الخميس 2 مايو 2024

د. علي جبر تطوير العشوائيات الآن عمل غير مسبوق

26-4-2017 | 13:27

عندما تم تأسيس المهندسخانة كانت تنقسم إلى قسمين رئيسيين هما الرى والأشغال والعمارة، وكان قسم العمارة تحديدًا يرأسه أجنبي من فرنسا وإيطاليا، ولكن في منتصف القرن الماضى ومع حركة التمصير ووجود كوادر وأساتذة مصريين فى الجامعة المصرية، التي أنشئت عام ١٩٠٨ بدأت تدريجيا أن يتولى المصريون مناصب العمارة ورؤساء الأقسام فظهر لنا د. طه حسين فى الآداب وعلي مشرفة فى العلوم ود. الساوي فى الهندسة ود. على جبر فى العمارة، ومن ذلك الوقت وحتى الآن استمر التمصير والآن وبعد ما يقرب من ٧٥ عامًا على بداية تولى المصريين للمناصب يتولى د. على جبر “الصغير” حفيد على جبر “الكبير” أو مصرى رئيسا لقسم العمارة منصب الجد ليجلس على نفس المقعد، بل ويصبح وكيل كلية الهندسة، بل ويأخذ مكتبه أيضا لأن الأب لم يحب الهندسة كما روى لى الحفيد على جبر وفضل أن يعمل بالقضاء.

 

كيف كان الجد الكبير د. على جبر وهل عاصرته؟

د. على جبر جدى بالفعل كان «زول مصرى» يرأس قسم العمارة وكان ذلك نظرًا لمجهوده الكبير فى عالم العمارة ومنها تأسيس مصانع الغزل والنسيج بالمحلة وكذلك مساكن العمال بها ونستطيع أن نقول بأن المحلة الكبرى تأسست فى العمارة على يد د. علي جبر وانتقل بعدها إلى كفر الدوار وأسس المصانع هناك.

نستنتج من ذلك اهتمامه بأحوال المصريين البسطاء وعلاقته بطلعت حرب؟

د. على جبر بالفعل كان مهتما بالإنسان المصري وبالإنتاج ومن خلال سمعته العلمية والعلاقة مع طلعت حرب أسندت إليه تصميم المدن الصناعية الكبرى، التى لا تزال موجودة حتى الآن، بل أضاف إليها بعد ذلك المطبعة الأميرية، بل وفيلا أم كلثوم بالزمالك ويحكى أن تعرفه على أم كلثوم كان سابقا على أن تسند إليه شأن تصميم فيلاتها فقد كان محبًا للفن والموسيقى ومن هنا تعرف على أم كلثوم لأنه أصلا كان يعزف على العود، وحينما قامت الثورة فى يوليو ١٩٥٢ ولأنه مهتم بالإنسان وتأسيس المدن كلفه الرئيس عبدالناصر بإنشاء ملحق حديث لفندق “نيوكتراكت” بأسوان، وكذلك “نيو ونز بلاس” بالأقصر.

وجدى كما عرفت بعد ذلك من حكايات الأب والعائلة ثم بعد التحاقى بالكلية وقسم العمارة تحديدا أنه كان يسافر فى الصيف كل عام إلى أوربا ويعود ويحمل معه الملفات والصور والمجلدات للطلاب ليطلع طلابه على شكل المعمار فى أوربا وكان السفر والتصوير هو وسيلة الاطلاع في ذلك الزمن فى الأربعينيات وما قبلها بل وحتي وقت قريب، وكان جدى هو النافذة، التى يطل منها الطلاب على العالم الخارجى وبالذات فى إنجلترا حيث حصل منها على درجة الدكتوراه عام ١٩٢٢ من جامعة ليفربول، التى كانت رائدة في العمارة الكلاسيكية فى ذلك الزمن ثم ظهرت حركة “الأرت دكو” فى أوربا وبالطبع نقلت إلى مصر وسنجد مباني العشرينيات والثلاثينيات تجسيد لذلك مثل مبنى محافظة الجيزة وغيرها ولأن الجد كان مصريًا، والمصريون لديهم المعمار الفرعونى فحدث تطوير لحركة الأرت “دكو” فى مصر وبدأت المبانى بتأثير هذا المزج، ومنها فيلا عبدالوهاب ومقر السفير الهندي بالزمالك وعمارة مصر للتأمين بالجيزة.

إذا كانت مصر لها طابع فى البناء بتأثير المعمار الأوربي مع تمصيره كيف تفسر هذا التشوه المعماري الآن أو عشوائية المعمار؟

د. على جبر: أعتقد أن السبب يعود إلي المحليات هى التى تسيطر على تراخيص البناء وبما أن الفساد فى المحليات “زاد على الركب” فمن الطبيعى أن يسود النمط أو التشوه المعماري فى البناء لأن فاقد الشىء لا يعطيه، ولكن الأهم أن تقنيات البناء يحكمها الأسعار بمعنى أن لو المتاح ماديًا قليل سيصبح البناء رخيص طبقًا للمتوفر من التمويل، والأهم أننا نحن فى مصر لدينا أزمة ليس فى البناء فقط وإنما فى الصيانة، وكان جدى له مقولة شهيرة “إن اللون الرمادى هو الأشهر فى مصر” وكان يعنى أن المبانى بلا صيانة نهائيا منذ أن يكتمل المنشأ، والتى تكاد نسبتها تقترب من الصفر فى التمويل فنحن لا نضع أى أموال للصيانة، وبالتالى تترك الأمور للتداعى فلو نظرنا مثلا إلى العمارات ذات الإيجار القديم، فلماذا يدفع الملاك للصيانة وهم لا يتحصلون على أية دخل منها، وبالتالى تترك للإهمال والتداعى، وشرط الحفاظ على الثروة المعمارية فى مصر فى توفير بنود للصيانة.

باعتبارك أستاذ للعمارة وحفيد د. على جبر هل لدينا نمط معمري مصرى؟

د. على جبر: نحن كان لدينا معمار وأساتذة فيه حتى حدث وجاد العثمانيون الأتراك إلى مصر فحدث تفريغ بمعنى الكلمة لمصر من الكوادر وذهبت إلى الاستانة وهذا التفريغ المبدئي حدث بعد ذلك موجة تغريب لأنه عندما آتى نابليون والحملة الفرنسية على مصر علموا المصريين وفق أساليبهم.

وفى بداية القرن العشرين سنجد أن مصطفى باشا فهمى وهو من الجيل الأول للمعماريين المصريين تخرج من أكاديمية روما، وبالتالى تأثر بالعمارة الايطالية، بل أنهم بثوا مباني كلاسيكية أكثر من كلاسيكى أوربا وستجد مثلا أن ضريح سعد زغلول باشا كا به محاولة لدمج الفرعوني ليعبر عن مصر.

والوحيد الذي حاول أن يعمل عمارة مصرية كان حسن فتحى وكان اتجاه لذلك نظرًا لقلة الاعتمادات المالية المتوفرة مثلا لبناء قرية القرنة بالأقصر فاضطر أن يبحث عن موارد محلية رخيصة بدلا من الاعتماد على الخرسانة ولكن هذا لا يمكن تطبيقه على المبانى الكبيرة وحسن فتحى نفسه لم يدع يومًا أن حلوله للبناء عالمية ولكنه قال إنه أوجد الحلول الملائمة للمشروع، ولولا النشر الإعلامى عن تجربة حسن فتحى لكان مات دون أن يعرفه أحدًا.

لأن الأقوى هو قوى السوق أي مالك المشروع لأنه يتحكم فى رأسمال البناء وحسن فتحى كان غنيا جدًا لذا لم يسمح لقوى السوق أن تتحكم به ولكن الآن هذا الوضع يكاد يكون مستحيلا.

ولذلك نحن ندرس لطلابنا تاريخ ونظريات العمارة ومنها نظرية رمسيس ويصا واصف لأن تجربته كمهندس كانت أشمل، ووضع حلولا مصرية لعدد من المشاكل فنحن نحاول أن نحافظ على الفن والتاريخ لأننا القسم الوحيد، الذى يدرس تاريخا أيضا، بل ونطلب من الطلاب التعمق فيه لأن الإبداع يتوقف على المعرفة واختيار الموقف أو الزاوية، التى يبدع فيها المهندس المعمارى، ولذلك نحاول أن ندعم طلابنا بالفن والتاريخ، بل وننظم لهم رحلات إلى الخارج فى أوربا للتعرف على المعمار، خاصة فى بريطانيا وإيطاليا وفرنسا، والآن نحاول الاشتراك فى تنمية مصر من خلال المساهمة فى تطوير العشوائيات، وما يحدث فيها جهد غير مسبوق بالفعل.

    Dr.Randa
    Dr.Radwa