الأربعاء 5 يونيو 2024

الصراع على الأقصى صراع هوية وليس دينيًا

6-11-2020 | 20:45

الغضب الساطع آت وأنا كلى إيمان..

الغضب الساطع آت سأمر على الأحزان

من كل طريق آت.. بجياد الرهبة آت

وكوجه الله الغامر آت آت آت

لن يقفل باب مدينتنا.. فأنا ذاهبة لأصلى

سأدق على الأبواب.. وسأفتحها الأبواب

وستغسل يا نهر الأردن وجهى بمياه قدسية

 وستمحو يا نهر الأردن آثار القدم الهمجية

الغضب الساطع آت بجياد الرهبة آت

وسيهزم وجه القوة

البيت لنا.. والقدس لنا

ما أشبه الليلة بالبارحة.. زهرة المدائن رائعة فيروز التى كتبها ولحنها الأخوان الرحبانى، كتعبير عن غضب العرب لضياع القدس الشرقية1967، يتناقلها الكثيرون على شبكات التواصل الاجتماعى مازالت تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلى، الذى يعتبر القدس هى معركته الكبرى، ومن أجلها فشلت مباحثات كامب دافيد 2، بعد أن رفض الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات، التنازل عنها وعن الأقصى الذى أرادوا تدويله شريطة أن يظل تحت حماية إسرائيل، ورغم أن عرفات تنازل فى اتفاق أوسلو عن مساحة كبيرة من الضفة الغربية، إلا أن القدس كانت بالنسبة له خطا أحمر، ومن ثم اعتبره الإسرائيليون لا يصلح كشريك للسلام، وفى الغالب دفع حياته ثمنا لتمسكه بالقدس والأقصى.

اليوم تحاول إسرائيل فرض أمر واقع على الأرض، بالتحكم فى الحرم القدسى ومنع المصلين المسلمين من الدخول إلى باحة الحرم إلا بعد المرور عبر بوابات إلكترونية، وربما إذا تنازلت ستستخدم الكاميرات التى وضعتها على سقالات والتى تكشف عن وجود أى أسلحة أو متفجرات داخل أجسام المصلين أو يحملونها معهم.

والفلسطينيون يهبون لنصرة الأقصى ويفترشون الشوارع أمام الحرم القدسى ويقيمون الصلوات، والقوات الإسرائيلية تهاجمهم بالرصاص المطاط والهراوات وتقتل أربعة وتجرح حوالى 500 مصاب.

الأمور تتصاعد ليصبح السؤال هل نحن بصدد مخاض لانتفاضة ثالثة، وهل سينجح الفلسطينيون بمقاومتهم وإصرارهم على إجبار إسرائيل على التراجع، أم أن إسرائيل ستستطيع فرض واقع جديد على الحرم القدسى، الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين على الأقصى ليس عقائديًا بل هو صراع على الهوية، على الإرث الحضارى والقومى.

مستغلة الحادث الذى وقع يوم 14 من هذا الشهر بقيام 3 من الفلسطينيين بقتل اثنين من الجنود الإسرائيليين من حرس الحدود بعد إطلاق النار عليهم، خارج باحة القدس- ورغم أن جنودا إسرائيليين قاموا بإطلاق النيران على الفلسطينيين الثلاثة وقتلوهم -إلا أن

السلطات الإسرائيلية قررت إغلاق الحرم القدسى لـ48 ساعة أمام المصلين، وهى المرة الأولى التى يتم فيها إغلاق المسجد الأقصى منذ عام 1969 حيث تعرض للحريق على يد متطرف يهودى. مما أثار حفيظة الفلسطينيين الذين تجمعوا أمام باحة المسجد وأقاموا الصلوات فى الشارع، وتصاعدت الأمور بعد أن قامت إسرائيل بناء على قرار من المجلس الوزارى المصغر لشؤون الأمن برئاسة نتانياهو، بنشر البوابات الإلكترونية على مدخلين للحرم القدسى منها باب الأسباط الذى يصل بين البلدة القديمة والحرم، وقرر المسؤولون فى هيئة الأوقاف الإسلامية التى يتبعها الحرم القدسى عدم الدخول إلى باحة الحرم عبر البوابات (ويقدر عدد موظفى الأوقاف بحوالى 900 طبقا لمصادر أردنية ) ودعوا المصلين لعدم الدخول، وفى جمعة الغضب التى شاركت فيها أعداد غفيرة من الفسلطينيين، وفى مقدمتهم الشيخ عكرمة صبرى رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى، والشيخ محمد حسين مفتى القدس وخطيب الأقصى أيضًا، وشارك الأب عطا الله حنا بطريرك الروم الأرثوذكس، ليؤكد أن الأقصى لا يخص المسلمين وحدهم ولكنه جزء من تاريخ وحضارة الشعب الفلسطينى بكل طوائفه، ولكن الاحتلال أبى أن يترك الفلسطينيين يعبرون سلميًا عن غضبهم، فقرر تفريقهم بالغاز وبالهراوات والرصاص المطاطى وارتكب أعمال عنف ووحشية لم تفرق بين شيخ أو طفل أو امرأة، فأصيب الشيخ عكرمة وجرح عشرات الأطفال والنساء، وتم اعتقال العشرات بينهم الشيخ محمد حسين مفتى الديار وأفرجت عنه لاحقًا، واستشهد 4 فلسطينيين جراء الرصاص المطاطى، واستطاع كثيرون التقاط صور وفيديوهات تفضح وحشية الجنود الإسرائيليين فى التصدى لمتظاهرين عزل لم يحملوا فى أيديهم سوى أعلام فلسطين.

تصدى الفلسطينيين مستمر ومواجهة القوات الإسرائيلية العنيفة لها أيضًا مستمرة. حيث يرى الإسرائيليون العملية التى قام بها الفلسطينيون الثلاثة بمقتل الجنديين الإسرائيليين ذات طبيعة خاصة، فمرتكبو العملية من عرب 48 أكبرهم 29 سنة واثنان لم يصلا بعد للعشرين، هم تربوا داخل إسرائيل، استطاعوا الحصول على أسلحة (2 رشاش ومسدس) ودخلوا بها إلى البلدة القديمة رغم إجراءات الأمن المشددة، يبدو أنهم خلية صغيرة تنتمى لفكر داعش وتعمل منفردة، وهو أمر مهم. وقامت السلطات الإسرائيلية بإلقاء القبض على 29 ممن ينتمون لحركة حماس فى الضفة الغربية، بينهم وزير المالى لسابق فى حكومة حماس.

 كان الأقصى سببًا فى الانتفاضة الثانية عام 2000 حيث قام إرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق بالدخول إلى باحة المسجد الأقصى وسط حماية رتل من الجنود الإسرائيليين، مما مثّل استفزازاٌ للفلسطيينين، وحدثت مواجهة استشهد فيها 13 فلسطينيا من عرب 48 جاءوا من داخل الخط الأخضر.

ومما زاد حالة التوتر قيام أحد الفلسطينيين بالتسلل إلى مستوطنة فى القدس وقتل أسرة تضم ثلاثة وقام أحد المستوطنين بقتله.

الفصائل الفلسطينية كلها نددت بالجرائم الإسرائيلية واتفقوا- وهم الذين لا يتفقون أبدًا-على ضرورة إزالة البوابات وأى أعمال جديدة تغير من وضع الحرم القدسي، من الجبهة الشعبية إلى فتح إلى حماس مرورا بباقى الفصائل الأقصى جميعهم، وهى المرة الأولى التى يقرر فيها الرئيس الفلسطينى أبومازن قطع الاتصالات مع إسرائيل وتجميد التنسيق الأمنى حول الضفة الغربية والذى استمر رغم توقف مفاوضات السلام لأكثر من ثلاث سنوات، ويؤكد أن القدس الشرقية العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية.

وعلى المستوى العربى قال أحمد أبوالغيط الأمين العام للجامعة العربية إن القدس خط أحمر بالنسبة للعرب، بينما تم تأجيل اجتماع مجلس الجامعة الطارئ على مستوى وزراء الخارجية إلى يوم الخميس! بينما اندلعت مظاهرات فى عدة مدن عربية منها عمان وتونس ولبنان.

ووقعت حادثة داخل المبنى السكنى الذى تقطنه السفارة الإسرائيلية فى عمان، وقتل اثنان من الأردنيين وأصيب واحد من السفارة، ولا نعرف ملابسات الحادث ودوافعه حتى الآن.

ويجرى الملك الأردنى عبدالله اتصالات مع نتانياهو حيث عرض عليه إعادة الأمور إلى ماقبل الأحداث قبل العمل على طرح بدائل للجانب الأمنى.

وأصدرت الخارجية المصرية بيانًا تطالب فيه بعودة الأمور فى الحرم القدسى إلى سابقها، بينما طالبت الولايات المتحدة بضبط النفس وكذلك دعت الرباعية الدولية روسيا وأمريكا والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة إلى ضبط النفس لأعلى الدرجات! وسيجتمع مجلس الأمن يوم الإثنين لمناقشة هذه الانتهاكات الإسرائيلية ضد المقدسات وضد الفلسطينيين، وذلك بناء على طلب من مصر وسويسرا وفرنسا.

وطالب بابا الفاتيكان بوقف أعمال العنف التى تزهق الأرواح.

الحرم القدسى يضم مسجدى الأقصى وقبة الصخرة ذو القبة الذهبية الشهيرة وحائط البراق ومتاحف، وتعتبر الأردن هى المسؤولة عن إدارة الحرم القدسي، لأن القدس الشرقية مع الضفة الغربية كانت تخضع للأردن منذ عام 48 كما كانت مصر مسؤولة عن غزة، وتدير الأوقاف الأردنية الحرم القدسى والمتاحف والمدارس فى القدس الشرقية ولها كل السلطات داخل الحرم القدسى ولإسرائيل الجانب الأمنى فقط، ومنذ احتلال القدس الشرقية عام 67 أعلن موشى دايان وزير الدفاع آنذاك بعد عشرة أيام بعد انتهاء حرب الأيام الستة، أن الأردن مسؤولة عن الأقصى ويحق للمسلمين فقط الصلاة فيه ولايسمح لليهود أو المسيحيين ولا معتنقى الديانات الأخرى سوى بالزيارة فقط دون ممارسة أى عبادات، ونص اتفاق العقبة بين الأردن وإسرائيل على استمرار هذا الوضع ويكون للأردن الأولية تجاه الأقصى حين الوصول لاتفاق نهائى بشأن القدس. مع الأخذ فى الاعتبار أن الأردن تركت الأوقاف فى القدس تحت إدارة السلطة الفلسطينية منذ عام 1994إلا أن الأردن مازالت متكفلة بمصروفاتها، وتشير إحدى الدراسات الأردنية إلى أن الأردن صرفت مليار دولار على الحرم من 67 حتى 2010.

وقد حاول كثير من المستوطنين والمتطرفين اليهود تغيير الوضع المتفق عليه تاريخيا وحديثا، بالصلاة فى الحرم فكان الصدام المتكرر مع الفلسطينيين، و قامت السلطات الإسرائيلية بعمليات حفرية أسفل المسجد مدعية أن جبل الهيكل الثالث للنبى سليمان بنى فوقه المسجد مما يهدد بتدمير المسجد، كما يطلق اليهود على حائط البراق..حائط المبكى، فإسرائيل طامعة فى فرض سيطرتها على الحرم القدسي، فى إطار تهويد القدس. وبينما تمنع المسلمين أقل من 50 سنة من الدخول للمسجد وتضع الآن البوابات الإلكترونية والكاميرات الحساسة، تسمح لليهود والمستوطنين بدخول الحرم القدسى وسط حماية الجنود.

ربما تعيد إسرائيل ما قامت به تجاه الحرم الإبراهيمى فى الخليل منذ سنوات حيث اقتطعت جزءا كبيرا منه ليصلى فيه المستوطنون، رغم أنه يخص الفلسطينيين وحدهم وهم الذين بنوه وتوارثوه جيلا بعد الآخر، ولكن إسرائيل تريد طمس الهوية الفلسطينية ومحو ذاكرتها الحضارية والثقافية، لكن الفلسطينيين الذين هبوا فى ثورة البراق عام 1929 من أجل الأقصى وكذلك فى الانتفاضة الثانية عام2000 واليوم لمنع إسرائيل من السيطرة عليه هم فقط الذين نعول عليهم، فالعالم العربى مشغول بخلافاته وكذلك العالم الإسلامى..

 شعب الجبارين ينتشر فى شوارع القدس غير مبالٍ بفرق الجيش الإسرائيلى الخمس المدججة بالسلاح والتى تواجههم بالرصاص المطاطى والغاز المسيل للدموع، والدماء تسيل على أرض القدس؛ لأن الفلسطينيين الذين يعتصمون فى كنيسة القيامة وفى الضفة وغزة، من أجل أن يستمر الحرم القدسى للفلسطينيين يؤمنون بأن الصراع هو صراع وجود وهوية، وليس صراعًا عقائديًا دينيا.ً