الجمعة 17 مايو 2024

الجيش الروسى.. رحلة التحديث والصعود إلى القمة

11-11-2020 | 22:31

بعد تعرض الاتحاد السوفيتى للتفكك شهد الجيش الروسى حالة كبيرة من التراجع و الضعف على مستوى المعدات و الأفراد والموارد، حتى إن سائق الأتوبيس كان يجنى مالاً أكثر من الطيار، و كثيراً كان يضطر الجنود الجائعون للتوجه للغابات للبحث عن المشروم و التوت البري.

مشهد يوحى بالتراجع الكبير الذى وصلت إليه قوات الجيش فى تلك الحقبة، كما زاد على ذلك أيضا الفساد الذى تخلل قطاعاته المختلفة، ففى إحدى المرات قام أحد القادة بتأجير طائرة من طراز ميج 29 من أجل مسابقة بين الطائرات و السيارات فى ألمانيا ، و تمت محاكمته بعد ذلك.

زادت درامية المشهد بعد حرب روسيا مع جورجيا فى 2008 و التى أثرت على الجيش الروسى بشكل كبير.

و رغم تلك الحادثة كان هناك اتجاه فى الجيش الروسى منذ ٢٠٠٥ للإصلاح، وبدأ ذلك بضخ أموال كثيرة، حتى إن النفقات العسكرية الروسية تضاعفت فى الفترة من 2005 إلى 2018 و فى الأرجح كان هذا مع بدايات وصول بوتين لدائرة الحكم والإدارة هناك.

يقول مايكل كوفمان من مركز التحليلات البحرية فى فرجينيا، رغم أن ميزانية الجيش الروسى سرية، إلا أن من المحتمل أنها تتراوح بين 150 إلى 180 مليار دولار، و هو ما يساوى ثلاثة أمثال ميزانية الجيش البريطاني، و يعادل حوالى 4 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالي.

معظم هذه الأموال يتم إنفاقها على تسليح الطائرات، فعلى مدار آخر عشر سنوات، تم إلحاق حوالى 600 طائرة جديدة، و 840 هليكوبتر و 2300 طائرة بدون طيار إلى معدات القوات الجوية الروسية.

كما تحول الوضع تماما فبعد أن كانت المعدات الموروثة كما يطلق عليها التى يمتلكها الجيش حتى 2007 تعد من الطراز القديم و الذى فات علية ثلاثة عقود، أصبح الآن حوالى 27 فى المائة من المعدات الموجودة حاليا من الطراز الحديث طبقا للمعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية فى لندن. و فى هذا الوقت تحول قطاع الطائرات من 97 فى المائة موروثا إلى 71 فى المائة حديثا.

كما توالت الإصلاحات بعد ذلك و تعد الصواريخ من أهم القطاعات التى شهدت ذلك، و مثال عليها الصواريخ الأرضية إسكندر ، و البحرية كاليبر، وكذلك الجوية kh101

بهذه القدرات الجديدة أصبح الجيش الروسى قادرا على إصابة أهداف كانت تعد قبل ذلك من قبل الخيال العلمي، فمنذ عشر سنوات مثلا كان من المستحيل إصابة أهداف فى سوريا عن طريق البحرية الروسية الموجودة فى بحر قزوين، لكن ذلك يحدث الآن.

السبب فى هذا المجهود هو إحكام القبضة الروسية، و تجهيز منظومة استطلاعية و استكشافية عالمية، وهى فكرة سوفيتية أصيلة تتمثل فى جمع المعلومات عما تريده روسيا من خلال معدات على الأرض، والطائرات بدون الطيار فى الهواء وحتى بواسطة الأقمار الصناعية فى الفضاء عن طريق تجميع أشعة الراديو المرسلة من وحدات الأعداء.

و إذا كانت الطرق تم تحديثها الآن باستخدام المعدات الجديدة، إلا أن الفكرة مازالت قائمة، و هو اتجاه لمعظم الدول الكبرى كأمريكا والصين أيضا.

و يتميز الروس أيضا حاليا بالاستعداد الدائم، فعلى سبيل المثال يمكن للروس إرسال حوالى 100 ألف شخص من القوات مجهزين بالأسلحة الثقيلة إلى حوالى 30 منطقة هامة فى أوروبا فى 30 يوما ، و هو عدد لا يستطيع الناتو تجهيزه فى نفس المدة، ربما ينجح فقط فى إرسال نصف العدد من القوات المسلحة بالأسلحة الخفيفة.

الالتحامات الأخيرة التى تشارك فيها روسيا أيضاً سواء فى سوريا أو غيرها تعطى الأجيال الجديدة فى الجيش تجربة حية عن أشكال المعارك الحديثة، و هذا ما يجعلهم من أكثر القوات شراسة.

فى أوكرانيا على سبيل المثال مارست القوات الروسية تجربة جديدة تشبه حرب الشوارع، ولجأت لاستخدام السلاح السيبرانى أو الإلكترونى فى جمع المعلومات، وتغذية العناصر على الأرض بها. وفى سوريا يتم الأمر بصورة أوسع و أكبر.

و رغم هذه الإصلاحات على الأرض لكن هناك رأياً آخر يقول إن الإصلاحات تسير ببطء، فيكتور موراكوفسكى الجندى السابق والمسؤول عن تحرير جريدة عسكرية الآن يقول إن التركيز فى قطاع الطيران، ربما أدى لبعض التأخيرات فى القطاعات الأخرى، فهناك تباطؤ فى إنتاج السفن البحرية و كذلك الغواصات.

كما أن هناك مشكلة كبيرة فى مجال التصنيع العسكرى الروسى و يشمل ذلك العمالة الماهرة و نقص الخامات والأدوات المستخدمة فى ذلك و كذلك المعدات و الآلات نفسها.

و فى حين التركيز على الآلات والعتاد تم نسيان العنصر البشرى فبالرغم من أن الجنود لا يشكون من الجوع، إلا أن رواتبهم ليست عظيمة هى الأخرى.

فالقائد المحنك فى العشرينيات من عمره يتوقع أن يحصل على أقل من 43 ألف روبل، ما يعادل 532 دولارا فى الشهر فى حالة السلام. و هو مبلغ فى وجهة نظر فيكتور قليل بالمقارنة مع المجهود المبذول.

لا سيما مع قصر مدة الخدمة فى بعض الأحيان، مما يحرمهم من الاستفادة بباقى المميزات، من ناحية أخرى مازال هناك قضايا الفساد التى تهدد هذا الكيان، ففى السنة الماضية وجه النائب العام تهما لحوالى 2800 شخصية عسكرية لاتهامهم بالفساد، ووصل المبلغ المسروق إلى 90 مليون دولار.

رغم هذا اتجه بوتين فى السنوات الأخيرة إلى الاهتمام أكثر بالأسلحة النووية القادرة على سحق الأرض وليس أوروبا وحدها، حيث إن أوروبا ربما أخطأت فى تقدير حجم القوات الروسية و اقتصر القلق الأوربى على منطقة البلطيق، و لكن القدرات العسكرية الروسية الآن قادرة على الوصول لأبعد من ذلك. و هو ما يحذر منه الخبراء العسكريون أوروبا، وينصحون بأن يتم تجديد الاستراتيجيات فى ظل هذه التطورات.