الإثنين 25 نوفمبر 2024

فن وثقافة

حكاية وطن بين وعي شعب وإخفاق نخبة

  • 15-11-2020 | 14:56
طباعة

لم تعرف مصر، على مدى تاريخها، قطاعا من نخبتها الثقافية والإعلامية يحصرون علاقتهم بالدولة من منظور رؤيتهم المصلحية، حتى ولو يهدفون إلى إصلاح. وهم، في سبيل إعلاء وجهة نظرهم، لديهم الاستعداد إلى هدم دولتهم بوعي أو بدون وعي، قطاعا قدم نفسه بعدّه حامل لواء التغيير والتنوير، وصار الكثير منه مؤثرًا في توجهات قطاع من شباب الوطن، الذي عانى كثيرًا انعدام التثقيف السياسي، والظلم الاجتماعي، وفساد الهيكل الإداري، قطاعا آمن بما نادوا به من قيم نبيلة كالحرية، والمساواة، والعدالة، لأنهم لم يجدوا من يستمع إليهم، أو يحنو عليهم.


وإذا كانت هذه المبررات هي الدافع الأكبر نحو تحرك ملايين المصريين من كل الأعمار في الأيام الثلاثة أيام لثورة 25 يناير 2011، رغبة في تحقيق أحلامهم وأحلام الشباب في العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية، فإن الغريب أن هذا القطاع من النخبة قد اختفى تمامًا، بعد أن أدى بعضهم دوره، وأوصل التنظيم الإرهابي للحكم. ومع اتضاح المنهج الإقصائي الحاكم لتوجه التنظيم الإرهابي في الحكم، وبيان الصورة بأن الجميع سيهمشون، وأن بطش التنظيم وأتباعه سيطولهم، وتكرار حصار مدينة الإنتاج الإعلامي، وإعداد قوائم لاستهداف عدد من الإعلاميين، والتعدي الصريح على القضاء، ومحاولة هدم المؤسسات الثقافية والصحفية، لم يكن هناك بد أمام هذا القطاع إلا أن يضع يده في يد الشعب الذي كانت حساسيته أعلى، ووعيه أكبر في إدراك ما يحاك ويخطط له ولدولته.


فما كان إلا أن حاول هذا القطاع من النخبة المُدعية إلا أن يلهث خلف المطالب الشعبية، التي ازدادت وباتت تطالب بإنهاء حكم هذا التنظيم الإرهابي. كانوا يلهثون خلف الشعب من جهة، ومن جهة أخرى كانوا يحاولون أن يكسبوا نقاطًا في إدارة علاقتهم بالتنظيم الإرهابي، فهم يرون أن بقاءه في الحكم فترة أطول آنذاك يمكنهم أكثر من وجود مساحات واسعة لتحقيق مصالحهم، وكانت رموزهم السياسية تحاول إلى آخر وقت أن تهادن وتحاول أن تبطيء من تحرك الشارع على الطريق للخروج على حكم هذا التنظيم. والعلاقة بين هذه الرموز السياسية وهذا القطاع من النخبة علاقة وثيقة من قبل ثورة يناير، وتوثقت عراها كثيرًا بعدها.


كانت نقاط تلاقيهم حول مفاهيم نسبية وقيم نبيلة لا يتصور لعاقل ألا يعمل على تحقيقها، ولكنهم كانوا جميعًا يستخدمون هذه المفاهيم والقيم من أجل كسب أعداد أكبر من الذين يستطيعون التأثير فيهم واجتذابهم لأرضيتهم من مجتمع وشباب عانى كثيرًا الحرمان. وكان الطوفان الشعبي في 30 يونيو ليحاولوا جميعًا أن يركبوا الموجة، ويقدموا فروض الولاء والطاعة للنظام السياسي الجديد الذي بدأت تتضح ملامحه، مع إعلان المشير عبدالفتاح السيسي قراره الترشح لمنصب رئيس الجمهورية. حاول هذا القطاع أن يلعب لعبة قديمة لعبها رموزًا لهم في الدهاء السياسي الميكيافيللي، منذ أيام عبد الناصر، حاولوا أن يطرحوا أنفسهم بحسبانهم المنظرين الجدد لنظام 3 يوليو، والمؤيدين لخريطة مستقبله. ورويدًا رويدًا، تكشفت الوجوه، وسقطت الأقنعة ليتبين لنا، كمتابعين ومراقبين لمسارات تحولهم الفكري منذ 2011 وحتى الآن، أن الأمر لم يرتبط إلا بالبحث عن مصالحهم وآليات تحقيقها. ولما رفض النظام أن يخضع لمحاولاتهم المستمرة لاحتكاره وتوجيهه، وفقًا لرؤيتهم، بدأت المعركة الكبرى، وبدأ التمرد، وبدأوا يكشفون عن وجههم الحقيقي من التجربة المصرية.


بالفعل إنها معركة تكسير العظام، إنها معركة تكسير عظام الدولة المصرية، وتفتيت لُحمة شعبها التي توحدت في 30 يونيو على تحقيق المطالب العادلة لهذا الشعب في العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية، مقترنة برفض كل أشكال الحكم الديني، وفرض الوصاية عليهم.


بدأ هذا القطاع يعلن عن معركته بشراسة، منذ تيقن أن الرئيس لن يدفع لهم الثمن الذي كانوا يحلمون به، أو يطلبونه. خاضها هذا الفريق من النخبة بمنطق تفتيت التأييد الشعبي الهائل الذي حظي به الرئيس بين المصريين، خاضها بمنطق كسر العزيمة والإرادة الوطنية التي تجلت في قدرة هذا الشعب على جمع الأموال اللازمة لحفر قناة السويس الجديدة في أقل من أسبوع، وفي كل الدعم الذي يقدمه المصريون الشرفاء لصندوق تحيا مصر، ومنه يتم الصرف على دعم وإصلاح الضمانات الاجتماعية، خاضها بمنطق تشويه أي إنجاز وتقزيمه لدى الرأي العام، خاضها بمنطق أن يخصم من رصيد النظام لدى الشعب خطوة تلوها الأخرى، خاضها بمنطق إقصائي، فمن غير المسموح أن يظهر أي صوت غير صوتهم، وغير متصور وجود أي رأي يخالف توجهاتهم، فهم من يملكون الحقيقة، وعلينا جميعًا أن نكون تابعين مستجيبين لكل ما يبثونه في نفوسنا من يأس، وإحباط، وسوداوية.


تندروا كثيرًا على من يحملون لواء الدفاع عن الدولة، وليس عن النظام، وصفوهم في البداية بالفلول، ثم عبيد البيادة، ثم المطبلاتية، ثم السيساوية، ولم يقولوا الحق إنهم القطاع الأعظم من الأغلبية الصامتة في هذا الوطن، تلك الأغلبية التي هي صمام الأمان للدولة الوطنية الوسطية المصرية. وفي كل ذلك، كانوا حريصين على ربط من يدافع عن الدولة بالعمالة للأجهزة الأمنية المصرية. لم يستطيعوا أن يتبينوا أن الفارق كبير بين أن تدافع عن الدولة ومؤسساتها، وبين أن تدافع عن نظام سياسي، حتى لو كنت مؤمنًا به، فهو ليس جريمة تحاسب عليها. 


لم يفهموا أن المحرك الوطني لا يزال موجودًا في نفوس المصريين، ولم يتم قتله كما قتل في ضمائرهم، يستخسرون أن يكون للدولة لواء يدافع عنها، ويحاول أن يقيها شرورهم، وتأثيرهم السلبي فى المزاج والرأي العام، يكفرون من كان بين صفوفهم يومًا، ثم تحول نتيجة إعماله لعقله، لكي يكون في صف المدافعين عن الدولة.


ليست جريمة الوعي الجمعي للمصريين أنه يُعمل عقوله بدوافعنا الوطنية لحماية دولته وشعبه، اللذين تحاولان بعنصريتكم الفكرية، وبصيرتكم الاستراتيجية المنتفخة، والمحمية بحمالاتكم التي سقطت وتعرت، أن تكرروا لعبتكم القديمة معها، ولكنها تظل جريمتكم أنكم لم تُعملوا عقولكم إلا لمصالحكم، ولم توجهوا أحاديثكم إلا بما ينطق به هواكم البعيد تمامًا عن الثوابت الوطنية.


لم تطرحوا طرحًا عقلانيًا مشروعًا يحمل أصواتًا مختلفة. وعليكم أيها المزيفون التأكد أن ما ترغبونه لن يتحقق، وبيننا وبينكم شعب سيفضحكم، ويفضح مواقفكم الموجهة، شعب زاد وعيه، وأثق بأن خياره سيصب في النهاية في مصلحة الحفاظ على الدولة، والصبر والتحمل لإعادة البناء، والإصلاح الحقيقي. هذا الإصلاح الذي وقفتم كثيرًا في أيام سابقة لترهبوا أية حكومة مصرية من الاقتراب منه، لأن مصالحكم أن تتمتعوا بما ليس لكم أن تتمتعوا به من دعم كان يجب أن يوجه لمستحقيه، نعم الدعم هو حق لشعب تاجرتم به، وأكلتم حقوقه، وبعتم له أفكارًا وقيمًا لا تعيشونها على أرض الواقع، هذا الشعب ستثبت لكم الأيام أنه انصرف عنكم، وأنكم لم تصبحوا إلا بالونات هواء لا تأثير لها إلا فى زمرة لا تزال تعيش معكم في خيالكم.    

    الاكثر قراءة