الجمعة 31 مايو 2024

قصة «بداية».. من مجموعة "جئتك بالحب" لتيسير النجار

فن2-11-2020 | 17:08

تعالت أصواتهم فجأة، جعلتني أخرج مسرعة، شعري كان منسابًا يقطر من أطرافه الماء، لففت البشكير في عجالة ولم أضع مزيل العرق، أمام المنزل يصرخون "ذهب .. ذهب" وضعت شال أمي على كتفيّ، وقفت بالباب، تساقطت قطع ذهبية لامعة من السماء، تتشاجر عائلتي مع الجيران على الأساور والأقراط وغيرها.. صوت ارتطام الحلي الذهبية بالأرض، صراع المارة عليها أصدر ضجة عالية.


تكدست السيارات نزل السائقون والركاب، الكل يجمع الذهب بانفعال محموم، سقط قتلى ومصابون، شجارات عنيفة، ذعر وكأننا في يوم الحشر، تملكني خوف رهيب والصداع المزمن يفترس رأسي، بلعت بعض الأقراص المهدئة، عقدت شعري وأدخلت قدميّ بالصندل البلاستيك، مررت بجوارهم لم ينتبه لي أحدهم، ركضت نحو الشارع الرئيسي وجدت قطعة مستطيلة من الخشب، أمسكت بها لأحمي رأسي من خبطات الذهب، كل الأبواب مشرعة، وأهل الديار بالخارج يتقاتلون على الكنز الذي يهطل مثل المطر، بين الأصوات العالية ميزت صوت طفل صغير ملقًى على المصطبة وأمه محنية تجمع الذهب في كيس بلاستيكي أسود اللون، كان ثديها متدليًا لم تعبأ بأحد قد مسها جنون الذهب، لم يخفق قلبها لطفلها الذي ازرَقَّ لونه من الصراخ، لو أستطيع حمايته وإطعامه؛ لحملته معي لكني لا أدري إلى أين ذاهبة.


اجتزت مسافة لم أحسبها، صار حلقي حارقًا، دخلت "سوبر ماركت" على ناصية الطريق كان خاليًا إلا من السلع، شربت وأكلت وأكملت سيري، فكرت في استخدام سيارة لكن كيف سأشق هذا الزحام..؟ كنت أحكم لف البشكير بصعوبة، مازال الطريق طويلاً حتى أصل خارج منطقتنا.


وأسأل نفسي التي لم تجد إجابة: هل أمطار الذهب لدينا فقط أم شملت العالم بأكمله؟ دخلت "بوتيك" فارغًا من البشر، ارتديت بنطلونًا من الجينز و"بادي" من القطن وحملت معطفًا لظرف احتياطي، الجو مناسب للتنزه وليس للركض المجنون والفرار إلى المجهول، حين خرجت كان الذهب قد طغى ولم أرَ الأرض منه، صرت أمشي عليه والناس لم يكتفوا بعد، أصابهم الإجهاد وأمسوا يكدسونه في منازلهم، سمعت طفلة ترجو أمها أن تتركها : أمي أنا جائعة.


صاحت بها: اجمعي الكثير من الذهب وبعدها تأكلين .. هيا كفي عن الكسل. راحت تجمع الذهب بهمة زائفة، أنا أيضًا تعبت كأن الطريق سرمدي، أصبحت خارج مدينتنا كان طريقًا زراعيًا ممتدًّا ولا أثر لبنايات.. انتهى المطر.. إنني أرى الشمس انحدرت إلى الغرب لا يوجد ذهب أخيرًا، ألقيت بقطعة الخشب، صرت أركض في الأرض الزراعية.