الأحد 30 يونيو 2024

أمي .. مليكتى وسِرُ وجودِنا

فن31-10-2020 | 18:17

أجمل زهرة فى بستان الحياة، على فيحاء عبيرها التقطت أنفاسى، وعلى إبداعها نشأت، وفى رحاب ثقافتها الواسعة ترعرعت، عظيمة من عظيمات مصر هامتها مرفوعة، بشموخ وكبرياء الأنثى، وبفكر السيدة المصرية الصابرة الصامدة الواعية، بارة عطوفة بطاعة الابنة، مساندة وداعمة بوفاء الزوجة، عطاء بلا حدود وحنان ممزوج بالقيم والأخلاقيات والمثل الرفيعة بأمومة حانية للجميع. 


تزوجت فى سن مبكرة وكان إصرارها على استكمال تعليمها واستنهاض مسيرتها العلمية وسيلة لاجتيازه، رافقها حلم الأمومة وكاد يتلاشى بخطأ طبيب، ظلت أربع سنوات تنتظر تحقيق هذا الأمل ما بين حمل وإجهاض وتحاليل طبية بأمل يتبعه يأس، إلى أن بات الحلم وشيكاً، فظلت تسعة أشهر تعانى آلام الحمل وآلام الخوف من فقدانه، لازمت الفراش ولم تغادره سوى للطبيب حتى تحين لحظة اللقاء المرتقب، وجاءت الابنة للحياة لتستقبلها بحفاوة وشوق وترضعها حنيناً وتدليلاً برعاية فائقة، وزرعت فيها الإحساس بالمسئولية والالتزام والانضباط، إنها صاحبة هذا المقال التى تقف حائرة لم تجد كلمات تترجم ما بداخلها من مشاعر، فرغم ثراء مرادفات اللغة العربية بتنوعها وتعدد معانيها، إلا أنها تقف عاجزة عن المثول لإحساس يفوق حصيلتها اللغوية بقدرتها عن الوصف والتقدير عن الأمومة المثالية التى تلقيتها من أمى الشاعرة "علا مكاوى"، والتى تمثل حقيقة نموذجاً مشرفاً لكل امرأة مصرية وعربية فى الإيثار والروح الوطنية والإخلاص لكل من حولها. 


لم تكن حياتها يسيرة، بل واجهت العديد من التحديات، وكانت دائماً منتصرة بفضل يقينها بالله وإيمانها برسالتها، فكانت نعم الابنة الوفية لأبويها وأشقائها، ورفيقة لوالدى -رحمه الله- وخير شريك للحياة فى جميع المحن الحياتية والابتلاءات المرضية، تصبر وتصطبر، تحملت مشاق الحياة لضابط شرطة منضبط عاشق لمهنته يتنقل من محافظة لأخرى وهى تتبعه برضا وجلد، تضفى عليه السعادة أينما كان، لم تثقله بمزيد من تبعات الواقع القاسى ومتطلباته، بل كانت البلسم الشافى لجروح النفس قبل الجسد، راضية مرضية بأقل القليل، راحتها إسعاد الآخرين، ظل هدفها  من رُزقت بهم، فبعد أن أودعتنى سر الحياة رزقها الله بشقيقتى الدكتورة رشا، ثم الرائد الدكتور أحمد، وظلت مساندتها لنا جميعاً ما بين العلم والعمل والتربية على مدار سنوات حياتنا تحلم بوصولنا لأعلى الدرجات العلمية بحصولنا على الدكتوراه لتحقق ذاتها فى صورة أبنائها وقد كان؛ وإن كانت قدراتها وإمكاناتها، وبدون تحيز، تمنحها عشرات الدكتوراه وصولاً بأرفع المناصب لثقافتها المتعددة، وقدراتها العلمية، وقراءاتها الواسعة، ووطنيتها النادرة، وتحليلها الوافى لكل مقتضيات الأمور. 


حقاً حظونا بخير مدرسة تلقفت طفولتنا البريئة لتحولها لطاقة عطاء وإخلاص لمصر التى غرست عشقها الأبدى فى وجداننا منذ نعومة أظافرنا، وبروحها الراقية المتذوقة للجمال أحببتنا فى الفنون الرفيعة وأثقلت مواهبنا، وجعلت نفوسنا تبحث عن حب الخير للغير، ناصحة أمينة ترشدنا ببصيرتها لاستشراف المستقبل، لا تعرف للمستحيل طريقاً، بل لديها إرادة دون استسلام، تدليل دون انكفاء، توجيه دون تأنيب، فقد أخذت من الاحترام منهاجاً، والخصام عقاباً، والحرية المسئولة درباً لخلق فضاءات رحبة داخلنا للإبداع. 


أمي منظومة متكاملة من الحب والعطاء والتفانى والإخلاص، هى الشمس التى لا تغيب، فبإشراقتها ورضاها تحل عليك نسائم النعيم، وإذا الليل أتى تصير القمر الوضّاء المنير الذى يرشدك إن ضللت الطريق، وهى الحِلم الذى يباغتك بكل جديد باستشراف صبح جميل لتهدهد طاقاتك وتمنحك قوة وإرادة، هى الداعم للفكرة العالقة ما بين شرود العقل وسطو التنفيذ، هى الأمل الحائر بين ثنايا الجبين، نظرتها ارتواء للروح الذابلة، ولمستها شفاء للجروح الغائرة، فهى خير دواء لكل داء، وهى الملكة المتوجة على عرش قلوبنا مرتدية إكليلاً مرصعاً بالرحمة، والرفق، والجلد، والحزم، والحسم، والنبل، والتسامح، والرقة، والرُقيّ، ومنمقة بدُرر التدليل والمحبة الهائمة، نتفاخر بصولجانها الفكرى وملكها الحاني فى ملكوتها الإنسانى. محظوظ من يقترب ويتقارب مع هذه الشخصية نادرة الوجود أمي - علا مكاوي.