مقاهي "ولاد الذوات" كما يطلقون عليها، كُل شئ
مُباح هُناك، أحاديث السياسة، والبزنس، والعشق.. يجتمع الأغنياء، على الكافيهات،
بشكل دوري غالباً، سواء للترفيه أو للحديث عن البزنس، أو الوضع العام خاصة
السياسي، وغالباً ما تكون هذه الجلسات لا تخلو من نقد الوضع الاقتصادي وارتفاع
الأسعار والدولار الجنوني، ومع تطاير دُخان الشيشة "التُفاح أو العنب"
يأخذ ابن الذوات نفساً عميقاً، متكئاً على كُرسيه، لا يشغله غلاء الأسعار اليومي
بقدر تأثير ذلك على حجم ثروته الحالية، ومشاريعه المستقبلية.
كافيهات "أولاد الذوات" الخمس نجوم، ليست فقط
لرجال المال؛ بل يُقدم عليها أيضاً أولاد الأغنياء، الذين لا يشغلهم شئ سوى موديل
السيارة، والعلاقات الغرامية، وأحياناً كثيرة جلسات "الكيف والمزاج"!.
بورود، بألوان زاهية، يفوح عطرها ليملأ أرجاء المكان،
كراسى مرصوصة بنظام حول منضدة، تفصلها عن الأخرى مسافة مناسبة احترامًا للخصوصية،
موسيقى هادئة وأصوات خافتة، هكذا الوضع في مقاهي "أولاد الذوات"، كل شيئ
بحساب، الكلام بحساب، والضحك بحساب، لأن معظم الوجودين "ولاد عز".
ففي أحد الكافيهات الفرنسية بمنطقة
المهندسين، جلس أربعة أصدقاء في الستين من عمرهم، حول مائدة عليها بشكل مبدئي
"كورواسون ولاتيه لازوم الوجاهة"، حديثهم انصب على الأزمة الاقتصادية في
مصر، أحدهم أخذ نفسا عميقا وهو يردد "سفرت الولاد يتعلموا بره ويأخدوا
الجنسية، ماهو الواحد لازم يعمل احتياطه مفيش حاجة مضمونة في البلد دي"، حديث
الأصدقاء لم يحمل الأزمة التي تمر بها مصر للرئيس عبد الفتاح السيسي؛ لكن للحكومة
وسياساتها الاقتصادية.
ويتداخل الصديق الثاني في الحديث وهو يأخذ
نفسا عميقا من "سيجاره الخاص"، ويقول: "الناس عايزة من الأغنياء
إيه، سيبونا في حالنا، أموالنا هذه جمعناها بالجد والاجتهاد.. وكنا بنحفر في الصخر
لحد ما وصلنا إلى ما نحن فيه". والتقط طرف الحديث الصديق الثالث، الذي يكسو
الشعر الأبيض رأسه، والوجاهة تبدو على لبسة الأنيق، وهو يقول بصوت خافت على سبيل التباهي
بين الجالسين، "يا عزيزى أموالي كلها في الخارج.. وهي لا تتأثر بارتفاع سعر
الدولار نهائياً، لأن وجودها في مصر يعرضها للخسارة بشكل يومي".
وفي "المنضدة" المُجاورة كان
الحديث مغايراً تماماً، حيث كانت تتحدث سيدة خمسينية مع صديقتها في الهاتف
المحمول، وهو أحدث طراز، وهي تقول: "بيبي" (أي زوجها) اشترى لي الفيلا
التي قلت لك عليها في التجمع الخامس وكتبها بأسمي، وتابعت بقولها وهي تُدخن الشيشة،
"وحياتك عندي سعرها ارتفع مرة ونصف بسبب ارتفاع الدولار لكن اشتراها لي، لأن
كل الأسعار هناك ضربت لأعلى". ثم خرجت من موضوع الفيلا للحديث عن سفرها هي وأسرتها
لقضاء إجازة الصيف في اسبانيا، أفضل من الساحل الشمالي بكثير "لأن الساحل أصبح
يلم الآن.. والشالية بتاعنا هُناك الأولاد زهقوا منه"، واختتمت حديثها مع صديقتها
وهي تُردد: تعالى أنا لازلت في انتظارك حتى أرى السيارة الجديدة.. هي "مش بي
أم دبليو اسبور".
وبعيدًا عن جلسات كبار السن من رجال المال،
وعلى أصوات موسيقى هادئة، يجلس مجموعة من البنات والشباب، أولاد الأغنياء، يبدو
ذلك من ملبسهم وسياراتهم، في أحد الكافيهات الدولية بالمعادي يتحدثون عن حفلات "بول
بارتي"، للترتيب لحضور أحد الحفلات المُماثلة في سيدي عبد الرحمن بمطروح
قريباً.
وأبدت فتاة من الحاضرين استياءها من تسريب فيديوهات
لهذه الحفلات في التجمع الخامس والساحل الشمالي، وهي تقول بإنفعال "حضور هذه
الحفلات حُرية شخصية، ومن يقوم بتسريب هذه المقاطع حاقد علينا ويريد أن يفعل مثلنا،
لكنه لا يمتلك القدرة على ذلك"، والتقط شاب من الجالسين طرف الحوار، قائلا
"إحنا لازم نأمن نفسنا كويس نخلي البودي جاردات يأخدوا الموبايلات من كل اللي
يدخل ويفتحوا عنيهم كويس".
وعلى طاولة أخرى بنفس المقهى الدولي
بالمعادي، جلست ثلاث فتيات ودون تضيع وقت في البحث داخل "المنيو" قالت إحداهن
يلا نبدأ علي طول، فاخرجت احداهن "لاب توب" من الحقيبة والاخريات شغلن
اجهزة التابلت، وظللن هكذا فترة حتي نطقت احداهن قائلة كامبردج " out" في اشارة
منها الي انها خارج نطاق البحث الجماعي عن منح بحثية في جامعات امريكية وأوروبية،
على حسابهم الخاص.
وما بين البنات الباحثات عن المنح الدراسية
والاخريات الباحثات عن "نيو لوك جديد" وقصة شعر مختلفة، و"انتيم"
جديد، كانت فضفضة بنات اولاد الذوات علي كافيهاتهن.. أما الشباب فكان الكافية
بالنسبة لهم مكان للحديث عن السيارات والمصايف والخروجات الليلية ونتائج مباريات كرة
القدم، وشغلت السياسة والاقتصاد حيزا أيضاً من فضفضات الشباب اولاد الذوات على
كافيهاتهم.
في احد كافيهات مصر الجديدة، جلس شابان
يتحدثان عن ما يدور في مجلس النواب، وقال احدهم "المجلس محتاج مجلس ده كل
القرارات موافقة، ولا يتحرك لحل أزمة الأقباط اللي كل شوية في حادثة".
في الجهة المقابلة للحديث عن البرلمان، كان
الحديث عن رفض المُحاولة التي أعلنت عنها أجهزة الأمن لاغتيال الرئيس السيسي خلال
القمة العربية بموريتانيا. الحديث كان لشابين في منتصف الثلاثين من عمرهم، أحدهم
قال: "الرئيس يفعل الكثير من أجل مصر؛ لكن بعض الجماعات، والقوى المتطرفة، لا
تريد الخير لمصر، ويكفيه أنه خلصنا من "الإخوان".
نقلا عن مجلة المصور