الإثنين 6 مايو 2024

الطلاق خلعا!! وداعاً للعملة النادرة..

11-11-2020 | 22:45

أصدر الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء هذا الأسبوع تقريره السنوى عن عقود الزواج والطلاق فى السنة الماضية 2019 وهو يقدم لنا مؤشرات اجتماعية مهمة عن حالة استقرار الأسرة المصرية من عدمه، وبالتالى يحتاج من المتخصصين والخبراء دراسته بعناية وتحليل أرقامه للوقوف على أسباب انتشار ظاهرة الطلاق على سبيل المثال، وكذلك أسباب انتشار ظاهرة الخلع وحصول المطلقات على أحكام قضائية نهائية بالخلع من داخل ظاهرة الطلاق، وبالعودة لأرقام الجهاز سنجد أن عقود الزواج فى 2019 قد ارتفعت عن سنة 2018 بنسبة أربعة وستة من عشرة بالمائة فى مقابل ارتفاع حالات الطلاق فى السنة الماضية بنسبة ستة وثمانية من عشرة بالمائة عن السنة السابقة عليها، وبالأرقام الحسابية وليس النسب المئوية فقد بلغ عدد عقود الزواج فى السنة الماضية 927 ألفا و844 عقدا أى نحو مليون إلا قليلا، وبلغ عدد حالات الطلاق 225 ألفا 929 حالة طلاق أى نحو ربع مليون حالة طلاق السنة الماضية وحدها، وتقدم الريف فى عقود الزواج بنسبة 59 بالمائة فى مقابل 41 فى المائة للحضر، فى حين تقدم الحضر فى نسب الطلاق بنحو 53 فى المائة فى مقابل 46 فى المائة للريف، وفى حين جاء أعلى معدل للزواج فى السن بين 25 و30 سنة جاءت أعلى معدلات للطلاق فى السن بين 30و35 سنة.

وبلغ معدل الطلاق اثنين وثلاثة من عشرة فى الألف عامة وكانت القاهرة الأعلى بنسبة خمسة فى الألف!.. بينما سجلت كل من المنيا وأسيوط أقل من واحد فى الألف وهى الأقل، وبلغت أحكام الطلاق النهائية نحو 12 ألفا فى السنة الماضية فى مقابل ٨٥٤٢ حكما فى سنة 2018، وأعلى نسبة طلاق بسبب الخلع بأحكام قضائية نهائية بلغت عشرة آلاف و٤٤٧ حكما بنسبة نحو ٨٩ فى المائة!

معنى ذلك أن لدينا نحو ربع مليون حالة طلاق العام الماضى إلا قليلا كما أن لدينا أكثر من عشرة آلاف حالة طلاق بأحكام قضائية بالخلع أى أن النساء لجأن فيها للمحاكم للحصول على الطلاق خلعا، وهذا يؤكد أن ما كان عيبا أو من باب الحياء أو مجرد حالات استثنائية نادرة لم يعد كذلك، وكلنا نذكر قصة فيلم الممثل هانى رمزى (محامى خلع) والتى قامت أساسا على فكرة السخرية من الطلاق بالخلع واعتبر آنذاك من قبيل النوادر وليس بالظاهرة، ولكن اليوم ومع تجاوز عدد حالات الطلاق خلعا وبأحكام قضائية نهائية فى سنة واحدة فإن ذلك يقدم لنا الدليل على أن الأمر لم يعد نادرا ولا استثناء بل أصبح ظاهرة خصوصا إذا ما أضفنا حالات الطلاق خلعا فى السنوات السابقة وليكن على مدى خمس أو عشر سنوات سيصبح لدينا رقما مخيفا قد يتجاوز المئة ألف حالة!.. هل الأزواج يتعسفون فى التطليق فتذهب الزوجات للتطليق من خلال الخلع أم أنه أصبح الوسيلة المضمونة للطلاق السريع والنافذ بلا رجعة؟!..

وإذا كان لدينا نحو ربع مليون حالة طلاق فى السنة الماضية فقط إلا قليلا فهذا رقم كبير جدا فى سنة واحدة أى أن ربع مليون أسرة تشققت وتصدعت وتشتت الأطفال فى حال وجودهم بين فريقين متصارعين، أسرة الزوج وأسرة الزوجة!.. الأسئلة كثيرة، هل أصبحت ظاهرة المغالاة فى الزواج سببا فى فشل مؤسسة الزواج لاحقا؟ وهل ارتفاع سعر الذهب كان سببا فى قلة عدد عقود الزواج؟ وهل الحالة الاقتصادية كانت سببا فى ارتفاع الطلاق خصوصا مع أزمة وباء فيروس كورونا التى اجتاحت العالم كله وضربت اقتصاديات مستقرة ونامية وطالت الجميع وتسببت فى إيقاف عجلة الإنتاج فى بعض القطاعات مثل السياحة والسفر والطيران والضيافة والفندقة والمطاعم، وكذلك قطاع العقارات والتشييد والبناء؟ أم أن الظاهرة بسبب اختفاء حالة الرضا والقناعة داخل الأسرة المصرية؟ أم أن عصر التكنولوجيا وتغولها فى حياتنا هى السبب من انتشار للهواتف الذكية ووسائل التواصل الافتراضى التى أقامت جدارا وأسوارا عالية حول كل شخص فانعزل مكتفيا بنفسه خلف شاشة هاتفه وانقطع التواصل المادى الحى والمباشر والحقيقى بين الزوجين وبين الأولاد وداخل كل أسرة؟ أم أن كثرة الفضائيات وبرامج تدليل المرأة وتشجيعها على الكشف عن أنيابها من جملة الأسباب؟ أم أنها الدراما التى ما فتئت خلال السنوات العشر الأخيرة على تجسيد الخيانة الزوجية والصراعات والبلطجة والسلاح والدم والجشع خلف كل ما هو مادى دون تحقيق التوازن بين متطلبات الروح والجسد؟ أم أنها كل الأسباب السابقة مجتمعة؟

من ناحيتى لا أشك لحظة فى أن ثورة التكنولوجيا وإدمان البعض لها وإسرافنا على أنفسنا كان سببا من أسباب تفسخ الأسرة المصرية وتشتت وانعزال أفرادها واختباء كل فرد خلف شاشة تليفونه المحمول، لا شك فى ذلك، وبلغ الأمر لدرجة أن البعض يقف لتصوير معركة فى الشارع بكاميرا تليفونه بدلا من أن يتدخل لفض المشاجرة، وأكثر من ذلك وصل الأمر بحالات فردية مشوهة نفسيا ومنحرفة اجتماعيا قامت بتصوير نفسها أو زوجاتها فى أوضاع حميمية بهدف المتعة أو الاستغلال لاحقا وهذه الحالات الشاذة ليست قاعدة ولكنها موجود بالواقع، خلاصة الأمر أن الهواتف الذكية قلبت حياة الأسرة رأسا على عقب مما يستدعى ترشيد استخدامها ووضع قيود على استخدامها بالنسبة للأطفال مثلا خصوصا فى أوقات الدراسة والليل لمنعهم من إدمان السهر.

الأمر ليس عاديا على الإطلاق فربع مليون حالة طلاق فى سنة وأكثر من عشرة آلاف حالة طلاق بالخلع عبر أحكام قضائية نهائية أمر يتطلب منا وقفة وخصوصا من أهل الاختصاص مثل المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية الذى عليه دراسة وتحليل الظاهرة ووضع توصيات فى شكل قيود ملزمة للحفاظ على استقرار الأسرة المصرية، فالمؤكد عندى أن خللا ما أصاب الأسرة المصرية المستقرة وأصاب النشء ويتطلب وقفة جادة من الجميع.