الأحد 28 ابريل 2024

كيف يتجرأ القتلة على رسول الله؟

1-11-2020 | 13:13

لا يختلف كل من يدرس سيرة رسول الله محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – من أتباع الدين الإسلامي أو المستشرقين أو حتى الباحثين من أتباع الديانات الأخرى على تفرّد شخصيته وتأثيره كقائد ومُعلم بخلاف صفاته النبوية التي لم تنقلها لنا السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي فحسب، بل تحدث عنها القرآن الكريم نفسه فى آياته المُحكمات، فوصفه الله عز وجل فى كتابه العزيز بقوله (وَإنكَ لعَلى خُلقٍ عَظيم) - القلم ٤ - وأي شرف هذا حين يأتي ذلك الوصف من رب العالمين سبحانه وتعالى.

فقد ظل النبي ثلاثة عشر عامًا بمكة يدعو لرسالته الجديدة التي كلّفه الله بنشرها ملاقيًا شتى صنوف الصدّ، والمحاربة من المشركين دون أن يغير ذلك السلوك العدوانى من حِلمه، ورحمته، فكلما كان يزيد الإيذاء ويشتد الضغط عليه - صلى الله عليه وسلم - وعلى أتباع الدين الجدد، كان يزداد النبى حرصًا على قومه، علّ الله يخرج من أصلابهم من يشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ولن تجد فيما صح من سيرته العطِرة فى معاملته مع المسلمين وغيرهم إلا رحمته التى كانت بمثابة السلاح السِلمى فى مواجهة أعدائه، والواحة الغنّاء فى جمع أتباعه من حوله واحتوائهم، فحينما غاب اليهودي الذى اعتاد النبي وجوده، سأل عن سبب غيابه، فقيل له إنه مريض فذهب ليعوده، لا يمنعه كونه على غير دينه، وإنما ذهب إليه بدافع الرحمة التى كانت تحيط بكل من حوله من إنسان وحيوان ونبات، وتتضح هذه الصفات الفريدة وذلك الخلق العظيم فى مواقف عديدة ترويها لنا العديد من المصادر، فعندما بال أعرابي فى موضع صلاة المسلمين وأراد أحدهم أن يفتك به أثناء قيامه بذلك، نهاه النبي - صلى الله عليه وسلم – عن إيذائه، بل منعه من الاقتراب منه حتى ينتهى، ثم أخبر هذا الأعرابى بمنتهى الرفق بشنيع فعلته، وليتخيل أحدنا ذلك أن يحدث من أحد الأشخاص فى وقتنا هذا، وردّة الفعل الطبيعية مِن أكثرنا صبرًا وثباتًا على مثل هكذا حدث، وماذا عساه أن يفعل؟!

كما إنه عندما طالبه أحد الدائنين بسداد دين له عند النبي بعنف مما جعل الصحابة ينزعجون من تلك الطريقة الخشنة فى المطالبة، ما كان منه إلا أن أعطى الجميع درسًا فى المعاملات، حيث طلب منهم أن يساووا بين طرفى القضية فى حسن المطالبة مِن الدائن مع التزام المدين بحسن بالسداد، كيف لا وقد نزل فيه قول الحق - تبارك وتعالى - (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك) - آل عمران ١٥٩.

فقد كان النبى سهلًا ليِّنًا، فما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ولم يعرف عنه إلا لِينه ورحمته مع أهل بيته وأصحابه وعامة الناس.

وقد كان جالسًا، فمرت عليه جنازة يهودي فقام واقفًا إكراما للروح التى صعدت إلى بارئها، وعندما أخبره أصحابه أنها جنازة أحد من غير المسلمين، تعجب منهم وقال: أوليست نفسا؟!

فإذا كانت هذه أخلاقه ومعاملاته، فمن المثير للعجب فيمن يدّعون انتماءهم للدين الإسلامي من المتطرفين على مر العصور حتى عصرنا الحالي زعمهم إحياء سنة النبى – صلى الله عليه وسلم – وهم مثال للغلظة، والغلوّ والعنف، فكيف لمن عرف رحمة هذا النبي الهادي أن يعتدى على نفس فيزهق روحها، وهو يعلم أن هذا النبي - الذى يحرص على اتباع تعاليمه وسنته - قد أقسم بأن حرمة النفس أغلى عند الله سبحانه من هدم الكعبة، كما أنه كان يوصى بعدم التعرض لكبار السن أو النساء والأطفال من الأعداء بالأذى، بل والشجر أيضًا فى حال قتال الأعداء دفاعًا عن الدِين أو الأنفس، حيث لم يرِد أى تجاوز قد حدث من جنود المسلمين تجاه أسراهم من أعدائهم أو مخالفة ما أوصى به النبي طيلة حياته وأثناء معاركهم التي دخلوها، خوفًا من غضبه واتباعًا لتعليماته.

فهل يصح أن يستند هؤلاء المتطرفون إلى بعض الآراء الفقهية المتشددة التى ظهرت فى ظروف خاصة ومناسبات لا يمكن القياس عليها، وجعلها أهم من آيات القرآن وسيرة الرسول نفسه، بل واتخاذ تلك الآراء منهجًا وسندًا لكل ما يرتكب من جرائم باسم هذا التشدد وإلصاقه بالدين الذى هو بريء من كل هذا؟

كيف لا يقرأ كل متطرف قوله صلى الله عليه وسلم عن سبب بعثته إلى العالمين «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وكذلك رده عندما طلب منه بعض أصحابه الدعاء على من يفجر فى عدائه معهم مِن المشركين أنه لم يبعث ليلعن أحدًا أو ليدعو على أحد، ألم يطّلِع هؤلاء المتطرفون وأولئك الدواعش الذين لا يتورعون أن يقطعوا رقاب الناس بكل برود على ما حدث فى فتح مكة فى العام الثامن للهجرة، عندما دخل النبي مع جيشه الفاتح إلى مكة بعد ثمانية أعوام من الغربة عنها، لاقى فيها المسلمون ما لاقوه من مشركى مكة الذين استحلّوا بيوتهم وأرضهم وأموالهم التى تركوها وراءهم عند الهجرة، حتى توقعوا أن ينكّل بهم مِن هؤلاء المسلمين الفاتحين، فسألهم النبي – صلوات الله عليه وسلامه – ما تظنون أنى فاعلٌ بكم؟، فأجابوا كما كانوا يعلمون عن أخلاقه: أخٌ كريم وابن أخ كريم، فقال لهم برحمته ورفقه وأخلاقه العظيمة التى يعرفونها: اذهبوا فأنتم الطلقاء!

كيف يقرأ هؤلاء من آيات الذكر الحكيم: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) - الأنبياء ١٠٧، ثم يلوون الحقائق ويغفلون كل الآيات وما صح مِن الحديث والسيرة وينزلقون إلى تلك المزالق المعتمدة على الفتاوى المتطرفة، تاركين وراء ظهورهم سماحة الإسلام ونبل النبي العظيم؟

إلّا إنهم كغيرهم من هذه الفِرق عبر التاريخ، ما هم إلّا دمىً تحركها أياد لا تعمل من أجل الدين وإنما لمصالح سياسية ودنيوية لا يعنيها صحيح الدين في شيء، بينما يقوم بالتنفيذ هؤلاء المغيبون الذين تم العبث بعقولهم، ولكن كل هذه الأفعال التى لا يرضى عنها الإسلام ولا نبي الإسلام، لا تنقص من قدر هذا الدين فى شيء، فما مصير كل من تطرف وانحرف فى فهمه لصحيح الدين ولب الرسالة المحمدية الخالدة على مر الزمن إلا الانضمام إلى تلك الزمرة المذمومة من العالمين ورب العالمين، الذى ما أرسل أنبياءه للناس إلا لنشر المحبة والسلام، وما أرسل نبينا الخاتم للأنبياء إلا رحمة، فهو نبى الرحمة – صلوات الله عليه وسلامه.