الثلاثاء 2 يوليو 2024

فن هدم الوعي

فن2-11-2020 | 18:48

 خلق الله الإنسان وبنى داخله مكونات الخير والشر، والبناء والهدم، والتعمير والتخريب، وحمّله أمانة ومسئولية تعمير الأرض محدداً له مسارات النجاة، وأوضح له عبر العقل والمنطق والشرائع والأديان المصير والمستقر والنهاية لكل مسار إن كان وإن لم يكن الإنسان على قدر هذه المسئولية، ولم يقنع الإنسان بما وهبه الله له من نِعم، وتباعد عن العمل بالأديان، وطغى الشر على الخير، وأدار الإنسان الحروب تجاه أخيه الإنسان بدءًا بحروب الجيل الأول (Man Power) التي اعتمدت على قوة الإنسان، ثم حروب الجيل الثاني (Fire Power) التي اعتمدت على قوة تفجير وتدمير البارود، ثم حروب الجيل الثالث (Maneuver Power) التي اعتمدت على إمكانيات وقدرات المحرك والآلة، واستهدفت الحروب الثلاث القوة العسكرية في الدولة حيث بكسرها تنهار الدولة بالكامل، نجح هذا حين اقتصر تصنيع وتجارة السلاح على دول بذاتها، ومع إبداع العديد من دول العالم في تصنيع وتجارة السلاح وانتشاره في كل العالم كان من المحتم تغيير الاستراتيجية، فكانت حروب الجيل الرابع التي استهدفت القطاع المدني في الدولة بوضع الإنسان تحت ضغوط نفسية وعصبية وتوتر دائم على مدار اليوم ليفقد بوصلة الاتجاه، ويتحول إلى رهينة في أيدي من يملك ويدير أدوات حرب الجيل الرابع.

كان أهم وأقوى وأفعل وأسرع أدوات حرب الجيل الرابع الهاتف الذكي، الذي احتوى وتضمن وأدى وظيفة كل وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي في جهاز صغير واحد في متناول يد الإنسان، والذي تغلغلت آثاره في كل شرائح المجتمع، المتعلم وغير المتعلم، المثقف والجاهل، الغني والفقير،القوي والضعيف، ذوي وفاقدي الهمم، أهل الوطنية وفاقدي الانتماء، والذي حقق أهدافه بلا تكلفة مالية تُذكر، والذي لا يعنيه أي حدود جغرافية أو سياسية أو سكنية، والذي لا يدخل في اعتباراته أي قيم أو أخلاق أو أديان، والذي ركز من يستخدمه ضد مصر في أهدافه الرئيسية على شباب مصر، وهم ركائز ووقود مرحلة البناء والتعمير القادمة، هذا الجهاز إضافة إلى كل وسائل الإعلام الموجهة والمدفوعة بغباء لهدم الإنسان المصري يتنافسون فى هز الثقة بين الإنسان وحكومته، وبناء حائط فاصل بين المسئول ومن يتحمل مسئوليتهم، وإعادة تقسيم مصر إلى شرائح وطبقات اجتماعية واقتصادية متناحرة تشعر بالتفاوت بينها، ومجتمعات سكنية متنافرة متباعدة المستوى يسود بينها الحقد والكراهية، ومجتمعات تعليمية وثقافية غير وطنية عبر منظومة تعليم تسودها ثقافة الغرب والاغتراب في غياب الأسرة المصرية، هذه الأساليب وبعيدا عن سيطرة الدولة يمكنها خلق فجوة ضخمة وخطيرة بين الإنسان المصري وحكومته، وخاصة شبابه وهم ركيزة بناء المستقبل والدفاع عن الوطن، هذا الشباب الذي يتطلع لبناء مستقبل يماثل ما يراه في القادرين، وهذه الحكومة التي مهما سعت واجتهدت وجدها الشباب وتحت ضغط وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المغيب مهملة ومتسيبة ومقصرة ويسودها الفساد، حيث تمثل هذه الظروف المناخ النموذجي لصناعة الإنسان الفاشل، ومنه يتم الوصول إلى الدولة الفاشلة، هذه المعطيات وبعيدا عن الرقابة والسيطرة تجعل الوطن رهينة للتشتت والتمزق والتدمير.

ولاستكمال هذه الحلقة تتفرغ مراكز البحث والدراسة في الدول المتقدمة لدراسة الإنسان، حجر الزاوية وعمود الأساس للبناء أو الهدم في أي دولة من الدول، والدراسة الديموغرافية للمجتمع المصري تؤكد شبابية هذا المجتمع، وأن استهداف الشباب سيسهل مهمة تقسيم مصر والسيطرة عليها وإدارة دفتها إلى حيث تشتهي قوى الشر، وتؤكد الظروف التي تمر بها مصر ليس مع أحداث 25 يناير 2011 فقط، ولكن منذ بدء إعداد كوادر وقوافل التدمير من الشباب المصري المغيب في الخارج منذ إعلان كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية عن الفوضى الخلاقة عام 2005 أن الأمر تم إعداده أفضل ما يكون الإعداد، عدا حقيقة مهمة غابت عن قوى الشر وهي معدن وذكاء الإنسان المصري القادر على الفرز والتجنيب، وقدرته على قراءة صدق أو كذب من يديره، وليس أدل على ذلك أفضل من سلوك الشعب المصري عام 2014 حين طلب رئيس مصر من شعبها تدبير (60) مليار جنيه لحفر تفريعة قناة السويس الجديدة دون اللجوء لأجنبي، ووقفت بيوت المال وقوى الشر متأملة شامتة، وهي على يقين من استحالة تنفيذ هذا المطلب، ومرت الساعات وبُهت المتربصون حين وفر هذا الشعب مبلغ (64) مليار جنيه في ثمانية أيام وست ساعات، وتنافس الشباب قبل الشيوخ في هذا المضمار لوضع بصمتهم أمام التاريخ، وكيف كانوا في مقدمة المشاركين لإعمار مصر.

وكانت الأدوات التي ارتكنت إليها قوى الشر للاستحواذ على مصر حتى بعد فضح مخططهم عام 2013 عناصر الإخوان، وحتى مع الإمساك برءوس الإخوان يسعى من اعتمد عليهم لتنفيذ مخطط التفتيت والتقسيم في مصر إلى أدوات حرب الجيل الرابع لاستكمال تنفيذ المخطط من الخارج، مستهدفا الشباب، ومركزًا على تضخيم وتجسيم أي مصاعب أو مشاكل تمر بها الدولة الآن نتيجة إهمال وتراكمات وأخطاء سنين مضت، غاب فيها المسئولون عن هذا البلد (أمام الله) عن كل مسئولياتهم، ونجني الآن نتيجة أخطائهم، وهذا ما يروّع مسئولي جيل هذا الزمن عند سؤال أنفسهم ماذا سنقدم لمصر؟ وماذا سيكتب التاريخ؟ وتسعى قوى الشر إلى تأكيد أن ما يحدث حاليا في مصر استمرار لأخطاء الماضي، ولكن في ثوب جديد، لإحباط الشباب وقتل أي آمال داخلهم لتحقيق أحلامهم، مع التركيز على تعميق الفجوة بين الشباب وقواتهم المسلحة لزرع نماذج غير سوية داخلها تكون نواة للهدم من الداخل، أو بأضعف الإيمان زرع بذور لفصل القوات المسلحة عن شعبها داخل مخطط تفتيت وتقسيم شعب مصر، ليس هذا فحسب ولكن من المؤكد أن هناك من العائلات من يسعى ويُعد لتفريخ أجيال جديدة مغيبة من الإخوان في قرى ونجوع وشياخات مصر، مستغلين التفات الدولة للبناء والتعمير، وهذا ما يفرض على الشباب كل الحرص لكي لا ننزلق إلى أخطاء السابقين، ونترك لأولادنا وأحفادنا أحزمة ناسفة وقنابل موقوتة كما تركها السابقون للأجيال الحالية.

نصل إلى قدرتنا على تشخيص العلل والأمراض، ويكون السؤال هل نملك القدرة على العلاج والإصلاح، وتؤكد أحداث التاريخ قدرة الإنسان المصري حتى في أحلك الظروف على تجاوز أخطر أزماته، ولم يكن إنجاز أكتوبر الأول في حياة المصريين، ولن يكون الأخير.

إن هذا الجيل على موعد مع التاريخ حين  ستتحدث الأجيال القادمة عما سطّره الجيل الحالي من صمود وإنجازات، إن هذا الشباب أحوج ما يكون إلى احترام ذكائه وقدراته مع الوضوح والمصداقية والشفافية في كل خطوة تخطوها الدولة نحو الإصلاح، هذا الأمر يتطلب وجود رؤية للمستقبل يتشارك الشباب في إعدادها، حيث هو من سيتحمل وسيجني ثمارها وليس جيل من يدير الدفة الآن، هذا الأمر يتحتم بلورته في خطة لشكل خريطة مصر الزراعية والصناعية والديموغرافية والتعليمية والصحية والثقافية بعد مائة عام (وما أقربها لمن يظن أن هذه أحلام) وتُصاغ هذه الخُطة بوضوح وشفافية، وكما تعني كلمة خطة بإجراءات وتوقيتات وليست أفكارًا مرسلة أمام وسائل الإعلام، وتُعلن هذه الخطة على الملأ، وتُقَر بوضوح وشفافية المؤسسات التشريعية وكل أطياف الشعب، وتكون المنهج والمقرر لسنوات قادمة.

هذه المرحلة من تاريخ مصر تتطلب أن نستفيد من أخطاء الماضي عندما أهملنا الشباب وهم وقود الأمة، وأن ننتبه إلى إعداد من سيتولى إدارة مصر في المستقبل، وهذا ليس ببعيد، فكفانا من أدار مصر بسرية وغيّبها تحت مسمى الأمن القومي والسرية، وقد يظن البعض أن هذا حلم، ولكنه ليس بحلم إنه حق الشباب في عنق هذا الجيل المسئول أمام الله عزّ وجلّ.

إن القوانين التي تُدار بها الدولة وما بها من عوار أتاحت الفرص للعبث بمصير هذا الشعب، وكل من يهدم في مصر بعلم أو بجهل يحتمي في ظل هذه القوانين والتي تم التلاعب بها منذ سنوات عديدة مضت، ويقف الإنسان المصري عاجزًا أمام هذا الزخم من التسيب والفساد وفي مقدمته الشباب، ولا ندري ماذا تعده قوى الشر والمتربصون في الخفاء للتلاعب بشباب هذا البلد، في ظل قصور القوانين. إن من أهم عناصر حماية وتأمين الشباب ونزع اليأس من نفوسهم  حتمية مراجعة القوانين، وخاصة ما يرتبط منها بتأمين الوطن من أدوات وأساليب حروب الجيل الرابع، وكذلك إجراءات التقاضي وما شابهما من عوار وسمعة سيئة في مصر، والتي أضاعت حقوق المصريين في المحاكم لسنوات عديدة.

من الأهمية إعداد شباب اليوم بجدية وإتقان لمسئولية إدارة مصر في القريب العاجل، وهذا قادم لا محالة، وإن الكلام عن إعداد الشباب في السابق كان من ضمن الوجاهة والتزامات من تولى مناصب إدارة مصر، ولكن الحروب التي تُدار على مصر الآن وخاصة على شبابها تحتم أن نعيد النظر في الأساليب البالية التي لم تسفر سوى عن شباب هامشي، بالكاد ينتسب إلى مصر بالاسم فقط، بل وعلى استعداد للجوء لمن يستوعب ويتفهم مشاكله وطموحه وآماله.

إن زرع الثقة في الشباب وتأكيد قدرتهم على التعمير والتأمين يمكن أن يبدأ باختيار مجموعتين كل منهما في حدود (50) فردا من شباب كل محافظة بإجمالي (54) مجموعة وتكلف كل مجموعة وتحت إشراف جهاز تعمير سيناء بإقامة وتعمير قرية دفاعية في سيناء بين قرى زراعية وصناعية وتعدينية وسمكية وسياحية (دينية - تاريخية -  علاجية -  ترفيهية ....إلخ)، ولنرقب سيناء قبل انتهاء الدورة البرلمانية القادمة وكيف سيتنافس الشباب على الإنتاج والإبداع، وستكون البداية لتجاوز مشكلة البطالة وخلق الكثافة السكانية المطلوبة في سيناء وإنهاء عزلتها للأبد.

هذا الشباب يمكنه أن ينهي الأمية في شعب مصر خلال 3-5 سنوات، حيث إن وعاء التجنيد في مصر يزيد على احتياجات القوات المسلحة، وبتجنيد شباب وفتيات المؤهلات العليا (بعد اختبارهم في القراءة والكتابة) في قراهم لذمة القوات المسلحة، وتكليف كل منهم بمحو أمية مائة فرد من خلال أربع دورات كل منها ثلاثة أشهر، وتوفر القوات المسلحة الأدوات الكتابية، وتتم عملية التقييم تحت إشرافها وبعيدا عن مسئولي محو الأمية الحاليين الذين أوحلوا مصر في كل دروب الأمية، وبتجنيد مائة ألف شاب يمكنهم وبنسبة نجاح (80%) محو أمية (8) ملايين مصري في العام، أضف إلى هذا تجنيد كل خريجي الأطباء ذكورًا وإناثًا في القرى والشياخات والنجوع لنحمي الفقراء من براثن المرض ومن العناصر المأخونة التي تستدرج أهل مصر لملعبهم تحت مسمى أن المرض أصابهم لابتعادهم عن الدين، وأنهم مبعوثو العناية الإلهية لعلاج أهل مصر والأخذ بأيديهم إلى الجنة.

هذه المرحلة من عمر مصر تحتم أن نفكر خارج الصندوق للاستفادة من شباب مصر خاصة وأننا في مرحلة نصارع فيها الزمن.

 

    الاكثر قراءة