الدعوه إلى الله من أشرف الأعمال وأسماها فقال تعالى (
ومن أحسن قولا من دعا إلى الله ) ، و إن مقاصد الشريعه الإسلاميه حفظ النفس والدين
والمال والنسل ، كما أن هذه هى حقوق الإنسان العامه التى ينادى بها العصر الحديث ،
وإذا كان الإنسان فى حاجه إلى حفظ نفسه وحمايتها فإن حاجته إلى حفظ عقله لا تقل
أهميه لأنه بعقله يدرك الحقائق ويتدبر الأمور ثم يأتى بالتبعيه حفظ الدين والمال
والنسل ، ولذلك فإذا كنا ننفق على مقاومة الجريمه والإرهاب الأموال الطائله ، يجب أن يخصص جزء منها لكيفية
تغيير الخطاب الدينى ، حتى يتم على أساس متطلبات العصر وأدواته وإحتياجات وضروريات
المسلم فيه ، فلا فصل بين العباده والمعامله ، فحسن أداء العباده يؤدى بالفرد إلى
حسن التعامل بالخلق السوى ، ولا ننسى أن الأنبياء والرسل أرسلهم المولى عز وجل
للإرشاد والهدايه وصلاح حال البشر ، وإسعادهم فى الدنيا والآخره فقال تعالى ( وما
أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) فكانت الرحمه هى الهدف الأسمى من الرساله الإسلاميه ،
كما أنه سبحانه فتح أبواب التوبه لعباده على مصرعيها مهما كانت خطاياهم ، حتى لا
ييأسوا فقال تعالى ( قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله
إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ) كما إن حفظ النفس والعقل يتطلب
العيش بكرامه لكل إنسان فقال تعالى ( ولقد كرمنا بنى آدم ) بلا إستثناء بصرف النظر
عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم ، وهذا حق وهبه المولى عز وجل لكل إنسان ، وبذلك
يكون المتعدى عليه متعدياً على حقه عز وجل فى حمايته لخلقه ، لذلك إحترم عقله
وحريته وآدميته ، فكان أول دستور السماء توجيه منه تعالى للخلق بقوله ( إقرأ ) أى
تعلم وتدبر الكون من حولك حتى تستطيع التعامل مع خلقه الكائنين فيه ، ولا تعارض بين
العلم والمعرفه وقوله تعالى ( وما خلقت الحن والإنس إلا ليعبدون ) ، فالعباده
بمفهومها هنا لا تعنى إقامة الشعائر الدينيه فقط ولكن بمفهومها الواسع فتشمل كل
عمل يقوم به الإنسان دينياً أو دنيوياً ، بقصد وجه الله ونفع الناس ودفع الأذى
عنهم ، وحتى يتم ترسيخ هذا فى عقول البشر يجب أن يكون السبيل إلى الدعوه بالحكمه
والموعظه الحسنه كما قال المولى عز وجل ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمه والموعظه
الحسنه وجادلهم بالتى هى أحسن ) وبذلك تكون الدعوه بتلك الطرق الثلاثه الحكمه
والموعظه الحسنه وحتى الجدال يكون بالحسنى لذلك فشأن الداعيه السعى فى توصيل دعوته
وليس عليه تحقيق الهدايه فقال تعالى ( إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من
يشاء ) لذلك فأهم أدوات الداعيه هى الحكمه والتى هى ضالة المؤمن والمولى عز وجل
قال ( يؤتى الحكمه من يشاء ومن يؤت الحكمه فقد أوتى خيرا كثيرا ) كذلك على الداعيه
أن ينبه من يدعوهم إلى أنه تعالى قال ( إن الله لا يهدى الظالمين ) وقال أيضاً (
إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب ) ولذلك على من أراد هداية نفسه فليبتعد عن الظلم
، حتى ظلم نفسه ، وكذلك البعد عن الإسراف فى المعاصى والكذب لأن طريق الهداية لا
يصل إليه من به خصله من هذه الخصال ، كما أن طريق الدعوه يحتاج إلى الصبر فسبحانه
القائل لحبيبه المصطفى ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) فنجده ـ صلى الله عليه وسلم ـ
صبرعلى كفار قريش ثلاث عشرة عاماً فى مكه يدعوهم وهم يأذوه وأصحابه ، ويصبر عليهم
حتى أنه كان يصلى إلى جوار الكعبه وحولها وفوقها الأصنام ، وحتى بعد هجرته أدى
عمرة القضاء والأصنام على حالها ولم يحاول هدم صنم ، ذلك لأن أوان هدمها لم يأت ،
وأيضاً صبره على أهل الطائف الذين أذوه أشد الإيذاء ورفض هلاكهم من قبل ملك الجبال
، وهذا من حكمة الدعوه التى يجب أن يتعلمها الداعيه ، كذلك عليه أن يراعى مقتضى
حال من يدعوهم فلا يدعوهم فى وقت لا يحبون الإستماع فيه وأن لا يطيل عليهم دعوته
فى وقت يقتضى الإيجاز فلكل مقام مقال حتى لا يملوا الدعوه بسببه ، كذلك عليه أن
يراعى المناسبه التى يتكلم فيها ، فللشده وقتها وللين زمانه ، وكذلك مراعاة حال
المخاطبين فلا نجد من يوبخ المصلين على ترك الصلاة وهم أمامه يصلون ، وكذلك فلا
يدعوهم إلى فضيله هم عليها ولا ينهاهم عن رذيله هى أبعد ما تكون عنهم ، فيجد فى
ريف مصر من ينهى أهله عن الخروج للمصايف وهم لا يعرفون لهذا سبيل أو من ينهى فقراء
عن عدم إخراج ذكاة المال وكنز المال والذهب .