الخميس 16 مايو 2024

انقلاب أردوغان .. والجيش التركي يغرق في مستنقع الأكراد

عرب وعالم3-11-2020 | 21:09

لايزال الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يواصل مناوراته ورهاناته وترتيباته التي يحاول من خلالها البقاء "حاكما أوحد" لتركيا، ضاربا عرض الحائط بالنظام السياسي التركى الذى ظل طوال العقود الماضية محل احترام من كافة الحكومات، غير أن أردوغان لايجد هذا النظام مناسبا لمقاسه، ويريد "تفصيل" نظام سياسي يناسبه ويكون خاصا به وحده.

مناورات أردوغان تواصلت طوال الأسابيع الماضية، وكانت بدأت في اللحظة التي تم فيها إعلان نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، وتعرض فيها حزبه العدالة والتنمية لمفاجأة غير سارة، بعجزه عن الاحتفاظ بالأغلبية البرلمانية، وهو ما شكّل انتكاسة كبيرة لأحلام أردوغان الطامح إلى تغيير النظام السياسي في تركيا إلى النظام الرئاسي الذي يجلس هو فوق عرشه لسنوات قادمة.

واصل أردوغان مناوراته وخططه التي ركزت أولاً على إفشال عملية تشكيل الحكومة الائتلافية بزعامة حزب العدالة والتنمية، وتفنن أردوغان ومساعده أحمد داود أوغلو رئيس الحزب والحكومة في تضييع الوقت وعرقلة تشكيل الحكومة خلال المشاورات التي جرت مع زعيمى حزب الشعب والحركة القومية، ونجحت جهودهما في النهاية بانقضاء المدة القانونية لتشكيل الحكومة، ليعلن أردوغان إجراء انتخابات مبكرة جديدة في شهر نوفمبر المقبل.

وفي نفس الوقت واصل أردوغان مخططه بشن الحرب ظاهريا على تنظيم داعش وواقعيا على حزب العمال الكردستاني، راميا إلى تحقيق عدد من الأهداف منها إضعاف قدرات الحزب، وتحشيد المواطنين الأتراك وخداعهم ليلتفوا حوله باعتباره يخوض حربا دفاعا عن الأمن القومي التركي وللحفاظ على أمن واستقرار تركيا، وحمايتها من التفتيت ولمنع مخططات الأكراد للانفصال بمناطقهم، وهو ما يضمن له بالتالي ـ وفق تخطيطه ـ توجيه ضربة لحزب الشعوب الديمقراطية الذي يعتبر الجناح السياسي لحزب العمال الكردستانى؛ حيث يتهمه بدعم الإرهاب وهي تهمة تتيح له حل الحزب، علاوة على شن حرب إعلامية ضد حزب الشعوب ورئيسه صلاح الدين دميرتاش، يهدف من خلالها أردوغان إلى التأثير على الرأي العام التركي، وجذب نسبة من الأصوات الانتخابية التي حظى بها الحزب في الانتخابات النيابية الأخيرة ، أتاحت له تجاوز العتبة الانتخابية لدخول البرلمان وهي الحصول على 10% من أصوات الناخبين، يريد أردوغان حرمان الحزب من هذه النسبة وبالتالي حرمانه من دخول البرلمان، واقتناص الأصوات التي يحققها في الانتخابات القادمة، وفقا لقانون الانتخابات التركي التي تقرر توزيع أصوات الأحزاب التي لم تحقق هذه النسبة على الأحزاب التي تجاوزتها وفقا لنسبها .

كل ما سبق يمثل توضيحا لما يخطط له أردوغان ، ويكشف حقيقة مناوراته الأخيرة.

لكن أردوغان يخطئ إذا توهَّم أن مثل هذه المخططات التي وضعها على الورق ستكون قابلة للتحقق وفق ما رسم هو، فهي بلاشك لن تتحقق بحذافيرها، وربما تتحول إلى الاتجاه العكسي فتضره وتقضي عليه من حيث لايدري ولا يحتسب، والواقع أن هذا الاحتمال وارد للغاية في ظل تطورات الأمور على الأرض، سواء فيما يتعلق بالحرب الدائرة بين الجيش والأمن التركي من جانب، وبين مقاتلي حزب العمال الكردستاني من جانب آخر، أو فيما يتعلق بسير الأمور سياسيا ؛ حيث إن نجاح أردوغان في إفشال مساعي تشكيل الحكومة الائتلافية خلق له أزمة أخرى تتعلق بتشكيل حكومة انتخابية مؤقتة تشرف على إجراء الانتخابات المبكرة وتدير البلاد حتى يتم إجراؤها وإعلان نتائجها وتشكيل الحكومة الجديدة ، كذلك فإن الجهود التي بذلها أردوغان وحزبه للتأثير في شعبية الأحزاب المعارضة الثلاثة الرئيسية ـ الشعب والحركة القومية والشعوب الديمقراطي ـ يبدو أنها تصب في اتجاه زيادة شعبيتهم وبالتالي تحقيقهم نتائج أفضل في الانتخابات القادمة المزمع إجراؤها في نوفمبر المقبل، نتيجة إدراك المواطن التركي حقيقة المخططات التي وضعها أردوغان وحزبه طوال الفترة الماضية منذ إعلان نتائج الانتخابات النيابية،  أي أن أردوغان يرمي من خلالها لتشديد قبضته على الحكم والسلطة والعصف بالديمقراطية.

الانتخابات المبكرة وفرص الحرية والعدالة

منذ اللحظة التي تم فيها إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، كان أردوغان قد استوعب الصدمة واتخذ قرارا فوريا لا رجعة فيه ، بعدم القبول بنتائج الانتخابات والالتفاف حولها وحول إرادة الشعب التركي الذي قرر معاقبة حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان على المغامرات التي أدخلهم فيها، وعلى تزايد الفساد وتورط كبار مسئولي الحزب في هذا الفساد وفي مقدمتهم"بلال" نجل أردوغان نفسه ووالده.

قرر أردوغان منذ اللحظة التي تلت إعلان النتائج السير بالبلاد في طريق الدعوة لانتخابات مبكرة، وتحقيقا لهذا الهدف عمل ومعه أحمد داود أوغلو على استهلاك الوقت وتضييعه في مشاروات ومباحثات "صورية" مع حزب الشعب والحركة القومية لتشكيل الحكومة، عقد اللقاء تلو اللقاء وهو يعلم أنه لن يقبل بتشكيل حكومة ائتلافية مع أي من الحزبين، ولعل هذا ما يفسر قول زعيم حزب الشعب "كليتشدار أوغلو" بأن أحمد داود أوغلو لم يعرض عليه طوال اللقاءات التي جمعتهما سوياً مسألة تشكيل الحكومة الائتلافية ، واصفا ما يقوم به أردوغان بأنه انقلاب سياسي مشبهاً أردوغان بكنعان إيفرين، قائد انقلاب 1980، الذي مارس أولاً صلاحيات انقلابية ما لبث أن ترجمها في دستور عام 1982 الذي لا يزال معمولاً به حتى الآن في تركيا. أما زعيم حزب الحركة القومية "دولت باهتشلي" فقد شبّه أردوغان بما كان يقوم به هتلر وموسوليني.

وتعمد أحمد داود أوغلو تأخير إعلان فشله في جهود تشكيل الحكومة الائتلافية، إلى الساعات الأخيرة التي تسبق انتهاء مهلة تشكيل الحكومة، وبالتحديد قبل خمسة أيام من المهلة التي انتهت يوم السبت الماضي ، حتى لا يكون هناك أي مجال أو فرصة لغيره يمكن أن يكلف بتشكيل حكومة بأن يشكلها خلال خمسة أيام.

وبالتواكب مع ذلك أعلن أوغلو عن انعقاد المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية في 12 سبتمبر المقبل، وذلك استعداداً للمعركة الانتخابية القادمة، ويتوقع أن يشهد المؤتمر عدة إجراءات وتغييرات في نظامه الداخلي، بحيث يسمح لمن مرّ عليهم ثلاث دورات نيابية الترشح مجددا للانتخابات، وهذا يعني عودة معظم أكثر من 70 اسماً إلى الواجهة، مثل بولنت أرينتش وبشير أتالاي وعلي باباجان وجميل تشيتشيك ومحمد علي شاهين، الذين يعتقد أن عدم ترشحهم في الانتخابات النيابية الأخيرة كان من أسباب تراجع شعبية الحزب.
ورغم كل هذه الإجراءات فإن النتائج ليست مضمونة ، وهذا ما أشار إليه تقرير نشرته "الاندبندنت" قبل أيام ، ذكرت فيه أنه مع كل مناورات أردوغان فإن إجراء انتحابات مبكرة لن يوفر ضمانا ليفوز الحزب بالأغلبية التي يريدها، وأن أردوغان يراهن في الانتخابات المقبلة على أن تجتذب حربه ضد الأكراد ـ وبالتحديد حزب العمال الكردستاني ـ الدعم من القوميين المحافظين، وتشير بعض استطلاعات الرأي إلى أن هذه الاستراتيجية يمكن أن تحقق النجاح .

وأشار التقرير كذلك إلى أن أردوغان يخطط لإعاقة تحقيق حزب الشعوب الديمقراطي لعتبة 10% في الانتخابات المبكرة.

وهناك مشكلة أخرى ستواجه أردوغان وحزبه الأيام المقبلة وهي مسألة تشكيل الحكومة الانتخابية أي تلك التي يشارك فيها الأحزاب التي فازت في الانتخابات، وهي حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي، ما يضع هذه الحكومة في أزمة دائمة تتمثل في توزيع الحقائب الوزارية، وفي الخلافات التي سوف تسيطر عليها نظرا لعدم التناغم بين أعضائها، وزادت الأزمة تعقيدا بعد إعلان حزبي الشعب والحركة القومية عدم مشاركتهما في هذه الحكومة، ما يجعل المشاركة مقتصرة فقط على حزب الشعوب الديمقراطي الكردي ، الذي طالب بنصيبه في هذه الحكومة المؤقتة، ورد عليه أردوغان بأنه ليس لديه وقت ليضيعه مع هذا الحزب . لكن أوغلو سيجد نفسه مضطرا لمنح الحزب حقائب وزارية أغلب الظن أنها لن تكون سيادية .

أردوغان يغرق في المستنقع الكردي

لخص زعيم المعارضة التركي "كليتشدار أوغلو" رئيس حزب الشعب الجمهوري، الحرب التي شنّها أردوغان على حزب العمال الكردستاني أفضل تلخيص حيث قال موجها الانتقادات للرئيس التركي ومحملا له المسئولية في الدماء التي سالت بقوله : "إنه يتآمر على جيشه ويتغذى على الدماء وهو الذي أشاع الفوضى والعمليات الإرهابية في البلاد".

ووجه كليتشدار أوغلو في مقابلة مع صحيفة "حريت" التركية" سيلاً من الانتقادات لأردوغان بقوله "إنه اتخذ من القصر غير القانوني، في إشارة لقصر رئاسة الجمهورية (القصر الأبيض) بأنقرة، وطنًا وحصنًا له. لا يوجد لديه حب للوطن ولا للشعب؛ هو يدّعى ذلك على لسانه فقط لكن الحقيقة أن ذلك ليس راسخًا في قلبه ووجدانه. كان يفكر دومًا في نفسه وأسرته، ولا يوجد لديه عزيز أو غالٍ لا يمكنه التضحية به في سبيل تحقيق مصلحته الشخصيّة"، حسب تعبيره.

وحمّل أردوغان مسئولية الأعمال الإرهابية التي اندلعت في تركيا فجأة عقب الانتخابات البرلمانية  الأخيرة ، قائلا :"هو من أشاع الفوضى والإرهاب، ومن حوّل هذه البلاد إلى بحيرة من الدماء. وهدفه من وراء ذلك إملاء ما يقوله على الشعب، وإرغامه على تحقيق مصالحه عن طريق القمع والدموع والدماء. إنه يرغب في أن يدخل في ذاكرة المجتمع مفهوم "بدوني لن تسير الأمور"، بينما الحقيقة أن تركيا آلت إلى هذا الوضع بسبب وجوده".

والواقع الذي يفرض نفسه هو أن أردوغان أغرق نفسه في المستنقع الكردي ، ودخل في حرب ظن أنها ستكون "نزهة" بينما فوجئ بأنها ستحرقه وتستنزف جيشه ورجال الأمن وستضرب الاقتصاد التركي في مقتل حيث إنه يعتمد بشكل كبير على السياحة، علاوة على أن هذه الحرب وعلى العكس تماما مما خطط له أردوغان ستزيد من قوة حزب العمال وتؤثر سلبيا للغاية في مكانة وهيبة المؤسسة العسكرية التركية وقوى الأمن والدولة التركية نفسها، حيث تبنى مقاتلو حزب العمال  توجيه ضربات موجعة وقاتلة لقوات الجيش والأمن، وشن عمليات وتفجيرات طالت مؤسسات الدولة وفي مقدمتها قصر رئاسة الوزراء والقنصلية الأمريكية ومقار لحزب العدالة والتنمية، وهو ما قلّل من هيبة الدولة وأظهرها بمظهر العاجز أمام ميليشيات غير نظامية . خاصة مع الخسائر اليومية التي يتكبدها الجيش والشرطة التركيان على يد عناصر حزب العمال الكردستاني، وبالإضافة إلى ما سبق قيام الحزب بإعلان الإدارة الذاتية في عدد من المناطق الكردية في جنوب شرق تركيا، وغياب أي وجود للقوات المسلحة أو الشرطة التركية فيها .كل ما سبق يمثل استنزافا للدولة التركية لن يتحمله أردوغان بمرور الوقت.

هل يتحمل الجيش التركي حرب استنزاف مع الأكراد ؟

رغم أن أردوغان كان صاحب قرار شن الحرب ضد حزب العمال الكردستاني ، وصاحب الضربة الأولى فيها ، إلا أن حزب العمال نجح في تحويل هذه الحرب إلى حرب استنزاف ضد الجيش والشرطة خاصة في المناطق الكردية التي يتمتع فيها بشعبية جارفة ، ونجح مقاتلو الحزب في شن عمليات عسكرية وتوجيه ضربات قاسية لمعسكرات الجيش التركي ودورياته . وتكبيده خسائر يومية في الأرواح والمعدات .

وبعيدا عن الأرقام التي تعلنها الحكومة التركية عن نتائج عملياتها العسكرية الجوية والبرية ضد حزب العمال ، وهي بالطبع أرقام مبالغ فيها لأنه من الصعب حسابها بدقة في ظل أن الضربات تكون بالطائرات ، وبالتالي كيف يمكن إحصاء عدد القتلى في صفوف مقاتلي حزب العمال ؟ وتزعم تركيا أنها قتلت نحو 771 عنصرا من حزب العمال منذ بدء العمليات في 24 يوليو الماضي .

بعيدا عن هذه الأرقام فإن أعداد القتلى في صفوف الجيش وقوات الأمن التركية الذين يسقطون يوميا جراء عمليات حزب العمال ، لا يُستهان بها وتعبر عن نجاح هذا الحزب في استنزاف القوات التركية . وحسب ماتنشره الصحف التركية نفسها فقد سقط نحو 55 قتيلا في صفوف الجيش والأمن خلال شهر . ومن خلال متابعة هذه الصحف فإنه لايكاد يمر يوم دون سقوط قتلى في صفوف الأمن والجيش التركي، علاوة على تنوع العمليات التي ينفذها مقاتلو حزب العمال والأهداف التي يستهدفونها خلالها ، وهي جميعها تؤكد أن الحزب ازداد قوة وتسليحا وتخطيطا ومعلوماتيا ، وهو ما سبق وأكده لنا شخصيا القيادي في الحزب "صبري أوك" عندما قال في حوار سابق معه نشرته "المصور" قبل أسابيع :" نحن الآن في أقوى حالاتنا وقادرون على خوض حرب طويلة مع الدولة التركية". وهناك تقارير تؤكد أن الحزب نجح في تقوية وجوده بالسلاح والمقاتلين والمعلومات اللوجيستية داخل المناطق الكردية في جنوب شرق تركيا ، ولعل هذا ما يفسر تنوع العمليات التي يقوم بها مقاتلوه ونجاحها رغم تعقيدها، ولقد نجح مقاتلو الحزب مؤخرا في إعلان سيطرتهم الكاملة على بعض المناطق وإقامة نظام الإدارة الذاتية فيها، وإجبار القوات العسكرية والأمنية التركية على مغادرتها ، وبدأ مقاتلو الحزب في إقامة نقاط تفتيش على الطرق السريعة بهذه المناطق وداخلها .وهو أمر مرشح للاتساع ليشمل مناطق أخرى في الأيام القادمة ، ما يؤكد أن أردوغان ورّط نفسه وجيشه وشعبه في المستنقع الكردي ، وهو بلاشك لن يخرج منه كما دخل .

نقلا عن مجلة المصور