السبت 1 يونيو 2024

«دفن الأحياء» فى رمال جبل الدكرور بسيوة

فن2-11-2020 | 19:59

المعالج «أبوالقاسم»: عالجنا سيدة من تكيس مبايض.. ورجل تم شفاؤه من سرعة القذف

 

كثيرون جاءوا مقعدين ثم ساروا على أقدامهم

الدفن من 5 دقائق إلى ربع ساعة لمدة أسبوع

طوال فترة العلاج يحرم على المريض الاستحمام

بعض الأطباء يأتون للتداوى، ولكنهم يرفضون الإعلان عن ذلك

نظرية «الذرات الكهرومغناطيسية» حيّرت العلماء.. والفراعنة والإغريق أدركوا قيمة سيوة

 

 

 

يعالج الأمراض الجلدية والسمنة والروماتويد والروماتيزم

 العرب والأجانب الأكثر إقبالاً

 

 

 

 

 

 

مطروح - نور عبدالقادر

 

 

يتوافد الناس من مختلف أرجاء مصر والعالم أجمع أثناء فصل الصيف إلى «ادرارمبريق» باللغة الأمازيغية أوجبل الدكرور بسيوة، ليس فقط لأنه أحد المعالم الأثرية الفرعونية المهمة، بل للاستشفاء بحمامات الرمال الساخنة والتى تتميز بقدرتها على علاج «الروماتيزم والأمراض الجلدية وآلام المفاصل والعمود الفقرى والنقرس والدهون المتراكمة فى داخل الجسم وخارجه» ويبدأ الإقبال على جبل الدكرور فى منتصف «يونيه ويوليه وأغسطس وسبتمبر» نظرًا لأنه يعتبر منتجعًا طبيعيًا للاستشفاء لما يتميز به من سخونة رماله التى لها من الخواص، ما يجعلها قادرة على علاج العديد من الأمراض، كما يعد موسم الدفن بواحة سيوة مصدر رزق لأبناء الواحة.

 

 

وعلى الرمال الساخنة ولهيب الشمس المحرقة التقت «المصور» بأحمد أبوالقاسم أحد العاملين بالدفن فى الرمال الساخنة بسيوة، والذى أكد أن هناك العديد من الباحثين أتوا إلى سيوة لإجراء التجارب الواقعية على رمال جبل الدكرور، وأثبتت أنها تتميز بقدرة كبيرة على العلاج، مؤكدًا أن بعض الناس يأتون إلى سيوة وهم مقعدون ولا يستطيعون الحركة، وبعد عملية الدفن استطاعوا أن يسيروا على قدميهم, بل منهم من رفض مغادرة سيوة لما وجده من راحة النفس وهى أهم مقومات العلاج.

 

وبالتفصيل يسرد لنا كيف تتم عملية الردم بالرمال، يقول إنه يتم عمل حفرة أفقية على قدر طول الشخص الذى يتم عملية ردمه الساعة السابعة صباحًا وتترك الحفرة، لكى تتحمص من أشعة الشمس ثم يوضع الشخص داخل الحفرة الساعة الواحدة ظهرًا بدون ملابس ويتم تغطيته بالرمال الساخنة، وتقام خيمة صغيرة عند رأسه لحمايته من ضربة الشمس وتبدل عليه الرمال مرات عديدة على قدر تحمل الشخص للرمال, فيمكث الشخص بالحفرة مدة تتراوح بين 5 دقائق إلى ربع ساعة، ويتكررالدفن من 4 إلى 7 أيام على حسب نوع المرض.

 

وأضاف أن المريض بعد الدفن اليومى يخرج ملفوفًا ببطانية صوف ويدخل إلى خيمته ويشرب مشروبًا ساخنًا مصنوعًا خصيصًا له, ويدهن جسمه بزيت الزيتون ولا يتعرض خلال هذه الأيام التى يحدث بها الدفن إلى أى تيارات هواء.

 

ويقول علي السيوى أحد المسئولين عن الدفن: إننا نعمل كفريق فوق جبل الدكرور، فمنا من هو مسئول عن عملية الدفن وآخر للتدليك بالزيوت، ويوجد آخر مسئول عن تحضير الوجبات الغذائية، فهى أساسية فى نجاح العلاج، ويؤكد أن هناك برنامجًا غذائيًا كاملًا أيام العلاج، فتقدم وجبة الإفطار الساعة السابعة صباحاً بها مشروب يسمي «اللبيجي»، وهو روح النخلة على الريق، ثم عسل نحل وزبادى، وفى الغداء زبادى وعدد من التمرات يقدم الساعة 10 – 11 صباحاً، ثم يتوقف الشخص عن تناول الأطعمة حتى موعد الردم.. أما العشاء فيقدم نصف دجاجة أوربع كيلو لحم ضان أو ماعز مع أرز وشوربة خضار ساخنة، وتكون وجبة العشاء هى الرئيسية والغداء يبدأ مبكراً بعدها يتوقف المريض عن الطعام الساعة الحادية عشرة صباحاً، حتى الثانية والنصف ظهرًا.

 

ويوضح أن المريض عندما يخرج من حفرة الردم تكون مسام جسمه مفتوحة وحلقه جافًا من شدة السخونة, وعند دخوله الخيمة يعطونه ماء ليمون بنزهير وحلبة دافئة وقليلًا من الشوربة ويصفها بأنها ساخنة جدًا، حتى لا يستطيع الفرد العادى شربها ثم يتناول وجبة العشاء.

ويؤكد السيوى أنه أثناء هذه المدة يحرم على المريض شرب أى شىء بارد والتعرض للتيارات الهوائية والاستحمام طيلة مدة العلاج ويرتدى الملابس الصوفية الثقيلة بعد العلاج مدة عشرين يوماً، وعدم الجماع ويحرم تخفيف الملابس حتى تتحسن حالة الجسم للمريض، وبنهاية العلاج يقوم المريض بالاستحمام بماء دافئ ويرتدى ملابسه العادية, مؤكدًا أن الراغب في العلاج لا يكون مريضًا بالقلب أوالضغط أو السكر, مشيرًا إلى أن الجسم يفقد خلال مدة الدفن كميات كبيرة من العرق والدهون، وبالتالى يفقد الكثير من وزنه.

 

وعن المقابل المادى لهذه العماليات العلاجية يقول السيوى إنه لا يعتبر مقابلًا ماديًا عاليًا وأن العملية حب فقط وابتغاء وجه الله وكم حالة عالجناها ولم نحصل على أى مقابل، وقد كان المقابل قديمًا ما بين 10 إلى 20 جنيهًا فى اليوم شاملة العلاج والتدليك والمتابعة وكشف الطبيب الرسمى والوجبات الغذائية، واليوم أصبح المقابل 150 جنيهًا لليوم الواحد وهناك من يدفع فوق المبلغ المحدد إكراما للمساعدين.

 

 

ويقول الدكتور حمد خالد شعيب مدير الثقافة بمطروح وهو باحث في التراث البدوى والذى أعد ورقة بحثية حول الردم في الرمال الساخنة بجبل الدكرور بواحة سيوة «وسيلة علاج» يقول فيها إن إجراء العملية العلاجية بالردم تتم من خلال مجموعة من الضوابط، وهى أنه عندما يأتى المريض إلى المعالج يطلب منه المعالج نتيجة الكشف الطبى الذي أجراه المريض على نفسه، أويتوجه إلى المستشفى لتحديد إذا ما كان مريضاً بالضغط أوالقلب وعلى ضوء هذه النتائج يوافق المعالج الشعبى على إجراء العملية العلاجية الشعبية عن طريق الردم فى الرمال الساخنة، وهو الذى يشرف ويتابع العملية العلاجية ويعاونه مجموعة من صبيان المنطقة، 

وبسؤال الدكتور حمد قال إن رمال سيوة كلها ساخنة، فلماذا الدفن بجبل الدكرور تحديدا؟ فأجاب الدكتور حمد: إن الإجابة على هذا السؤال متضاربة، فالغالبية العظمى أيدت المكان وهوجبل الدكرور بسيوة، وقد حاول بعض الشباب إقامة أماكن أخرى للردم بمناطق أخرى، ولكن نتائجها ليست كمنطقة جبل الدكرور ولعل الأمر متعلق بمعتقد معين لدى البعض وأن الموعد الأمثل للردم هو المدة من منتصف يونيه حتى منتصف سبتمبر.

 

وأضاف أنه ليس كل المرضى يمكنهم إجراء عملية الردم، فالعملية تتم تحت إشراف طبى بمعنى أن الطبيب الرسمى، هو الذى يقرر ما إذا كان الشخص حالته الصحية تتحمل الردم أم لا، فهناك تلاقٍ ما بين الطب الرسمى والعلاج الشعبى، ويقرر أيضًا المعالج الشعبى أن المريض إذا ما تخطى سن الثمانين يصعب علاجه بالردم لعدم قدرته على تحمل الردم، أو التواجد في الخيمة العلاجية؛ لأنها تكون مغلقة تمامًا دون أى فتحات تهوية، ويمكث فيها نصف ساعة وكذلك الأطفال حتى سن الثامنة عشر يصعب علاجهم حتى يكتمل نموهم تماماً، والمرضى الذين يطلبون هذا النوع من العلاج غالباً مرضى الروماتزم والروماتويد وآلام المفاصل والمرضى بالنقرس ومرضى السمنة.

وأشار حمد إلى أن المرضى يبلغون المعالجين بعد ذهابهم إلى ديارهم أنهم تماثلوا للشفاء تمامًا من المرض الذى كانوا قد جاءوا إلى سيوة للعلاج منه، مثل سيدة كانت مصابة بتكيس على المبايض أدى إلى تأخير عملية الحمل والإنجاب، وعندما شفاها الله أصبحت تداوم على عملية الدفنوشخص آخر كان يعانى من سرعة القذف أثناء الجماع والسبب فى ذلك يرجع إلى إصابته بالبروستاتا، وعندما نصحوه بالذهاب إلى سيوة وبعد إتمام عمليات الدفن استقرت حالته تمامًا من المرض, هذا بالإضافة إلى العديد من المرضى، الذين كانوا يعانون من أمراض الروماتيزم وجاءوا إلى سيوة وهم محمولون، وبعد قيامهم بالدفن برمال جبل الدكرور، تم شفاؤهم تمامًا من أمراضهم وذهبوا إلى بلدانهم على أقدامهم.

 

وتوجهنا بالسؤال إلى المختصين من الأطباء الرسميين فأجابوا دون ذكر أسمائهم أنهم سمعوا أن التربة بها ذرات كهرومغناطيسية تتفاعل مع أشعة الشمس البنفسجية، وتساعد علي إخراج الرطوبة من جسم المريض، ولم يصلنا حتى الآن نتائج أكيدة عن هذه العملية، وعندما سألت هذا الطبيب عن سبب لجوء أطباء كبار للعلاج بهذه الطريقة، قال إنها قناعات شخصية خاصة بهم، ونحن لا نملك أن نقول إن هذه الطريقة صحيحة وخاطئة حتى نحصل على نتائج لتحليل هذه التربة.

 

 

 

 يقول الشيخ عمر راجح إن الإقبال على الدفن برمال سيوة ليس من المصريين فقط، ولكن من الدول عربية، وخاصة دول الخليج وأيضًا يأتى السياح الأجانب من الدول الأوربية للدفن برمال سيوة وللاستحمام بعيون المياه الساخنة بسيوة.

 

وأشار إلى أن هناك محاولة قديمة من قبل وزارة السياحة لعمل مصحة عالمية بها محطة لتوليد الكهرباء، وتم تصميم هذا المشروع عند بداية الكثبان الرملية لجبل الدكرور، ووصلت بعثة تضم عددًا من الأطباء المختصين فى الأمراض الروماتزمية والعظام، والمفاجأة أن اعتراضهم كان على تصميم المبنى فقط. ومات الموضوع عند هذا الحد.

 

وأضاف أننا نأمل فى ظل قيادة سياسية واعية بإقامة منتجع عالمى للاستشفاء بسيوة والاستفادة من مقومات الواحة العلاجية، خاصة أن واحة سيوة تتميز بمناخ جاف طوال العام وطبيعة رمالها الساخنة التى لها من الخواص ما يجعلها قادرة على علاج الكثير من الأمراض، وزاد من شهرة واحة سيوة منذ القدم ما اشتهر به كهنة واحة آمون وحملة الإسكندر الأكبر إلى سيوة وزاد من ثراء تاريخها الذى ذاع فى العصر الإغريقى والرومانى واكتشف القدماء مقومات السياحة العلاجية التى تمثلت فى جفاف الطقس وكثرة عيون المياه التى تندفع من باطن الأرض، وهى تنقسم إلى نوعين مياه ساخنة عادية ومياه ساخنة كبريتية، كالتى تتوفر في سيوة وهذا النوع من المياه يستخدم علميًا على نطاق واسع فى العالم، حيث يتم معالجة نوع خاص من الطين بهذه المياه، ويتم استخدامها في علاج الكثير من الأمراض الجلدية ومشاكل البشرة، وهذا النوع من المياه يتم استخدامه أيضًا فى علاج الجهاز التنفسى، ولكن بأساليب علمية متوفرة في كثير من البلدان الأوربية لكنها لم تستخدم حتى الآن فى مصر.

 نقلا عن مجلة المصور