السبت 18 مايو 2024

هل أسأت إلى النبي اليوم؟!

1-11-2020 | 11:02

انتفض واغضب وقل فداك أبى وأمي يا رسول الله، وشارك فى هاشتاج «إلا رسول الله»، أعلن بركان الغضب واصرخ من قلبك، سب والعن أعداء الله الذين تجرأوا على رسوله الكريم، صفهم بالقردة والخنازير والملاعين، اجعل ثورة غضبك نارًا تحرق وتدمر.

الآن هدأت.. فرغت طاقتك الدينية.. ارتحت بعد أن انتفضت، وشاركت فى كل هاشتاج.. وشعرت أنك أديت دورك وواجبك الدينى وبات ضميرك مستريحًا، ولن يتهمك أحد بالتخاذل فى الدفاع عن نصرة نبيك.. فلنجلس مستريحين الآن وليسأل كل منا نفسه بعد أن انتفض دفاعًا عنه صلى الله عليه وسلم هل أسأت إلى رسول الله اليوم؟!

نعم هذا هو السؤال الذى يجب أن يبحث كل منا عن إجابته فنحن أول المسيئين لحضرته وجنابه صلى الله عليه وسلم.. أمته أول من تسيء إليه.. لا تندهش فكلنا مسيئون لرسول الله، اجلس هادئًا بينك وبين نفسك وستجد الإجابة واضحة وستعلم من نفسك ودون مجهود.

من المسيء إلى الحضرة النبوية؟

فى فرنسا وغيرها من دول العالم لا يعرفون رسول الله حق المعرفة، لم يقرأوا سيرته ولا سنته صلى الله عليه وسلم، ولكنهم رأونا نحن، اعتمدوا على الصورة التى نصدرها نحن عن الإسلام شاهدوا ما نحن عليه الآن، رأوا الإسلام بأفعالنا وتصرفاتنا، ففهموا أن هذا هو الإسلام، وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة.

هذا ليس دفاعًا عمن أساء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من المسيئين وحتى المدافعين عن حضرته صلى الله وعليه وسلم ورب العزة سبحانه وتعالى قال «إنا كفيناك المستهزئين»، رسول الله ليس فى حاجة إلى هاشتاج أو نفرة للدفاع عنه.

رسول الله أقوى من أى إساءة، والحقيقة أننا نحن من أساء إليه بتصرفاتنا وأفعالنا وابتعادنا عن سيرته وسنته الحقيقية، لم نصدِّر إلا كل صورة سيئة عن الإسلام، العالم لم يعد يعرف عن الإسلام إلا التشرذم والفرقة والخراب والدمار وداعش والإخوان والإرهاب، هذه هى الصورة الحقيقية الآن عنا فى العالم، بلا مواربة أو تجميل.

والحقيقة التى يجب أن نعرفها أننا لسنا جديرين بالإسلام، نحن أضعنا ديننا بأخلاقنا وتصرفاتنا ومعاملاتنا، وصمتنا على تلك الجماعات التى أساءت لنا ولرسولنا ماذا نقدم للعالم الآن؟! ما الذى استفاده العالم من وجودنا؟ هل نتبع سيرة الرسول حقًا، هل نحن محبون لسيدنا النبى حقًا؟

قبل أن نلوم من أساء ونسبّه ونلعنه ونقتله تقتيلا، يجب أن نصارح أنفسنا أننا لسنا جديرين بأن نكون أمة محمد صلى الله عليه وسلم، هل أنت من أمته حقًا؟!، هل تسير على نهجه؟!.

نحن عبء على الإسلام، وصدق الإمام محمد عبده حينما قال قبل أكثر من قرن من الزمان فى بلادنا إسلام بلا مسلمين، نتندر حينما نقول إننا مسلمون بالبطاقة فقط، وللأسف هذه هى الحقيقة.

وقعنا فريسة لجماعات ودول ضالة مضلة رفعت شعار الإسلام وهى أبعد ما تكون عنه وعن شريعته السمحة، صدّرت للعالم كله صورة غير حقيقية عن دين الرحمة والسلام، وصورته دين القتل وسفك الدماء وهدم الأوطان وتشريد الأبرياء وعدم قبول الآخر المختلف فى الدين.

صورة الإسلام فى العالم داعش ورايتها السوداء، وجماعة الإخوان الإرهابية ومخططاتها لتخريب الأوطان الآمنة واختراق مؤسساتها واللعب بعقول شبابها.

 

ابتلى الإسلام بالأنطاع والمتآمرين الذين يصدرون كل ما يسيء إلى صورته، ويستخدمونه مطية لتحقيق أهدافهم وأطماعهم يقدمون أنفسهم باعتبارهم المسلمين حقًا وغيرهم لا يعرفون للإسلام طريقًا.

ابتلى الإسلام بدويلة قطر راعية الإرهاب الأول فى العالم، وتركيا دولة سياحة الجنس، وقدم اللص أردوغان وصبيه الفاسد تميم أنفسهما باعتبارهما المدافعين عن الإسلام ورسوله الكريم، تميم يغدق الأموال القذرة وأردوغان يدير المؤامرات الحقيرة، يعطى تراخيص بيوت الدعارة ليلًا ويخطب نهارًا مدافعًا عن الإسلام، حتى فى إعلامهم الإرهابي بدلاً من أن يجتهدوا فى تقديم صورة الإسلام الصحيح، سخَّروا هذا الإعلام لتدمير الدول العربية والإسلامية بالفتن ونشر التطرف.

هذه هى صورتنا فى العالم وهؤلاء هم من يتصدرون الصورة، ثم ننتفض ونغضب ونلعن المسيئين، ونتغافل عن الحقيقة الواضحة وهى أننا نحن المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها هم من أساء إلى الرسول الكريم.

نحن أحفاد لا نستحق أن نكون الوارثين لمجد أجداد عظماء ورثوا الخلافة عن الرسول الحبيب وأسسوا دولة عظيمة سطع نورها فى مشارق الأرض ومغاربها وانتشر بفضلهم الإسلام العظيم دين السلام والرحمة، لم ينتشر الإسلام بحد السيف كما يزعم الجهلة والمغرضون، ولم يجبر المسلمون الأوائل أهل دولة فتحوها على الدخول فى الإسلام، بل أسلم أهل القرى جميعا بعد أن رأوا أخلاق الإسلام وسنة نبيه الكريم التي تحلى بها أجدادنا الفاتحون، وصل الإسلام الأندلس، ودخل قلب أوربا، وانتشر نوره بفضل مسلمين حقا محبين لنبيهم حقا يسيرون على نهجه حقًا.

سبق المسلمون وسادوا العالم حينما كانوا يسيرون على منهج النبى أخلاقهم من سيرته صلى الله عليه وسلم، يلتمسون قبسا من نوره تحلوا بكل صفاته، أمناء، صادقين، عادلين، مقسطين، مخلصين لدينهم، جوهرهم مثل مظهرهم، لم يتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا.. فأين نحن منهم؟!.. نحن الضعفاء المساكين المفرطين أضعنا ديننا، أصبحنا عالة على العالم كله.

ديننا دين القوة والحق والإخاء والمساواة والعدل، رسولنا كان صاحب أول وثيقة مدنية للتعايش قبل أن تُعرف الدساتير والقوانين، أسس الرسول دولة العدل والحق وقت أن كان العالم وأوربا تحديدا تعيش فى ظلام دامس، أخى الرسول بين أهل المدينة جميعا، لم يطرد اليهود ولا النصارى بل قال هم جزء منا لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ولم يحاربهم إلا بعد أن نقض اليهود ميثاقهم وعهدهم، ولو كانوا عاشوا مع المسلمين فى إخاء ومساواة ما كان حاربهم رسول الله.

سيدنا النبي كان رحيمًا هينًا ليّنًا، ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، أهله عذبوه وقاطعوه، وعندما مكّنه الله قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء، ويوم فتح مكة حينما صاح أحد الصحابة «اليوم يوم الملحمة، رد صلى الله عليه وسلم سريعا « بل اليوم يوم المرحمة».

هذه هو نهجه وسنته المرحمة والرحمة والتسامح والسلام، هو من أرسى مبدأ «أنتم أعلم بشؤون دنياكم» ليكون قاعدة حكم إسلامي.

هو من كان يرحم الضعيف ويحب الصغير والكبير، هو من تغيّب عنه جاره اليهودي الذى كان يؤذيه وعرف أنه مريض فذهب لزيارته، هو من خاطب أهل الكتاب فى دول العالم بالتي هى أحسن، وأرسل إليهم السفراء بخطابات نبوية رقيقة تحمل مشاعر الإخاء والرحمة والتسامح، هو من ترك وفد نصارى نجران يؤدون صلاتهم فى رحاب مسجده».

هو من كان يعرف قدر من يخاطبه وينزل الناس منازله، هو أول من وضع ميثاقًا عالميًا لاحترام حقوق المرأة فقال: «استوصوا بالنساء خيرا، وقال: «النساء شقائق الرجال»، هو من حرّم سفك الدماء بغير حق، هو من أوصى بالجار، وبحماية المعاهد، والإحسان إلى الأسرى.

هو من كان يوصى الجيش «لا تقطعوا شجرة، ولا تقتلوا امرأة ولا صبيا ولا شيخا ولا وليدا، لا تمثلوا بالجثث ولا تسرفوا فى القتل ولا تهدموا، ولا تخربوا بناء عامرا، حتى البعير والبقر لا تذبحوا إلا للأكل».

هو من حذر من التشدد في القول والرأي فقال ثلاث مرات «هلك المتنطعون.. هلك المتنطعون.. هلك المتنطعون».. وهو من قال «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق»، هو من حثّ على العلم والتعلم وكان أول ما نزل عليه «اقرأ».

هو من قال قوله الجامع «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».. هذا هو جوهر الإسلام الأخلاق والرحمة والتسامح، ديننا الحنيف دين القلب وليس المظهر، دين الجوهر وليس الشكل.

قف مكانك الآن واسأل نفسك ودعني أسأل معك.. من المسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.. أين نحن من مكارم الأخلاق؟! أين نحن من جوهر الإسلام؟!، نحن مسلمون اسمًا، كل معاملاتنا اليومية وسلوكنا البشرى يؤكد أن لا صلاة لنا بمنهج رسول الله ولا بسيرته ولا بسنته.

نحن مجموعة عجيبة من البشر، ندعى أننا نحب رسول الله ثم يمضى معظمنا فى طريق آخر لا علاقة له من قريب أو بعيد بسلوكه صلى الله عليه وسلم.. نتخذ الكذب منهجا وقول الزور طريقا، لا نعرف من العدل والإنصاف إلا اسمه، لا نسمع عن الإحسان إلى الجار إلا فى خطبة الجمعة، نحفظ عن ظهر قلب وتعلق فى مكاتبنا الآية الكريمة «وقل اعلموا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون» ثم نتقن الهروب من العمل وتعطيل مصالح البشر، نسبّ المختلفين معنا ونلعنهم ونعتقد أننا ملاك الحقيقة المطلقة، ويسير بعض المغيبين وراء جماعات ودول ترفع شعار الإسلام زورًا وبهتانًا، وهى حربة فى ظهر الإسلام.

نحن المسلمين – للأسف – أكثر الأعداء للإسلام ورسوله الآن، إذا أردنا أن ندافع حقًا عن رسول الله، إذا كنا نحبه صدقا علينا، أن نراجع أنفسنا وسلوكنا أن نعيد قراءة سيرة سيدنا وحبيبنا النبي مرة أخرى ونطبقها تطبيقا عمليا فى حياتنا، أن نجتهد فى تصدير الصورة الحقيقية عن رسول الرحمة والسلام والإنسانية الذى قال عنه الله عز وجل «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، رسول الله لن يفرح بالتفجير وقتل الأبرياء ولن يسعد بقتل من يتجاوز فى حق جنابه الشريف، ولكنه سيسعد حقا إذا سرنا نحن على نهجه وقدمنا للعالم أجمع رسالة الإسلام الحق بأخلاقنا.

تعالوا نقرأ سيرته من جديد.. فى هذا العدد من المصور وفى ذكرى مولد سيدنا النبى نقدم قراءة جديدة فى سيرته صلى الله عليه وسلم.. كوكبة من أهل العلم تكتب فى حبه وتلتمس القرب من جنابه وحضرته، ونحن فى معيّتهم نرجو القبول ونطرق الباب لعلنا نحظى بنفحة نورانية تغيّر حالنا وتقرّبنا إلى منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.