الأربعاء 29 مايو 2024

الإرهاب والشباب شباب الإخوان نموذجًا "الجذور- الأسباب - النتائج"

فن2-11-2020 | 17:44

 في عام 1935 انتفض طلبة المدارس والجامعات ضد  النظام الحاكم وخرجوا للشوارع مطالبين بعودة العمل بدستور 1923  الذى ألغاه إسماعيل صدقي، رئيس وزراء مصر عام 1930، ومثل وقتها دستور 23 للشباب الحرية التي اقتنصوها من بريطانيا والملك إبّان ثورة 1919 ، وبإلغاء العمل بهذا الدستور فأنت تقتل ثورة 1919 وتقضى على الآمال التي تولدت بأننا سنكون أحرارًا في يوم من الأيام، وكان المحرك الرئيسي والفاعل في الانتفاضة طلبة المدارس والجامعات، بل وتمكنوا حينها من الضغط على الأحزاب وفي مقدمتهم حزب الوفد وتكونت الجبهة الوطنية حينها بسواعد وإرادة الطلبة.

لكن في الوقت الذي انتفض فيه الطلبة خرجت جماعة للوجود وبدأت في قراءة المشهد المصري،  وتأكد لديها أن من يريد النجاح فعليه بالشباب، وأن من يريد الاستمرار فعليه بالشباب، وكان عدد الشباب في تلك الجماعة إبّان تلك الانتفاضة سنة 1935  لا يتعدى الـ 500 شاب كان جُلّهم من جامعة الأزهر، غير أنهم، وبأسلوب في سياستهم في جذب الشباب، وصل تعدادهم لما يقارب الـ 40 ألفًا في عام 1946 وأضحت الجماعة التي لم يسمع صوتها في انتفاضة 1935 الطلابية أحد دعائم انتفاضة 46 بل وتسبب اتفاقها مع الوزارة والقصر وابتعادها عن المد الثوري حينها في ضرب الانتفاضة ضربة قاصمة أفقدتها رونقها سريعا، وظهر في تلك الآونة ما أُصطُلح على تسميته بـ"إسلام الأفندية"، ذلك أن العرف وقتئذ أن رجال الدين مكانهم جامعة الأزهر، وكان غريبًا رؤيتنا لشباب كليات الحقوق والآداب والعلوم وقد أطلقت لحاهم وصاروا فقهاء في الدين بدلا من المواد التى يتعلمونها في الجامعة..  تلك هى جماعة الإخوان الإرهابية.

 كانت جماعة الإخوان تتبع أسلوبا مختلفا في ضم الشباب واحتوائهم تحت لوائها، بحيث إن من ينضم إليهم من المستحيل أن ينفلت من بين براثنهم، وإن حالفه الحظ وتركهم فهو مشوه لا طائل من ورائه، فجماعة الإخوان تتكون من أسر صغيرة تعداد كل أسرة من خمسة إلى عشرة  أفراد، ولكل أسرة نقيب وللنقباء أسر أيضا في مجموعة تعلو في الهيكل التنظيمي، ثم فصيل، وشعبة، ومنطقة، وتلك الأخيرة تماثل في الهيكل الإداري للحكومات المحافظة الآن، وذلك حتى تنتهي بك المسألة لمكتب الإرشاد الذى يتحكم في إخوان مصر والعالم.  والأسر ثنائية في تكوينها، فهناك أسر مفتوحة ينضم لها الأشخاص في بداية علاقتهم بالجماعة، يقرأون القرآن ويتدارسونه ويتعلمون الفقه والحديث، وهم في تلك الأثناء يوضعون تحت عناية فائقة حتى إذا ثبت إخلاص أحدهم وطاعته العمياء وإرادته الصُلبة ورغبته الشهادة في سبيل قضيته رُفع درجة للأسرة الاخوانية، وكان البنا في بداية الدعوة يهتم بتكوين أواصر اجتماعية مع كل شاب داخل الجماعة، بل كان يوفر من وقته أسبوعيًا يوما يقضيه مع أسرة إخوانية، بحيث يغطى الأسر في جميع أنحاء مصر على مدار العام، وكان يهتم بأدق التفاصيل الشخصية للشاب، ويعرف عنه كل أخباره الاجتماعية ويهتم بمستواه الدراسي ويحثه على التفوق، ومثل البنا للشباب حينها الأب الروحي، وليس مجرد زعيم سياسي كـ "سعد زعلول" أو "مصطفى النحاس" اللذين ما لبثا أن ثارا عليه وشكلا تنظيمات وفدية نافسته في البرلمان.  

ولأن الجماعة تؤمن أن تلك المرحلة مرحلة التكوين، أي تكوين الشاب المسلم والفتاة المسلمة واللذين يمثلان البذرة للدولة الإسلامية، فقد اتبعت الجماعة نظاما أن يتزوج الإخواني من فتاة إخوانية لتكوين الأسرة المسلمة التى تكون نواة للدولة الإسلامية في المرحلة التالية من المخطط الذي كان يحلم به حسن البنا، ألا وهو إنشاء دولة الخلافة الإسلامية، تلك الخلافة التي تسبب قتلها  عام 1924 في إنشاء جماعة الإخوان.  وهكذا صارت العلاقة بين شباب الإخوان وقادتهم، ليست علاقة فكر وتنظيم ورأى نسبي قد يتغير أو يثور عليه بعضهم، إنما المسألة علاقات اجتماعية وأواصر عائلية ونسب وأسرة وأزواج وزوجات وذرية تتناسل جيلا بعد جيل لتكون مفرخة تخرج من يحمل الجماعة على كتفه حتى نهاية الخليقة، ولهذه الأسباب يعيش الإخوان، ويموت آخرون، ولهذه الأسباب أيضا هم يقدسون التنظيم ورأي قادتهم وما يخرج عن مكتب الشورى حتى وإن خالف هواهم.

أذكر أنه فى جمعة تحديد المسار 9/9 / 2011 أخبرنى أحد شباب الإخوان أنه يود أن يوجد في التحرير لأنه يشعر في قرارة نفسه أن العودة للميدان في مثل هذا التوقيت من مصلحة الوطن، غير أن مكتب شورى الجماعة  قرر عدم العودة للميدان وهو يطيع أمر الجماعة، فقلت إذن فلتترك الجماعة وتحرر عقلك، فرد الشاب قائلا: إن المسألة ليست مجرد أفكار ورؤى قد نتفق أو نختلف عليها، إنما هناك علاقات اجتماعية وأواصر أسرية تجعلنا وحدة واحدة، وأسرة بالمعنى الدارج الذي لا يتخلى فيه الفرد عن المجموع مهما حدث، فقلت له حينها: فما فائدة تلك الشهادة التى صارعت سنوات كي تحصل عليها؟ كان يكفيك أنهم يفكرون ويخططون ، فسكت ولم يرد .

وكان هذا الأسلوب المتبع في ضم الشباب وتكوين الفرد المسلم هو الذي قتل أصوات الطلبة فيما بعد وجعلها مؤدلجة تأتمر بأمر الجماعة والحزب، بعد أن كنا نرى الشباب يثورون على الوفد ويجبرون النحاس باشا على الانضمام للجبهة الوطنية عام 1935 ، بل ونرى مصطفى موسى الطالب الوفدي يثور على قرارات فؤاد سراج الدين سكرتير الوفد عام 1946  ونرى سكرتير الوفد ينصاع لرغبات الطالب، تحولت المسألة في عام 2011 ووجدنا الطلبة يثورون يوم 28 يناير بعد أن أعطتهم الجماعة الضوء الأخضر في الوقت الذى كان إخوانهم الشباب يسحلون في شوارع وميادين مصر منذ يوم 25 يناير، ورأينا الجماعة تفصل شابا لأنه شارك في الجمعة التي أسمتها الجماعة بجمعة الوقيعة بين الجيش والشعب والتي رفضت المشاركة فيه،  وتفصل آخر لأنه قرر أن ينتخب الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح بالمخالفة لرأي مكتب الإرشاد، بل والأدهى من ذلك تم قصر لفظ مسلم على من هم داخل الجماعة، ومن كان خارجها فليختر لنفسه أي مصطلح آخر، واستخدم الدين بأبشع صوره لتحقيق رغبة سياسية أو الحصول على مقعد في البرلمان، فأنت تنتخب "فلان" لأنه الفارس الذي سيطبق دين الله، وأنت لا تنتخب "فلان" لأنه الكافر الذى يريد فصل الدين عن الدنيا .

أدرك حسن البنا وجماعته  أن السيطرة على الشباب في سن صغيرة هى الأفضل، فأنت لست في حاجة لإعادة تشكيل تلك العقول على فكرك لأنها من الأساس لا تزال عقولا في المهد لم تختبر الحياة ولا تعرف مسالكها، فلن يحمل البنا حينئذ عبء التوضيح والرد على التساؤلات التى تثيرها الخبرات السابقة.

أضف إلى ذلك أن البنا لم يكن في حاجة إلى زرع التطرف إلى الفكرة في عقول هؤلاء الشباب، لأن تلك الفترة العمرية من مسلماتها التطرف والتمرد فوق كل المسلمات، لم يكن على البنا سوى توجيه ذلك التطرف ليصب في خانة الجماعة.

لكن من العسير عمليا محاولة تتبع مراحل تطور تلك العلاقة بين الجماعة والشباب وإدراك البنا لأهمية أن يكون عمود جماعته منهم لأنها جد معقدة، خاصة وإذا أدركنا أن الكتب والمصادر في تلك المسألة قليلة وما وجد منها يشوبه العوار والنقص  سواء ما كتبه الإخوان عن أنفسهم أو ما كتبه معارضو الإخوان، فكل كاتب من الجانبين أضاف إلى ما كتب لمسته الخاصة بما تحويه من موقف مع أو ضد الجماعة، فأخذ يسطر الكلمات كما يحب أن يراها لا كما يجب أن تكون.

وجود طلبة المدارس والجامعات في المشهد السياسي المصرى لم يكن مستغربا في تلك الفترة التاريخية خصوصا بعد ثورة 1919  التي أشعل شرارتها طلبة كلية الحقوق، وإثر تلك الثورة خرج سكرتير الوفد ليخطب في الطلاب قائلا " عليكم أيها الطلبة قامت الأمة والوفد" وقد سطّر أحمد عبد الله رزة تاريخ ذلك النضال الطلابى في رسالته للدكتوراة والتى شملها كتابه "الطلبة والسياسة في مصر" الصادر عن دار سينا للنشر، واستفاض في ذلك أيضا الدكتور عاصم محروس عبد المطلب في كتابه "الطلبة والحركة الوطنية فى مصر"  إضافة إلى كتب عدة نقلت دور الشباب في تلك المرحلة، إلا أنه وفي خضمّ تلك الأحداث كان حسن البنا يشكل عقول طلاب الإخوان وشبابها على مسألة لا بديل عنها، هى إعادة إحياء دولة الخلافة الإسلامية متخطيا في ذلك مسميات الوطن والدولة وتغيرات المجتمعات الحديثة، ضاربا بعرض الحائط أي هدف قد يراه الآخر ساميا إن كان لا يتفق وحلمه في خلافة المسلمين.

وبدأ البنا في سبيل ذلك إنشاء تشكيلات هرمية مكونة من الشباب وبعضها كان عسكريا.

 في البداية كانت عشيرة الجوالة وهى تجمع مكون من عشرة شباب يرأسهم شاب يسمى رفيق العشيرة، بينما كانت مجموع العشائر كلها في الشعبة تسمى الرهط، وكبير الرهط المسئول عنه يلقب زعيم الرهط، وكان يسبق نظام الجوالة في تشكيلات الإخوان نظامٌ آخر يسمى الكتيبة، وهو عبارة عن اجتماع مجموعة مختارة من الإخوان يبلغون الأربعين عضوا في دار من دور الإخوان، وهو نظام تربوى بدأ في العام 1937  وكتب له البنا رسالة أسماها "المنهج" لكن لم يكتب لها الاستمرار في العمل لأنها كانت عنيفة فتم سحبها من الأعضاء، وكان طمسها من السهولة بمكان، خصوصا وأنها كانت لا تباع إنما توزع فقط على الأعضاء.

ثم كان النظام الذي استمر حتى الآن، وهو نظام الأسر الذى أسس له عام  1943، وهو يقتضي بتكوين تجمعات إخوانية من عشرة أفراد، وكان من مقتضى نظام الأسر ذلك كما أورد  كتاب "النقط فوق الحروف" لأحمد عادل كمال أن تكون اجتماعاتها في بيوت الإخوان لا في شُعبهم، وذلك لاعتبارين ..  الأول : أن يعتاد الإخوان ذلك فلا ينفرط عقدهم إذا أغلقت الشُعب، والثاني توثيق عُرى الإخاء بين الإخوان وزيادة أواصر الحب والصداقة بينهم نتيجة لهذا التزاور.

فالناظر لتلك الجماعة سيجد أنها إضافة إلى كونها أدركت أهمية الشباب والسيطرة عليهم منذ اللحظة الأولى، كانت أيضا مثل الطفل الوليد الذي يكبر ويتشكل متأثرا بالبيئة المحيطة، فهيكل الإخوان وتراكيبه لم تظهر هكذا فجأة إنما كانت تراكمية نتيجة لاحتكاك تلك الجماعة بالمشهد السياسى وإدراك آليات العمل حينها، يظهر ذلك جليا في بعض آليات العمل مثل السرية المطلقة التى تميزت بها التنظيمات الشيوعية أو تكوين كتائب قتالية مثل تلك التي تميزت بها التنظيمات الفاشية وحتى في بعض المسميات سواء كلمة الأستاذ المعروفة في الماسونية، أو كلمة رفيق، فالبنا كان يقتات على ما حوله ويمزجه ليخرج بالشكل الحالي لجماعة الإخوان الإرهابية.

لذلك فأنت ستجد جماعة منبتة الصلة بماضيها وحاضرها أيضا ولا تتغذى سوى على كلمة خلافة إسلامية والتي لم تكلف نفسها حتى مشقة بلورة تلك الخلافة في تقنين وقوانين توضح معالمها.  كل ذلك أنتج لنا شبابا متطرفا عن جهل تحول بمرور الوقت لبذرة تكبر فتصير جماعة ثم جماعات متطرفة تحمل السلاح لأنها لا تملك الفكرة التي تحاج المجتمع بها.

 

وأبرز مثال على ذلك الشاب شكرى مصطفى الذي التحق باخوان أسيوط قبل تخرجه فى  كلية الزراعة عام 64 ، 1965  وبصدور القرار الجمهوري عام 1965 باعتقال أعضاء جماعة الإخوان أُعتُقل شكرى وأُودع السجن الحربى حتى أُفرج عنه عام 1971 ، غير أنه خرج بحال غير التي دخل بها ، كانت قد تبلورت لديه فكرة لنواة جماعة رأى هو الآخر أنها الناجية من النار!

يقول اللواء حسين صادق في كتابه "الفرق الإسلامية بين الفكر والتطرف" تحت عنوان التصور الإسلامي للجماعة : " يقوم على أن الإسلام  قد عاد غريبا وأن المجتمعات القائمة ستنهار، وسيبدأ الإسلام من جديد على يد الصفوة المؤمنة بحد السيف انطلاقا من جبال اليمن واستنادا إلى بعض الأحاديث الدينية المكذوبة".

ومن أبرز ما اعتنقت جماعة شكرى مصطفى فكرة الهجرة،  وهى نتيجة لضرورة الانفصال عن المجتمع القائم والانعزال عنه وبدء التحرك الإيجابى لتحقيق نواة المجتمع الإسلامى المنشود، وذلك باللجوء للجبال والمغارات.

ومن تلك الأفكار أيضا مبدأ التوقف والتبين ، الذى يقوم على رفض الاكتفاء بتوافر أركان الإسلام الخمسة ليكون المرء مسلما والمطالبة بحتمية تجنب المعاصى وإلا أُعتُبر الفردُ كافرًا .

وبتلك الأفكار وغيرها كون شكرى مصطفى نواة جماعة المسلمين أو ما أصطلح عليه إعلاميا باسم جماعة التكفير والهجرة ...وفى توقيت مقارب كانت تلوح في الأفق راية أخرى من رايات الدعوة لتطبيق شرع الله وذلك في العام 1974  برئاسة صالح عبد الله سرية الفلسطيني الجنسية، المفصول من جماعة فتح، المفصول من جماعة الإخوان الإرهابية بالعراق لتطرفه، كما كان منتميا للحزب الشيوعى ، حاصل على الدكتوراة من معهد الدراسات الإسلامية عام 1972 ، وكان ينادى بقيام الدولة الإسلامية لتطبيق شرع الله مستخدما في ذلك جميع طرق العنف مع إباحة الدماء للوصول إلى هدفه، وبدأ جهاده بمحاولة الاستيلاء على الكلية الفنية العسكرية غير أن المحاولة فشلت وحكم عليه بالإعدام، وخلف صالح سرية في تنظيم الجهاد عبد السلام فرج الذى دعا إلى تكفير المجتمع بالكامل وأنه لا سبيل إلى الخلاص إلا بالقتل والعنف وأن الآيات التي تدعو إلى الصفح والعفو والتسامح آيات منسوخة .

 

ومن اللطائف في حكاية شكري مصطفى أنه عندما كان في السجن عام 1965 كان قد بدأ يميل للفكر القطبي الذي كان منبوذا في جماعة الإخوان حينها، بل وكان يحاكم من ينتمي إليه، ونتيجة لذلك أصدر حسن الهضيبى مرشد الإخوان حينها كتابا يؤكد فيه على إن الإخوان جماعة دعوية ولم تأت لتنفى الدين عن سواها وتثبته لنفسها، إلا أن شكري مصطفى كان قد بدأ يؤسس لأفكاره وكان من تلامذته حينها مرشد الإخوان محمد بديع ونائبه محمود عزت.