السبت 18 مايو 2024

مصر تحتفى بتاريخ أجدادها

4-11-2020 | 12:45

كان افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي متحف شرم الشيخ، تأكيد جديد على الدعم الرئاسي للمشروعات الاثرية واقامة المتاحف الجديدة.. شرم الشيخ وكفر الشيخ والمركبات الملكية ثلاثة متاحف نوعية إقليمية هي الأولى من نوعها تكشف حجم الدعم الرئاسي الذى حظيت به آثار مصر في كل مكان، وبتكلفة تفوق المليار جنيه مصري، تفتح أبوابها أمام عشاق الحضارة الإنسانية ليخوضوا تجربة ممتعة وسط قاعاتها ويعيشوا تجربة ثقافية وفلسفية وترفيهية أيضا بشكل رائع، هناك، لا يملك أمامها الزائر سوى الوقوف دقائق ممتدة أمام كل قطعة أثرية للاستمتاع بجمالها، فلم تعد متاحف مصر مجرد مخازن للقطع الأثرية تتراص داخل قاعاتها المغلقة وتعلو وجهها الأتربة، لن تراها بعد اليوم مكدسة وتعج بها فاترينات العرض، بل سيتمكن الزائر العاشق لمصر وتاريخها من تأمل جمال ما تملكه من كنوز، وهو ما سيراه العالم بعد افتتاح متحف شرم الشيخ الذى يحكى تاريخ كل الحضارات الإنسانية التي عاشت على أرض مصر، ومن خلال متحف كفر الشيخ الذى يسرد تفاصيل تطور العلوم والطب عبر التاريخ، وتتضاعف المتعة داخل أول متحف نوعى فى بولاق يستعرض المركبات الملكية التي استخدمها حكام مصر منذ ما يزيد على ٢٠٠ عام.

أصبحت مصر اليوم تحتضن بين جنباتها عددا من المتاحف الجديدة التي تفخر بكونها مبنية وفق فكر وفلسفة ذات أبعاد مدروسة تأخذ الزائر في نزهة ممتعة فنية وعلمية تحكى بصدق عن تفاصيل حياة آبائنا وأجدادنا العظماء، وبالرغم من التكلفة الباهظة إلا أن وزارة الآثار حرصت على استكمال مشروعات إقامة عدد من المتاحف الإقليمية التي توقف العمل بها نتيجة انخفاض الواردات المالية وضعف حركة السياحة الأجنبية إلى مصر خاصة في أعقاب يناير ٢٠١١، ومع الإصرار والدعم الرئاسي المتواصل بدأت بشائر الأمل تهل على تلك المشروعات ليبدأ العمل فيها من جديد بل ويستمر بوتيرة سريعة حتى أصبحت مصر اليوم تمتلك أهم متاحف أثرية متخصصة في استعراض تاريخ الحضارة الإنسانية بشكل تفصيلي خارج القاهرة وبتكلفة فاقت المليار جنيه مصري على حد قول د. خالد العنانى وزير السياحة والآثار، حيث قامت الوزارة بالاستعانة بسواعد أبنائها الأثريين المصريين ومواصلة العمل داخل مشروعات المتاحف الإقليمية المنتشرة عبر الأراضي المصرية واستكمالها، ولكن من أهم القرارات التي اتخذها وكانت أحد أسباب هذا الإنجاز هو اللجوء إلى القطاع الخاص أو المحليات لمساعدته في الانتهاء من المشروعات المتوقفة أو المتعسرة، وبالفعل تم افتتاح متحف الغردقة القومي ومن قبله متاحف مرسى مطروح، سوهاج، ويوم السبت الماضي انضم إليها متحف شرم الشيخ، ومتحف كفر الشيخ، علاوة على متحف المركبات الملكية ببولاق الذى يعتبر الأول من نوعه في العالم.

البداية من متحف شرم الشيخ الذى تفقده الرئيس عبد الفتاح السيسي السبت الماضي معلقا افتتاحه، فقد ظل هذا المتحف مجرد حلم يراود كل العاملين فى الآثار لمدة تزيد على عشرين عاما وأكثر، لكن تحقيق الحلم تكلف أكثر من ٨١١ ألف جنيه مصري، لكن «العنانى» يرى أن التكلفة الباهظة لا يمكن مقارنتها بمدى الجمال والمتعة البصرية التي سيجدها الزائر داخل قاعات المتحف وردهاته، حيث تقابل الزائر فسيفساء أثرية ضخمة تكشف عن مدى تفوق المصري القديم في تصميم وبناء تلك التحفة الفنية خلال العصر الروماني القديم، كما سيقف الملك رمسيس الثاني ليكون أول من يراه الزائر داخل المتحف ليعلم الجميع أنهم فى معية حضارة قدمت للإنسانية العلم والثقافة وطريقة الحياة المتحضرة، لذا فإن متحف شرم الشيخ نوع خاص من المتاحف الأثرية التي قامت لتناسب جمهوره المتوقع من السائحين الذين جاءوا لقضاء أجازه وأوقات سعيدة ومرحة، لذا وافقت اللجنة العليا لسيناريو العرض المتحفي على أن يعكس المتحف تفاصيل الحياة اليومية عند المصري القديم ومدى تطورها حتى العصر الحديث، وكيفية تعامل الإنسان مع البيئة المحيطة به، والحياة البرية، وعلاقة الإنسان بالطيور والحيوانات والحشرات، نظرته إلى كل تلك الحيوانات، مثل استخدامه للثعبان، الجعران، القطة، الكلب، الصقر وغيرها من الحيوانات التي قام بتربيتها أو بتقديسها أو استئناسها أو علاجها، بل إن أول ما يقابل الزائر هو الإلهة «حتحور» إلهة الجمال ورب المرح والموسيقى ورمز إلهة جزيرة سيناء، ثم يتوالى العرض من خلال تفاصيل حياة الإنسان العادي دون الخوض في السياسة أو حياة الملوك، يحكى باستفاضة كيف كانت علاقته بالأسرة، التعلم، أدواته، التجارة والبحر والمراكب، وكل ما يخص حياته بشكل يكشف مدى التقدم الحضاري الذى كان يعيشه.

د. محمود مبروك، عضو اللجنة العليا لسيناريو العرض المتحفي والذى قام بتصميم سيناريو العرض بمتحفي شرم الشيخ وكفر الشيخ، يكشف أن المتحف الذى يعتبر الأول على أرض سيناء سيقدم قاعة كاملة حول جميع الحضارات الأخرى التي عاشت على أرض مصر وتأثرت بها وأثرت فيها مثل حضارات البطالمة واليونان والرومان ومعيشتهم في مصر، كما نرى طريق الحرير التجاري الذى أثر في حضارات البلاد التي يعبرها، ويتنقل العرض بين عصور المماليك ومن بعدهم الأتراك أو العصر العثماني، كما ستقدم قاعة أشبه بقاعات الحرملك التي كانت موجودة داخل القصور القديمة.. تحوى ملابس.. مجوهرات وحلى العائلة العلوية الملكية..»، ثم ينتقل العرض إلى استعراض حياة أهالي الصحراء، وبالأخص بدو سيناء وقبائلهم الرحل مثل قبيلة «الروميلات» أو «الأخارسة» وهم موجودون في مصر والسعودية وسوريا لا تعنيهم الحدود لكنهم يرحلون بين تلك الأراضي، ويردد بقوله: «نستعرض حضارتهم وتفاصيلها..»،

وفى متحف كفر الشيخ يختلف سيناريو العرض المتحفي عن غيره، فيركز على سرد تفاصيل أسطورة «إيزيس وأوزوريس» والصراع الأزلي بين «حورس» و «ست»، علاوة على مجموعة من الموضوعات مثل: تاريخ مدينة بوتو القديمة إحدى العواصم المصرية القديمة، ويكشف «مبروك» أن سيناريو العرض يبرز بعض الموضوعات العلمية التى غيرت مجرى الحياة الإنسانية مثل: تاريخ العلوم خلال العصور التاريخية المختلفة كالطب والبيطرة والصيدلة لربط المتحف بجامعة كفر الشيخ، إلى جانب تسليط الضوء على مسار رحلة العائلة المقدسة، بمدينة «سخا» وكذلك مدينة «فوه» ذات التراث الإسلامي الثري، كما يضم كافة التراث الثقافي لكفر الشيخ باعتبارها ثالث مدينة تراثية بعد القاهرة ورشيد، ومن أجمل القطع التي ستعرض تمثال من العصر اليوناني الروماني يصور طفلا في بحيرة وتمثال للملك رمسيس الثاني مع الإلهة سخمت، وتمثال آخر لأحد الكهنة يرجع لعصر الأسرة ٢٦، من منطقة تل الفراعين، وأضاف أنه تم وضع مسار للزيارة خاص بذوي الاحتياجات الخاصة وبطاقات الشرح بطريقة برايل.

د. مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار قال إن تلك المتاحف جاءت بعد طول انتظار، وعلى سبيل المثال فإن متحف كفر الشيخ يمثل حالة من التعاون بين وزارة السياحة والآثار ومحافظة كفر الشيخ التي تكفلت بجزء من ميزانية إقامة المتحف، خاصة أن العمل بدأ فى عام ٢٠٠٨ وتوقف في ٢٠١٠، لكن بعد توقيع برتوكول التعاون بين المحافظة والوزارة عاد العمل به مرة أخرى، وكذلك متحف شرم الشيخ الذى توقف العمل فيه لكن وزارة الآثار قررت استكمال المشروع بالرغم من التكلفة الباهظة نظرا لضخامة حجمه، وإن أكد «وزيري» على حرص الوزارة على تصميم المتاحف الجديدة طبقًا للمعايير العالمية للمتاحف، وأن يحمل كل متحف شخصية تميزه وتتناسب مع موقعه الجغرافي أو تلاءم جمهوره المستهدف، وإن اختلفت طريقة إقامته، وتلك الرؤية تجسدت داخل متاحف إقليمية تم افتتاحها مثل متاحف طنطا، تل بسطا، سوهاج ، كوم أوشيم» جميعها ارتبطت بتاريخ المنطقة المحيطة بها»، على حد وصفه، مضيفا أن «كل متحف له شخصيته الخاصة به ويقدم خدمة متحفية علمية ثقافية مختلفة..»، لذا بدا متحف المركبات الملكية الذى يطل على شارع الجلاء بمنطقة بولاق أبو العلا كنموذج متحفى جديد لا مثيل له فى مصر والشرق الأوسط، فهو يرصد فترة حكم دولة محمد على باشا وأسرته العلوية من خلال منظور فريد، ويستعرض فترات الازدهار والقوة من خلال مقر العربات الملكية الأثرية، هناك يرى المبنى الشامخ ذا الطابق الواحد، وعلى واجهته تبدو فنون العمارة المميزة لتلك الفترة المبكرة التي تنتمى لفنون القرنين الـ١٨ والـ١٩، حيث أوضح الأثري مؤمن عثمان رئيس قطاع المتاحف بالمجلس الأعلى للآثار، أن المبنى الذى ترتص داخله عربات الملوك وفى الساحة الأمامية تقف نماذج الخيول التي كانت مخصصة لجرها هو فى حد ذاته مبنى أثرى فريد ولا يوجد مثيل له، حيث أمر الخديو إسماعيل (١٨٦٣-١٨٧٩) ببناء المتحف الخاص بالمركبات الملكية ليكون الرابع من نوعه على مستوى العالم بل وأشار «عثمان» إلى أن المتحف يضم مجموعة رائعة من المقتنيات كالملابس الخاصة بالعاملين بمصلحة الركائب والذين ترتبط وظائفهم بالعربات، فضلا عن مجموعة من اللوحات الزيتية للملوك والأميرات التي يرجع تاريخها إلى نفس الحقبة التاريخية، ومن أجمل وأندر ما يحويه لوحة زيتية ضخمة تجسد إبراهيم باشا وهو يمتطى حصانه الأبيض والتي تتصدر قاعة الخيول بالمتحف، كذلك عدد من اللوحات الزيتية للخديو إسماعيل، ولوحة أخرى بالحجم الطبيعي للملكة فريدة زوجة الملك فاروق، كما يستعرض عددا من قطع أثرية التي توضح وسائل النقل المختلفة التي كان يستخدمها ملوك مصر، كما يقدم المتحف للمرة الأولى النياشين الخاصة بالخديو إسماعيل ونيشان الزراعة الذى تم صناعته من الذهب والفضة والمينا الملونة، وميدالية لاتحاد الفروسية المصرى المصنوع من الذهب، علاوة على العربة الملكية التي تحمل اسم «العربة الآلاى الخصوصي» والتي استخدمها الخديو إسماعيل في الذهاب إلى حفل افتتاح البرلمان المصري.

سيناريو عرض المتحف الملكي يتضمن خمس قاعات للعرض، وهى قاعة الانتكخانة والتي ستعرض العربات والمركبات المهداة إلى الأسرة العلوية خلال المناسبات المختلفة، وقاعة الاستقبال وبها شاشة عرض سينمائي ويتم عرض فيلم وثائقي عن الفترة الزمنية للأسرة العلوية، وقاعة الجمالون (الموكب) وتمثل الشارع في العصور الملكية وتعرض أندر أنواع المركبات وهى عربة الآلاى والتي تمتاز بدقة صناعتها وفخامة زخرفتها، وهى مهداه من الإمبراطور نابليون الثالث وزوجته الإمبراطورة أوجينى للخديو إسماعيل وقت افتتاح قناة السويس عام ١٨٦٩م، ثم قاعة المناسبات الملكية وتضم مجموعة من العربات التي كان يستخدمها أفراد الأسرة العلوية خلال المناسبات الرسمية المختلفة بالإضافة إلى لوحات زيتية عبارة عن بورتريهات ملوك وملكات وأميرات وأمراء الأسرة العلوية، وقاعة الحصان وتضم مجموعة من الفتارين لعرض الملابس الخاصة بالعاملين على العربات الملكية.

الأثري أحمد الصباغ، مدير عام المتحف، يلفت إلى أن القطع الأثرية تضمنت أيضا تمثالا من المعدن للاعب البولو على قاعدة من الخشب الزان، وتمثالا صغيرا من البرونز لحصانين، وعددا من التماثيل المصنوعة من البورسلين الملون، وعددا من السروج العسكرية التي كانت تستعمل في عهد الدولة العثمانية، وسروجا أخرى خاصة بالأطفال والسيدات مصنوعة من الجلد والنسيج والمعدن، بالإضافة إلى ملابس سائق العربة الآلاي، «دومو آلاي» أي الفارس الذى يمتطى الجواد على الجانب الأيسر في المركبات الرسمية، إلى جانب ملابس دليل آلاي، وفى سياق متصل أضاف الأثري أحمد ناجي، مدير الإدارة العامة للتربية المتحفية لذوى الاحتياجات الخاصة بقطاع المتاحف، أن المتحف يضع بطاقات شارحة لجميع القطع الأثرية باستخدام طريقة «برايل» لذوى الإعاقة البصرية ووضع خريطة شارحة لقاعات المتحف عند المدخل، ووضع لوحات إرشادية بجميع القاعات باستخدام لغة الإشارة لذوى الإعاقة السمعية.