حتى موعد كتابة
هذا التقرير ووسط حالة من الانقسام الشعبى الشديد والتقارب فى الأرقام التى حصل
عليها كلا المرشحين فى الانتخابات التى جرت يوم الثالث من نوفمبر الماضى، عجزت
الولايات المتحدة حتى الآن عن تسمية رئيسها الفائز فى الانتخابات.. صحيح أن جو
بايدن المرشح الديمقراطى هو الأقرب لإعلان الفوز لتفوقه ببضعة آلاف من الأصوات فى
عدد قليل من الولايات الحاسمة لكن ترامب يرفض الاعتراف بالهزيمة واتهم
الديمقراطيين بسرقة الأصوات والانتخابات، وذلك بالتزوير والفساد ويهددهم
بالملاحقات القضائية ويطالب بإعادة فرز الأصوات.
إلى متى تستمر هذه المسرحية.. العالم كله يتابع لكن لا
أحد لديه إجابة عن هذا السؤال..
مع استمرار تعليق إعلان نتائج عدد من الولايات الحاسمة
وهى بنسلفانيا ونيفادا وجورجيا وأريزونا، حتى يتم الانتهاء تماما من فرز جميع
الأصوات الصحيحة، يشتد الموقف على الساحة الانتخابية سخونة خاصة فى معسكر الرئيس
دونالد ترامب الذى يرفض الهزيمة بعد خسارته فى معظم الولايات الحاسمة حتى الآن وقد
بدأ فريق ترامب حملة لجمع تبرعات بمقدار ستين مليون دولار للإنفاق على آلاف
الدعاوى القضائية التى تنوى الحملة رفعها فى جميع الولايات الأمريكية ضد
الديمقراطيين موجهين إليهم اتهاما بالفساد وتزوير الانتخابات لصالح منافسة بايدن.
وسائل الإعلام الأمريكية والتى أغلبها منحازة ضد ترامب
تردد أن هذه الاتهامات هى بدون أى دليل ولكن بعض أنصار الحزب الجمهورى يتداولون
مقاطع فيديوهات تشير فى معظمها إلى حدوث تجاوزات فى لجان فرز الأصوات وقد أمر
ترامب بإرسال العشرات من الفرق القانونية إلى عدد من الولايات الحاسمة طالبا منهم
القتال بشراسة لتحدى ورفض النتائج فى تلك الولايات.
وكان ترامب قد خرج فى مؤتمر صحفى يعلن فيه اتهامه
للديمقراطيين وقائلا إنهم يسرقون الانتخابات لو تم حساب كل الأصوات الشرعية سأكون
الفائز ولكنهم يحسبون الأصوات غير القانونية وقال أيضًا هذه الانتخابات التاريخية
تشهد تدخلا غير مسبوق من وسائل الإعلام الكبرى وعالم المال والأعمال وعمالقة
التكنولوجيا لتضليل الناخبين وتزوير الانتخابات.
مع الاحتمالات القوية فى هذه المرحلة بنهاية الحقبة
الترامبية وخروج ترامب من البيت الأبيض بدأ الكثير من زملائه فى الحزب الجمهورى
بالنأى بأنفسهم عنه وعن ادعاءاته بالفساد وتزوير الانتخابات بل إن أحدهم اتهمه
بأنه فقد عقله لأنه بهذا يضر بمصداقية النظام الانتخابى الأمريكى بالكامل، وكان
ابن ترامب قد هاجم أعضاء الحزب الجمهورى بشدة واتهمهم بعدم مساندة والده بقوة فى
هذه الانتخابات.
لكن هناك بعض المخلصين من أنصاره فى الحزب الجمهورى
أمثال السيناتور ليندسى جراهام والسيناتور تيد كروز فقد ظهرا على شبكة فوكس نيوز
مدافعين عن نظرية المؤامرة التى تشير تفاصيلها إلى أنه فى الكثير من قاعات فرز
الأصوات كان يتم استبعاد المراقبين التابعين للحزب الجمهورى وحملة ترامب ولم يسمح
لهم بالدخول فى عدد من مراكز فرز الأصوات.
وساند نفس هذه النظرية دونالد ترامب الابن الذى خرج فى
مؤتمر صحفى للحزب الجمهورى ليعلن مساندته لوالدة، بل ونصحه بالقتال حتى الموت لكشف
التزوير والاحتيال فى الانتخابات وأنه ينبغى على الجميع فى الجانب الديمقراطى أن
يرحبوا بهذا إلا إذا كانوا يغشون بالفعل، كما اتهم الديمقراطيين بتجاهل المواعيد
النهائية للانتخابات مشيرا إلى ظهور صناديق اقتراع باطلة فى الولايات والمقاطعات
الديمقراطية بعد انتهاء التصويت، وأن ذلك يجعل أمريكا على حد قولة تبدو كجمهورية
«موز « ويدعم موقف الرئيس ترامب أنصاره خاصة من اليمين المتطرف وتردد بعض التقارير
أن الخطاب الذى ألقاه ترامب يوم الأربعاء بعد انتهاء الاقتراع وأعلن فيه أنه فى
طريقة للفوز كان خطاب تعبئة لهم.
هؤلاء يحاولون توحيد صفوفهم وتجميع أنفسهم من خلال
هاشتاج (أوقفوا السرقة) على تويتر..
وكان الفيسبوك قد أغلق صفحة تحمل نفس العنوان (أوقفوا
السرقة) على أساس أنها يمكن أن تدعو إلى العنف من جانب بعض الجماعات الموالية
لترامب.. وذلك فى ظل الإقبال الكبير على عمليات شراء الأسلحة الشخصية عشية يوم
الانتخابات.
وعلى الجانب الآخر بدا طريق بايدن بالفوز بالأغلبية فى
المجمع الانتخابى بفوزه بولايتى ميتشيجان وويسكونسن اللتين صوتنا لصالح ترامب فى
عام 2016 كما فاز فى ولاية جورجيا وهى ولاية جمهورية لم يفز بها أى مرشح ديمقراطى
منذ عام 1996 وذلك بفضل خروج السود للتصويت بأعداد كبيرة لصالح المرشح الديمقراطى.
ولكن إلى متى يمكن أن يستمر هذا الصراع والمعارك
القضائية؟
أولا: الولايات الأمريكية وفقا للقانون لديها مهلة خمسة
أسابيع لإعلان الفائز بالرئاسة وهو الموعد الذى يطلق علية «الميناء الآمن» ويحدد
هذا العام بيوم 8 ديسمبر وإن لم تستطع ولاية ما تحديد اسم الفائز بحلول هذا
التاريخ فإن الكونجرس يمكن أن يصدر قرارا بإلغاء عدد المندوبين لهذه الولاية من
المجموع الكلى للمجمع للانتخابى والذى هو 538 مندوبا.
ومن المفترض فى 14 ديسمبر أن يجتمع المندوبون فى المجمع
الانتخابى من مختلف الولايات لانتخاب الرئيس ولكن إذا لم يحقق أى المرشحين
الأغلبية بحلول يوم 6 يناير وهو يوم تسليم السلطة للرئيس الجديد فإن الكونجرس يقرر
ما يسمى بالانتخابات المشروطة، حيث سيقوم مجلس النواب باختيار الرئيس ومجلس الشيوخ
يصادق على نائب الرئيس، وهذا قد يعنى أنه يمكن أن نرى رئيس ونائب رئيس من حزبين مختلفين
والمفروض أن الدستور الأمريكى ينص أنه مهما كانت المشاكل لابد بحلول يوم 20 يناير
أن يكون هناك رئيس وإن تبدأ فترة رئاسية جديدة فإذا عجز مجلس النواب عن الاتفاق
على رئيس بحلول هذا التاريخ يصبح نائب الرئيس الذى اختاره مجلس الشيوخ هو الرئيس
وإذا عجز مجلس الشيوخ عن تحديد ذلك يصبح رئيس مجلس النواب هو الرئيس أى أن هناك
فرصة فى نهاية المطاف أن تصبح نانسى بيلوسى، زعيمة الأغلبية الديمقراطية فى مجلس
النواب الحالى رئيسة قادمة للولايات المتحدة.
من المؤكد أن دونالد ترامب لن ينسحب من المشهد بسهولة
فهو يتمتع بتأييد ما يقرب من نصف عدد الناخبين وهذا يدل على أنه له قاعدة شعبية
عريضة لا يمكن أن يستهان بها فى عالم السياسة الأمريكية، حتى لو تقبل الهزيمة
مازال أمامه 76 يوما أخرى فى البيت الأبيض حتى يوم تسليم السلطة الرسمى وهو قادر
فى هذه الفترة أن يتخذ من القرارات ما شاء وأن ينتقم ممن يشاء فربما يدفعه الغضب
من عدم الفوز إلى عزل أو تهميش عدد من كبار المسؤولين الذين فشلوا فى تنفيذ طلباته
بالكيفية التى كان يتمناها ومنهم مدير وكالة المباحث الفيدرالية FBI كريستوفر راى، وكذلك دكتور فوتشى كبير الأطباء فى الإدارة
الأمريكية وربما يفكر فى الترشح للرئاسة بعد 4 سنوات رغم أن عمرة وقتها سيكون 78
عاما !!.
شعبية ترامب ستعطيه قوة لممارسة دور على الساحة السياسية
لم يلعبه الرؤساء السابقون الذين خرجوا بعد فترة رئاسية واحدة مثل جيمى كارتر
وجورج بوش الأب.. وربما حقق حلمة وامتلك قناة تليفزيونية خاصة للتنافس مع شبكة
فوكس نيوز، وهو الأمر الذى ألمح إليه فى مناسبات عديدة، خاصة أن له فى الماضى
مشاركات فى برامج تليفزيون الواقع، كما سيلعب ترامب دورا مؤثرا من خلال تطبيق
تويتر، حيث يتابعه حاليا 88 مليون شخص.
وحتى ظهور جيل جديد يمكن لدونالد ترامب أن ينصب نفسه زعيما
للحزب الجمهورى وسيظل ترامب بطلا فى نظر أنصار الحزب الجمهورى، وبالتأكيد إذا لم
يصبح الفائز بترشيح الحزب فى عام 2024 سيكون الترشيح من نصيب شخص يشبهه إلى حد
كبير.
ولكن هذا ليس رأى جميع الجمهوريين فهناك من يريد أن
يتجاوز سريعا الحقبة الترامبية وإغلاق صفحته نهائيا، وإذا ما تذكره فإنه سيذكره
على أنه باعتباره ظاهرة جمهورية شاذة لم تدم طويلا.