يُعتبر
الموال الشعبي هو لسان حال الجماعة الشعبية وترجمة فنية صادقة للوضع الاجتماعي
والاقتصادي والنفسي وأيضًا السياسي ومن
ثمَّ سنتعرض لعدة نماذج لأنواع الشعر الشعبي المختلفة , وللموال عدة أنواع وأيضًا
ألوان وهو يعتبر من أبرز الفنون القولية يعتمد على اللغة الشعبية واللهجات الدارجة
مُعبرًا عن منظومة ثقافية كاملة ويحتوي هذا الخطاب الشِعري على عدة دلالات وثيقة
الصلة بواقع الحياة الشعبية بما فيها من عادات وتقاليد ترسلها مُخيلة الفنان
الشعبي إلى المتلقي على هيئة قوالب موسيقية ويساعد الوزن وهذا الإيقاع الموسيقي في
توارثها وتواترها شفاهة ويُعزز حفظها في ذاكرة الجماعة الشعبية الحاضنة لهذا
المأثور القولي .
ويُعتبر الموال هو قلب وقالب الأغنية الشعبية و افتتاحية
قبل الدخول البدء في الأغنية, والجدير بالملاحظة أن لكل موال رسالة يبثها الراوي
أو المؤدي تستهدف وظيفة تُلائم طبيعة الحدث وأيضًا الأداء فالنص الشعبي في سياقه
الطبيعي لا يخلو من النزعة الوظيفية التي دعمها الفنان الشعبي من خلال هذه الفنون
والصيغ الشفاهية , ولا يخلو فن الموال من الخيال وأيضًا الصنعة الفنية وكما تقول د. نبيلة إبراهيم حول هذا الإطار
" أن الفن بصفة عامة صنعة متخيلة , ولكن الخيال مستويات فقد يكون خيال لصيق
بالواقع أو صورة منه حيث يتعذر على المتلقي أن يفصل بينهما, وهذه الصنعة تجعل من
الفنان الشعبي بارعًا في الارتجال وأيضًا ذلك حسب الموقف , فيمكنه بكل براعة أن
ينسخ من مخزونه الثقافي موالًا موزونًا أستمد روافده من الذاكرة والمخيلة الشعبية
التي جعلت من هذا الارتجال الشفاهي ,إبداعًا لنص جديد من حقول دلالية مستمدة من
واقعه المعيش .
فيستمد
التعبير الشعبي خيالاته من أكثر من رافد مثل رافد الطبيعة ,رافد الميل إلى التجسيد
, رافد العالم الغيبي ثم الروافد الواقعية والمشكلات التي يعيش تحت وطأتها الإنسان
الشعبي مُعبرًا عن ذلك من خلال النصوص الشعبية والصيغ الشفاهية الجديرة بالتدوين
والتحليل والدراسة
تاريخ الموال
الموال هو
أحد أنواع الشعر الشعبي ,أرتبط من حيث الكتابة والنظم على الزجل الأندلسي واحتضنته
مصر والعراق وكانت طائفة كبيرة من العامة والصفوة يُمارسون هذا الفن منذ القرن
الثامن 18 وفي عصر الدولة الأموية قدمت مصر للساحة عدد كبير من الزجالين لما لهم
من براعة فائقة في معرفة تامة بأوزان الشعر مثل ابن عروس , صفي الدين الحلى , حفني
ناصف وغيرهم من الأسماء التي قدمتهم مصر للساحة الزجلية على مر السنين ,وبعد انهيار
الدولة الأموية وهي الدولة التي تمسكت بكل ما هو عربي من الحفاظ على اللغة
والعادات العربية.
ومن ثم قيام الدولة العباسية على أكتاف الفُرس
حيث أسبغت ظلها عليهم واحتضنتهم فراحت اللغة الفصحى وأخذت العامية تزداد توسعًا
وانتشارًا ولم يقتصر نفوذ اللغة الفارسية على العراق" فابتكر أهل واسط
بالعراق فن (المواليا) حيث اقتطعوا من بحر البسيط بيتين وهذا يشبه الزجل في كونه
ملحونًا وأنه أقفال ,كل أربعة منها بيت القفل هو الشطر ,ويذكر رشدي صالح تعقيبًا
حول هذا الرأي حيث يقول إنه لمن السذاجة أن ننسب تاريخ فن شعبي إلى حادثة واحدة كم
إنه غير سائغ أن ننسب إلى زنوج واسط وحدهم دون بقية أصحاب أغاني العمل هذا الفن
" وتتباين الكثير من الآراء حول انحدار الموال من فن الموشحات , فيذكر صفي
الدين الحلى :المواليا أو المُوَال أو المَوّال كما اشتهر عند العامة وبالذات في
مصر نستطيع أن نقول إنه ضرب من الموشحات لا يتم فيه الالتزام كثيرًا بالإعراب (لذا
يُقال إن الموال من حيث اللغة هو البرزخ بين الفنون القولية الثلاثة المُعربة ).
الموال الأحمر ووهج الثورة:
يعبر المبدع الشعبي من خلال فن
الموال الشعبي عن مخزونه الثقافي وتظهر فواجع ومواجع شعوبنا غائرة الجروح والعلل
إلى أقصى مدى يمكن تصوره في الموال الأحمر , ذلك الذي مجاله الجوهري هنا هو البنية
الاجتماعية الطبقية في مجتمعات قائمة ومشتده على كل أنواع القهر وتصانيفه , فيُعبر
الموال الأحمر عن وهج الثورة المتأججة على الدوام ‘و أناس وجدعان يفتقدون للجاه
والنسب لا موطن للهموم إلا داخل قلوبها
جدع بلا جاه مرساة الهموم
قلبه
يضرب بلا جاه وأقسى من الهموم
قلبه
دنيا كما خيال بست حبال جراني
يادي العجب يا ناس في جدع
مجروح ومغطي
يفوت على الخصم واسق غلب
ومغطي
من كتر عسر كوى خصمه على قلبه
أنا لو شكيت ربع ما بي للحديد
بيدوب
الأولة غربتي والتانية
المكتوب
(جمع وتدوين :
شوقي عبد الحكيم )
فيعرض الموال تصور عن الحياة
بأنها مثل خيال يسحب فرسته فالإنسان ما بيده حيله ومقيد ومكبل بالأغلال ويمثل هذا
الموال تسرية وهو أقرب ما يكون للبسطاء الذين يرغبون في التعبير عن قهرهم اليومي
ومجمل آلامهم
وعادة يكون لراوي هذا الموال
الأحمر وجمهوره خصم يظهر ذلك في عملية الرد على بعض النصوص وهو أقرب إلى أن يكون
خصمًا طبقيًا .
وراوي الموال الأحمر يصبر على
خصمه حتى لو كوى قلبه وقهره , ويجانس المبدع الشعبي بين الغربة وبين المكتوب حيث
يُحيل هذا الوضع الاجتماعي المتمثل في الظلم والقهر إلى القدر الحتمي وهذا القدر
والمكتوب تسبب له في سلسلة من الاغترابات والتقلبات من موقع الغالب المنتصر إلى
الضحية المغلوب على أمره
ودائمًا ما يكون جمهور الموال
الأحمر على نفس الدرجة من الشعور بالقهر وتقلبات الأحداث الحياتية والتي يُمكننا
من خلالها قراءة أوضاع هذه الجماعة الشعبية حيث تُمثل تلك النصوص نوعًا من
المقاومة عن طريق التعبير الشفاهي عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبنية التحتية
صانعة هذا الموال حيث يُمكننا القول أن الموال الأحمر بشكلٍ عام يكون الواقع
الاقتصادي أو السياسي السيء أحد روافده ,
بالإضافة إلى معاني الغدر وقسوة القلب والهجر والاغتراب والغربة ومذلة الحصول على
لقمة العيش وكل هذه المشاعر الوجدانية تُمثل أهم موضوعات الموال الأحمر.