الثلاثاء 21 مايو 2024

الشعراوي والطريق إلى الإذاعة والتليفزيون

كنوزنا3-11-2020 | 17:34

فى عام 1944 انتقل الشيخ الشعراوى للعمل فى معهد طنطا الثانوى الأحمدى وفى عام 1950 عرف الشيخ  طريقه لأول مرة إلى الإذاعة المصرية  وكان رئيسه فى العمل فى طنطا يطلب منه أن يكتب حديثين  يعطى أحدهما لرئيسه ليقرأه أمام ميكروفون الإذاعة بنفسه، أما الحديث الثانى فكان الشيخ يذهب به إلى القاهرة ليلقيه بنفسه أمام ميكروفون الإذاعة مقابل  170 قرشاً فقط  كان يدفعها فى التنقل ما بين القاهرة وطنطا ذهاباً وإياباً، وبعد أربعة أسابيع كتب تقريراً إذاعياً جاء فيه أن صوت الشيخ الشعراوى غير ميكروفونى ولا يصلح لإلقاء الدروس والأحاديث الاذاعية، فأوقفت الإذاعة التعامل مع الشيخ الشعراوى.

وعندما بدأ فى الظهورمن خلال التليفزيون ذلك الساحر العجيب تهافتت عليه الناس وأصبح مطلوباً فى كل وسائل الإعلام "إذاعة ـ تليفزيون ـ صحافة" محلياً وعربياً.

وكان برنامج "نور على نور" والذى كان يقدمه ويعده الإعلامى المتميز أحمد فراج والذى ارتبط بالشيخ الشعراوى ارتباطاً وثيقاً طيلة حياته وقال: 

"إن فضيلة الإمام الراحل الشيخ الشعراوى ـ رحمه الله ـ  من أكثر ضيوف البرنامج وألمعهم تأثيراً وحضوراً وكان يتمتع بقدرة فائقة على التأثير فى مختلف المستويات المتباينة للمشاهدين، فكان يستطيع أن يخاطب أكثر الناس ثقافة وأبسطهم بأسلوب مقنع وفى آن واحد فهو يضرب المثل بالقضايا والموضوعات العلمية ثم يعقبه بمثال من الأمثلة المتداولة فى الريف أو الأوساط الشعبية فيصل للجميع" 

وصفه الأديب والروائى المبدع  د.يوسف إدريس بعد معركته الشهيرة معه بأنه أهم ظاهرة دينية إسلامية ظهرت منذ أيام الأئمة الكبار ابوحنيفة والشافعى ومالك وابن حنبل.. 

ناقش الشيخ الجليل محمد متولى الشعراوى من خلال وسائل الإعلام المختلفة وخاصة فى برنامج "نور على نور" قضايا مست كل أمور الحياة واضعاً أمامنا برنامجاً معتدلاً ينقد المسلم من أفكار هدامة يبثها الظلاميون بين الحين والحين مستهدفين الفتنة وإشاعة الفوضى لخدمة أعداء الإسلام والإنسانية ووضح فى كثير من البرامج.

أن الناس تعودوا فيما بينهم أن يعقدوا مجالس نقاش حول سلوك الحكام، وهى أقرب إلى النميمة منها الفحص والفهم أن الحديث القدسى المنزل بجبريل على سيد الخلق محمد يقول فيه:

أنا الله ملك الملوك.. قلوب الملوك ونواصيها بيدى، فإن العباد أطاعونى جعلت ملوكهم عليهم رحمة وإن هم ـ العباد ـ عصونى جعلت ملوكهم عليهم عقوبة فلا تنشغلوا بسب الملوك ولكن أطيعونى أعطفهم عليكم"

والذى يرهق الإنسان المسلم أو الداعية إلى الإسلام هوان بعضنا يتخذ من الدين وسيلة للتبرير وليس وسيلة للتدبير وفى هذا تلفيق لا يقبل به الإسلام.

إن الإسلام فى مصر بيت الأزهر، وقد نشاء الأزهر فى مصر وكأن الله اختاره واختار مصر الكنانة لأنه قبل أن ينشأ الأزهر جاء فى الكتاب المنزه المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ما يجعل لمصر مكانة لم يظفر بها بلد آخر من بلاد العالم، وأقولها على العموم هات أى بلد فى العالم ذكرها الله باسمها الصريح الخفيف مثل مصر مكان الله أعدها أزلا وجاء الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ليؤكد ذالك  فيقول:  

 "مصر كنانة الله فى أرضه" والكنانة معناها جعبة السهام يعنى فيها السهام التى ستحارب بها، ثم تأتى أحداث الزمان لتفسر كل ذلك التتار الذين قهروا الدنيا لم يردهم غير مصر والقوات الصليبية التى تجمعت بقوة دولها وملوكها لم تردها إلا مصر، فالواقع أيد ما كان من معجزة مصر، وما قاله رسول الله  فيها واستوصوا بأهلها خيراً فلكم فيها نسب وصهر، والأزهر يؤدى حق هذا التكريم.  

مصر استقبلت من البلاد المقدسة منهج الله استقبالاً من السماء، ودافعت عنه  وجاء الأزهر ليحققه علماً، ولا تزال كل الدنيا تأخذ علمها منه حتى البلاد التى نزل فيها الإسلام يقوم الأزهر برد الجميل لها، يرده للخالق الذى كرم مصر، فإذا كانت البلاد المقدسة شرفت بهبوط الوحى، فمصر شرفت بالأزهر لتحقيق منهج الله تحقيقاً علمياً. 

وفى مصر ما يحفظ لهذا الدين القدرة الدائمة على التجدد والحيوية. فالإسلام فى الفترات الأخيرة تركناه كهبات فردية علماً ودعوة واعتناقاً يتعلمه أى راغب فى تعلمه بطريق قد يكون غير صحيح، ويفتى فى أمر الدين كل من تسول له نفسه الإفتاء، وكان يصعد إلى المنبر من يعظ الناس وهو يجهل أمر الدين، وقد وصلنا إلى وجود جماعات اتخذت لنفسها القدرة والاجتراء على تكفير من ترى وتبرير ما ترى، فرأينا من يبرر الاغتيال أو السرقة أو غير ذلك مما تتحدث عنه الصحف.

إن الذى يريد حكم الإسلام لا يحاول أن يضعف الثقة بالدين وبما يتولون أمر الدين، ولكن هناك طرقاً واضحة فى الإسلام، وأن الذى يريد الفوضى إنما  يمهد للملحدين أن يسودوا لأنهم أكثر الناس قدرة على النفاذ من خلال الفوضى، وهذا يعنى أننا بعد المواجهة نحتاج إلى إعادة نظر فى مسألة  التربية الدينية، فلا نتركها هبات فردية فى العلم بالإسلام أو الدعوة إليه أو اعتناقه.

والتربية الإسلامية تفترض أن تربى الابن سبع سنوات وتؤدبه سبع سنوات ونصاحبه سبع سنوات وهناك فرق بين هذه المهام، إننا جميعا نعرف أن طفولة الإنسان هى أطول فترة فى عالم المخلوقات لأنها فترة يستعد بها الإنسان لما يتحمله من مسئوليات فى المجتمع بعد ذلك.

وإذ بحثنا عن أسرة استطاعت الأم فيها أن تربى بالحنان سبع سنوات ويربى فيها الأب بالتوجيه خلال نفس السبع سنوات الاولى ثم نؤدب أى نصحح الخطأ حتى عمر الرابعة عشر ولو بالعقاب وبعد ذالك نصاحب الابن أو الابنة  فنجعله يتدرب على مسئولية الحياة فى مجتمع بأخلاق وقيم هذا الدين.  

نقلا عن مجلة المصور