السبت 18 مايو 2024

فتنة "الحى الهادى" تشتعل

6-11-2020 | 20:53

 اشتعلت فتنة حى الزمالك "الحى الراقي" من جديد مع بدء تنفيذ محطة مترو الزمالك.. الأهالى وأصحاب المحال أرسلوا استغاثات لمؤسسة الرئاسة، حتى يتم وقف إنشاء المحطة؛ إلا أن وزير النقل الدكتور هشام عرفات أعلنها صراحة أنه "لا تراجع عن تنفيذ المحطة"، بينما دخلت الشركة الفرنسية منفذة المشروع على خط الأزمة، وأكدت أن لديها أكثر من 100 خبير أجنبي، وسبق لها أن نفذت محطات فى مناطق أكثر خطورة مثل منطقة وسط البلد.

لا حديث فى الزمالك الآن؛ إلا عن خط مترو الأنفاق المقرر إقامته فى الحى الراقي، القلق يساور سكان الحى فى كل لحظة، خوفاً من تحول المنطقة الراقية لمنطقة صاخبة مثلما حدث فى كل المناطق التى مر بها المترو، فضلاً عن مخاوفهم من تأثر العقارات التاريخية جراء أعمال الحفر. 

فى شارع إسماعيل محمد، وقفت الدكتورة مها الطرابيشى تجمع توقيعات الأهالى لرفع شكوى إلى رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء لرفض إقامة المشروع، بين يديها توقيع لأكثر من 200 شخص، جميعهم "لا يرفضون المشروع فى حد ذاته، لكنهم يطالبون بمسارات بديلة للخط الحالي، وعدم إقامة محطة داخل المنطقة".

وتقول "الطرابيشي" بينما تلوّح بيدها نحو عمال شركة المترو الذين بدأوا تجهيز الموقع لإنشاء المحطة: "المترو هنا مشروع كارثي، وهدم للقاهرة التاريخية بما فيها من تراث معماري، ومحاولة للقضاء على آخر منطقة جذب سياحى حتى تنضم للعشوائيات، فى كل مناطق العالم هناك مناطق ذات طبيعة خاصة، والزمالك لها ذات الطبيعة بما تحتويه من سفارات وأماكن ثقافية، وبنايات تخطى عمرها مئات السنوات".

تنفى "الطرابيشي" عن سكان المنطقة صفة "العنصرية"، وتؤكد "لا نمارس الطبقية، أو محاولة أخذ وضع خاص للسكان هنا"، مشيرة إلى أنهم طالبوا هيئة الأنفاق أكثر من مرة باستخدام طريق بديل قدمته الشركة الفرنسية القائمة على تنفيذ المشروع، بمنع إقامة المحطة، والسماح بمرور خط المترو من مسار آخر على حدود الجزيرة، لافتة إلى أن "المسار الحالى يُهدد بلا شك العمارات القديمة والتاريخية التى لن تتحمل عمليات الحفر، ومرور قطارات المترو بشكل منتظم يوميا لمدة 18 ساعة".

"مش عاوزين نتبهدل، هنروح نعيش فين!".. هكذا تنظر السيدة الأربعينية "الطرابيشي" إلى حال أهالى الشارع الذى تم إغلاقه يوم الثلاثاء الماضي، لبدء التنفيذ الفعلى للمحطة، بعدما تم هدم جزء مجاور لقصر تاريخى ووضع معدات الشركة هناك.

فى الجهة المُقابلة، عدة محال تجارية، أصحابها أمضوا عقودا فى مكانهم، أصبحوا جزءًا من المكان، وأصبح حى الزمالك بيتهم الواسع والكبير، يخرج الخمسينى أحمد عبد السلام بين الحين والآخر يستطلع ما يقوم به عمال المترو الذين يمهدون لبدء التنفيذ، الأصوات بدأت فى التعالي، هذا صاروخ يقطع الحديد، وهؤلاء يركبون سياجًا حول الجزء الذى سيبدأ العمل فيه. يقول: "الأصوات تؤرقنا!".

فى شارع إسماعيل محمد، 5 أراضى يجرى نزع ملكيتها بشكل كامل - طبقًا للأوراق التى حصلت عليها المصوّر؛ الأولى جزء من أرض مدرسة دار الطفل، والثانية مبنى بداخل المدرسة، وكذلك مخزن بذات المدرسة، وجزء من أرض فضاء، وجزء من أرض فيلا، وجميعها ملكية خاصة.

ويُضيف "عبد السلام": "الزمالك مش محتاجة، لأنها تعتبر منطقة سياحيّة، كلها شركات وسفارات، وأغلب اللى عايشين فيها مستوى معيشتهم مُرتفع، و90% يمتلكون سيارات خاصة، و"لا أحد يسير على قدميه" حتى طلاب المدارس"، معرباً عن تخوفه من أن تصل يد العمليات الإرهابية إلى المنطقة، قائلاً: "هذه منطقة حساسة جدًا أغلبها مقار للسفارات".

جزء من المشكلة فى الزمالك تلك المحال التى سوف تتضرر، مثل أحمد عبد السلام صاحب محل الفضيّات، هناك إبراهيم ماهر صاحب محل قطع الغيار، كلاهما خاطبتهما هيئة الأنفاق لإغلاق المحال لمدة 3 سنوات مقابل تعويض. 

يقول "ماهر": "أنا فاتح المحل من 4 سنوات ومش عارف أعمل إيه، وبيتى هيتخرب، وتعويضات الهيئة لا تناسب حجم هذا الضرر"، مشيراً إلى تلك العلامات الحديدية التى تم وضعها أمام المحل كى تُمسك بـ"البوابات الصاج" التى سيتم تركيبها لتحديد مكان العمل داخل المحطة: "مفيش 20 سم بينها وبين المحل، طب هنفتح إزاي.. أكيد هنمشى غصب عنا"!.

هذا الرفض لم يكن بعيداً أيضاً عن الدكتورة نوال الدجوى رئيس مجلس إدارة مدارس دار التربية، التى تقع فى مواجهة مكان العمل بالمحطة، وتقول: "أرسلنا استغاثات لرئاسة الجمهورية، ويا ريت يتدخلوا لوقف إنشاء المحطة، لأنها هتأثر على المكان والمدرسة والبيوت بشكل كبير.. حى الزمالك فى الأساس قائم على جزيرة فكيف يمر المترو أسفل المدرسة؟".

على الجانب الآخر، قال وزير النقل الدكتور هشام عرفات، إنه "لا تراجع عن تنفيذ محطة الزمالك"، مضيفًا فى تصريحات خاصة لـ"المصوّر" نحن ننظر بعين الاعتبار إلى المصلحة العليا للمواطنين بصفة عامة، وتم تشكيل لجان وحوار مجتمعى مع الأهالى للتأكيد على عدم تأثرهم جراء إقامة المحطات، أو تأثر المنازل، لأن الشركة تستخدم طرقا تُطبق فى العالم كله، وطُبقت فى مصر أيضًا"، رافضًا الحديث حول التفاوض مع الأهالى لإقناعهم بقبول إقامة المحطة: "مفيش حاجة اسمها تفاوض مع الأهالى علشان نلغى المحطة".

تأكيد وزير النقل بشأن عدم التراجع عن تنفيذ المحطة، جاء مضاهيًا لما ذكره المهندس طارق أبو الوفا، رئيس الإدارة المركزية للتخطيط بالهيئة القومية للأنفاق، "مش هنوقف مشاريع الدولة القومية علشان خاطر الناس طالما مفيش ضرر عليهم من إقامة المحطة.. وعقدنا معهم 6 جلسات حوار مجتمعى للتأكيد على عدم تأثرهم من إنشاء المحطة، لكن بعض طلباتهم تبدو نرجسية"، فيما ذكر المهندس حسن توفيق، المتحدث باسم الهيئة أنه تم البدء فى العمل بالمنطقة بغلق شارع إسماعيل محمد حتى شارع البرازيل بالزمالك، لمدة أسبوع لعمل تجارب الخطط المرورية البديلة لإنشاء المحطة.

ويبلغ إجمالى طول المرحلة الثالثة بالخط الثالث للمترو 17.7كم وإجمالى 15 محطة، ويشمل الجزء الأول طول 4 كم وتمتد من العتبة حتى         الكيت كات، وتشتمل على 4 محطات نفقية وهى "ناصر, وماسبيرو, والزمالك, والكيت كات".

غضب أهالى الزمالك وصل إلى الشركة الفرنسية القائمة على تنفيذ المرحلة الثالثة للخط الثالث بالمترو.. وسارعت بالتأكيد على عدم تأثر البنايات المحيطة بمكان تنفيذ المحطة بأعمال الحفر، يقول إيريك كوبيه، ممثل التحالف الفرنسي، إن "الشركة تعمل فى مصر منذ 35 عامًا، ونفذت خطوط المترو ولم تؤثر على عمارات أى منطقة سلبًا".

وكانت الشركة الفرنسية قد قدمت عرضًا بديلًا لمسار المترو الحالى والاستغناء على محطة الزمالك، لكن هيئة الأنفاق رفضت هذا العرض لعدة أسباب يفندها "كوبيه": كان هناك بدائل فنيّة ترتكز على خبرات لتحقيق وفر مالى واقتصادى وتقليص الوقت اللازم لإنشاء المحطة، وكان هناك بديل الاستغناء عن محطة الزمالك والاكتفاء بتنفيذ محطة الكيت كات باعتبار قرب المسافة، وتمت دراسة هذا العرض البديل بكل جدية مع الهيئة، لكنها لم توافق، لزيادة المسافة بين المحطتين لتصبح 700 متر، وكذلك المسافة من ماسبيرو للزمالك 1200متر، ومن ماسبيرو للكيت كات 2200 متر.. وبالتالى فزيادة المسافة تُعيق إلغاء محطة الزمالك لأسباب تتعلق بالإخلاء والتهوية والسيطرة على أنظمة الحريق، كما أن إلغاءها يؤدى لتأخير تسليم المشروع وإعادة الدراسات.

وأضاف: "فى العرض البديل كنا سنضطر لإغلاق النيل من منطقة الكيت كات، وهذا كان سيؤثر على الملاحة بالنهر، كما أن له مؤثرات بيئية وستكون خسارة اقتصادية وتطلب ذلك موافقة وزراتى البيئة والري، فضلاً على أن الهيئة كانت تخشى من قلة عدد الركاب وهذا يؤثر على التشغيل اقتصادياً".

ورد "جان مينا" مهندس العمليات المسئول عن مشروع المرحلة الثالثة من الخط الثالث للمترو، على تخوفات أهالى الزمالك من تأثر منشآتهم جراء عمليات الحفر، بالقول إن "موقع المحطة الحساس يتطلب وعيا تاما من المجموعة المنفذة، ونتعهد أن يتم تنفيذ المشروع بأعلى كفاءة وبكل حرفية وفى وقت محدود، والطرق المتبعة فى إقامة المحطات تقنية متبعة منذ سنوات، وكل الحسابات تمت مراعاتها ولا تأثير على المبانى والمنشآت، كما أن تحويل المرافق من الأمور المهمة بالنسبة لنا سواء (المياه - الغاز - الصرف الصحى - الكهرباء - خطوط التليفون)، وسنقوم بتركيب كاميرات وتشديدات أمنية حول الموقع والدخول للمسئولين فقط، والهدف هو تقليل الضرر الذى قد يلحق بالأهالي".

وأردف: "الحفار الضخم سيبدأ الحفر مطلع 2018، وفى نهاية العام يصل محطة الزمالك وسيكون الحفر على عمق 35 مترًا، هناك مناطق حساسة ومدروسة تمامًا، وهناك طرق متبعة لحقن التربة، والمرحلة الثالثة بها أكثر من 100 خبير أجنبى فى تنفيذ الأنفاق بالمناطق الحساسة مع خبرة طويلة فى هذا المجال، وبالفعل نفذنا خطوطا ومحطات فى مناطق أكثر خطورة، مثل منطقة وسط البلد، بخلاف أننا نفذنا نفق الأزهر، والكل يدرك أن المنازل هناك آيلة للسقوط فعلياً".