الأربعاء 29 مايو 2024

كلية الهندسة درة تتلألأ على جبين جامعة القاهرة

26-4-2017 | 13:36

بقلم: د. جابر نصار

 

 

المهندسخانة ... ماذا تعنى؟

تعنى النهضة لأن أهمية كلية الهندسة فى أى مجتمع تبدأ من التفكير فى مشروع النهضة التى يسعى إليها هذا المجتمع وهذه النهضة تحتاج إلى أسس مادية وفكرية.

أما الأسس المادية فيأتى فى القلب منها العمران ونقصد به العمران البشرى على الأرض الذى هو أساس التقدم ونظرة مدققة إلى حاضر أى أمة أو حتى تاريخها فى الماضى فيمكن قراءته من حركة العمران بها.

لعلنا ندرك من عمق التاريخ أن الله حينما أطلق الحياة وأنزل الإنسان على الأرض فقد اعطي له مفاتيح العمران الذى يعمر به الأرض والحياة ويؤسس به للحضارة الإنسانية وفى التاريخ المصرى عندما ننظر إلى العمارة الفرعونية نتعجب فى صمت ولا نجد لذلك تفسيراً إلا أن الله قد قسم لكل أمة أسباب عمرانها وحضارتها فإذا ما أخذت بالأسباب نمت الحضارة وتركت لنا آثاراً معتبرة مثلما حدث فى تاريخنا القديم.

لذلك فإن العمران قرين العلم والأساس، الذى يتم البناء عليه فكلما تقدمت العلوم، تقدم العمران، والمصريون الأوائل كانوا بنائين عظاماً بنوا حضارة وتاريخاً ومجداً إنسانياً وتركوا فى هذه الأرض المباركة أكثر من ثلث آثار العالم كل، فهذه الآثار تشهد على التفوق فى علم الهندسة والبناء.

وإذا انتقلنا إلى بداية التاريخ الحديث المصرى سنجد محمد على جاء إلى مصر، وهذا الرجل تتبدى عظمته فى أنه كان قائداً بالفطرة، وأتذكر أيام كنت طالباً فى السنة الرابعة بكلية الحقوق أننى درست فى علم الإدارة العامة حواراً دار بين العلماء كان مضمونه هل الإدارة علماً أم لا؟

ولكن المؤكد الذى نستخلصه من ذلك أن الإدارة إذا كان لها فى بعض جوانبها من تأثير فإن شخصية الإنسان تبقى مؤثرة ورائدة وقائدة وهنا تبرز على الفور قيمة محمد على التاريخية فمحمد على عندما أراد أن يبنى مشروعه لنهضة مصر كانت أول أعماله إنشاء المهندسخانة إيمانا منه بأن كل تقدم يتطلب عمراناً وأن كل عمران يتطلب الهندسة والعلم.

وحينما أسست الجامعة المصرية - جامعة القاهرة الآن - ضمت إليها مدارس علمية عظيمة ومعتبرة وكانت على رأس هذه المدارس العلمية مدرسة المهندسخانة التى نحتفل هذا الأسبوع باستكمال مئويتها الثانية وبداية المئوية الثالثة.

هذا العمق التاريخى يعكس أيضا عمقاً علمياً ويؤكد عظمة وتميز كلية الهندسة بجامعة القاهرة خاصة فى علمائها وفى برامجها الدراسية وأيضاً فى طلابها ونبوغهم.

وليس من قبيل المبالغة عندما تذكر الهندسة فإن الجميع سيذكر بالتقدير والاحترام) كلية الهندسة) بجامعة القاهرة.

إن ذاك الماضى البعيد والقريب أيضاً الذى أسسه محمد على يؤكد أن نهضة هذا الوطن هي أمر مستطاع وممكن ويسير أيضاً إذا ما استجمعت واستدعيت همة المصريين لا سيما الهمة فى قيم العلم والعمل الجاد.

فإذا كان محمد على قد جاء إلى حكم مصر قدراً وكانت مصر فى ذلك الوقت ليست دولة بالمعنى “المعروف الآن” وإنما كانت دويلات متفرقة يحكمها المماليك وكان كل مملوك يقف على رأس أرض وحارة فإذا بهذا الرجل الذى جاء إلى مصر وفى غضون عشر سنوات يبنى دولة قوية وجيشاً مغواراً يغزو به شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً وكان ذلك أحد الأسباب التى من أجلها تكالبت عليه السهام.

إن فى هذه المناسبة واللحظة التاريخية التى نحتفل فيها بـمائتى عاماً على المهندسخانة، لا يمكن أن نتركها تمر مرور الكرام وعلى المصريين أن يعيدوا قراءة ما حدث مرة أخرى وهم على أعتاب ومخاطر تتهددهم فيها مخاطر جمة وأخطار عظيمة.

ولا يمكن أن تخرج مصر الدولة ومصر الشعب من المخاطر إلا باتباع العلم وأسسه، لأن العلم هو الذى سيمكن المصريين من بناء الدولة الحديثة، فالعلم والعمل المتقن هما الأساس وعلينا أن نثق فى قدرات المصريين وفى قدرات مؤسساتهم وفى القلب منها الجامعات المصرية، لذلك فإننا نتطلع إلى المستقبل نأمل فيه أن تعود الريادة للعلم والعلماء لأن مصر عندما أغمضت عينيها فى النصف القرن الأخير عن الاهتمام بعلمائها وبيوت خبرتها فى الجامعات المصرية، وجدنا الأحياء تتحول إلى عشوائيات التى سار فيها القبح وخبى فيها الجمال أى اختفى واندثر وأصبح العمران صورة عذاب وحس متبلد.

لذلك فإن تشخيص الواقع أمر هام للغاية حتى وإن تبدى وظهر جارحاً وصادماً للعقول والقلوب ولكن كل ذلك من أجل أن يكون العلاج شافياً وراقياً مما نعانيه من الأمراض.

ولا سبيل لنا إلا أن نفعل ما فعله أجدادنا العظام وذلك لكى نعيد لمصر الدولة رونقها فى شوارعها ومبانيها وعمرانها وعُمارها لأن مصر تستحق كل ذلك لأنها دولة متفردة عن حق من حيث كونها تملك كل أسباب الحضارة والتطور وعلى رأس وأهم هذه الأسباب يأتى شباب هذا الوطن وخاصة طلاب كلية الهندسة.

هؤلاء أى شباب الهندسة جاءوا كجزء نابه من شباب هذا الوطن ومصر على مدار عهودها الطويلة تزخر دائماً بالعقول المفكرة والمدبرة والمتفوقة فمثلاً وعلى الرغم من فقر الإمكانيات وهذا واقع تجد هؤلاء الشباب يتفوقون عى أقرنهم فى المسابقات الدولية التى يشاركون فيها وبإمكانيات بسيطة استطاعوا أن يبدعوا ويثبتوا عظمة المصريين لذلك فإننى أذكر هذا الشباب بكل التقدير والاحترام والذى رأيته بنفسى يعمل ليل نهار وينام فى الكلية كل ذلك من أجل الإعداد للمسابقات الدولية وفى حدود أقل الإمكانيات، استطاعوا إحراز مراكز متقدمة.

لذلك؛ فإن عظمة مصر فى هذا الشباب الذى يريد فقط أن ننظر ونلتفت إليه وأن نثق فيه ونعامله بما هو أهل له، لذلك فإن جامعة القاهرة تؤكد دائما دعمها للطلاب وأساتذة الهندسة لما يقومون به من أعمال فى كافة المجالات حتى أصبحت فخراً للجامعة ويشار لها عالمياً بالبنان.

ونقول دائما إن مشاكل مصر المتشعبة باب حلها هو التعليم لأن هناك حكمة خالدة تقول: من يتعلم جيداً يستطع أن يخلق لنفسه مجالاً واسعاً سواء فى فرص العمل أو الحياة، ولا يمكن لمن تعلم جيداً أن يختطفه الإرهاب أو التطرف، ومشكلات العقل المصرى وما نلاحظه ونشاهده من الجمود والتطرف والإرهاب هو فى حقيقة الأمر نواتج للعملية التعليمية، التى خسرت هذه العقول فربحها شياطين الإرهاب والتطرف.

إن التحدى الأكبر الذى يواجهنا الآن هو أن نوفر لأبنائنا وشبابنا حق الحصول على التعليم الجيد والذى يستطيعو من خلاله أن ينهضوا بالوطن وأن ينافسوا أيضاً.

فسلام عليك أيتها الهندسة سواء كنت فى الماضى تسمى المهندسخانة أو حينما أصبحت درة فى جبين جامعة القاهرة.