الأربعاء 8 مايو 2024

القتال في الإسلام للدفاع وليس للعدوان

1-11-2020 | 11:42

إن السيرة النبوية المشرفة هي التطبيق العملي لجوانب كثيرة من سنة نبينا (صلی الله عليه وسلم)، وهى نبراس مبين لنا إلى يوم الدين، غير أن أكثر الجماعات المتطرفة فى عصرنا الحاضر قد ركزت فى قراءة السيرة النبوية وكتابتها وتدريسها على موضوع الغزوات كجانب تكاد تجعله وحيدا أو الأبرز - على الأقل - فى السيرة النبوية، لأنها كانت تجيد استخدام هذا الجانب فى تهييج مشاعر وإلهاب حماس عناصرها وكوادرها، بل تتخذ من ذلك وسيلة لإثارة العامة أحيانا كثيرة.

ولقد سمى القرآن الكريم الأسماء بمسمياتها الأدق، فلم يرد فى القرآن الكريم لفظ غزوة قط، إنما عبر بلفظ يوم عما كان من نصر المسلمين يوم بدر الذى سماه الحق سبحانه وتعالى يوم الفرقان، فقال سبحانه: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»وهكذا أيضا تحدث القرآن الكريم عن يوم حنين، حيث يقول الحق سبحانه: «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ  ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

فقد كانت حروب النبى (صلى الله عليه وسلم) دفاعية، إما دفعا لعدوان، أو ردا لاعتداء، أو دفعا لخيانة أو تآمر، أو لنقض الأعداء عهدهم معه (صلی الله عليه وسلم)، ولم يكن أى منها اعتداء على أحد، فكان الأنسب والأدق التعبير عنها بلفظ يوم وليس بلفظ غزوة، وهو ما نعتمده ونراه الأدق فى التعبير، وضعا للأمور فى نصابها وتسميتها بمسمياتها التى سماها القرآن الكريم بها وآثرها على غيرها، وهو ما عبر عنه بعض الكتاب والمؤرخين المدققين فى مؤلفاتهم تحت عنوان: «أيام العرب فى الجاهلية والإسلام».

وإننا لنؤكد أن الحرب ليست غاية ولا هدفا لأى دولة رشيدة أو حكم رشيد، كما أنها ليست نزهة أو فسحة، وكان نبينا (صلی الله عليه وسلم) يقول: (لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا).

غير أن الحرب قد تكون ضرورة للدفاع عن النفس والعرض، والمال، والديار والأوطان، وكيان الدول ووجودها، وحمايتها من الأخطار التى تتهددها.

إن الحرب فى الإسلام إنما هى حرب دفاعية شرعت لرد الظلم والعدوان، وهى محصورة فى رد الاعتداء ودفع الظلم، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، ويقول سبحانه: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ، ويقول سبحانه: وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ فإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (، بل إن الإسلام قد دعانا إلى الإقساط إلى جميع المسالمين وبرهم وإجارتهم إن استجاروا بنا، فقال سبحانه: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، وقال عز وجل: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون.

وفى هذه النصوص ما يؤكد أن الإسلام لا يعرف الاعتداء أو الظلم، إنما شرع القتال أصلا لرد العدوان والاعتداء، فأذن الحق سبحانه للذين يقاتلون ظلما بأن يهبوا للدفاع عن أنفسهم، على ألا يعتدوا، وألا يغدروا، وألا يسرفوا فى الدماء، أو يتوسعوا فيما أذن لهم به من دفع العدوان.

وقد نهانا ديننا فقط عن ولاية من يقاتلوننا ويخرجوننا من ديارنا أو يعملون على ذلك، فقال سبحانه: «إما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون.

وحتى فى الحرب التى هى رد للاعتداء نهى الإسلام نهيا صريحا عن تخريب العامر، وهدم البنيان، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. حين يجهزون جيوشهم يوصون قادتها ألا يقطعوا شجرا، وألا يحرقوا زرعا، أو يخربوا عاما، أو يهدموا بنيانا، إلا إذا تحصن العدو به واضطرهم إلى ذلك ولم يجدوا عنه بديلا، وألا يتعرضوا للزراع فى مزارعهم، ولا الرهبان فى صوامعهم، وألا يقتلوا امرأة، ولا طفلا، ولا شیخاً فانيا ما داموا لم يشتركوا فى القتال.

هذا، وقد ظل النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فى مكة المكرمة ثلاثة عشر عاما يتحملون أذى المشركين دون أن يؤذن لهم بالقتال ولو دفاعا عن أنفسهم لأسباب من أهمها وفى مقدمتها: استنفاد سائر الوسائل السلمية فى الدعوة المبنية على الحكمة والموعظة الحسنة، وتربية المؤمنين على أقصى درجات ضبط النفس وتحمل الأذى فى سبيل الله، وإقامة الحجة على الخصم، ومنها عدم التكافؤ فى المواجهة آنذاك إذ كانت المواجهة بكل حسابات البشر محسومة لصالح المشركين، مما ينذر بخسائر فادحة فى صفوف المستضعفين من المسلمین حال التعجل فى المواجهة، والإسلام حريص على حفظ الدماء كل الدماء، فما بالك بدماء أبنائه المؤمنين به المدافعين عنه المستعدين للتضحية بأغلى ما يملكون وكل ما يملكون فى سبيله، ومنها:

لفت أنظارنا إلى أهمية الإعداد الجيد أفرادا وتسليحا وتخطيطا قبل الدخول فى أى مواجهة ما لم تفرض علينا فرضاً، ولم يكن ثمة بد من الخروج لمواجهة العدو على نحو ما كان من النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فى مواجهة المشركين فى بدر وأحد والخندق وغيرها من أيامهم.

وفى التأكيد على هذا الإعداد الجيد والأخذ بأسباب القوة والمنعة، يقول الحق سبحانه: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء فى سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون.

على أن الغاية هنا والمراد من هذه الآية إنما هو ردع العدو من أن يعتدى علينا، فلو تحقق الردع دون قتال فإنها لأسمى غاية وأنبل هدف، حيث يقول الحق سبحانه فى شأن يوم الأحزاب: «ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا»، وفى شأن يوم الحديبية يقول سبحانه ممتنا على عباده المؤمنين بتجنيبهم القتل والقتال: «وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا»، فلما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام إلى المدينة، وصار لهم بها دولة ووطن يدافعون عنهما، كان الإذن بالقتال الدفاعى فى قوله تعالى: «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير».

مع ضرورة الوقوف عند الأتي:

- فى قوله تعالى: «أذن» عبر فى الإذن بالبناء للمجهول ولم يقل سبحانه: أذن الله، ليكون العمل بالإذن على قدر الحاجة والضرورة، وألا يستخدم الإذن على إطلاقه، فيؤدى ذلك إلى الإسراف فى القتال والدماء.

- فى قوله تعالى: «للذين يقاتلون» لم يقل سبحانه: أذن للمؤمنين، أو للمسلمين، أو حتى للمضطهدين، أو من أخرجوا من ديارهم وأموالهم، فلم يكن كل ذلك وحده مسوغا لاستخدام هذا الإذن، وإنما هى علة واحدة أن يقاتلوا، وأن تكون المبادرة والمبادأة من عدوهم بالقتال، ولذا كان رسول الله صلی الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون يوصون قادة جيوشهم ألا يبدأوا أحدا بقتال حتى يكون العدو هو البادئ بالبغى والعدوان، وألا يأخذوا أحدا غدرا أو خيانة حتى لو علموا بنيته فيهما، حيث يقول الحق سبحانه: «وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين» أي: فإن خفت من قوم غدرا أو خيانة فاطرح إليهم عهدهم، ورده عليهم، وتحلل منه قبل الشروع فى قتالهم.

- ولم يكتف النص القرآنى فى قضية الإذن بأن يكون العدو هو البادئ بالقتال، بل جعل قتال المسلمين لأعدائهم لأجل رد بغيهم وظلمهم وعدوانهم عنهم أو عليهم، فجعل العلة الثانية والاشتراط الثانى للإذن ظلم عدوهم لهم، حيث يقول الحق سبحانه: «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا». وهنا يأتى التأييد الإلهى حتى لو كانوا قلة مستضعفین وإن الله على نصرهم لقدير، طالما أن العلة هى رد الظلم وحماية الدولة والوطن لا البغى ولا الطمع.

وعندما ننظر إلى سيرة النبى (صلى الله عليه وسلم) فى هذا الجانب نجد أن النبى (صلى الله عليه وسلم) عندما علم بمقدم قریش فى يوم بدر جمع (صلی الله عليه وسلم) أصحابه وجعل يقول: أشيروا على أيها الناس، فقام سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه فتكلم وأحسن، ثم قام سیدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه فتكلم وأحسن، ثم قام سيدنا المقداد بن عمرو رضى الله عنه فقال: یا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذى بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه، حتى نبلغه، فقال له رسول الله صلی الله عليه وسلم خيرا، ودعا له به.

وهؤلاء الصحابة الثلاثة كانوا من المهاجرين، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرف رأى قادة الأنصار، لأن نصوص بيعة العقبة لم تكن تلزمهم بالقتال خارج المدينة، إذ كانوا قد بايعوا النبى صلى الله عليه وسلم على أن يحموه مما يحمون منه أنفسهم وأعراضهم وأموالهم مادام معهم داخل المدينة، ولم تكن البيعة قد تعرضت لخروجهم معه خارج المدينة، فأحب صلی الله عليه وسلم أن يسمع رأيهم صراحة، فكلما تحدث واحد من المهاجرين قال النبى صلى الله عليه وسلم: أشيروا على أيها الناس، وهو يريد أن يسمع رأى الأنصار، حتى فطن إلى ذلك قائد الأنصار وحامل لوائهم سیدنا سعد بن معاذ رضى الله عنه، فقال: والله لكأنك تريدنا یا رسول الله؟ قال: أجل، قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة، فامض یا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذى بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته خضناه معك، ما تخلف رجل واحد، وما نكره أن تلقی بنا عدونا غدا، إنا لصبر عند الحرب، صُدق عند اللقاء، لعل الله يريك فينا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، فقال رسول الله (صلی الله عليه وسلم): (سيروا وأبشروا، فإن الله تعالی قد وعدنى إحدى الطائفتين، والله لكأنى الآن أنظر إلى مصارع القوم).

ولهذا الموقف وغيره من المواقف العظيمة لسیدنا سعد بن معاذ رضى الله عنه كانت البشرى والمكافأة العظيمة من الله تعالى له عند وفاته، حيث قال صلی الله عليه وسلم: اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ.

أما يوم بنى قينقاع فيرجع إلى ما كان من يهود بنى قينقاع الذين كان قد ملأ الحقد نفوسهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد أن أعزهم الله بالنصر فى بدر، فقالوا: يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش، كانوا أغمارا لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا تعترف بأننا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا، وكشف جماعة منهم عورة امرأة مسلمة فى السوق، فلما هب أحد المسلمين لسترها والدفاع عنها اجتمعوا عليه وقتلوه، فكان لابد من التجهيز لقتالهم ردا لبغيهم وخيانتهم فجهز النبى صلى الله عليه وسلم جيشا لقتالهم، وانتقل سريعا إلى ديارهم وحصونهم، وحاصرهم خمس عشرة ليلة، حتى اضطروا إلى الاستسلام والنزول على حكمه صلی الله عليه وسلم.

وفى أحد كانت قريش قد جاءت لتثأر لقتلاها فى بدر، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للقائهم، ولم يبدأ هو ولا أصحابه بالقتال أو طلب قريش، إنما هى التى أتت بقضها وقضيضها وخيلها وخیلائها باغية تريد استئصال دعوته صلی الله عليه وسلم والثأر لقتلاها فى بدر.

وفى يوم حمراء الأسد كان أبو سفيان قد عزم إثر أحد على العودة إلى المدينة لاستئصال شأفة المسلمين، فندب النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى الخروج لملاقاتهم، وقال صلی الله عليه وسلم: لا يخرج معنا إلا من شهد أحدا، فخرج معه أصحابه وجراحهم تثب دما، وهنا خشى أبو سفيان ومن معه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جهز جيشا جديدا من أصحابه، ففضلوا الهرب والانصراف إلى مكة حتى لا يضيعوا ما أنجزوه فى أحد، وبقى النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ثلاثة أيام فى حمراء الأسد لم يمسسهم سوء..

وفى شأن هذا اليوم نزل قول الله تعالى: «الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم.

وفى يوم بنى النضير كان يهود بنى النضير هم الذين نقضوا العهد وحاولوا اغتيال النبى صلى الله عليه وسلم.

وفى يوم دومة الجندل كانت قبائل المشركين بدومة الجندل تعد للإغارة على قوافل المسلمين بالمدينة ثم الإغارة عليها.

وفى يوم بنى المصطلق كانت قبائلهم تعد للإغارة على المدينة فخرج النبى (صلى الله عليه وسلم) إليهم ردا لبغيهم وعدوانهم.

وفى يوم الخندق اجتمعت الأحزاب من كل حدب وصوب لحصار المدينة، فكان القتال دفاعا عن النفس، والوطن، والدیار، والأرض، والعرض، وهو ما يصوره الحق سبحانه وتعالى فى سورة الأحزاب فيقول: «يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنين وزلزلوا زلزالاً شديدا وإذ يقول المنافقون والذين فى قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبى يقولون إن بيوتنا عورة وما هى بعورة إن يريدون إلا فرارا}.

ثم يصور سبحانه وتعالى حال المؤمنين الصادقين، فيقول: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزى الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزا}.

وفى يوم بنى لحيان، كان بنو لحیان هم الذين غدروا بعشرة من الصحابة بالرجيع، وتسببوا فى قتلهم واستشهادهم.

وفى يوم ذى قرد أو يوم الغابة كان جماعة من أعراب نجد من بنى فزارة قد أغاروا على إبل للنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقتلوا حارسها واحتملوا امرأته مع الإبل وفروا نحو نجد، فكان لابد من ردعهم وتأديبهم.

وفى خيبر كان أهل خيبر هم الذين حزبوا الأحزاب ضد المسلمين، وحرضوا بنى قريظة على الغدر والخيانة، ثم أخذوا فى الاتصال بالمنافقين وبقبائل غطفان وأعراب البادية لتأليبهم على المسلمين، وكانوا هم أنفسهم يستعدون للقتال، فكان لابد من مواجهتهم وكف شرهم.

أما يوم مؤتة فكانت ثأرا لقتل الصحابى الجليل الحارث بن عمير الأزدى (رضى الله عنه) رسول النبى صلى الله عليه وسلم الذى بعثه بكتابه إلى عظیم بصري، فعرض له شرحبیل بن عمرو الغسانى وكان عاملا على البلقاء من أرض الشام من قبل قیصر فأوثقه رباطا، ثم قدمه فضرب عنقه، وكان قتل السفراء والرسل - ولا يزال - من أشنع الجرائم وأبشعها، يساوى بل يزيد على إعلان حالة الحرب، فاشتد ذلك على النبى صلى الله عليه وسلم، فجهز جيشا ووجهه إليهم.

وفى فتح مكة كانت قريش هي التي نقضت عهدها مع سیدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وساعدت حلفاءها من بنى بكر على قتل خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قتلوهم غدرا عند ماء بالقرب من مكة يقال له الوتير، فجاء عمرو بن سالم الخزاعي رضى الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة مستغيثا بقوله:

يا رب إنى ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

قد كنتك ولداً وكنا والدا

تمت أسلمنا فلم ننزع يدا

فانصر هداك الله نصرا أعتدا

وادع عباد الله يأتوا مددا

إن سيم خسفا وجهه تربدا

فيهم رسول الله قد تجردا

فى فيلق كالبحر يجرى مزيداً

إن قريشاً أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لى فى كداء رصداً

وزعموا أن لست أدعو أحدا

وهم أذل وأقل عددا

هم بيّتوتنا بالوتير هجدا

وقتلونا ركعاً وسجداً

فقال صلى الله عليه وسلم: نصرت يا عمرو بن سالم.. فما برح حتى مرت سحابة فى السماء فقال صلی الله عليه وسلم: إن هذى السحابة تستهل بنصر بنى كعب.

ومع ذلك لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا منتصرا أعلن العفو العام عن أهل مكة، وقال قولته المشهورة: يا معشر قریش، ما ترون أنى صانع بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال صلی الله عليه وسلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء. وقد ترتب على هذا العفو العام حفظ الأنفس من القتل.

ويوم حنين كانت قبائل هوازن وثقيف هى البادئة بالعداء، وأعدت العدة للانقضاض على المسلمين، وقد سار مالك بن عوف النصري على رأس جيش حتى وصل إلى القرب من مكة، فكان لابد من مواجهتهم ورد بغيهم وعدوانهم.

وأما تبوك فكانت ردا لعدوان الرومان الذين كانوا يعملون على إنهاء قوة المسلمين آنذاك، ذلك أنهم كانوا يرونها الخطر الحقيقي على سلطانهم، فأخذوا يهددون ثغورهم، ويعدون العدة للانقضاض عليهم، فانتدب النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه للتجهز والخروج فى ساعة العسرة، ولم يكن من الحكمة أن ينتظرهم المسلمون حتى يداهموهم فى مدينتهم، وانتهت بفرار الروم وانسحابهم دون قتال، وحرص النبي صلی الله عليه وسلم على حفظ الدماء فلم يتتبعهم واكتفى صلى الله عليه وسلم بالردع الذى تحقق لهم.

ومن يتتبع سائر أيام نبينا صلی الله عليه وسلم فى ملاقاة أعدائه يجد أنها لا تخرج عن دائرة رد البغي ودفع العدوان وردع التآمر والكيد له صلی الله عليه وسلم ولدعوته ولأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.

ومع ذلك فقد أصل ديننا الحنيف لأخلاق الفرسان فى فلسفة القتال بأنه لا قتل للمدنيين أو لغير المقاتلين، فقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يوصى قادة جيشه بقوله: انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانيا، ولا طفلا، ولا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلوا)، وفى رواية: ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، وفى وصية أبى بكر الصديق رضى الله عنه لأحد قادة جنده: «وإنى موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطع شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شاة، ولا بعيراً، ولا تحرقن نخلاً، ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن».

وقد شدد النبى صلى الله عليه وسلم فى النهى عن قتل الأطفال أو الذرية تشديدا كبيرا، وبلغه صلی الله عليه وسلم قتل بعض الأطفال فوقف يصيح فى جنده: (ما بال أقوام جاوز بهم القتل إلى الذرية، ألا لا تقتلوا ذرية، ألا لا تقتلوا ذرية.

وقد نهی صلی الله عليه وسلم عن قتل جميع من لا يقاتل خاصة النساء، فلما رأى امرأة مقتولة، وكان من حالها أنها لا تقوى على القتال استنكر صلی الله عليه وسلم ذلك بشدة، وقال: من قتل هذه؟ ما كانت هذه لقاتل، مما يؤكد أنه لا قتل على المعتقد قط، وأن القتل ليس مقابلا للكفر، إنما هو مقابل لدفع القتل ورد الاعتداء، حيث يقول الحق سبحانه: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز.

فالقتال فى الإسلام مقصور على رد الاعتداء دون تجاوز، حيث يقول الحق سبحانه: «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ويقول سبحانه: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين.

ومما يؤكد أن الحرب فى الإسلام إنما هى لرد الاعتداء ودفع العدوان دون أى تجاوز أو بغى أو إسراف فى الدماء، ما شرعه الإسلام فى معاملة الأسرى من حسن معاملتهم والإحسان إليهم؛ حيث يقول الحق سبحانه: «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا.

وقد دعا نبينا صلی الله عليه وسلم إلى الرفق بالأسرى، فقال: استوصوا بالأساری خیرا، وقد أوصى أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسرى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الطعام، وفى قصة «ثمان بن أثال الحنفي» ما يؤكد كيف كان نبينا صلی الله عليه وسلم يتعامل مع أسراه، ذلك أنه عندما أسر ثمامة بن أثال وربطوه بسارية من سوارى المسجد، خرج إليه النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: يا محمد إن تقتلنى تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت، حتى كان الغد، ثم قال له: ما يردك يا ثمامة ؟ قال: ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر، فتركه حتى كان بعد الغد، فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال:

عندي ما قلت لك، فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلى من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلى من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إلي، والله ما كان أبغض إلى من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي، وإن خيلك أخذتنى وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر، كما قدم مكة، قال قائل: صبوت، قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبى صلى الله عليه وسلم.

وهذه الثقافة فى معاملة الأسرى عبر عنها الشاعر الأموى الكبير همام بن غالب التميمى المعروف بالفرزدق، فقال:

ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم

إذا أثقل الأعناق حمل المغارم

أما إذا فرض علينا القتال فإننا لا يمكن أن نعطى الدنية فى ديننا ولا أن نتخاذل عن الدفاع عن أوطاننا، إنما نفتديها بأنفسنا وشعارنا فى ذلك: والله إنها لإحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة، حيث يقول الحق سبحانه مخاطبا المسلمين فى يوم بدر: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين، أي: يقطع دابر الكافرين المعتدين عليكم المتربصين بكم الذين أخرجوكم من دیارکم وأموالكم، لا ذنب لكم ولا جريرة إلا أنكم آمنتم بالله ورسوله، ويقول سبحانه: «إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما، ويقول سبحانه: «إن يمسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين»، ويقول سبحانه: «ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم»، ويقول سبحانه: «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم.

 

وقد قلت حول هذه المعانى التى تؤكد أننا أهل سلام ما لم تفرض علينا الحرب، فإن فرضت علينا فنحن رجالها:

من رامها سلما فتلك يد

أو رامها حربا فنحن رجالها

لا نعتدى أبدا ولا نرضی الخنا

إن الرجولة عندنا عنوانها

إحدى اثنتين ولا معقب بعده

النصر نصر أو نری شهداءها

وإننا لعلى يقين تام فى أن منزلة الشهيد من أعلى المنازل عند الله عز وجل، فالشهيد مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، حيث يقول الحق سبحانه: «ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما، ويقول سبحانه: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم، ويقول سبحانه: «ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون»، ويقول سبحانه: «ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

على أن الشهيد الحق هو من لقى الشهادة فى ميدان القتال أو بسببه مدافعا عن دينه ووطنه وعرضه وتراب وطنه مخلصا لوجه الله لا لدنيا يصيبها أو لصالح جماعة متطرفة يتبعها، كما تشمل الشهادة الحقيقية من استشهد فى سبيل ذلك أثناء خدمته وأداء مهمته فى إطار مؤسسات الدولة المعنية بذلك.

وقد أكدنا وما زلنا نؤكد أن إعلان حالة الحرب والسلم المعبر عنها فى العصر الحديث بحالة التعبئة وعند الفقهاء بالجهاد القتالي، ليست أمرا متروكا لعامة الناس، وإنما هى سلطة الحاكم فى ضوء ما يقرر قانون كل دولة ودستورها، وأنه ليس لأحد أن يخرج للقتال من تلقاء نفسه فى غير ما ينظمه القانون والدستور، وإلا لسار الناس إلى أبواب من الفوضى لا تسد.

وعليه فإن من مات على فراشه أو فى بيته أو أى مكان آخر غير ما ذكرنا فإن إطلاق الشهادة عليه لا يخرج عن أحد أمرين: إما أن يكون إطلاق الشهادة عليه من باب المجاز، بأن له منزلة من منازل الشهداء عند ربهم، وذلك لمن مات مبطونا أو محروقا أو غريقا أو نحو ذلك مما وردت به السنة المشرفة، كما فى الحديث الشريف حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد فى سبيل الله».

وإما أن يكون الأمر محصورا بين التزييد والادعاء والكذب والمتاجرة بالدين، كهؤلاء الذين اعتادوا الكذب واستحلوه، فراحوا يكذبون ويزورون ويصفون من مات حتف أنفه على مرأى ومسمع من العالمين بالشهيد كذبا وافتراء ومتاجرة بالدين.

على أننى أؤكد أن البشرية لو بذلت فى سبيل السلام والبناء، والنماء والتنمية، ورعاية الضعفاء والمحتاجين والمهمشين فى العالم معشار ما تنفقه على الحروب والتسليح، وتخلى الأنانيون عن نفعيتهم وأنانيتهم، انصلح حال البشرية جمعاء، ولتغير وجه البسيطة، ولعاش العالم كله فى سلام وأمان.

ويجب على كل عاقل رشيد مؤمن بالإنسانية محب للسلام أن يكون فى جانب السلام والبناء والتعمير لا جانب الاحتراب والتدمير، فكل ما يدعو إلى السلام والبناء وعمارة الكون يتوافق وصحيح الأديان، وكل ما يدعو إلى القتل والتخريب والتدمير يتناقض مع سائر الأديان السماوية، بل يتناقض مع كل الأخلاق والقيم الإنسانية والأعراف والمواثيق الدولية، مما يتطلب منا جميعا العمل معا على ترسيخ وتأصيل كل معانى السلام والوقوف فى وجه دعاة الحرب والدمار من أجل سعادة البشرية جمعاء وتحقيق أمنها وسلامها.

وهذا ما دعانا لفتح آفاق أوسع أمام كتابة جديدة للسيرة النبوية المشرفة فأعلنا فى مسابقة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عن بحوث فى السيرة النبوية، وتقدم الدكتور أسامة فخرى الجندي المكلف بأعمال مدير إدارة المساجد الحكومية بديوان عام الوزارة ببحثه فى السيرة النبوية تحت عنوان: «فقه السيرة النبوية قراءة جديدة»، فكان الحاصل على المركز الأول بين البحوث المقدمة لهذا الموضوع، وقررنا تدقيقه وتنقيحه بمعرفة الإدارة المركزية للسيرة والسنة تحت إشرافنا، متمنين له السداد والتوفيق، ومشجعين له ولزملائه على القراءة الواعية لتراثنا، وإعادة كتابته فى ثوب جدید قشيب يراعى ظروف العصر والمستجدات.

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل،،،