الأحد 16 يونيو 2024

الاستفتاء على الدستور الجزائرى.. هل يضع نهاية للمظاهرات؟

4-11-2020 | 14:50

هل تكتب نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى الجزائر والذى جرى يوم الأحد الماضى - والتى لم تظهر قبل مثول «المصور» للطبع -الصفحة الأخيرة فى سلسلة المظاهرات التى شاهدتها الجزائر؟ والتى بدأت فى فبراير ٢٠١٩، احتجاجا على ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للولاية الخامسة، بعد جلوسه على مقعد الرئاسة لـ٢٠ سنة، سبع منها قضاها مريضاً بسبب إصابته بجلطة دماغية عام ٢٠١٣ حيث كان لها شديد الأثر على قدراته الذهنية والحركية، وكان شقيقه سعيد (المسجون حالياً)، هو الذى يدير دفة البلاد، وهو الرئيس الفعلى رغم أن الجزائريين لم يختاروه، فضلاً عن عدم مراعاة احتياجات الأغلبية من الشعب الجزائرى الذى سقط منه العديد فى براثن الفقر ويعانى شبابه من البطالة (أكثر من نصف السكان تحت سن الثلاثين). خرج الجزائريون بالملايين فى مظاهرات سلمية يعلنون رفضهم لاستمرار هذا الوضع الغريب المقيت، واستطاعوا إجبار بوتفليقة ٨٣ سنة على تقديم استقالته فى إبريل ٢٠١٩، بمساندة الرجل القوى فى الجيش قايد صالح رئيس الأركان، الذى كان وراء إجراء انتخابات رئاسية فى ديسمبر ٢٠١٩ رفضها الحراك وقاطعها حوالى ٦٠ فى المائة من الناخبين وفاز فيها عبد المجيد تبون ٦٨ فى المائة من الأصوات وأصبح رئيساً للجزائر، وظل الحراك مستمراً طلبا لرحيل كل القيادات القديمة والقيام بخطة إصلاح سياسية واقتصادية، تدفع إلى جزائر جديد، ولم يتوقف الحراك إلا فى مارس بسبب الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها الحكومة الجزائرية لمواجهة وباء «كوفيد -١٩».

أياً كانت نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد، إلا أنه أثار أزمة وجدلاً واسعاً فى الأوساط السياسية فى الجزائر.

ومن المصادفات الغريبة غياب الرئيس عبد المجيد تبون عن الجزائر فى هذا التوقيت بسبب الاشتباه فى إصابته بالكورونا، حيث تم نقله لتلقى العلاج فى ألمانيا، ولكن المهم أن يصدق على نتائج الاستفتاء كما يشير القانون.

تبون يعتقد أن التصويت بالموافقة على مشروع تعديلات الدستور بمثابة إضفاء لشرعية على رئاسته، وقدم الدستور باعتباره يضع نهاية لحكم الفرد بتقليص صلاحيات الرئيس وتحديد مدة توليه الحكم بمدتين فقط، وجاء فى عرض الأسباب للمشروع التمهيدى أن هذا «التعديل خطوة أملاها واقع سياسي، فرض ضرورة التكفل بالمطالب الشعبية لبناء دولة القانون وتحقيق التوازن بين مختلف السلطات مع ضمان الشفافية فى تسيير الشؤون العامة».

أهم التعديلات التى نص عليها المشروع الاعتراف بالمظاهرات حيث جاء فى الديباجة “يعبر الشعب عن حرصه على ترجمة طموحاته فى هذا الدستور بإحداث تحولات اجتماعية وسياسية عميقة من أجل بناء جزائر جديدة، طالب بها سلميا الحراك الشعبى الأصيل” الذى بدأ فى ٢٢ فبراير ٢٠١٩.

الجيش الجزائرى موجود فى العديد من فصول الدستور، لأنه “العمود الفقرى للدولة.

لكن الجديد فى دستور ٢٠٢٠ هو أنه لأول مرة فى تاريخ الجزائر المستقلة، أصبح فى إمكان القوات المسلحة القيام بمهات خارج الحدود.

أما مادة سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية فتدل على أن هذه الصلاحيات لم تتقلص خصوصا فيما يتعلق بالتعيينات من رئيس الحكومة إلى كل الوظائف المدنية والعسكرية وحتى القضاة، وهو الأمر الذى يعارضه الكثيرون.

أهم التعديلات التى حظيت بتأييد الجميع هى إدراج مادة تحديد الولايات الرئاسية فى اثنتين متصلتين أو منفصلتين ضمن المواد الصماء غير القابلة للتعديل.

كثير من الجزائريين معترضون على المادة التى تلزم رئيس الجمهورية بتعيين رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية، والذى يقوم باختيار الوزراء، لأنه وفق رؤيتهم فمعظم هذه الأحزاب ضعيفة وفاسدة وظلت سنوات طوال تعمل من داخل النظام وفق ما يريد وما يسمح به.

ويبقى رئيس الدولة هو رئيس مجلس الوزراء فى جميع الحالات، مع إمكانية تفويض بعض صلاحياته للحكومة.

خصص الدستور المعدل أكثر من ثلاثين مادة لباب الحقوق والحريات تضمنت كل ما نصت عليه المواثيق الدولية من حرية الصحافة وتأسيس الأحزاب والجمعيات والنقابات وكذلك حرية التجارة والاستثمار وحرية المعتقد.

ومنعت مواد الدستور وقف أى وسيلة إعلامية أو حل أى حزب أو جمعية إلا بقرار قضائي، كما جاءت بعض المواد بشأن حقوق المرأة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية».

وكانت المواد المتعلقة بحماية حقوق المرأة إضافة إلى مادة تكريس اللغة الأمازيغية، كلغة رسمية ووطنية غير قابلة للتعديل، أحد أسباب دعوة الأحزاب الإسلامية للتصويت بـ «لا» على الدستور.

وكان الرئيس تبون قد أوكل رئاسة لجنة صياغة الدستور الجديد (١٦ عضوا) إلى الخبير القانونى أحمد لعرابة، وهو نفس الشخص الذى قام بالتعديلات السابقة فى عهد بوتفليقة، مما أثار استياء البعض من الجزائريين، كما اعتبر البعض أن إعداد مشروع جاهز وطرحه للمناقشة ليس الطريق الأسلم للديمقراطية واختيار التوقيت غير مناسب مع ظروف انتشار وباء الكورونا.

جبهة التحرير الوطنى أعلنت تأييدها للدستور وأشارت إلى أن طرح المشروع للمناقشة يندرج ضمن الوفاء بتعهدات رئيس الجمهورية، معتبرين «إشراك الأحزاب والنقابات والشخصيات الوطنية فى جلسات النقاش هو أسلوب جديد يتسم بالشراكة فى صنع القرار».

الرئيس والمسئولون يعتبرون الاستفتاء على دستور جديد جزءا أساسيا من استراتيجيتهم لتجاوز الاضطرابات الشعبية التى حدثت فى ٢٠١٩، لكن هناك من يرى أن قليلين فقط من الجمهور العادى هم من يبدون الحماس للاستفتاء، الذى ترفضه المعارضة.

بعض مؤيدى «الحراك» الشعبى المعارض فى الشارع يرفضون الدستور المقترح، ويعتبرون أن الأولوية لمنع استمرار سيطرة النخبة الحاكمة القديمة على السلطة، وهم يطالبون بمقاطعة الاستفتاء على تعديل الدستور

بينما قرر الإسلاميون التصويت بـ«لا» بدعوى أن المشروع فى نظرهم» علمانى.

وكات الجزائر قد عانت من الحرب الأهلية التى يطلقون عليها العشرية السوداء والتى كانت فى التسعينات من القرن الماضى وراح ضحيتها ٢٠٠ ألف مواطن، بدأت بسبب إلغاء الانتخابات التى فازت بها جبهة الإنقاذ الإسلامية.. سنوات المواجهة مع الأمن ثم العشرين عاماً من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة أدت إلى إضعاف الأحزاب السياسية، وبالأخص أحزاب الإسلام السياسي..

القليل من الإسلاميين من باب الانتهازية ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة أيدوا التعديلات تأييدا للنظام، طمعاً فى مناصب ومصالح..

أما الرافضون منهم فهم كما يقولون متسقون مع فكرهم الظلامى الرافض للدولة المدنية..حركة مجتمع السلم التى تتبنى فكر جماعة «الإخوان» الإرهابية، حددت الأسباب لرفضها فى تركيز السلطة فى يد الرئيس، وعدم الفصل بين السلطات، وعدم إدراج حظر استخدام اللغة الفرنسية فى المؤسسات و الوثائق الرسمية وأشار أحد قادتها إلى أن الدستور يكرس علمانية المدرسة والمسجد.

وانتقد رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، إحدى مواد الدستور التى تحمى النساء من العنف يعرفون أن فى ذلك تهديدا للحياة الأسرية!.

كما حث حزب جبهة العدالة والتنمية، وهى القوة السياسية الإسلامية الثانية، على رفض التعديل الدستورى لأن من وجهة نظرهم علمانية الدستور تضر بعقيدة الجزائريين.

أما أعضاء حركة الإصلاح وحركة البناء الإسلاميتين فتدعو للتصويت بـ«نعم» على التعديل الدستورى وكذلك حزب الحكومة وأحزاب الائتلاف الحاكم القديم فى مقدمتهم جبهة التحرير الوطني، أبرز داعمى حكم بوتفليقة الذى استقال فى أبريل ٢٠١٩. وقد قاموا بحملة ركزوا خلالها على أن المشروع يضع أُسساً لـ«جمهورية جديدة» وأن المشروع يشكل الخيار الأفضل للشعب الجزائرى فى ظل الظروف الحالية.

أياً كانت نتائج الاستفتاء فإنه يصعب التكهن بمستقبل الجزائر خاصة مع دخول العالم فى معترك الموجة الثانية من انتشار وباء «كوفيد ١٩»، الأمر الذى لا تتحمله اقتصاديات ضعيفة تعانى من مشاكل كبيرة مزمنة مثل الجزائر.