د.فاروق إسماعيل صاحب المدرسة العلمية فى الإلكترونيات القوى والذى لايتنازل عن لقب الأستاذ الأكاديمى حتى بعد أن وصل إلى منصب عميد كلية هندسة القاهرة فرئيس لجامعتها وهو الآن رئيس جامعة الأهرام - قال اليابان أعادت بناء نفسها من الصفر بعد أن دمرتها القنابل النووية فى المذبحة البشرية المعروفة باسم هيروشيما ونجازاكى، وقال الصدق والعمل وخصوصاً الجماعى هو عنوان الإنسان اليابانى د.فاروق العالم والأستاذ يدق ناقوس الخطر للبحث العلمى فى مصر ويتفق مع د. محمد غنيم فى ضرورة تغيير هذا القانون الذى سيقضى على البحث العلمى الحقيقى
• كيف ذهبت إلى اليابان؟
- د. فاروق كان العرف فى الخمسينيات بل ومن قبلها أن تذهب البعثاب التعليمية إلى دول أوربا والولايات المتحدة بل وحتى الاتحاد السوفيتى وشرق أوربا بعد أن توطدت علاقات مصر بهذه الدول بعد ثورة يوليو ١٩٥٢، ولكن فى بداية الستينيات قرر الرئيس عبدالناصر كسر احتكار العلم داخل جمعاتنا المصرية وبدأ الانفتاح على مختلف المدارس العلمية.
وبالتنسيق والعلاقات تم توفير عدد من المنح إلى اليابان، وكانت اليابان فى نهاية حقبة الخمسينيات وأوائل الستينيات تعيد بناء نفسها فتقرر ترشيحى لبعثة إلى اليابان وكنت أول طالب مصرى يذهب إليها منذ عقود طويلة، وللحقيقة كانت وجهة نظر صائبة تماماً فى أن نبتعث إلى اليابان فى ذلك الوقت لأن اليابان وقتها كانت تعيد بناء نفسها تماماً ومن الصفر فى مجالات البنية التحتية وكانت الجامعات اليابانية تلعب دوراً مهماً فى ذلك وهى المساهمة فى إعادة بناء اليابان الذى دمرته الحرب تماماً وذلك على أسس حديثة وفق ما هو متوفر فى ذلك الوقت، وبدأت التعلم وكانت البداية فى الشهر الأولى بل العام الأول شديدة الصعوبة أولا بسبب اللغة التى تعلمتها فى خلال ستة أشهر والأهم هو نمط الحياة نفسه.
• ما معنى نمط الحياة نفسه؟
- د.فاروق فى اليابان المعيشة أو الحياة اليومية مختلفة تماماً عن كل بلاد العالم بدءاً من أنواع الطعام وحتى المنازل، فهم مثلا فى الصباح الإفطار عبارة عن وجبة الأرز ويكون معها أحيانا البيض أو الشعرية وتكون أحياناً فى العشاء أما الغذاء فهو شوربة أسماك وأنواع من السمك النىء، كل ذلك نمط مختلف تماماً حتى عن أوربا والولايات المتحدة وسائر الدول، ولكن سريعاً ما تأقلمت لأنى كنت أريد المعرفة وثانياً أحببت جدا الشعب اليابانى لأنه شعب شعاره هو الصدق ولا شىء غير الصدق، أى أن الصدق هو أساس الحياة فى اليابان ولذلك كثيراً ما نسمع عن حالات الانتحار وذلك يكون بسبب مثلاً وجود الغش أو الكذب.
أيضا هو شعب شعاره هو العمل ولا شىء غير العمل فاليابانى يعمل ١٦ ساعة فى اليوم بدون كلل أو شكوى أو تذمر وغالباً كان فى تكوين الشخص ميول إلى هذه الصفات ولذلك سريعاً ما تأقلمت واندمجت مع الشعب اليابانى.
• كيف كانت أوضاع العمل والبحث العلمى؟
- د. فاروق إسماعيل أول شيء تعلمته هناك لأنهم كانوا أيضا يفعلون ذلك هو كيف نبني بحثاً علمىاً من الصفر بمعنى أن إمكانياتهم مثلا المادية بعد الحرب العالمية الثانية كانت ضعيفة وبالتالى ليست لديهم الرفاهية لشراء المعدات والأجهزة من الخارج لذلك اضطروا إلى الاعتماد على أنفسهم ذاتياً فى تصنيع الأجهزة بل وتطويرها بعد ذلك أى كانون يغزلوا بالقليل المتاح لديهم بدون تبرم أو شكوى أو هروب،هذه النقطة استفدت بها للغاية وأنا أعد أبحاثى للماجستير والدكتوراه لأنى خلقت لنفسى مجالاً جديداً فى البحث العلمى يضيف ويطور وفق الإمكانيات المتاحة، وكانت هناك مرونة كبيرة فى تنويع نقاط البحث التى تم اختيارها لأن المبعوث المصرى للأسف دائما ما يواجه المشاكل فى بعثنه لأنه يكون مبعوثاً على نقطة أو هدف محدد ولكنهم مثلا فى الجامعة والدولة التى نرسل إليها طلابنا يكون هذه النقطة قد تم التوصل إليها أو غير مهمة لهم وبالتالى يرفض الأساتذة هذه الاختيارات.
لذلك أطالب طلابنا بل وإدارة البعثات بأن يكون لدينا المرونة الكافية لكى يحول الطالب نقطة بحثه بحيث تتواءم مع ما هو موجود بالخارج ويمثل إضافة جديدة لنا لأنه ما فائدة أن يذهب الطالب فى بعثة ويتكلف الكثير من الأموال والوقت وتكون الفكرة قد استهلكت مراراً ويضيع الوقت ولا يحصل المبعوث على الفائدة من البعثة.
• وما الجديد الذى تعرفت عليه فى البعثة؟
- د. فاروق إسماعيل على سبيل المثال قضية القطارات الفائقة السرعة والتي كانت اليابان فى ذلك الوقت قد بدأت فيها وتعتبر من الدول الرائدة فيها تعلمت هذا هناك، وعندما عدت من البعثة فى عام ١٩٦٩، عملنا فى الكلية تجارب وأبحاثاً حول هذا القطار وللأسف الآن أسمع كل وزير نقل يتولى منصبه يتحدث عن القطار فائق السرعة الذى يختصر الرحلة من الإسكندرية إلى أسوان مثلاً فى ساعات قليلة جداً، وأنه تم الاتفاق مع الأجانب على ذلك، مع أن هذه الأبحاث والتجارب موجودة بالفعل منذ سنوات فى هندسة القاهرة بل إننى بعد العودة من البعثة افتتحنا وأنشأنا لأول مرة فى مصر تخصصاً اسمه إلكترونيات القوى ومازال هذا التخصص يعمل بكفاءة كبيرة فى الكلية بل ويطور نفسه والأساتذة فيه يتعرفون على كل جديد بمعنى آخر نحن لدينا الكوادر العلمية التى تقيم لنا هذا المشروع ونحن لا ندعى الفقر الأكاديمى فى هندسة القاهرة لأن بها بالفعل وصدق وهو ما تعودت عليه دائماً مؤسسة علمية حقيقية فى هندسة القاهرة.
• ولماذا إذن لا تستعين الدولة أو الحكومة بالأساتذة وعلمهم الذى لديهم؟
- د. فاروق فى أوقات كثيرة كانت الظروف المادية أحياناً تقف أمام الاستفادة من العلم والخبراء وتطوير التجارب العلمية والبناء عليها لتكون نواة لمشروع تحديث شامل.
وأحياناً يكون هناك استسهال أو سرعة فى اتخاذ القرار وأسناد الأمر إلى الأجنبى والاتفاق معه على اعتبار أن ذلك سيطلق عليه انجاز، مع أنه بشئ من البحث والهدوء سنجد أن لدينا الكوادر العلمية المؤهلة للعمل والقيام بهذه المشروعات وهندسة القاهرة مركز خبرات مؤهلة لابد أن تتم الاستفادة بها وبالأساتذة وبالعقول بها بدلاً عن هروب هذه العقول إلى الخارج.
• مصر أصبحت من أهم الدول التى تصدر العقول إلى الخارج؟
- د. فاروق أعلم أن هذه قضية مهمة جداً الآن وبالذات لشباب الباحثين ولم تكن مطروحة على جيلنا بنفس الحدة، أولاً لأن الدول الأجنبية الآن وبالذات فى أوربا الغربية والولايات المتحدة وغيرها يعانون من ندرة المواليد وبالتالى وجود شباب كفء مؤهل ولو حتى بالحد الأدنى، أصبح بالفعل سلعة مرغوبة فى الخارج فيتم توفير المرتبات المجزية والمعامل والمنافسة الشريفة وغيرها من العوامل التى تجذب شباب الباحثين ولذلك نسمع كثيراً عن سفر كثير من أبنائنا للتعلم فى الخارج وعدم العودة إلى مصر ولكن عندى يقين أن الجيلين الثانى والثالث من الشباب سيعودون إلى مصر ويشدونها بعلمون ونستفيد بهم فالمستقبل يقول ذلك.
• بعد هذا العمر الطويل فى البحث العلمى ما بين اليابان وألمانيا وكندا وغيرها، كيف ترى أوضاع البحث العلمى الآن فى جامعاتنا ؟
- د. فاروق إسماعيل بالفعل لدينا قضية خطيرة جداً الآن وتصل إلى حد أنها تهدد مسيرة البحث العلمى نفسه وهى قضية شرنقة الباحثين المصريين بمعنى أن الباحث المصرى يظل طوال عمره البحثي داخل القسم نفسه الذى تعلم به ولا يخرج خارجه أبداً ولا يتعرف عما يجرى حوله وهو منذ أن التحق بالكلية وعمره ١٨ عاماً وحتى يترك الحياة يظل داخل القسم نفسه وهذا يمثل خطورة لأننا يعيد إنتاج أنفسنا بنفس الأفكار والاسس العلمية وهذه خطورة عظمى على المستقبل.
• ومن المسئول عن ذلك وكيف نصحح الأمر؟
- د.فاروق إسماعيل وبصدق المسئول عن ذلك قانون ٤٩ لعام ١٩٧٢ وهو القانون المنظم لعمل الجامعات فهو القانون الذى وضع بذرة التشرنق وأسميه التخلف الجامعى وهو الذى ساعد على أن يظل الطالب منذ كان معيداً وحتى “يتوفى” فى نفس القسم والكلية وهذا لم يكن موجوداً فى مصر قبل السبعينيات.
وكان الالتحاق بالوظيفة يتم من خلال الاعلان، فمثلاً خريج القاهرة ووصل للدكتوراه ممكن أن يعمل فى الإسكندرية أو عين شمس أو أسيوط وهو ما كان يحدث قبل ذلك وأدى إلى وجود منافسة علمية فالمنافسة العلمية قضية مهمة وأولى فى البحث العلمى بالجامعات.
وهنا أتفق تماماً مع ما يطرحه ويطالب به د. محمد غنيم الذى لا أعرفه شخصياً بضرورة عودة الإعلان عن الوظائف فى الجامعات المصرية وعودة منصب أستاذ الكرسى لأن ذلك هو الصحيح والذى سيعيد البحث العلمى إلى جامعاتنا مرة أخرى وينشلها من حالة التدهور والانزلاق الذى يشعر به، وعلى سبيل المثال كل دول العالم الهرم لديها صحيح بمعنى أنه يوجد لديها قاعدة كبرى فى إعداد الباحثين تقل تدريجياً حتى تصل إلى قمة الهرم أو المثلث فى عدد الأساتذة الكبار.
نحن لدينا المشكلة معكوسة نجد لدينا مثلا عدد ١٥ أستاذاً كبيراً فى التخصص ومعيداً أو اثنين فقط وهذا ليس موجوداً فى العالم كله ويجب الإسراع بتغيير هذه النقاط فى قانون تنظيم الجامعات، وإلا ستنهار مؤسساتنا العلمية.