الأربعاء 5 يونيو 2024

اتخذوا من الإسلام ستارًا لتنفيذ جرائمهم.. الدولة العثمانية.. تاريخ من السرقة والخيانة وسفك الدماء

فن1-11-2020 | 20:59

غزاة وقتلة دمويون، عمدوا إلى تشويه راية الإسلام وتلطيخها بالدماء تحت شعار الخلافة العثمانية ليمارسوا قتلهم ومذابحهم وفسادهم وإباداتهم الجماعية في حق أبناء البلدان العربية المُسالمين. 

سطّر سلاطين الدولة العثمانية بأعمال البلطجة والإجرام صفحة من أسود صفحات التاريخ في الغزو والتشريد ونهب وتخريب مقدرات الشعوب والأوطان، فكتبوا بدماء ضحاياهم أحط البطولات المزيفة التي أطلقوا عليها زورًا "فتوحات إسلامية"، وهي في حقيقة الأمر توسعات للإمبراطورية العثمانية المريضة، على حساب دول العالم الإسلامي لإزلال وإخضاع شعوبها وحكامها تحت راية الباب العالي.

منذ القرن الثالث عشر الميلادي عانت المنطقة العربية من القتل والقمع والتشريد فضلاً عن سياسة الإفقار وفرض الضرائب الباهظة والجبايات؛ حيث كانت عمليات الإبادة والقتل الجماعي والغزو بمثابة عبادة يتقرب بها بني عثمان لشياطينهم، فوقعت عدة مذابح كان من أشهرها معركة مرج دابق، ومجزرة التل بحلب، ومذبحة القاهرة، ومذبحة القسطنطينية، ومذبحة كربلاء، ومذبحة مسيحيي جدة، ومذبحة الأرمن الكُبرى، ومذبحة سيفو، والإبادة الجماعية اليونانية، ومذابح احتلال ليبيا، ومذابح غزو الجزائر، وغيرها. 


جرائم الأتراك ضد ليبيا.. قتل وسرقة وتهجير

كان العالم العربي بطبيعة الحال يدين بدين الإسلام قبل صعود الدولة العثمانية، إلا أن شهوة السلب والنهب قادت تتار العصر الحديث الذين تولوا مقاليد الخلافة الإسلامية في غفلة من الزمان للعدوان والقتل تحت راية خلافتهم الدموية باسم الفتوحات الإسلامية، ولعل المتابع للمشهد السياسي الحالي، وقارئ التاريخ يجد جوابًا شافيًا لأسباب الرفض العربي والدولي للتدخل التركي في ليبيا الآن، هذا الرفض لم يأت من فراغ، حيث وقَعَتْ ليبيا ضحية للعثمانيين منتصف القرن السادس عشر الميلادي، وعانى أهلها ويلات القتل وقطع الرؤوس في مجازر دامية، وكُشِفت حينها خيانة الأتراك للمسلمين، وتبين فيما بعد حجم التواطؤ العثماني الذي سلّم ليبيا إلى الاستعمار الإيطالي، فكانت مذبحة الجوازي والتي شهدت قتل 10 آلاف ليبي قبل قرابة الـ200 عام، وتحديدًا في سبتمبر عام 1817، حينما نفذ المستعمر العثماني واحدة من أبشع المجازر في التاريخ ضد قبيلة الجوازي، التي كانت تسكن مدينة بنغازي. لم تكن هذه المجزرة الوحيدة التي وقعت في حق ليبيا وأهلها فهناك مذبحة شهيرة معروفة بمذبحة تاجوراء، والتي حدثت بسبب امتناع سُكان إقليم تاجوراء عن دفع الضرائب، ورفضهم توريد محاصيلهم إلى أسواق طرابلس، نكاية في العثمانيين المغتصبين، ودفعًا منهم لتحول تاجوراء إلى مركز تجاري كبير، الأمر الذي أغضب الغزاة، ومن ثم شنوا هجومًا ضاريًا على أهل الإقليم، وبعد مقاومة شديدة من أهالي تاجوراء سقط منهم 500 شهيد على يد اللصوص العثمانيين الذين استولوا على أموال وبضائع التجار، وأنهوا دور تاجوراء التجاري، ونهب الجنود ممتلكات الأهالي، وخطفوا 100 فتاة حرة عربية مسلمة، و145 طفلا، وشردوا عددا كبيرا من الأهالي في الصحراء.

لم تتوقف جرائم العثمانيين في ليبيا عند هذا الحد، حيث كانت مصراته على موعد مع سفك الدماء على يد العصابات العثمانية حينما أرسلت إسطنبول حملة عسكرية في يونيو 1836 بقيادة طاهر باشا، شملت 12 سفينة حربية على متنها 3 آلاف جندي، ومدافع وذخائر ومؤن عسكرية. بدأ طاهر باشا حملته العسكرية بالهجوم على مصراته، واستمرت المعارك 28 يومًا متواصلة، وفي 9 أغسطس 1836 تمكن طاهر باشا من الاستيلاء على مصراته، وعين ضابطا عثمانيًا حاكما للمدينة في مقابل حصد أرواح 80 ألف من الليبيين العزّل المُسالمين. 


... من حلفاء الجزائر ضد الإسبان لمغتصبين لبلادهم

لم يختلف الأمر في ليبيا كثيرًا عنه في الجزائر، رغم أنه قد يكون بدأ في الجزائر قبل ليبيا بسنوات، حيث كانت الغزوات الإسبانية المتلاحقة ضد الجزائر من الأسباب المباشرة التي دفعت الجزائريين لطلب مساعدة الدولة العثمانية، في هذه الأثناء ذاع صيت شابان قويان مغامران هما عروج وخير الدين بربروس أبناء يعقوب أحد جنود محمد الفاتح واللذان عرفا بشجاعتهما وإقدامهما على مواجهة جنود الإسبان على سواحل تونس وبعض الجزر الجزائرية، لذلك فكر أبناء بجاية في الاستنجاد بهما ليعيناهم على طرد الجيش الإسباني المحتل، وكان ذلك في سنة 1512م، وتقدم خير الدين وعروج بالفعل وواجهوا الجنود الإسبان وأرسل لهم سليم الأول العدة والعتاد لفرض سيطرتهم ونفوذهم على الجزائر بدلا من الإسبان لتتحول إلى ولاية من ولايات السلطنة العثمانية التي كان يسعى سليم الأول لتأسيسها.

عندما دخل عروج إلى الجزائر استقبله الشيخ سالم التومي وسكان المدينة استقبال الفاتحين، وسارع عروج بنصب عدد من المدافع تجاه المعقل الإسباني، وبعث إلى قائد الحامية الإسبانية يأمره بالاستسلام، ولكن القائد الإسباني رفض، فأطلق عروج نيران مدفعيته التي فشلت في إصابة أهدافها، الأمر الذي نال من سمعة عروج والأتراك، ودفع الشعب الجزائري للسخط عليه، فشعر عروج بتآمر من قِبل حاكم الجزائر سالم التومي، فذهب بنفسه لمنزله وقتله بيده في الحمام حيث وجده، وخرج على جنده وأعلن نفسه سلطانًا على الجزائر، وانتشر الجنود الأتراك في المدينة يعيثون فسادًا حيث استولوا على كل ما وقع تحت أيديهم في المدينة، مما زاد سخط الشعب الجزائري ضد عروج وخير الدين والأتراك وموالوهم، الأمر الذي دفعهم مرة أخرى للتفكير في الاستنجاد بالإسبان ضد الأتراك الخائنين.

دارت معارك كثيرة بين الإسبان وبين عروج وخير الدين من جهة وبين الجزائريين وكلا الطرفين من جهة أخرى، وذلك في أكثر من مدينة من مدن الجزائر مثل جيجل وتلمسان وبجاية ووهران وميناء الجزائر الذي شهد مجزرة كبيرة نفذها خير الدين في حق الشعب الجزائري الذي أعد خطة لإضرام النيران في سفن المحتل، إلا أن خير الدين تمكن من القبض على المُخططين وقطع رؤوسهم وعلقها على أبواب قصره، وتوالت المعارك على أرض الجزائر وانتهت إحداها بحصار وقتل عروج من قبل الجنود الإسبان، بينما واصل خير الدين جرائمه حيث طلب الدعم مرة أخرى من "سليم السفاح" بعدما استولى الأخير على الحجاز ومصر، فوافاه سليم الأول بالسلاح والعتاد اللازم لمواصلة غزو ما تبقى من المدن الجزائرية، ومواجهة الإسبان، والتطلع لغزو تونس لضمها إلى الجزائر تحت رايته، ومن ثم تفضّل عليه سليم الأول ومنحه لقب باشا وأسماه "باي لا رباي"  أي أمير الأمراء، وأذن له بأن يضرب السَكّة باسمه، وأرسل له سلاحًا وذخيرة، وزوده بالمدفعية ليواصل جرائمه في حق المسلمين.




مجازر حلب والقاهرة والقسطنطينية

حينما فر كركود أخو السلطان العثماني سليم الأول إلى مصر هاربًا وملتجأ إليها بعد أن اختلف مع أخيه على المُلّك، رحب قنصوة الغوري سلطان مصر به ترحابًا عظيمًا، الأمر الذي أثار حفيظة سليم الأول وقرر على إثره غزو سوريا ومصر، وأرسل إلى سلطان مصر رسائل التهديد والوعيد، فاتحد قنصوة الغوري مع ملك الفرس إسماعيل شاه على قهر العثمانيين، وكان الفرس في حرب معهم إلا أن الجيوش العثمانية لم تُبالِ بكثرة العدد فتشتت الجيشان ولم يتثن لهما مواجهة سليم السفاح؛ فأرسل قنصوة إليه في أمر الصلح، إلا أنه رفض، فجمع قنصوة الجيوش لملاقاته في مرج دابق قُرب حلب وأظهر الغوري بسالة كبيرة، إلا أن سهام ورماح جنوده لم تصمد طويلًا أمام مدافع العثماني، ليرحل إثر تقهقر جيشه وهزيمته في العام 1516م. بعد معركة ﻣﺮﺝ ﺩﺍﺑﻖ دخل سليم الأول على أهل حلب محملًا ﺑﺄﺣﻘﺎﺩﻩ، فدخل المدينة ووقعت على يديه "مجزرة التلل" المروّعة، والتي تذكر المراجع التاريخية أنه صنع خلالها من جثامين الشهداء تلالاً تأكل منها الجوارح، وقُدّر عدد ضحاياه بأربعين ألف، إلى تسعين ألف ضحية، من الرجال والأطفال والنساء وكبار السن والعلماء. وما أشبه حلب بالقاهرة، فعندما دخل سليم الأول إلى المحروسة، ألقى فيها بجثث 10 آلاف مصري قتلهم جنوده وتركوا جثامينهم في الشوارع، بعد أن نهبوا بيوتهم وأحرقوا مساجدهم ونشروا الرعب في الآمنين، وما كان هذا العزو إلا تعدٍ صارخ على بلد مسلم، واحتلال لأرضه طمعًا في خيراته وما أشبه اليوم بالبارحة. 

لم يختلف الحال في مصر كثيرًا عنه في إسطنبول، فمجرد أن علم الباب العالي بانتفاضة اليونان 1821 – 1830م، حتى أمر بتنفيذ "مذبحة القسطنطينية"، التي شهدت عمليات إعدام جماعية، وتدمير للكنائس، وذبح جنوني للتجار في المدينة، وكانت ذروة هذه المجازر حينما أمر السلطان العثماني محمود الثاني بشنق بطريرك القسطنطينية الأرثوذكسي غريغوريوس الخامس، المقيم في إسطنبول، وتمت عملية الشنق بعد احتفال البطريرك بقداس عيد الفصح عام 1821م مباشرة، حيث أُعدم وهو مرتدٍ كامل زيه الديني، الأمر نفسه حدث في كربلاء، عام 1842م حيث عمد الباب العالي على اخضاع كربلاء بالقوة، حيث نصب نجيب باشا والي العراق ورجل الدولة العثمانية على أرضها، المدافع الكبيرة حول المدينة وأمطرها بوابل من القذائف، وتمكن من فتح ثغرة في القلعة ودارت معركة شديدة عندها، انتهت بسقوط المدينة وأمر نجيب باشا باستباحتها ونهبها عقابا لأهلها، فبدأ الجنود بقتل كل من يرونه من السكان أو الحجاج، وفي هذه المذبحة البشعة ذبح الأتراك آلافاً من سكان المدينة والعشائر القريبة، منها وبلغ عدد من قتلوا قرابة 24 ألف قتيل، وأخذوا العشرات من أعيان المدينة أسرى إلى بغداد. 


مذبحة الأرمن الكبرى

لم تتوقف مذابح الدولة العثمانية عند هذا الحد ففي العام 1915 وقعت "مذبحة الأرمن الكبرى"، وهي مذبحة غنية بفجاعتها وجرم أحداثها عن كل حديث، فهي واحدة من أكبر جرائم القتل المتعمد والمنهجي للسكان الأرمن من قبل حكومة تركيا والدولة العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى. ويقدّر المؤرخون أعداد الضحايا الأرمن بين مليون إلى مليون ونصف شخص. 

نُفذت الإبادة الجماعية أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، ونُفذت على مرحلتين الأولى كانت بالقتل الجماعي للذكور ذوي القدرة الجسديَّة وتعريض المجندين بالجيش إلى السُخرة، ويليها ترحيل النساء والأطفال والمسنين والعجزة ضمن مسيرات الموت المؤدية إلى الصحراء السورية. وخلال هذه الفترة تم استهداف ومهاجمة وقتل مجموعات عرقية مسيحية أخرى منها السريان والكلدان والآشوريين واليونانيين وهو جزء من سياسية الإبادة التي انتهجتها حكومة تركيا ضد عدد من الطوائف المسيحية. ومن أشهر هذه المذابح "مذابح سيفو"، التي عُرفت باسم المذابح الآشورية أو مذابح السريان، والتي أدت إلى مقتل مئات الآلاف منهم، ونزح آخرون من مناطق سكنهم الأصلية بجنوب شرق تركيا الحالية وشمال غرب إيران، ويُقدّر أعداد الضحايا في هذه المذبحة على يد الدولة العثمانية ما بين 250 ألف إلى 500 ألف شخص. حينها أصدر الأزهر الشريف بيان إدانة لعمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في حق الأرمن، كما ظهرت في محافظات مصر العديد من المبادرات للاكتتاب لجمع الأموال للأرمن وأسرهم بعد ما لحق بهم على يد الأتراك الدمويين.