الإثنين 17 يونيو 2024

خطباء الفتنة والدولة الفاشلة

أخبار6-11-2020 | 21:15

ماهية الدولة الفاشلة؟ وهل لها تعريف علمى أو مصطلح متفق عليه؟ سواء فى العلوم السياسية أو أى فرع من فروع العلوم الإنسانية؟

إن كل مصطلح له معنى ومدلول مثل كلمة "عمرة " معناها اللغوى والاصطلاحى هو الزيارة، أما مدلولها الشرعى المطلق هو زيارة بيت الله الحرام.

من هنا نجد أن كلمة "الفاشلة " تأتى من فعل فشل والفاعل فاشل والمصدر الفشل .. والفشل هو عدم تحقيق النجاح والمعنى أن هناك فعلًا ومحاولة ولكنها لم تنجح وباءت بالفشل، وعندما يتكرر عدم النجاح يكون هذا الشخص الذى يحاول ولا ينجح، شخصًا فاشلًا، والمثل الأقرب لذلك هو وصفه "كمن ينفخ فى قربة مقطوعة " فهى لم ولن تمتلئ بالهواء مهما تم النفخ فيها طالما هناك قطع يتسرب منه الهواء مهما استمر النفخ أو زاد.

وفى حالة الدولة - أى دولة - فإن فيها من يعمل ويجد والطبيعى أن "من جد وجد "، ولكن إذا كان فيها من يضيع هذا العمل ولا يجعله يحقق الهدف منه، سواء بالفعل المباشر أو غير المباشر فإنه يكون كمن يحدث قطعًا فى القربة وبالتالى لن تمتلئ ..

فماذا نحن فاعلون بهؤلاء الذين يقطعون القربة؟

وأذهب إلى الهادى البشير صلوات الله وسلامه عليه بنص الحديث القائل: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذى فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا؟ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا" وأمثلة الدولة الفاشلة حولنا واضحة جلية إذا ما نظرنا حولنا لدولتين بتروليتين عربيتين هما العراق وليبيا أين هما الآن، أين بترولهما الذى ملأت دولاراته خزائن البنوك فى أمريكا وأوربا وهاتان الدولتان تحديدا هما من فرض عليهما الحظر الجوى بقرار أممى من الأمم المتحدة كما أن قرار فرض الحظر الجوى على ليبيا تم بناءً على طلب الدول العربية وكأننا نفقأ عيوننا بأيدينا، لأن الحظر الجوى فى  ظاهره يكون ضد القوات الجوية للدولة عندما تستخدمها ضد بعض فئات الشعب وذلك حماية لها من بطش الحاكم ونظامه ولكن حلف شمال الأطلنطى الذى تخصص فى تطبيق هذا الحظر، يبدأ عادة بتدمير القوات الجوية والدفاع الجوى للدولة كخطوة أولى يتبعها تدمير البنية التحتية للدولة بكاملها، ثم أخيرا يقوم بتدمير كل الأسلحة الرئيسية للجيش وتسريحه تاركا مخازن الأسلحة الصغيرة، لتنطلق كل فئة من الفئات تتسابق فى الحصول على أكبر قدر من هذه الأسلحة، وتشتعل الحرب الأهلية داخل هذه الدولة حتى تنتهى بالتقسيم إلى دويلات صغيرة لا حول لها ولا قوة أو تفنى هذه الدولة فيفرض عليها السلام ويتم احتلالها بقوات مسلحة تحت علم الأمم المتحدة، كما حدث فى الصومال، ويلاحظ أن هذه الدول التى يتم تدمير بنيتها التحتية يكون للدولة التى دمرتها نصيب الأسد فى الحصول على عقود إعادة إعمارها، والإجهاز على ما تبقى من دولارات فى خزائنها أو بترول فى آبارها.

أما سوريا واليمن فهما نموذج للاحتواء المزدوج للدول التى تتقاتل فوق أرضها وتنفق ميزانيتها على التسليح الذى تشتريه من الدولة المنتجة للسلاح وشركاتها فى أمريكا وأوربا وغيرها.

ولأن مصر أفلتت من هذا المصير الذى كان مخططا لها كجائزة كبرى لهذه الدول الاستعمارية، وبفضل الله الذى نجاها - يوم الثالث من يوليو 2013 استجابة لثورة شعبها فى الثلاثين من يونيه من نفس العام.

ولأن مصر استعصت على هذا المصير وملكت زمام أمرها وأزاحت من طريقها تلك الجماعة الإخوانية التى عهد إليها بتنفيذ المخطط الاستعمارى الخبيث، فقد وضعت لها خطة أخرى واستراتيجية مختلفة تعتمد على ما يعرف بالجيل الرابع من الحروب، الفاعل الرئيسى فيها هو الفرد والجماعات والتنظيمات، عبر توظيف منظمات المجتمع المدنى والضغوط الدولية والجمعيات الأهلية ومؤسسات النظام العالمى الجديد من خلال استخدام المجالات الإنسانية مثل حقوق الإنسان والحريات العامة وغير ذلك من المفاهيم التى وفرت بدورها مساحات شاسعة للأفراد ليكونوا عنصرًا فاعلا.

وليتهم كانوا فاعلين منتجين أو نشطاء اقتصاديين، زراعيين، صناعيين ولكنهم اختاروا لأنفسهم نشاطا كلاميا هدامًا، منه ما هو ممنهج طبقا لأجندة هدم خارجية مدبرة ولدت من رحم "الفوضى الخلاقة " وما أطلق عليه " ثورات الربيع العربى " وأمثلة ذلك كثيرة .. مثل تلك الإعلامية الجاثمة على صدر أحد برامج "التوك شو " تترك كل إيجابيات زراعة المليون ونصف المليون فدان، ولا يلفت نظرها يوم حصاد القمح من العشرة آلاف فدان الأولى إلا البساط الأحمر الذى تم فرشه على الأرض ابتهاجا بعيد الحصاد. واعتبرت ذلك ضربا من الإسراف والإسفاف، وقالت فيه ما قالت وتركت سمفونية العزف الرائع من معدات الحصاد التى فاض قمحها أطنانا يبشر بالخير الوفير، مع أن مظاهر البهجة هذه تعبير قديم لدى المقاتلين يدل على الإقبال الجاد على العمل والاستهانة بالمشقة والعناء من أجل تحقيق الأهداف السامية، وقد فعلها الصحابى الجليل أبو دجانة بوضع ريشة حمراء فى عمامته والمشى فى زهو واعتزاز، فرحا بملاقاة الأعداء، وكان تعليق الرسول الكريم عليها بقوله " إن هذا عمل يكرهه الله ورسوله إلا فى هذا الموضع " أى أنه أقره ولم ينكره حفاظا على الروح المعنوية.. وفى حرب أكتوبر عندما تمكن الإسرائيليون من حصاد موقع كبريت على الضفة الشرقية لقناة السويس لمدة ( 134 يوما) وأرادوا أن يساوموا المقاتلين على إمدادهم بالماء مقابل التنازل عن جزء من موقعهم فما كان من قائد الموقع إلا أن أمر أحد الجنود بحمل) جيركن (مياه وسكبه على الأرض أمام الإسرائيليين، ليظهر لهم مدى الروح المعنوية لدى جنوده وقدرتهم على الصمود.. ونجح فى فكرته ويأس العدو من فكرة الضغط عليه أو مساومته وهم لا يعلمون أن هذا)  الجيركن( كان آخر ما فى الموقع من ماء!

أما أستاذ السياسة الكبير الذى خصص عموده اليومى بإحدى الصحف القومية للهجوم على مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وقال فيها ما قال، وعندما حضر مناظرة تليفزيونية مع المسئول التنفيذى عن المشروع الذى واجهه بالحقائق التى تؤكد أن مصر لم تنفق أى أموال على هذا المشروع، وأنه من أوله إلى آخره استثمار من دولة أجنبية هى الصين.. وأن عائداته تقدر بالمليارات التى سوف تستخدم فى مشروعات التنمية المختلفة للدولة- وسكت الأستاذ الكبير- ولم يدافع بعدها عن المشروع ولو مرة واحدة إحقاقًا للحق واعترافا بالخطأ، رغم أن كبار الاقتصاديين فى مصر ومنهم الدكتور/ على لطفى رئيس الوزراء الأسبق، قال عنه "إن هذا المشروع حول رمل الصحراء إلى دهب ".

أما الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التى اعترف كل خبراء الاقتصاد فى مصر وفى العالم، أنه لولاها لأعلنت مصر إفلاسها، ولاقتتل أفراد الشعب فى الشوارع على رغيف الخبز وعلى سائر الطعام .. فيخرج علينا خطباء الفتنة بسوء النية تارة وبالجهل تارة أخرى بحملات التشكيك بهدف إثارة الشعب وإشعال الفتنة رغم علمهم أن هذه الإجراءات هى الدواء المر الذى لا مفر من تجرعه للشفاء من مرض ترجع أسبابه إلى عشرات السنين.. وبفضل الله، ثم بصبر الشعب وثقته فى قيادته بدأت هذه الإجراءات تؤتى أكلها، فانخفض العجز فى الميزان التجارى لأكثر من 40 بالمائة وزاد التصدير وقل الاستيراد وانخفض معه معدلات استهلاك المصريين وبدأ سعر الجنيه المصرى يتعافى، وارتفع الاحتياطى النقدى فى البنك المركزى لأكثر من(36 مليار دولار(.

وأمثلة ذلك كثيرة من خطباء الفتنة والطابور الخامس، وكل من يريد أن يصفى حساباته مع القيادة، بتشويه صورة جميع الإنجازات والحديث عنها كما لو كانت إخفاقات وفشلًا سواء فى مواقع التواصل الاجتماعى أو باقى وسائل الإعلام المختلفة.. ومنهم من لا يهمه أن تغرق مركب البلاد، وهو يحدث فيها خرقا يؤدى لإغراقها، لأنه مستعد للقفز منها، ومنهم من لا يدرى أن ترديده لمثل هذه الشائعات هى خرق أكبر وأوسع فى جدار المركب وفى قاعها.

أما هؤلاء الذين يحاولون النيل من جيش مصر وتشويه صورته فهؤلاء لا أعفيهم من سوء القصد، كمن يجرد مقاتلًا من سلاحه، فبماذا يدافع عن بلده فى مواجهة كل هذه العدائيات والتهديدات المحيطة والمتربصة بنا..

وهل من المقبول أن يترك الجيش بلا تطوير ورفع كفاءة وزيادة قدرته القتالية فى مواجهة هذا السباق المحموم فى التسليح حولنا.. ما الذى سيبقى من مكاسبنا ومصالحنا ومقدراتنا إذا أحس الأعداء بعدم قدرتنا على الدفاع عنها؟ أما آن الأوان أن نأخذ بقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه بالأخذ على يد من يخرقون مركب الوطن لإغراقها.. نجاة لهم ولنا جميعا؟