طالما اعتبرت الولايات المتحدة نفسها راعية
الديمقراطية فى العالم وتتخذ من نفسها رقيبا على دول العالم، تعتمد نتائج الانتخابات
في هذه الدولة وترفضها فى أخرى وتشكك فى نزاهتها، وتتخذ من ذلك ذريعة تفرض بها العقوبات
الدبلوماسية أو الاقتصادية.. ومع اقتراب موعد توجه الناخبين الأمريكيين إلى صناديق
الاقتراع يتردد السؤال من يراقب العملية الانتخابية الأمريكية والتي يصفها الناخبون
والمحللون على حد السواء بأنها أخطر انتخابات فى التاريخ الأمريكي.
وفقا لأحدث استطلاع للرأي أجراه معهد Pew لأبحاث
الرأى العام يتوقع نصف الأمريكيين وجود عقبات وصعوبات أمام إدلائهم بأصواتهم، وفى استطلاع
آخر وجد أن أقل قليلا من ربع الأمريكيين لا يظنون أن انتخابات الثالث من نوفمبر ستكون
حرة أو نزيهة. ولابد أن نشير إلى ظروف عامة تحيط بالثالث من نوفمبر. أولها وجود جائحة
كوفيد - ١٩ والتي دفعت أعداد لا يستهان بها للإدلاء بأصواتهم عبر البريد. وفى المقابل
يرى الرئيس الأمريكي مرشح الحزب الجمهوري بأن انتخابات ٢٠٢٠ ستكون الأقل نزاهة فى التاريخ
الأمريكي وأن هذه العملية سيشوبها تزوير جماعي برغم أنه لا يقدم الأدلة على ذلك. يضاف
إلى هذا إعلانه أنه سيفوز بالانتخابات إلا إذا وقعت عمليات تزوير أى أنه لن يسلم بإعلان
خسارته ولن يخرج بسهولة من البيت الأبيض.. فى المقابل صدرت إشارات مشابهة من جو بايدن
مرشح الحزب الديمقراطي.. وفى الدوائر الأمنية والاستخبارية تحذر بعض الأصوات من احتمالات
وقوع عمليات تدخل خارجية فى الانتخابات المقبلة.. فقد صرح جون إيفانينا مسئول مكافحة
التجسس بأن هناك اعتقادا بأن روسيا تستخدم أساليب مختلفة لدعم المرشح الديمقراطي جو
بايدن، بينما يوجد أشخاص على علاقة بالرئيس بوتين يدعمون إعادة انتخاب ترامب.. ووفقا
لما قاله إيفانينا فإن الصين لا تحبذ فوز ترامب بولاية ثانية.. وقبل أيام قليلة أعلن
جون راتكليف مدير الاستخبارات الوطنية أن روسيا وإيران حصلتا على بيانات الناخبين الأمريكيين
وأن إيران بعثت برسائل للناخبين فى محاولة للتأثير على نتيجة التصويت وإحداث حالة من
الارتباك فى صفوف الناخبين.. هذا الوضع يذكرنا بمسألة التدخل الروسي في انتخابات
٢٠١٦ والتي أطلت برأسها مجددا مع الكشف عن رسائل البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون
المرشحة الديمقراطية التي خسرت السباق أمام ترامب.. الجو المشحون المحيط بالانتخابات
الأمريكية يستدعى حضور مؤسسات ومنظمات دولية لمراقبة العملية الانتخابات خاصة بعدما
دعا ترامب أنصاره لمراقبة الانتخابات وهو ما اعتبره الديمقراطيون بمثابة ترويع للناخبين،
وأن هذه الدعوة قد تؤدى لاندلاع العنف.
كثيرا ما تردد اسم مؤسسة جيمي كارتر فى
أحداث انتخابية في أنحاء العالم، ولكن هذا العام وللمرة الأولى تركز المؤسسة جهدها
فى مراقبة الانتخابات الأمريكية.. هذه المؤسسة أنشأها الرئيس الديمقراطي الأسبق جيمى
كارتر وزوجته روزالين عام ١٩٨٢ وقامت بمراقبة ١١٠ عملية انتخابية فى ٣٩ دولة فى إفريقيا
وآسيا وأمريكا اللاتينية.. مؤسسة كارتر تشير إلى أن الانتخابات الأمريكية فيما سبق
شابها بعض القصور، ولكن على مدار سنوات العقد الأخير حدث تراجع فى وضع الديمقراطية
الأمريكية.. من مظاهر هذا التراجع الاستقطاب الحاد وغياب الثقة والانقسامات العرقية
واحتمالات عدم القبول بنتائج الاقتراع ما ينذر باشتعال العنف.. وهذا هو السبب الجوهري
لإقدام مؤسسة كارتر للمشاركة فى المراقبة.. سينصب عمل المؤسسة على تقديم المعلومات
للناخبين وضمان الشفافية فى العملية الانتخابية، وذلك من خلال الاستفادة من تجارب المؤسسة
على المستوى الدولي والخبرة بالمعايير الدولية للانتخابات.
كان من المفترض أن تشارك منظمة الدول الأمريكية
التى تضم فى عضويتها ٣٥ دولة من الأميركتين فى مراقبة اقتراع ٢٠٢٠ كما جرى فى ٢٠١٦
لأول مرة، ولكن المنظمة لم تتلق الدعوة من الخارجية الأمريكية.. أما الجهة التى أصبح
من المؤكد مشاركتها الفريق التابع لمنظمة ألأمن والتعاون فى أوربا والذى ترأسه أورسولا
جاسيتش السياسية البولندية السابقة.
المعروف أن المنظمة تضم فى عضويتها ٥٧ دولة
من أوربا وآسيا وأمريكا الشمالية من بينها الولايات المتحدة.. وتشير رئيسة الفريق إلى
أن أسباب وأهمية وجود مراقبين دوليين فى الانتخابات الأمريكية فى ظل الظروف المحيطة
بها، هى نفسها الأسباب والظروف التى تجعل من المراقبة عملية صعبة ومعقدة.
كما أن فكرة المراقبة لابد وأن تثير دهشة
الناخب الأمريكي، حيث ترتبط مراقبة الانتخابات بشكل أكبر بالديمقراطيات الحديثة والوليدة
فى العالم.. ولكن على مدى العقدين الماضيين كانت مراقبة الانتخابات جزءا من العملية
الانتخابية الأمريكية.. وقد شاركت منظمة الأمن والتعاون الأوربي فى مراقبة كل انتخابات
أمريكية جرت منذ عام ٢٠٠٢.
كان من المفترض مشاركة ٥٠٠ مراقب تابعين
للمنظمة يوم الثالث من نوفمبر ولكن بسبب القيود على السفر جراء جائحة كورونا تم تخفيض
العدد إلى ثلاثين مراقبا فقط، كما يشمل فريق العمل أربعة عشر خبيرا من المحامين والمتخصصين
فى الإعلام.. وبسبب قلة عدد المراقبين سيكون من الصعب التواجد فى كل المقار الانتخابية
فى وقت واحد.. ولكن فى الظروف الطبيعية يخرج المراقبون للعمل الميداني فى مراكز الاقتراع
ورصد أى خروقات مثل وجود طوابير طويلة أكثر من اللازم أو أى قمع أو ترهيب للناخبين..
ومن المنتظر فى يوم الانتخابات أن يلحق ممثلون عن المجلس البرلماني لمنظمة الأمن والتعاون
الأوربي بالفريق الأول وسيتعاون الفريقان فى العمل فى ٢٨ ولاية أمريكية تسمح قوانينها
بأعمال المراقبة.. ووفقا للقانون توجد ولايات أمريكية تمنع قوانينها وجود مراقبين أجانب
للانتخابات التى تجرى على أرضها منها ألاباما وأريزونا وفلوريدا وألاسكا وغيرها، وتقتصر
أعمال المراقبة فيها على ممثلين للأحزاب أو المرشحين.
البروفيسورة سوزان هايد أستاذ العلوم السياسية
بجامعة كاليفورنيا ترى أن وجود المراقبين الدوليين يمكن أن يضمن معايير نزاهة وحرية
الانتخابات فى ظل التنافس الحزبي، فالمراقب الدولي يهتم بجوهر العملية الديمقراطية
بغض النظر عن الفائز أو الخاسر فى السباق الانتخابي.