الأحد 23 يونيو 2024

إسرائيل تغرق فى بحر الفساد

11-11-2020 | 22:34

لا يظهر الفساد فى أعلى المستويات السياسية فى إسرائيل أى بوادر للتراجع، ومن المتوقع أنه بحلول العام المقبل، ستصل مؤشرات الفساد فى إسرائيل إلى 32 نقطة من إجمالى مائة، وهى وحدة قياس الفساد، طبقا لنماذج الماكرو العالمية ومؤشر الفساد الخاص بمنظمة الشفافية الدولية..

فى يناير الماضي، تم إدراج إسرائيل للمرة الثالثة على التوالى ضمن الدول الأكثر فسادا فى العالم، وبالرغم من أنها تراجعت قليلا فى الترتيب العالمى للفساد عن الأعوام الثلاثة الماضية، إلا أنها احتلت المرتبة 35 من أصل 180 دولة فى الاستطلاع السنوى لمؤشر الفساد الذى أصدرته منظمة الشفافية الدولية، والتى تقيس فساد القطاع العام، وفى سلمها درجة مائة تعتبر نظيفة جدا والصفر فاسدة جدا، وكانت علامة إسرائيل 60 علامة، وطبقا لما ذكرته صحيفة التايمز، فإن إسرائيل احتلت المرتبة 35 عالميا و24 من أصل 36 دولة فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية الأوروبية ، وفى الشرق الأوسط، تبين أن إسرائيل تحتل المرتبة الثالثة، وذكر الاستطلاع فى بيان أصدره فرع منظمة الشفافية الدولية فى إسرائيل إن المسح يعنى أن إسرائيل تقترب من “الخط الأحمر”، العلامة 50 والذى أدناه تعتبر البلدان فى المؤشر صاحبة مستوى عال من الفساد.

خلال السنوات القليلة الماضية، حذر مراقب الدولة الإسرائيلى السابق القاضى المتقاعد “إليعازر جولدبرج” من أن الفساد يهوى بإسرائيل سريعا إلى الحضيض، مؤكدا أنه صار أخطر من أى خطر سياسى أو أمنى يهددها، خاصة بعدما كشف تحقيق لصحيفة “هآرتس” العبرية فى يونيو الماضي، عن الفساد فى المجال الطبى والذى تمثل فى قيام أطباء بمستشفى “رمبام” بحيفا، بإجراء عمليات جراحية لمرضى دون حاجة، بهدف كسب أرباح مالية فى السنوات الأخيرة، وأوضحت الصحيفة أن أغلب العمليات الجراحية تم إجراؤها بقسم الأنف والأذن والحنجرة وجراحة الرأس والرقبة، وكشف التحقيق عن عمليات بلغت كلفة كل واحدة منها عشرات آلاف الشواكل، بتمويل من صندوق المرضى العام “كلاليت”، وتسبب بأضرار جسدية للمرضى .

تعد النخبة السياسية صاحبة نصيب الأسد فى حجم الفساد الذى عانت منه إسرائيل منذ نشأتها، فبالرغم من أن التحقيقات الجنائية لرئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” هى الأولى من نوعها، حيث لم يسبق وتوجهت لائحة اتهام لرئيس وزراء يمارس مهام منصبه؛ إلا أن جذور الفساد السياسى بدأت منذ وقت طويل، فقد كان “بن جوريون” الابن عام ١٩٥٥ نائباً لقائد الشرطة العام، وتورط فى علاقة مشبوهة مع عدد من رجال الأعمال الإسرائيليين، الذين كانوا على قيد التحقيق فى الشرطة بشبهات فساد مع جهات فى ألمانيا، ومن ثم جاء بعد “ديفيد بن جورين”الأب الذى كان أول رئيس حكومة فى إسرائيل، عدد من القادة الذين لم يتعرضوا لاتهامات بالفساد، بل تتم الإشارة إليهم بالبنان، منهم موشيه شريت، وليفى أشكول، وجولدا مائير، وإسحاق رابين، ومناحم بيجن، وشمعون بيريز وغيرهم.

يعد “أشكول”، رئيس ثالث الحكومات، والذى شغل منصب وزير المالية لفترة طويلة، مؤسس فكرة التعاطى المرن مع الفساد، ففى عام 1951 انفجرت قضية فساد كبيرة فى الوكالة اليهودية، بسبب قيام بعض الموظفين الكبار والمسؤولين عن تهجير اليهود من الدول العربية والأوروبية إلى إسرائيل، بتلقى الرشاوى واستغلال أموال الوكالة لشؤونهم الشخصية، ومنذ تلك الحادثة وانتشر الفساد فى مختلف المؤسسات، من ضمنها الوكالة اليهودية واتحاد النقابات والدوائر على اختلافها، ثم الوزارات والرئاسات وحتى المؤسسة الحاخامية، إلا أن مظاهر فساد النخبة الإسرائيلية بدأت تتجلى فى عام 1967 ثم أخذت فى التطور، وفقا لدراسة أعدها الباحث “محمود جرابعة” والباحثة “ليهى بن شطريت” بعنوان “الفساد فى إسرائيل ومستقبل نتنياهو” نشرت عام 2018

أشهر حوادث الفساد الخاصة بمنصب رئاسة الوزراء، كانت من نصيب رئيس الوزراء “إيهود أولمرت” الذى شغل المنصب بين عامى 2006-2009 والذى تم اتهامه فى قضيتى فساد، وحُكم عليه بالسجن 19 شهرا بتهمة الاحتيال وخيانة الأمانة وعرقلة سير العدالة، ليصبح أول رئيس حكومة سابق فى إسرائيل يدخل السجن، وفى عام 2012 أُدين بتلقى رشاوى تتعلق بمشروع بناء مجمع “هولى لاند” بمدينة القدس المحتلة أثناء شغله منصب رئيس البلدية، ثم ثبتت إدانته فى عام 2015 بتلقى رشاوى فيما تسمى بـ”قضية تالانسكي”، إذ شهد رجل الأعمال الأمريكى “موريس تالانسكي” بأنه أعطى “أولمرت” أموالا، ومن ثم كانت قضية “نتنياهو” وهى حادثة فريدة أيضا حيث قرر المدعى العام الإسرائيلى “أفيحاى مندلبليت” توجيه لائحة اتهام تشمل الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، فى ثلاث قضايا فساد فى 21 نوفمبر من العام الماضي.

تعد أشهر قضايا الفساد فى المؤسسة الحاخامية، هى قضية الحاخام الأكبر “يونا متسجر”، والذى تولى منصب الحاخام الأكبر لليهود الأشكيناز (الغربيين) فى الفترة بين 2003 و2013 وقد دخل السجن عام 2017 بعدما أقر بالذنب فى محاكمته بتهم الاحتيال والسرقة والتآمر وخيانة الأمانة وغسل الأموال وأخذ الرشاوى، ووفقا للتهم الرسمية، فقد تلقت مؤسسات خيرية عديدة مرتبطة بالحاخام رشاوى تقدر بنحو ثلاثة ملايين دولار، واستبقى “متسجر” منها نحو مليونى دولار لنفسه، أيضا أدين “إلياهو باكشى دورون” الحاخام الأكبر السابق لليهود السفارديم (الشرقيين) فى الفترة بين 1993 و2003 بقضية فساد حيث قام بإصدار نحو 1500 شهادة مزورة لدراسة التوراة لصالح أفراد فى قوات الأمن لتمكينهم من الحصول على علاوات فى أجورهم، تم توجيه الاتهام للحاخام عام 2012 فى القضية التى استمرت محاكمته بها لأربع سنوات تقريبا.