الأحد 30 يونيو 2024

بعد الترامادول : "البريجابالين " .. الكيف الجديد للمصريين

6-11-2020 | 21:03

 "بريجابالين" المصطلح الأكثر تداولا بين الصيادلة على مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك "، التداول ليس لسعره الذى ارتفع أو لعدم توفره كما هو معتاد فيما بينهم عند الحديث عن أدوية بعينها، فهذه المرة تكرر الاسم بسبب كثرة الطلب على هذا الصنف الدوائى من قبل فئة معينة ليس بهدف العلاج، لكن بهدف الإدمان، فقد وجد المدمنون طريقهم لهذا العقار، الأمر الذى تنبهت له إدارة مراقبة المخدرات بوزارة الصحة منذ ثمانية أشهر تقريبا وطالبت بإدراجه ضمن أدوية الجداول، الظاهرة رصدها صيادلة وأطباء نفسيون وسموم وأكدوا خطورتها.

تحرك إدارة مراقبة المخدرات بالإدارة المركزية للشئون الصيدلية بوزارة الصحة جاء بعد أن لفت الأنظار حركة الأدوية التى تحتوى على مادة البريجابالين والإقبال عليها لما تحدثه من تأثير يشبع رغبة المدمنين، فأرسلت قبل 8 أشهر تقريبا أرسلت إلى اللجنة الثلاثية لدراسة إدراجه ضمن أدوية الجداول التى لا تصرف إلا بموجب روشتة مختومة، وقال مسئول بالإدارة المركزية للشئون الصيدلية إن مسألة أدوية الجداول تتبع جداول وهيئات دولية واتفاقيات دولية، فالهيئة الدولية للرقابة على المخدرات تصنف بعض المواد وتضعها على الجداول وتقول إنها أدوية مؤثرة على الحالة النفسية ولأن مصر وقعت على هذه الاتفاقيات منذ عام 61 و71 و1988 فيتم تطبيق قواعدها، أدوية الجداول يضاف لها كل فترة أصناف حسب دراسات تجريها إدارة التفتيش الصيدلى وإدارة مراقبة المخدرات بوزارة الصحة وكذلك إدارة مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية ويتم إجراء تحديث لها باستمرار وعند تحديد الهيئة الدولية لمادة معينة تعرض على لجنة ثلاثية مشكلة من وزارة الصحة والعدل والداخلية وترفع توصية لوزير الصحة بضمها للجداول، وأوضح أن ضم مادة البريجابالين فيه حماية للمواطن المصرى على مستويين، المستوى الأول الداخلى بمعنى حمايته من سوء سهولة الحصول عليه وسوء الاستخدام بتشديد ضوابط الصرف وبالتالى حمايته من إدمانه، المستوى الثانى هو الخارجى بمعنى أن مادة البريجابالين فى عدد من الدول العربية ودول الخليج وأمريكا ودول أخرى مدرجة ضمن أدوية الجداول، أى أن أى مواطن مصرى لديه الأدوية حتى لو بحسن نية سيعامل معاملة جلب المخدرات فى قوانين هذه الدول وحدثت أمثلة لذلك فى دول مثل السعودية والإمارات وغيرها، موضحا أنه بدأت تكثر الشكاوى لدى إدارة التفتيش الصيدلى بشأن الأدوية المتوفر بها هذه المادة، وهذا معناه أن حركته فى السوق تستوجب التحرك لإدراجه ضمن أدوية الجداول، ومن المتوقع أنه إذا أدرج يكون ضمن الأدوية المؤثرة على الحالة النفسية، ومسألة إدراج مادة تستلزم دراسات من الأمانة العامة للصحة النفسية وهل تقدم لها مرضى للعلاج بعد إدمانهم لهذه المادة؟، وكذلك من الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وهل تكرر لها ضبطيات وحجمها؟ وكذلك إدارة التفتيش وإدارة مراقبة المخدرات بوزارة الصحة كل هذه الدراسات تستغرق وقتا، فالأمر ليس عشوائيا، فمثلا قبل إدراج الترامادول كانت المطالبة منذ 2002 وظلت حتى تم إدراجه عام 2012، موضحا أن حجم سوق البريجابالين ليس كالترامادول لأن سعره كدواء غالى الثمن ولأن تأثيره أقل".

الدكتور أشرف مكاوى عضو مجلس نقابة الصيادلة قال "شهدت السنة الأخيرة إقبالا ملحوظا، بل وغير عادى على شراء الأدوية التى تحتوى على مادة بيرجابالين، المادة موجودة فى نحو 11 مثيلا محلي الصنع بمسميات مختلفة منها ليرولين وهو الأكثر طلبا وليريكا وبانيكا وكيميركا وبيرجافليكس وغيرها، أسعارها متفاوتة كانت تبدأ من 23 جنيها و حتى 74 جنيها وبعد زيادة الأسعار فى يناير الماضى تبدأ أسعار هذه المثائل من 45 جنيها للعبوة لتصل لنحو 174 جنيها، ما يحدث حاليا هو استمرار لتوجه سلكه المدمنون منذ عشر سنوات تقريبا بالتوجه للصيدليات للحصول على الأدوية المؤثرة على الحالة النفسية من مهدئات ومسكنات وغيرها، البداية كانت بأدوية الكحة مرورا بأدوية صرع وانتهاء بالنوع الأشهر وهو الترامادول، وكان ومازال تعامل وزارة الصحة مع هذا الملف بإدراج الدواء ضمن أدوية الجداول، وهذا للأسف يخلق سوقا سوداء للدواء فمثلا الترامادول كان الشريط بنحو 10 و15 جنيها وبعد دخوله الجدول ظهر المستورد والمهرب ومصانع بير السلم وبدأ يتواجد عند القهوجى وسائق التوك توك وحتى لدى بعض الباعة ومن يفتحون دواليب ووصل سعر الحبة لـ20 جنيها ليصبح الشريط بـ 200 جنيه وكان توزيع الشركة سنويا 9 ملايين جنيه وصل هذا الرقم فى السوق الموازى لنحو مليار جنيه، وبحجب المنتج يبدأ تجار المخدرات يتعاملون مع بعض الصيادلة وبعض صناع بير السلم أو حتى مع بعض الشركات الموزعة ويحققون مكاسب خيالية من هذه التجارة، وما حدث مع الترامادول يتكرر مع مادة البريجابالين الذى يحقق "كيف" كثير من المدمنين حاليا، حيث بدأ الطلب عليها بشكل واضح وزادت مبيعاتها بنسبة 400 % منذ مارس 2016 حتى الآن، وتزيد هذه النسبة فى أحد الأصناف تحديدا الليرولين، حيث يقوم المدمن بحالة فرز بين هذه المثائل ليصل للتأثير الذى اعتاد عليه من صنف معين ولا يريد تغييره أو استبداله، كنا كصيادلة نرجح التركيز على صنف معين وهو الليرولين لأنه الأرخص بين المثائل، لكن بعد قرار تحريك الأسعار أصبح سعره مرتفعا وحتى أعلى من مثائل أخرى ومازال السحب عليه مستمرا، ويرفض الزبون استبداله، الأمر الذى يحتاج إلى تفسير واضح وأعتقد أن تحليلا له سيفصح عن الإجابة وهذا الوضع تتحمل مسئوليته وزارة الصحة ونقابة الصيادلة، صيت هذه المادة يتزايد حتى استيراد الدول لها يتزايد، وكان الصيادلة من قبل يشكون من قلة توزيعها وتظل لديهم لتنتهى صلاحيتها، لكن الوضع أصبح مقلقا والإقبال أصبح عاليا جدا، لدرجة أنه بمجرد حديث صيدلى عنها يدخل مئات من الصيادلة يسجلون نفس الملاحظة".

استطرد الدكتور أشرف مكاوى بقوله " الوضع يحتاج لدراسة، ولن يكون الحل بإدراج البيرجابلين ضمن أدوية الجداول ليس الحل الأمثل وحده، لأنه حتى مع إدراجه يظل المنتج فى السوق ولكن ليس فى الصيدليات وبعيدا عن الرقابة ويخلق سوقا مربحة جدا، فلابد من حل شامل اجتماعى من خلال التوعية الإعلامية ودورات للصيادلة وحملات إعلامية لتوعية الشباب ورسائل توعية ورسائل طبية لكل الأطراف".

الدكتور سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسى بكلية الطب جامعة القاهرة قال " البريجابالين من المركبات التى تؤثر على كهرباء المخ ووجدوا أنها تقلل من القلق والتوتر وتقلل الألم وتعالج ما يسمى بألم الحزام النارى وهو التهاب فى الأعصاب تحدث ألما شديدا والبعض ممن يعانون من القلق وتعطى لهم أدوية للقلق وبإضافة البريجابالين لهم تتحسن النتيجة كنوع من تعزيز علاج القلق، واكتشف أن الفئات التى لديها استعداد للإدمان يتناولونها ويصلون لمرحلة الإدمان، وهذا التأثير ليس لدى كل الناس، لكن البعض ممن لديهم استعداد للإدمان ومن يتناولونه بدون وصفة طبية وبكميات كبيرة، أيضا تحولت لدى البعض إلى مادة إدمانية وطلع بأسماء تجارية مختلفة، ومن خلال متابعتى للمرضى المدمنين فوجئنا بتناولهم لها كمادة إدمانية منذ أكثر من عامين، المشكلة أن هذه المادة كمسكن ليست مدرجة ضمن أدوية جداول المخدرات بوزارة الصحة، بمعنى أن أدوية المهدئات والمنومات والمسكنات ضمن جداول، جدول واحد وجدول اثنين، بمعنى لا تصرف إلا بوصفة طبية ومختومة من الطبيب المعالج وبعضها يكون له روشتات مخصوصة فى وزارة الصحة، لكن مادة البريجابالين غير مدرجة وصرفها سهل، لذا هناك سوء استخدام لها ".

الدكتور سعيد يكشف " بالنسبة للمنومات بحسب دراسة أجريت فى انجلترا وجد أن نسبة 5% من المرضى الذين يتعاطون أدوية المهدئات والمنومات كعلاج يتحولون إلى مدمنين وهذا يؤثر فيه عدة عوامل منها العامل الأسرى ووجود تاريخ للإدمان أو المرض النفسى فى العائلة فالإدمان أحد أوجه المرض النفسى وهذه نقطة تستوجب أن يكون تناول المسكنات والمهدئات والأدوية المؤثرة على الحالة النفسية عموما تحت إشراف الطبيب ، لكن النقطة الأكثر قلقا وهى التى نتحدث عنها هى إقبال فئة على إدمان هذه الأدوية كمادة إدمانية وليس بهدف العلاج، أى سوء استخدام لها، وعادة المدمن يكون مدمنا لأكثر من نوع فمثلا يتعاطى ترامادول، هيروين، بريجابالين و حتى شراب الكحة الذى به مادة الكودايين، وفى مثل هذه الحالات احتياج المدمن لها يتزايد مع الوقت فيأخذ عدد أقراص كثير أو يشرب أكثر من زجاجة فالمخ يستوعب كميات كبيرة متزايدة، المهم أن يصل لمرحلة يريدها " عمل دماغ، مبسوط ومنتش، وفى مرحلة نصف صحيان ونصف عدم صحيان وحالة نشوة "، كلها تشبيهات للحالة التى يريدها المدمن، وعندما يصل لها تبدأ تظهر عليه أعراض انسحابية وألم ويشعر أن شيئا ينقصه ولا يستطيع النوم ويتحول إلى مرحلة عدم القدرة على الاستغناء عن تعاطى أى من هذه المواد ".

وطالب الدكتور عبد العظيم بإدراج مادة البريجابالين ضمن أدوية الجداول ولا تصرف إلا بروشتة طبية، لخطورة سوء استخدامها ولتأثيرها المؤدى إلى الإدمان، فمثلا عندما تبين لسوء استخدام الترامادول تم إدراجه لأنهم وجدوا الناس تدمنه، وبالتالى أى نوع من الأدوية نرصده كأطباء نفسيين وكجهات بحثية وأخرى رسمية يجب التحرك والتوصية بإدراجها، وبالفئة التى تحتاجه للعلاج الفعلى يكون بروشتة مختومة من الطبيب المعالج ".

الدكتورة أمل السفطى أستاذ الأمراض المهنية والبيئية، مدير وحدة السموم والطب المهنى والرياضى بقصر العينى التعليمى الجديد فتؤكد أنه وفقا لتقرير لجنة الصحة، تبين أن ارتفاع معدلات الإدمان يرجع جزئيا إلى انتشار المفاهيم الخاطئة بين الشباب بأن المخدرات تزيد من القدرات البدنية والقدرة على مواجهة المحن وحالات الاكتئاب، كما أظهر تقرير أصدرته وزارة الصحة عام 2012 أن من 5 إلى 6 % من سكان القاهرة مدمنون لنوع من أنواع المخدرات، ويعتبر البانجو هو الأكثر انتشارا يليه الكوكايين والهيروين ثم المخدرات الكيميائية والمسكنات بما فيها البريجابالين، ورغم أن الكشف عن الليريكا فى تحليلات البول الروتينية لم يكن متاحا إلا أنه حاليا يمكن بطرق حديثة الكشف عن مادة البريجابالين

واستطردت الدكتورة أمل بقولها " البريجابالين أو ليريكا كما يقول السفطى يستخدم لعلاج الألم الناتج عن تلف الأعصاب بسبب مرض السكرى أو القوباء المنطقية " الهربس النطاقى " العدوى، أيضا يستخدم فى علاج الألم الناتج عن إصابة الحبل الشوكى وضبط بعض أنواع الصرع، وبالرغم من إمكانية استخدام ليريكا فى التهاب الأعصاب المصاحب لمرضى السكرى يرتبط مع ظهور قرح وتغير لون الجلد، ولا ينبغى أن يتناوله الذين يعانون من أمراض الكلى واضطرابات النزيف أو من لديهم تاريخ إدمان المخدرات أو الكحول، كما أنه لا يستخدم إذا كان هناك حساسية لأدوية مماثلة،  ومادة البريجابالين هى المادة الفعالة فى عقار ليريكا ضمن فئة أدوية تسمى مضادات الاختلاج وهى تبطئ النبضات فى الدماغ وتؤثر على المواد الكيميائية التى ترسل إشارات الألم عبر الجهاز العصبي، ووجد البعض أن تعاطى الليريكا يعطى إحساسا مثل الفاليوم وشعورا بالبهجة والراحة النفسية فى نسبة تتراوح بين 4 إلى 12 % من الأشخاص الذين يستخدمونه، وتم تصنيف الليريكا كمواد مخدرة فى الجدول الخامس أو مادة تسبب الإدمان ولكن لديها بعض الاستخدامات الطبية وهى متاحة قانونيا فقط من خلال وصفة طبية

وعن أعراض الجرعات الزائدة منه قالت دكتورة أمل إنه يحدث تغييرات فى المزاج والشعور بالإرهاق والارتباك والأرق والاكتئاب والإثارة ويتم التعامل فى هذه الحالة بغسيل المعدة واستخدام الفحم النشط والتأكد من سلامة التنفس

سوء استخدام العقار مشكلة أساسية حسب قول الدكتورة أمل " على الصعيد الدولي، تم الإبلاغ عن سوء استخدام البريجابالين بين الأفراد الذين يعانون من الإدمان ومستخدمى المخدرات الترفيهية، ومن المعروف أن البريجابالين يؤخذ عادة مع مركبات أخرى لتحفيز تأثيرها مثل الكحول والقنب والميثادون وال اس دى والهيروين والأمفيتامينات وتم إدراجه فى قائمة المؤثرات النفسية الترفيهية الجديدة منذ عام 2009 وتشير تقارير مختلفة إلى تزايد السوق غير المشروعة للبريجابالين مع سهولة الوصول إليها من خلال مصادر غير مشروعة على الانترنت وتجار الشوارع والمشكلة الأكبر فى المغشوش والمزيف منه مع مختلف الأقراص المتاحة فى السوق،