السبت 18 مايو 2024

معاهدة سيفر

فن31-10-2020 | 21:02

قبل ١٠٠ عام تم توقيع معاهده سيفر في ١٠ أغسطس ١٩٢٠ بين ممثلى الدولة العثمانيه ودول الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى. وكان ينظر للمعاهدة على أنها المفتاح لإحلال سلام إقليمي عادل وإنهاء لسنوات القهر والعبوديه والتخلف وتسجيل نظام جديد للعلاقات بين الدول في المنطقة.


تعد معاهدة سيفر وثيقة ذات أهمية جيوسياسية وجيواستراتيجية، حيث كانت المعاهدة تقدم مبادئ وقيم جديدة للسلام والعدالة عموما لشعوب المنطقة (الشرق الأوسط شمال إفريقيا والبلقان) جوهرها حق تقرير مصير الشعوب والمساواة ومنح الاستقلال والحريات وإنشاء دول وطنية إضافة لخلق ظروف مواتية للتعايش السلمي بين الأديان والحفاظ على النوع الحضاري وتنميتها.


منحت المعاهدة للأكراد حكما ذاتيا يفضى إلى استفتاء لتقرير مصيرهم بالإضافة إلى إنشاء جمهوريه أرمينيا الكبرى بشرق تركيا ومنفذ بحري على البحر الأسود، ووضع المضايق التركيه تحت الإدارة الدولية،  حصول الحجاز على استقلالها، و إعطاء اليونان وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا مناطق داخل تركيا وتحجيم الدولة العثمانية إلى شمال وشمال غرب الأناضول وهو ما دفع كمال أتاتورك إلى قتال دول الغرب لينتهي الأمر بتوقيع معاهدة لوزان عام ١٩٢٣ بحدودها الحالية لتركيا.


لمعاهدة سيفر مصير سياسي وقانوني معقد وهي في تاريخ المعاهدات الدولية إحدى الوثائق القانونية القليلة التي لم يتم التصديق عليها بالكامل أو نفاذها الكامل كما لم يتم إلغائها أو حذفها بالكامل كما يدعي البعض، لذلك تم تنفيذها جزئيا ولكن لم تطبق بشكل أساسي على أرمينيا، بل خضعت لمنطق القوة والسيف. 


معاهدة سيفر أصبحت بالنسبة للأرمن الوثيقة الدولية الوحيدة وفقا  لأسس القانون الدولي في تحديد الحدود بين تركيا وأرمينيا بدقة و رسم خريطة مفصلة لها وذلك وفقا لحكم التحكيم لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية الثامن والعشرين حينذاك وودرو ويلسن مع وجود الختم الأعظم للولايات المتحده، والذي سلم قراره التحكيمي إلى جميع الدول الموقعة على المعاهدة في ٢٢ نوفمبر ١٩٢٠، وهو حكم نهائي بات مبرم لا يجوز للطرفين التحلل منه.

وهنا تأتي أهمية معاهدة سيفر بالنسبة للشعب الأرميني حيث أنها كانت تمهد الطريق للتغلب على عواقب الإبادة الجماعية الأرمنية من خلال تقديم الآليات الواضحه حول كيفية إعادة الحقوق والممتلكات الشخصية لأصحابها الشرعيين وإقامة دولة أرمينيا المستقلة على أرضها التاريخية.


تدرك تركيا بشكل كبير أهمية معاهدة وجوهر سيفر وأهميتها بالنسبة للأرمن فموادها المتعلقة بأرمينيا لم تحل محلها أي معاهدة أخرى ولم يتم إلغائها في معاهدة لوزان كما يدعي البعض، فكلاهما وثيقتان مختلفتان.


إن تأثير معاهدة سيفر في الذاكرة التاريخية للأتراك وكقوة إرشادية لسياسة تركيا الخارجية إلى يومنا هذا قوي للغاية، لدرجة أن  مصطلح "متلازمة سيفر" مقبول في العلاقات الدولية ودراسات العلوم السياسية لوصف جنون الارتياب  والحساسية الزائدة في تركيا تجاه الحركات الانفصالية الكردية، والاعتقاد بأن الإبادة العثمانية للأرمن كانت مؤامرة معادية لتركيا وليست كونها حقيقة تاريخية وبأن الدول الخارجية تتآمر عليه  لتقطيع أوصال الدولة التركية.


أما عن المشككين على مدى صلاحية المعاهدة من عدمها ومدى صحتها قانونيا أيام توقيعها فيمكننا القول أن مشروع المعاهدة تم تقديمها من قبل ممثلي الدول إلى تركيا في مايو ١٩٢٠ وبعد ذلك تم فحص التعليقات التركية عليها وبعد إجراء تغييرات خفيفة على المسودة تم إعداد النص النهائي وتقديمها لتركيا في ١٧ يوليو ١٩٢٠. قام السلطان محمد السادس آنذاك والذي كان له سلطة توقيع المعاهدات الدولية نيابة عن تركيا وفقا للمادة ٧ من الدستور التركي النافذ في ذلك الوقت بدعوة "مجلس التاج" لديه لفحص المعاهدة والبدء في تنفيذها بعد أن تمت الموافقة عليها في ذلك الاجتماع في ٢٢ يوليو ١٩٢٠ في صورتها النهائية.


وقد تم تشكيل بعدها وفد من ٤ أشخاص مفوضين للتوقيع على المعاهدة في سيفر بفرنسا. لذلك تم توقيع على المعاهدة من قبل المفوضين الذين لم يتجاوزوا سلطتهم أثناء التوقيع. 


وفي دراسة مهمة  نشرت عن معاهدة سيفر في الكتاب السنوي الأرمني للقانون الدولي المقارن عام ٢٠١٧ وتمت مراجعتها في ٢٠٢٠ يمكن من خلالها استنتاج الأتي:-


 ١- يجب فصل مسألة صحة وصلاحية معاهدة سيفر عن موضوع نفاذها.


٢- تم توقيع المعاهدة من قبل الممثلين المفوضين حسب الأصول المعترف بها والذين لم يتجاوزوا صلاحياتهم من خلال توقيع المعاهدة.


 ٣- لم يتم الطعن على صحة المعاهدة من قبل أي من الموقعين عليها.


٤- صدر قرار إحاله ترسيم الحدود إلى الرئيس الأمريكي ويلسون بموجب سلطة معاهدة سارية المفعول قانونا وشرط التحكيم المتضمن فيها والذي منحه كلا الطرفين في التحكيم (أرمينيا وتركيا) موافقتهم علي المعاهدة من خلال توقيعهما.


٥- لم تطعن تركيا قط في صلاحية معاهدة سيفر. وإصرارها على استبدالها بمعاهدة لوزان (التي هي نفسها قابلة للجدل) يثبت لنا ببساطة أنه حتى تركيا اعتبرت سيفر صالحة على الأقل حتى تم التوقيع على معاهدة لوزان.

٦- صدر قرار التحكيم بترسيم الحدود الأرمنية التركية من قبل الرئيس الأمريكي ويلسون في توقيت كانت معاهدة سيفر (بغض النظر عن قابليتها للنفاذ) وثيقة صالحة طبقا للقانون الدولي.


٧- بالرغم من الحاجة إلى التصديق على المعاهدة بعد تنفيذها فإن تركيا لم تبلغ رسميا الموقعين على المعاهدة بأنها لن تصدق عليها.


٨- لم يتم التشكيك في شرعية حكم ترسيم الحدود للرئيس ويلسن من جانب تركيا.


٩- إن عدم قابلية المعاهدة للنفاذ (حتى لو أبرمت على هذا النحو) لا يؤثر في حد ذاته على صلاحية حكم ترسيم الحدود للرئيس ويلسون حيث أنها صدرت بموجب السلطة و الصلاحيات المفوضة له وضمن الصلاحيات المخولة له بموجب اتفاقية تحكيم سارية.


١٠- في ضوء النصوص الواضحة لمعاهدة سيفر ووفق شروط التحكيم للرئيس الأمريكي ويلسن يجب اعتبار تخلي تركيا عن حقوقها على الأراضي المخصصة لأرمينيا بموجب اتفاقية التحكيم. 


لذلك يمكن الاستنتاج إن صلاحية وإنفاذ قرار تحكيم ترسيم الحدود للرئيس ويلسن يتعلق فقط بصلاحية معاهدة سيفر و ليس بقابليتها للتنفيذ. أسس التنفيذ تظل قضية سياسية. 


ستظل اتفاقية سيفر للسلام وثيقة مهمة للغايه بشأن حق الشعب الأرمني في تحقيق حل عادل لقضيته. وستظل دولة أرمينيا الحالية والشعب الأرمني الوريث والسيد لتاريخه وحضارته التاريخية بغض النظر عن مرور السنين ومدى انكار الحقائق التاريخية ومحاولات طمس وإخفاء وتدمير الإرث الثقافي والحضاري لأرمينيا. لا يمكن تدمير ذاكرة شعب حي أسهم في تاريخ الحضارة البشرية والإنسانية و إصراره على العيش والازدهار. 


 معاهدة سيفر معاهدة دولية صالحة للنفاذ بموجب القانون الدولي العام ويمكن تطبيقها في أي وقت إن تواجدت الإرادة السياسية عند الدول المتمدينة. 


فهل سيأتي اليوم و ينفذ معاهدة سيفر، أم سنرى معاهدة دولية جديدة بجوهر وروح سيفر..؟

    الاكثر قراءة