تنشر "الهلال اليوم" فصلًا من كتاب "خطاب العنف والدم في الفقه الإسلامي"، للكاتب حسام الحداد، الصادر عن دار ابن رشد للنشر والتوزيع، وجاء الفصل بعنوان "خطاب العنف والدم في التراث الإسلامي"، ونقرأ فيه:
ابن حزم الظاهري
لا شك ان الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي هو الذي يشكل الافكار والمفكرين ولهذا الواقع دور مهم في نشأة المفكر أو الفقيه، وقد كان عصر بن حزم عصر للدسائس والفتن والصراعات بين ملوك الطوائف وبعضهم وبين الفقهاء بالتالي الذين ساروا في ركاب هؤلاء الملوك، وان هذه الحالة السياسية بلا شك قد انعكست على شخصية ابن حزم فأصابتها بالحيرة والانفعال ذلك الذي نراه بوضوح في آرائه ومواقفه من الآخرين حيث اعلن الحرب على فقهاء عصره وشتى الاتجاهات الاسلامية الاخرى مما ادى الى كراهية الجميع له وتربصهم به، وليس ادل على ذلك من كتابه "الفصل في الملل والنحل" والذي اطلق من خلاله قذائفه على جميع الاتجاهات مسلمين وغير مسلمين.
ويقول ابن حزم "أهل السنة أهل الحق ومن عداهم فأهل البدعة، فإنهم الصحابة وكل من سلك نهجهم من خيار التابعين ثم أصحاب الحديث ومن اتبعهم من الفقهاء جيلا فجيلا الى يومنا هذا ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها، وقد تسمى باسم الاسلام من أجمع جميع فرق الاسلام على انه ليس مسلما مثل طوائف الخوارج، وطوائف من المعتزلة، وطوائف من المرجئة وآخرون كانوا من أهل السنة كالحلاج وغيره وطوائف من الشيعة، وكل هذه الفرق لا تتعلق بحجة أصلا وليس بأيديهم إلا دعوى الالهام والقحة والمجاهرة بالكذب ولا يلتفتون إلى مناظرة ويكفي من الرد عليهم ان يقال لهم ما الفرق بينكم وبين من ادعى انه ألهم بطلان قولكم ولا سبيل الى الانفكاك من هذا، وأيضا فإن جميع فرق الاسلام متبرئة منهم مكفرة لهم مجمعون على انهم على غير الاسلام" (33)
ومن هنا يكون الاسلام عند ابن حزم هو اهل السنة والجماعة الذين بنطق بلسانهم ويحاكم الاتجاهات الأخرى على أساس عقائدهم وروايتهم، وكتابه "الفصل" كما هو حال كتب الفرق الأخرى انما يتحدث بلسان الاتجاه السائد اتجاه أهل السنة لا بلسان النص والعقل والرأي لأن كل ذلك محرم في مذهب أهل السنة الذين تقوم عقائدهم ومذهبهم على أساس الروايات وأقوال الرجال ونبذ الرأي والعقل.
ويبدو من خلال كلام ابن حزم انه يتحدث بمنطق الاستعلاء على الاتجاهات الأخرى وهو المنطق السائد لدى معظم الجماعات الاسلامية "السلفية" في تعاملهم مع الأخر كما هو منطق كتب الفرق جميعها التي كتبت بأقلام رجال السلف.
وكذلك من خلال قراءة كتاب ابن حزم يتبين لنا انه يجزم بتسطيح الاخر ويصور الاتجاهات الاخرى انها لا تحتوي رصيدا من الفكر والوعي والنصوص ولا تقوم بأمرها عناصر فقهية، بل انها تحوي أهل السفه والجهالة وأصحاب الأهواء، هذا الموقف لا يتفرد به ابن حزم بل سبقه ابن حنبل ولحقه الكثير من فقهاء السلف المتمسكين بالنصوص والمرويات والمعادين لأهل الرأي والعقل.
ليس هذا فقط بل يقوم ابن حزم بتوجيه ضرباته وقذائفه وفتاواه على الرعية والخصوم بقوله بجواز الصلاة وراء الحاكم الفاسق والجهاد والحج معه ودفع الزكاة إليه وإنفاذ أحكامه من الأقضية والحدود وغير ذلك.
حيث يقول ابن حزم "ذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز الصلاة إلا خلف الفاضل – أي الحاكم الافضل والأولى بالحكم – وهو قول الخوارج والزيدية والرافضة وجمهور المعتزلة وبعض اهل السنة وذهبت طائفة الصحابة كلهم دون خلاف من أحد منهم وجميع فقهاء التابعين كلهم دون خلاف من أحد منهم وأكثر من بعدهم وجمهور أصحاب الحديث وهو قول أحمد بن حنبل والشافعي وابو حنيفة وداود وغيرهم الى جواز الصلاة خلف الفاسق الجمعة وغيرها وبهذا نقول وخلاف هذا القول بدعة محدثة، فما تأخر قط أحد من الصحابة الذين أدركوا المختار بن عبيد والحجاج وعبيد الله بن زياد وحبيش بن دلجة وغيرهم عن الصلاة خلفهم، وهؤلاء أفسق الفساق وأما المختار فكان متهما في دينه مظنونا به الكفر" (34)
لقد أجاز الفقهاء الصلاة وراء الحاكم الفاسق الذي تقطر يده بدماء المسلمين بينما حرموها وراء المخالف لهم من الاتجاهات الأخرى بحكم أنهم من أهل البدع في منظورهم.
إن الفقهاء أمثال ابن حنبل وابن حزم اعتبروا أنفسهم أوصياء على الدين وحفظه المسلمين من شرور المخالفين فمن ثم سلكوا جميع الوسائل والسبل من أجل عزلهم والقضاء عليهم بداية من تحريص الحكام عليهم ونهاية بتكفيرهم..