى إيران هو فرض عقوبات على بعض البنوك الإيرانية .

وكانت الولايات المتحدة قد أدرجت ١٨ مصرفا إيرانيا فى القائمة السوداء كانت معفاة من بعض القيود الأمريكية وذلك فى إطار تكثيف سياسة الضغط الاقتصادي ضد النظام الإيراني . وفرضت عقوبات جديدة على وزارة الدفاع الإيرانية وجهات أخرى ضالعة فى برنامج إيران النووي وبرنامجها للتسليح وذلك لدعم المساعي الأمريكية لإعادة جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران . أدت العقوبات الأمريكية أيضا إلى انخفاض النمو فى إيران وأضرت بشدة بالاقتصاد الإيراني . وتواجه إيران أزمة حادة فى تأمين وسائل الوقاية من كورونا، والمعروف أن إيران سجلت نصف مليون إصابة و٢٧ ألف متوفى بسبب كوفيد ١٩ ومؤخرا سجلت وفاة ٢٧٩ شخصا نتيجة الإصابة بفيروس كورونا فى يوم واحد .

وقد وصف الرئيس الإيرانى حسن روحانى الولايات المتحدة بالتوحش بعد أن فرضت عقوبات جديدة على بلاده، وبهذه العقوبات غير القانونية وغير الإنسانية على حد قوله.. كبد الأمريكيون الشعب الإيراني ١٥٠مليار دولار من الخسائر . وعجزت إيران المتأزمة اقتصاديا عن تغطية نفقات وتوفير لوازم شعبها فى فترة الحظر العام شهري مارس وإبريل الماضيين، مما أجبرها على اختيار الأنشطة التجارية بدلا من الحفاظ على حياة الناس من خطر الكورونا .