السبت 18 مايو 2024

خبراء السياسة والدبلوماسية: الثوابت المصرية وقوتها الإقليمية ورئيسها يحددون العلاقة مع الإدارة الأمريكية

11-11-2020 | 21:42

العلاقات بين الدول أساسها المصالح المشتركة.. والعلاقة بين مصر كقوة إقليمية كبرى فى الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأمريكية لا نتوقف على شخص ساكن البيت الأبيض او إدارته ومساعديه فهى علاقات استراتيجية لا تحكمها الأهواء الفردية، وإذا أضفنا لهذا أن مصر الدولة القوية التى فرضت إرادتها فى 30 يونيو 2013 قرارها من القاهرة تتضح لنا صورة العلاقة بين مصر وغيرها من الدول أيا كانت.. والتهنئة التى بعث بها الرئيس السيسى إلى بايدن لخصت شكل العلاقة التى تسعى اليها مصر وهى التعاون والعمل المشترك من أجل تعزيز العلاقات الثنائية الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة بما فيه صالح البلدين والشعبين الصديقين فى ضوء الخيوط الدقيقة التى رسمتها رسالة التهنئة الرئاسية حدد خبراء ومحللون يرسمون ملامح العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن بعد فوز بايدن برئاسة الولايات المتحدة.

اللواء دكتور سمير فرج الخبير الاستراتيجى ومدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق يقول إن مصر والولايات المتحدة الأمريكية تعتمدان بعضهما كشريك رئيسى، ورغم خسارة ترامب ووجود جو بايدن كرئيس جديد فلن يتخذ موقفا جديدا تجاه القاهرة ولا أعتقد أن السياسة الأمريكية ستتغير فى التعامل مع مصر خاصة مع قوتها الحالية ودورها المؤثر والمهم للغاية فى المنطقة، أما بالنسبة لعودة سيناريو الأزمات بين البلدين كما كان فترة حكم أوباما فهذا أمر صعب لأن جماعة الإخوان الإرهابية كانت موجودة وقتها بالفعل أما اليوم فهى غائبة عن المشهد تماما، كما أصبحت ورقة محروقة، لذا سيتعامل بايدن مع المشهد الجديد فى ظل وجود الرئيس عبدالفتاح السيسى وقيادته للدولة المصرية القوية التى عادت لثقلها وحجمها الطبيعى كدولة ارتكاز رئيسية عربيا وإفريقيا

لا يمكن أن تضحى الإدارة الأمريكية بعلاقتها بها.

ماذا عن الشراكة فى ملفات مكافحة الإرهاب والتعاون العسكرى والاستراتيجى؟

أكد الدكتور سمير فرح أن التعاون العسكرى والاستراتيجى مهم جدا لأمريكا بالتأكيد وسيسعى بايدن للحفاظ على هذا التعاون ولا ننسى أن مصر لها دور رئيسى فى منتدى شرق المتوسط وهى دولة مهمة لحل أى معادلة فى المنطقة، ورغم أن الرؤية كانت تفتقد بعض الوضوح بين القاهرة وواشنطن بالنسبة للوضع فى ليبيا ومع تركيا إلا أن بايدن لن يستطيع إحداث تغيير كبير فى العلاقات مع مصر خلال الفترة القادمة ورسالة الرئيس فى التهنئة رسمت حدود واضحة للعلاقة التى تريدها القاهرة.

هل يمكن أن نرى عودة ظهور لأوباما أو هيلارى كيلنتون خلال الفترة القادمة؟

يجيب فرج بأنه لا يعتقد هذا، لأن بايدن سيحاول أن يبرز نفسه كرئيس جديد له شخصية جديدة مستقلة ولن يكون تابعا لكلينتون أو أوباما، خاصة أن بايدن سياسى مخضرم وله تاريخ معروف ولذلك سيحاول إثبات قدراته خلال الفترة الأولى من حكمه، أما هيلارى وأوباما نفسيهما فقد انتهى دورهما تماما وغابا عن المشهد السياسى.

فرج يرى أن العقبة الوحيدة التى قد تظهر فى علاقة البلدين هى أن بعض الظروف قد تغيرت كالأوضاع الاقتصادية العالمية، كما أن بايدن له رؤية مختلفة فيما يخص بعض الملفات كملف القدس مثلا فهو قد يرى أن حل الدولتين هو الأفضل وأنه سيساعد على الاستقرار فى المنطقة.

سألته إذا من سيحدد شكل العلاقة القاهرة أم واشنطن؟

فأكد أنه فى الغالب أن بايدن سيمد يده للتعاون مع مصر فى كافة الملفات الخاصة بالمنطقة ولن يسير على النهج السابق لإدارة أوباما خاصة مع وجود مصر كعنصر رئيسى فى أى معادلة تخص المنطقة، ومصر أيضا ستمد يدها للتعاون مع الإدارة الأمريكية الجديدة فليس من مصلحتنا إحداث خلافات مع دولة عظمى كما أن مصر تتعامل مع الولايات المتحدة كدولة وليس كرئيس بعينه وستسعى للحفاظ على التوازن فى العلاقة بين البلدين وفق الثوابت المصرية وما يحمى حقوقها وأمنها القومى الذى لا تفرط فيه، والأمريكان انفسهم يعلمون هذه الثوابت.

السفير محمد توفيق سفير مصر الأسبق بواشنطن يرى أن شكل العلاقات المصرية الأمريكية يتضمن عناصر ثابتة ومستمرة وهى العلاقات العسكرية والدور المصرى المهم فى تأمين الممرات البحرية التى تمر بها السفن الأمريكية فى قناة السويس والبحرين الأحمر والمتوسط بالإضافة إلى التعاون الأمنى لمكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة، هذه العناصر تخدم مصالح الطرفين على مدى عقود طويلة ماضية، يضاف إليها الجزء الخاص بالمساعدات والتى لا أركز عليها باعتبارها هدفا لكنها إحدى عناصر العلاقة الاستراتيجية المهمة بين البلدين، وبالطبع لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سيحدث مستقبلا لكن التوقع الطبيعى أن تسير العلاقات بشكل طبيعى، بالتأكيد هناك دائما منغصات تتعلق بالعلاقات المصرية الأمريكية، تختلف هذه المنغصات من إدارة لأخرى ومن رئيس لرئيس، وسبب هذه المنغصات أن مصر دولة إقليمية رئيسية فى حين أن الولايات المتحدة دولة عظمى، ولا يمكن التوافق بينهما بشكل دائم ومستمر، كما لا ننسى البعد الاقتصادى المهم للغاية فلدينا شركات أمريكية كبرى لها استثمارات فى مصر وتعمل بشكل إيجابى جدا، لذا فالعلاقات الاستثمارية والتجارية بين البلدين جيدة ومستمرة، يضاف إليها الدور الجديد لمصر فى مجال الطاقة سواء بحقول الغاز أو تحول مصر كمركز إقليمى للطاقة ودورها المركزى فى كل منظومة الطاقة.

توفيق يستبعد أن يعيد بايدن فترة التوتر بين البلدين فيما يخص دعم أمريكا لجماعة الإخوان الإرهابية قائلا إن فكرة تغيير أنظمة الحكم التى كانت مطروحة خلال إدارتى بوش الابن وأوباما قد سقطت تماما لأنها لم تحقق للولايات المتحدة أى مصالح بل على العكس جاءت بآثار سلبية على الولايات المتحدة، فمثلا غزو العراق كلف الأمريكيين الكثير وجاء بنتائج عكسية، وليس متوقعاً أن يعود بايدن لهذا الطريق، فالفكر فى الولايات المتحدة قد تطور، ويؤكد على ذلك الكتاب الذى صدر منذ عدة أسابيع لفيليب جوردن منسق الشرق الأوسط فى المجلس القومى الأمريكى ومستشار أوباما الخاص بالشرق الأوسط، والذى يعترف خلاله بفشل كافة محاولات الولايات المتحدة فى تغيير الأنظمة، فضلا عن أن الإدارة القادمة لبايدن سيكون أمامها تحديات ملحة على الصعيد الداخلى ستأخذ حيزا كبيرا من تفكيرها ومجهودها، مع تحدى صعود الصين كقوة عظمى منافسة لها، وهناك تحديات أخرى تتعلق بالموضوعات العالمية التى لم يكن لها أهمية كبيرة سابقا مثل انتشار الأوبئة، فكوفيد 19 لن يكون الوباء الأخير، أيضا التغير المناخى سيكون له أثار كبيرة تطرأ بشكل مفاجئ لكن تحدث مشاكل كثيرة، وبالتالى فالشرق الأوسط قد لا يكون أولوية فى إدارة بايدن، وفى حالة السياسات الأمريكية المعتدلة قد تكون مفيدة لمصر والمنطقة فى ظل التحديات الكبيرة التى تشهدها المرحلة الحالية، مثل الوضع فى ليبيا والدور التركى فى منطقة المتوسط الذى يمكن تسميته بالبلطجة، بالإضافة إلى المياه والوضع الفلسطينى والتسويات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، كما أن السياسة الأمريكية براجماتية وليست أيدلوجية، وبايدن لديه خبرة كبيرة فى السياسة الخارجية ولديه صلة وثيقة بمشاكل الشرق الأوسط، وبالتالى فهو يدرك جيدا أهمية الدور الاستراتيجى الذى تلعبه مصر كونها الدولة الأولى التى تساهم فى استقرار المنطقة.. والمتوقع أن ملف الإخوان لن يكون مطروحا بأى شكل من الأشكال كما أن الإدارة المصرية لن تقبل أى حوار خاص بهم من قبل الإدارة الأمريكية أو غيرها فهذا الملف له محل أصلا فى العلاقات المصرية الأمريكية، ولا صحة لما أثير حول وجود الإخوان على أجندة بايدن السياسية، أما تصريحاته السابقة فكانت نوعا من مخاطبة كافة الأصوات الانتخابية فهو لم يتحدث عن الإخوان أو الإسلام السياسى وإنما تحدث عن وقف التمييز ضد المسلمين، فغالبية المسلمين فى أمريكا يرفضون الإخوان بدليل موقف الجالية المصرية فى دعم ثورة 30 يونيو والرئيس السيسى.

على عكس تماماً تتوقع الدكتورة نهى بكر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية عودة أو ظهور باراك أوباما لأنه أحد الداعمين بقوة لجو بايدن وكان له تأثير كبير خلال الحملة الانتخابية حيث كان يتواصل مع الناخبين بشخصه وهو ما بدت نتائجه جلية فى الانتخابات ونتيجة التصويت، أما بالنسبة لهيلارى كلينتون فلا تعتقد عودتها للمشهد من جديد فقد أصبح الأمر بالغ الصعوبة خاصة بعد ما أثير حول التسريبات واستخدامها لبريدها الإلكترونى الشخصى فى مخاطبات رسمية مما أدى إلى فقدانها المصداقية ووضع علامة استفهام كبيرة حول عودة الثقة بها أو الاعتماد عليها من جديد، وقد تكون التسريبات سببا فى القضاء على التاريخ السياسى لكلينتون.

لكن بكر تؤكد أن بايدن ليس أوباما ولن ينظر إلى علاقته مع مصر من نفس المنظور السابق فى عهد أوباما لأن أمريكا تعلمت الدرس جيدا، وهى لا تريد مزيدا من الانخراط فى الشرق الأوسط خاصة أن الوضع الاقتصادى أصبح سيئا جدا بعد أزمة فيروس كورونا «كوفيد 19» وبالتالى ستسعى لتقليل تورطها فى الشرق الأوسط وتحديدا بعدما أصبح لديها اكتفاء ذاتى من البترول ولا تحتاج حاليا لنفط الشرق، وربما يكون التدخل الروسى هو السبب الوحيد وراء بقاء أمريكا فى المنطقة خلال الفترة القادمة.

سألتها عن الملفات المشتركة كمكافحة الإرهاب؟

فأكدت أن مصر تقوم بدور كبير وتاريخى فى مكافحة الإرهاب ومواجهة كل أشكاله وأمريكا لديها تخوف كبير من الإرهاب، لأن الإرهابيين إذا خرجوا من المنطقة سيتوجهون لأمريكا أو دول أوربا، وما زال شبح أحداث 11 سبتمبر يطارد الأمريكيين ويمثل نقطة لا تنسى فى ذاكرتهم لذلك ستسعى أمريكا بكل قوة لاستمرار التعاون مع مصر فى هذا التحدى والملف الأمنى ككل، ولا ننسى حجم الاستثمارات الأمريكية الضخمة فى مصر التى تمثل سوقا كبيرا قوامه 100 مليون مواطن كما أنها نافذة على إفريقيا، لذا سنرى نشاطا ملحوظا من قبل التجاريين والمستثمرين الأمريكيين من أجل الحفاظ على هذا السوق الكبير.

هل يعنى هذا أن العلاقات المصرية الأمريكية ستمر بفترة «شهر عسل»؟

تقول نهى بكر بحسم على البلدين أن يكون لديهما استعداد للتعاون مع القدرة على الشرح والتوضيح وإظهار أهمية كل منهما للأخرى ومصر واضحة فى هذا الأمر ولديها دبلوماسية عريقة قادرة على القيام بهذا الدور، وعلينا أن نتذكر أن أمريكا دولة مؤسسات تسير وفقا لخطط محددة وموضوعة بالفعل وليست مستحدثة، لذا فالتوقيع العلاقة ستسير بشكل متزن بما يحقق مصالح الطرفين.

وماذا عن الملف الليبى؟

د. نهى لا تتوقع أن يكون الملف الليبى محل خلاف لأن أمريكا منذ البداية لم تبد أى اهتمام بالملف الليبى وغالبا ستسير مصر ستسير فى ملف ليبيا بشكل دبلوماسى يحافظ على خصوصية الشأن الداخلى الليبى حفاظا على حدودها المشتركة بطول 1200 كم تقريبا وستستمر الخطوات المصر الخاصة بهذا الشأن بغض النظر عن موقف الولايات المتحدة سواء كان داعما ومساندا أو متجاهلا أو حتى معاديا، ولكن أمريكا قد تهتم بهذا الملف فقط كنوع من مكافحة الإرهاب المتمثل فى الجماعات المسلحة فى ليبيا.