الأربعاء 26 يونيو 2024

الشرق والغرب.. ما الجديد إذن؟!

4-11-2020 | 14:40

سناء السعيد

سلطت الأضواء على فرنسا مؤخرًا بعد مقتل مدرس للتاريخ والجغرافيا على يد شاب شيشانى الأصل. تم القتل بدافع الانتقام بعد أن عرض المدرس على التلاميذ فىالفصل رسومًا كاريكاتورية مسيئة للنبى محمد عليه الصلاة والسلام. وفى معرض رد الفعل خرج الرئيس الفرنسى«إيمانويل ماكرون» بتصريح نارى قال فيه: (إن الإسلاميين يحاولون مصادرة مستقبلنا، ولن تتخلى فرنسا عن الرسوم الكاريكاتورية). ولقد أخطأ ماكرون بتصريحه ذلك وعمق الأزمة أكثر وأكثر. وعلى إثره قام شاب تونسىفى مدينة «نيس» جنوب فرنسا بطعن فرنسيين فىمحيط كنيسة «نوتردام» فقتل ثلاثة وأصاب آخرين. وهو الهجوم الذى أدانه المجلس الفرنسى الإسلامى وعبر عن تضامنه مع الضحايا وعائلاتهم.

أكتب هذا الكلام لأن الحكاية تجددت هذه الأيام تحت مسمى جديد. وهو ليس بجديد تمامًا. ربما يعود لسنوات مضت. الشرق أصبح يسمى أهل الإسلام. والغرب فى معظمه – إن لم يكن كله – أصبح يقال عنه: المسيحى.

فى السنوات الأخيرة تركزت هذه الحوادث – لا أقول المؤسفة ولكنى أكتب المدبرة – فى فرنسا. أعرف أن لكل حادث ظروفه وملابساته وأسبابه. ودوافعه التى أدت إليه. والنتائج المدوية التى ترتبت عليه.

إلى أن وجدنا أنفسنا أمام حادث نيس الدموى. شاب تونسى فى الحادية والعشرين من عمره ثبت أنه وصل لأوربا قبل الحادث بأيام. ودخل إلى الأراضى الفرنسية قبل الحادث بيوم واحد. وعن سنه تقول الوقائع إنه فى الحادية والعشرين من عمره. أى أنه فى السن الذى يمكن أن يدفعه لفعل أمور كثيرة وتكون لها آثار مدوية. وذكر سنه ليس تبريرًا لما أقدم عليه من جرائم.

لم يكن ما جرى فى نيس هو الحادث الأول. سبقته حوادث. وأصبح هناك ضحايا أغلبهم من الطرف الفرنسى. ومثلهم من المسلمين. لكن الموضوع أصبح يطرح سؤال الساعة: أى مصير ينتظر المسلمين فى هذه البلاد البعيدة؟

ومشكلة فرنسا الآن أنها تريد إصلاح الإسلام. بدلًا من أن تعتبر أن محاربة العنصرية يجب أن تسبق أى اعتبار آخر. العنصرية التى أصابت قطاعات عريضة من شعب له ماضٍ عظيم فى التعددية وقبول الآخر وعدم الانغلاق على النفس. ويكفى أن نتخيل شكل التاريخ الإنسانى لو لم تقم الثورة الفرنسية التى أصبحت تاريخًا يقال له ما قبله وأيضًا له ما بعده.

ولكن عندما نتابع فرنسا الآن تبرز على الفور كلمة: النسيان. هل نسيت فرنسا أن دور الدولة الفرنسية ينتهى عند توفير الحرية لكل مؤمن بدين. ولا يحاول أن يَفرِض ما يؤمن به على الآخرين؟ وأيضًا فإن على الآخرين الغرباء القادمين إليها من خارج أرضيها أن يحترموا تقاليدها وأن يتعايشوا مع ظروفها وأن يتأقلموا مع واقعها. وأن يتقبلوا المتغيرات. وأن يوفروا للغريب أمنه وأمانه. أما إن حصل هذا الغريب على جنسيتهم فيصبح مواطنًا مثلهم تمامًا. هذا لا يُعفى القتلة من أنهم قتلة. مهما كانت المبررات والدوافع. ومهما كانت الأعمار. وأيضًا مهما كانت الملابسات.

فى أوروبا الآن ١٥ مليون مسلم. منهم أكثر من ستة ملايين فى فرنسا وحدها. ولا بد أن نعرف أن الإسلام هو الديانة الثانية فى فرنسا الآن. ومع هذا ما زالت لفرنسا نظرة عنصرية لهم نتيجة سنوات الاستعمار الطويلة. من متابعاتى البعيدة يخيل إلىَّ أن فرنسا تريد أن يعيش المسلمون كمواطنين فرنسيين. فى حين أنهم يعيشون بسلام داخل المجتمع الفرنسى.

ورغم أن حادث نيس عمل فردى. إلا أن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، قال فورا إن هجوم نيس إرهابى إسلامى ضد فرنسا. الفاعل قاتل، لا شك فى هذا. ولا يمكن أن يتعاطف معه إنسان على وجه الأرض. ولا بد من تحديد المواقف بشكل واضح. وبعد حادث نيس الذى يجب أن يحكم التحقيق مجراه فيه حتى النهاية أنظر إلى المستقبل الآتى. فستة ملايين مسلم فى فرنسا رقم كبير وغير صغير. ويجعل الطرفين يبحثان عن التعايش بأى شكل من الأشكال.

أبحث عن نقاط التلاقى بين الطرفين. الفرنسى والمسلم. فالمسلم لم يعد ضيفًا. ولم يأت هاربًا من بلاده إليهم بحثًا عن عمل فقط. ولكنه بعد أن عاش فى هذه البلاد سنوات طويلة أصبح جزءًا من نسيج المجتمع الفرنسى.

إن ما يجرى الآن محاولة شيطنة المسلمين وهذا غير صحيح. وهذا العدد من المسلمين فى فرنسا يجعلهم شركاء فى الوطن. لهم ما للفرنسى وعليهم ما عليهم دون تمييز على أى أساس كان. إن المهاجرين ومنهم المسلمون يطلبون رزقًا وسلمًا وأمنًا. ومعظمهم من الوطن العربى خاصة من شمال إفريقيا.

إن بعض الإجراءات التى تؤخذ هناك لا تعد طريقًا إلى الحل. ولكن تأزيم الأمور بمزيد من الإجراءات مثل منع الحجاب فى بعض الأماكن العامة. وقبل ذلك كانت هناك محاولات لتضييق الخناق على المحجبات. كذلك فإن المحلات عندما تخصص جزءًا منها للمبيعات الحلال، التى أصبح بعضها محلات قائمة بذاتها يقال عنها محلات الحلال. وهى تفرقة اضطر إليها المسلمون بسبب التعنت عند محاولة شراء ما يناسب دينهم من المشتروات.

لست متزمتًا. وأعتقد أن الشباب أخطأوا من قبل. وما قام به بعضهم مدان على طول الخط. ويجب أن ينالوا جزءاهم. ولكن أيضًا لا بد أن نقول إن فرنسا زلت قدمها ولا بد من التوقف عند الحد الذى وصلت إليه الأمور. خصوصًا أن فرنسا تجرى فيها انتخابات عامة فى سنة ٢٠٢٢، بما يمكن أن تحمله من الاحتمالات التى لا يعلمها إلى الله سبحانه وتعالى.