الجمعة 13 سبتمبر 2024

كلاوديا بينيّرو.. ملكة الجريمة الأرجنتينية

فن11-11-2020 | 20:23

ليست الكتابة عن الجريمة في بلد مثل الأرجنتين سهلة، فبينما تنظر الكثير من المجتمعات إلى شخص قام بإطلاق النار على حشد من الناس أو الأطفال في مدرسة أو تجمع تجاري باعتباره قام بجريمة فادحة، وأنه يُعامل باعتباره مريض نفسي، ينظر الناس في الأرجنتين إلى الأمر على أنه طبيعى؛ في المُقابل، نجد الجرائم التى تثير طبيعة مجتمع الأرجنتين هي القتل بسبب الحب، أو الأوضاع الاقتصادية للفرد، وجرائم خطف الأطفال. هكذا تُمثِّل كلاوديا بينيّرو صوتًا نسائيًا قويًا في الأدب الأرجنتيني، فهي تكتب في عالم شديد التعقيد هي روايات الجريمة، حيث تهتم بالتفاصيل والحبكة التي تجعل قارئها في حيرة حتى الصفحات الأخيرة؛ كما أنها صارت تُمثِّل وجهًا ثقافيًا لبلادها، بعد أن تُرجمت روياتها للعديد من اللغات، وحققت مبيعات كبيرة في العالم.


بينيّرو، المولودة في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيرس عام 1960، لم تبدأ حياتها بالكلمة، ولم تكن تفكر أبدًا في أن تكون كاتبة في بداية حياتها؛ تقول عن نفسها "لم أفكر في بداية حياتي أن أكون كاتبة، وبالأخص أن أكتب روايات بوليسية، بل بدأ الأمر عندما قدمت في إحدى المسابقات الأدبية، بعد أن قررت الحصول على إجازة من العمل والتفرغ لكتابة عمل أدبي وإرساله إلى المسابقة، لكن المفاجأة التي غيرت كل شيء، عندما وجدت العمل الذي قدمته ضمن العشرة أعمال الفائزة بالمسابقة".


تخرجت بينيّرو فى كلية التجارة عام 1983 لتبدأ حياتها العملية محاسبة لمدة 10 سنوات؛ حتى قررت أن تُغَيِّر مسار حياتها فتتجه إلى الصحافة، وبالفعل عملت صحفية لسنوات طويلة، حتى فازت عام 1992 بجائزة "بيلياد" الصحفية، وهى واحدة من الجوائز الرفيعة في بلادها. ثم اتجهت للكتابة الأدبية والفنية؛ حيث ألفت العديد من الروايات والمسرحيات، وكتبت السيناريو للتليفزيون. وكانت رواية "لص بيننا" هى أول عمل إبداعي صدر لها سنة 2004.


وفي العام نفسه كتبت مسرحية "الكثير في الثلاجة". ومثلما أثبتت قدراتها الصحفية، حصلت بعض مؤلفاتها الأدبية على جوائز كبيرة ـ مثل جائزة كلارين الأدبية عن روايتها الأكثر مبيعًا "أرامل ليلة الخميس"، ونالت الجائزة الأدبية الألمانية عن رواية "إلينا تعرف"، وجائزة سور خوانا إنيس دو لاكروز عن رواية "شقوق جارار"، ووصلت روايتها "كُلي لك" التي نُشرت عام 2006، إلى التصفيات النهائية لجائزة "بلانيتا"، وحققت أعلى المبيعات في الأرجنتين، إسبانيا، وألمانيا.


 وتَحَوَّلت إلى فيلم سينمائي عام 2015؛ وقد تُرجمت من أعمال بينيّرو إلى العربية روايتين هما "أرامل ليلة الخميس" التي صدرت تحت اسم "أرامل الخميس"، و"كُلي لك". تحب بينيّرو أن تقوم بتوظيف الشخصيات الشبابية في رواياتها دائمًا، تراهم الأمل في إصلاح الأوضاع في المستقبل.


ودائمًا ما تُظهرهم مستقلين اجتماعيًا وفكريًا عن جيل الآباء والأمهات. هكذا يبرز هدفها الأساسي من رواياتها، وهو اجتماعي أكثر مما هو بوليسي. في الوقت نفسه، تقوم بالإعداد الجيد لأعمالها قبل الشروع في الكتابة أو أثناءها، فتزود نفسها بمختلف التفاصيل والمعلومات والتي تجعلها واقعية بشكل أكبر؛ لذلك نجدها تركز دائمًا على تفاصيل الشخصيات في مظهرهم وأغراضهم، وكذلك ديكورات منازلهم. بدا هذا جليًا في رواية "كلي لك" التي أسهبت فيها في تفاصيل دقيقة جدًا في عملية التشريح، والتي لا يعرفها إلا طبيب التشريح نفسه، ما قوّى من حبكة الرواية.


وفي رواية "أرامل الخميس" تتعرض بينيّرو للوضع الاقتصادى فى سياق أحداث الرواية، فالأثرياء الذين تتعرض لهم ترصد حالتهم من الشعور بالثراء وعدم الاكتراث للمستقبل، وكيف كانت حياتهم زهيدة يصرفون أموالهم ولا يفكرون فى الغد، حتى سقطت كذبة الأغنياء، فاكتشفوا أنهم فقراء، لتقوم بتشريح المجتمع فى المقام الأول، وحالة الذعر التى شعر بها الناس بعد زوال هذه الكذبة.


في واحد من أحاديثها الصحفية قالت: "حينما أبدأ كتابة رواية، لا يكون فى ذهنى إطلاقًا الاعتماد على الجريمة، فكل ما أفكر فيه، هو حكاية قصة أو واقعة معينة، وأثناء ذلك تظهر شخصية تقوم بجريمة ما، ولهذا فلا أعتقد أننى كاتبة أدب بوليسى، ففى الحقيقة أنا لدى اهتمام كبير بفكرة الموت، موت الإنسان سواءً كان طبيعيًا أو جريمة، من خلال الجريمة يمكننى العمل على تشريح المجتمع".