الثلاثاء 21 مايو 2024

«جئتك بالحب».. قصة لـ تيسير النجار

فن10-11-2020 | 11:03

يسوقنا الحزن إلى أماكن أخرى، نتبعه لأننا صرنا بقبضته أم ظنًا منا الهروب منه؟ لا أحد يدري. كذلك حدث مع علاء، وجد نفسه على شاطئ النهر، منطقة لا يتواجد بها أهل القرية، النهر فيها عميق والأرض صخرية، صخرة متوسطة الحجم متناثر فوقها الرمل، شجرة لا يعرف نوعها قصيرة ملتصقة بحافة الصخرة، يأتيه صوت الرجال والشباب كأنه خارج من بئر. الحزن أيضًا يغير حواسنا، أخرج هاتفه لم يتصل به أحد.


علاء يا علاء.


ثمة صوت رقيق ينادي عليه، التفت هنا وهناك لا أحد، رجل يقود بقرته نحو القرية، صبية يلعبون الكرة، لا توجد أي أنثى.


علاء .. أبحث عني جيدًا.


كاد يفقد عقله، هل هجر شيرين قاده إلى الجنون؟ لكنه هذا النداء ليس صوتها، فكر في العودة إلى المنزل؛ لم يذهب هل بقى بسبب قوة الحزن والرغبة في الهروب منه بالمغامرة؟


علاء أنا هنا.


خرجت فتاة جميلة من قلب النهر وهى تضحك.


وقف مفزوعًا وهو يصيح:


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض والسماء..


رفقًا بنفسك يا علاء.


كأن الأرض قيدت قدميه لم يتحرك، وقف صامتًا ومدهوشًا أمامها.


عيناك حزينة جدًا يا علاء، أنت لم تجبر شيرين على شيء.


ارتخى جسده وجلس، بكى كثيرًا حين ذكرت شيرين، بكى حتى انتفض جسده، جلست الحسناء بجواره، ربتت على ظهره المرتعش.


أحبها والذي خلقني لم أحب أحدًا مثلها، لماذا تهجرني؟ كيف استطاعت خيانتي؟


هي أيضًا أحبت.


لا أصدق هذه الخدعة.


يوم زفاف علاء وشيرين، تحادثا بالهاتف والشوق يحرقهما حتى يأتي الليل، أخبرته بميعاد ذهابها إلى الكوافير، كانت شيماء أخته معها أيضًا وبعض فتيات العائلتين، في المساء اتصلت شيماء بعلاء وهي منزعجة جدًا لأن شيرين هربت مع صاحب الكوافير، أكدت ملاحظتها لنظراتهما المريبة لكنها كذبت حدسها، كما أن شيرين يوم حجز الكوافير، أمسكت يده ومرر يده على خدها، تغاضت شيماء عن ذلك. دخلت شيرين الحمام لترتدي الفستان ولم تخرج، أخبرتها الشابة التي تعمل في الكوافير أنه يوجد باب خارجي في خلفية الكوافير، ارتبكت الشابة وحاولت الاتصال بمديرها لكن دون جدوى، لم تعرف كيف تتصرف؟ كل الموجودات غضبن جدًا لماذا جئنا لهذا الكوافير الذي أفسد ليلتهن السعيدة.


عادت شيماء وصديقاتها إلى القرية حيث غضب الجميع، لاموهن كيف أغفلن شيرين وهربت من تحت أبصارهن!! كأن المعتاد أن تهرب العروس السعيدة من زوجها، هكذا انقلب الفرح إلى كابوس، عائلة العروس خجلت من تصرف ابنتها حتى تنقذ الموقف خلقت إشاعات تظهر علاء مذنبًا، وأخرى تؤكد أنها خُطفت بالرغم منها، بين هذا وذلك، علاء حائرًا وعاجزًا، تمكن من الوصول إلى عنوان صاحب الكوافير، وجد والدته تبكى فقده ليلة قبل الأمس وهي ليلة زفاف علاء.


أنا أيضًا تركت زوجي يوم الزفاف.


قالت الحسناء بأسى، نظر ناحيتها وكاد أن يبصق في وجهها الجميل، لكنه سأل: 


لماذا؟ أحببت صاحب الكوافير أيضًا.


بل أحبني أمير الأنهار.


من أمير الأنهار؟


شهر خان بن سلطان أمير الأنهار، ألا تعرف حكاية جدك الأكبر عبد القهار؟ 


خطيبته غرقت في النهر.


أنا هي نبوية.


ابتعد عنها قليلاً، بلع ريقه ثم قال:


أنتِ ميتة؟


لا، لم أغرق، أخذني شهر خان إلى عالمه، أنا جميلة وتمنى أن ينجب مني، حاولت الهرب لم أستطع، تزوجته وبقيت بجواره حتى مات، مع الأسف لم ننجب، لكنني صرت أميرة الأنهار.


تتحدثين عنه بشكل طيب، كأنه لم يخطفكِ من خطيبتك يوم الزفاف.


علاء، لم أكن أكره عبد القهار لكن لم أحبه كثيرًا أيضًا، شهر خان خلق لي، سألته لماذا خطفتني تحديدًا؟ قال :"عيناكِ هي من سرقتني وساقتني إليكِ" هل تفهم؟


أحاول، هل مازلتِ تحبينه؟


أذكره بالخير، توفى منذ سنوات، أنت...


أنا ماذا؟


شغلت بالي كثيرًا لا أعرف لماذا؟ 


لا أتواجد على النهر تقريبًا.


جئت يوم ضل حمار إسماعيل، بحثت مع الشباب عنه، يوم حريق أرض صالح، كنت خائفًا على خسارته، أيام لعب الكرة مع شباب النجع المجاور، مع شيرين أحيانًا.


تعجب من اهتمامها به، أنها تذكر ما نسيه عن نفسه، تأمل عينيها المشرقتين والشباب الذي يبدو في كل تفاصيلها.


كيف لم تدرككِ الشيخوخة؟


يوجد فارق زمني بيننا وبينكم، علاء أنا...


ماذا؟


هل تريد رؤية عالمي؟


نعم.


احتضنته وغطست به في قاع النهر.


ماذا وددتِ أن تخبريني به؟


أحبك.


لماذا أنا تحديدًا؟


عيناك هي من سرقتني وساقتني إليك.