الجمعة 17 مايو 2024

«الهلال اليوم» تنشر فصلًا جديدًا من «خطاب العنف والدم»

فن17-11-2020 | 16:47

تنشر «الهلال اليوم» فصلًا جديدًا من كتاب «خطاب العنف والدم في الفقه الإسلامي»، للكاتب حسام الحداد، الصادر عن دار ابن رشد للنشر والتوزيع، وجاء الفصل بعنوان سيد قطب.. سيرة حياة وفكر""، ونقرأ فيه:

سيد قطب.. سيرة حياة وفكر

في 9 أكتوبر 1906 في قرية موشة بمحافظة أسيوط بمصر، ولد سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي، والذي يعد من أكثر الشخصيات تأثيراً في الحركات الإسلامية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي.

وتلقّى دراسته الابتدائية في قريته، وفي سنة 1920 سافر إلى القاهرة، والتحق بمدرسة المعلمين الأوّلية ونال منها شهادة الكفاءة للتعليم الأوّلي، ثم التحق بتجهيزية دار العلوم.

وفي سنة 1932 حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من كلية دار العلوم، وعمل مدرسا حوالي ست سنوات، ثم شغل عدة وظائف في الوزارة.

وعُين بعد سنتين بوزارة المعارف في وظيفة "مراقب مساعد" بمكتب وزير المعارف آنذاك. إسماعيل القباني، وبسبب خلافات مع رجال الوزارة، قدّم استقالته على خلفية عدم تبنيهم لاقتراحاته ذات الميول الإسلامية.

وقبل مجلس ثورة يوليو الاستقالة سنة 1954، وفي نفس السنة تم اعتقال السيد قطب مع مجموعة كبيرة من زعماء "الإخوان المسلمين"، وحكم عليه بالسجن 15 سنة، ولكن الرئيس العراقي عبد السلام عارف تدخّل لدى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فتم الإفراج عنه بسبب تدهور حالته الصحية سنة 1964.

وفي سنة 1965 اعتقل مرة أخرى بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم واغتيال جمال عبد الناصر، واستلم الإخوان المسلمين الحكم في مصر.

وقد صدر حكم الإعدام على سيد قطب بتاريخ 21 / 8 / 1966 وتم تنفيذه بسرعة بعد أسبوع واحد فقط في 29 / 8 / 1966 قبل أن يتدخّل أحد الزعماء العرب!!

رؤيته لأمريكا

أمريكا التي رآها قطب ودرس خريطتها الاجتماعية والتعليمية هي كما يقول (ما الذي تساويه في ميزان القيم الإنسانية؟ وما الذي أضافته إلى رصيد البشرية من هذه القيم، أو يبدو أنها ستضيفه إليه في نهاية المطاف؟).. كان الشغل الشاغل لقطب في هذه المرحلة هو «القيم الإنسانية» التي توافق عليها البشر، كان ميزان القيم الإنسانية هو الميزان الذي يزن به قطب الحضارة الأمريكية، إذ لم يتوقف عند الآلات والاختراعات فحسب بل تعدى الأمر على حد قوله عند (مدى ما أضافته تلك الآلات إلى الرصيد الإنساني من ثراء في فكرته عن الحياة).. كان الرصيد الإنساني والقيم الإنسانية والمعارف الإنسانية والموسيقى والفن والرسم والأوبرا والسيمفونيات والباليه هي مفردات سيد قطب وهو يتحدث عن القيم.

وفي عام 1948 سافر سيد قطب إلى أمريكا في بعثة تابعة لوزارة المعارف العمومية لدراسة النظم التعليمية، حيث كانت وزارة المعارف بصدد وضع تصور جديد للتعليم في مصر وطرقه فذهب إليها سيد قطب وعاد ليكتب (أمريكا التي رأيت).

قطب رأى أمريكا التي تتجه مشاربها حينا إلى العنف والغلظة والأنانية التي تصل إلى حد الإجرام، وكانت عقلية قطب هي عقلية عالم الاجتماع الذي يرى أن إنسانية المجتمعات مرهونة بالتوافق والتعاون تحت مظلة القيم الإنسانية لا فرق بين هذا وذاك إلا بقيمه وأخلاقه وإنسانيته، وكان يرى أن الصراع وشعور أمريكا بالتميز ورغبتها في إقصاء الآخرين هو أول معول يهدم حضارتها.

تأسيس الفكر القطبي

يعود قطب من أمريكا بعد عامين، كان قطب الذي ذهب إلى أمريكا وعاش فيها هو قطب الشاعر الفيلسوف صاحب النزعة الاجتماعية التي تهتم بالفنون وترى أنها تجعل للبشرية معنى وترفع وترتقي بقيمة الإنسان.. هو المصلح الاجتماعي الذي يبحث عن القواسم الحضارية المشتركة والذي يرى أن الإقصاء والعنف هما آفة من آفات البشر.

منذ سنة 1953، انضم سيد قطب عمليا لحركة الإخوان المسلمين وكلّفه الإخوان بتحرير لسان حالهم جريدة "الإخوان المسلمين" وإلقاء أحاديث ومحاضرات إسلامية. كما مثّل الإخوان خارج مصر في سوريا والأردن اللتين منع من دخولهما، ثم القدس.

في عام 1954، تم اعتقال سيد قطب بسبب صلته التي كانت قد توثقت مع الإخوان المسلمين فقام في سجنه باستكمال كتابه تفسير الظلال في طبعته الأولى، وبعد أن صهر قطب تجاربه كلها خرج لنا مشروعه الفكري الأخير فقام بإصدار طبعة جديدة منقحة بمنهج يختلف عن الطبعة الأولى ركز فيها على المعاني والتوجيهات الحركية والدعوية والجهادية في القرآن.

ووضع قطب في طبعته المنقحة تصورات جهادية فاصل فيها بين مجتمع الإيمان ومجتمعات الجاهلية، ومن صفحات الظلال خرج للمطبعة كتابا مثيرا كان له أكبر الأثر في تكوين جماعات العنف فيما بعد ألا وهو كتاب "معالم في الطريق" الذي كانت لتجربة قطب في أمريكا أثر كبير في بلورة أفكاره لأنه رأى أن حضارة الغرب أصبحت غير مؤهلة لقيادة البشرية وأنه لا يوجد قواسم حضارية مشتركة.

وكانت كتابات المودودي هي المفاتيح السرية التي فتح بها "قطب" بابا جديدا للحركة الإسلامية في مصر والعالم الإسلامي حيث تأثر سيد قطب بتقسيمات المودودي لمجتمع الهند الى أهل جاهلية وأهل الايمان، ولكن في مصر الطبيعة مختلفة ورغم ذلك أخذ قطب هذه الأفكار المودودية ومصرها أي طبقها على مصر حيث رأى من خلال هذه الأفكار أنه لا يمكن إقامة دولة إسلامية كاملة تستعيد ملامح دولة "الخلافة" الإسلامية الراشدة الا من خلال تنظيم قوي محكم يعمل في السر وليس في العلن ولا تكون الدعوة المفتوحة من أولوياته، لكنها قد تكون من وسائله ولكن الأهم هو التنظيم والآلية العسكرية، حيث استفاد سيد قطب من أفكار النظام الخاص في جماعة الإخوان المسلمين حيث وجد في هذا النظام هو المؤهل لصنع هذا التنظيم ولم يعول على جماعة الإخوان المدنية وجعل قطب من رسالة التعاليم لحسن البنا التي خصصها للنظام الخاص وهي السمع والطاعة والثقة المطلقة في القيادة، جعل قطب من هذه الأفكار الدستور الرسمي لجماعته الخاصة.

ناصر وقطب

كان سيد قطب وجمال عبدالناصر صديقين، بل وصل الأمر أن قطب كان ينتظر اختياره وزيرا للتعليم بعد قيام الثورة وكتب عشرات المقالات المدافعة باستماته عن الحركة المباركة في التعامل مع خصومها وربما كان أبرزها مقولته الشهيرة: «لأن نظلم عشرة أو عشرين من المتهمين خير من أن ندع الثورة كلها تذبل وتموت»، بل إنه كتب مقالا بعد إعدام خميس والبقري في أغسطس 1952 في جريدة الأخبار يقول فيه: «فلنضرب بسرعة، أما الشعب فعليه أن يحفر القبر وأن يهيل التراب».

واختاره جمال عبد الناصر نائبا له في هيئة التحرير وهى التنظيم السياسي الأول للثورة، ثم انقلابه على الثورة، وكان أول شرخ في العلاقة بين عبد الناصر وقطب، بدأت بعدم وفاء عبد الناصر لوعده لقطب بإسناد وزارة المعارف له، وهى الخطوة التي أدت بقطب إلى الانزواء، والاقتراب من الإخوان،

وعقب ابتعاده عن عبد الناصر تولى قطب بعدها رئاسة تحرير جريدة الإخوان المسلمين، ومنذ العدد الأول من الجريدة بدأ قطب في هجومه على الثورة وعبد الناصر، مبتكرا شخصية "قرفان أفندي" الكاريكاتورية ليحملها هجومه الذى أراده على المرحلة الجديدة، ورغم الهجوم من قبل سيد قطب علي الرئيس الراحل عبد الناصر الا ان علاقته لم تنقط به ، حتى وقعت أحداث المنشية، فتم القبض على قطب، وحكم عليه بـ 15 عاما على إثر حادث المنشية،

وفي السجن، تمكن من مواصلة قراءاته وكتاباته، فكتب معظم مؤلفاته خلال الفترة التى أمضاها فى السجن، وسمح له بطبع كتبه وتداولها فخرج "فى ظلال القرآن" فى أكثر من طبعة جديدة.

وعقب خروجه من السجن كتب أخطر كتبه على الإطلاق وهو "معالم على الطريق"، الذى يكاد يكون الأساس في الفكر المتطرف الذى تشهده الساحة الآن،  او كتاب التكفير الأول، وطبع "معالم على الطريق" أكثر من طبعة جديدة، كانت تنفد كل منها بعد ساعات من إصدارها، وكتب سيف اليزن خليفة رئيس المباحث العامة في تلك الفترة، تقريرًا عن الكتاب يصفه بالخطورة على المجتمع، ورفع التقرير إلى جمال عبد الناصر يطلب فيه منع الكتاب من الطبع أو التعرض له، إلا أن عبد الناصر رفض عملا بالوعد الذى قطعه لسيد قطب بألا يسمح لأحد بالتعرض لكتاباته، وأن يتركه حرًا يكتب ما يشاء، حتي جاء لحظة القبض عليه ومحاكمته واعدامه.

خلفاؤه في الجماعة

خلفاء سيد قطب وتلاميذه او ما يعرف بالقطبيون في جماعة الاخوان المسلمين، هم أعضاء تنظيم عام 1965 الذى تزعمه  سيد قطب وهم الذى حوكموا معه في ذلك العام، وكان على رأسهم المرشد الحالي د. محمد بديع وأعضاء مكتب الإرشاد الحالي د. رشاد البيومي ود. محمود عزت وكان يطلق عليهم تنظيم "العشرات" وهم الذين يمثلون مكتب الإرشاد حاليا أما تسميتهم بتنظيم العشرات فذلك نسبة الى قضائهم 10 سنوات في السجون المصرية من عام 1965 الى عام 1975، حيث قال التلمساني في رسائله "إن هؤلاء ليسوا من الإخوان".

يعتبر محمد بديع آخر مرشد معلن للجماعة، وهو أول مرشد يتم تنصيبه في حياة سابقه محمد مهدي عاكف صاحب التصريح الشهير "طظ في مصر من أبرز تلاميذ سيد قطب في جماعة الاخوان وبدأ اسم بديع في الظهور في سنة 1965 حين تمت محاكمته للمرة الأولى مع "سيد قطب" وعدد من قيادات الإخوان وحكم عليه بخمسة عشر عامًا، قَضى منها 9 سنوات ثم خرج عام 1974 مع إفراج السادات عن الجماعة، وسافر بعدها اليمن ثم عاد.

وحكم على "بديع" بالسجن لمدة 75 يومًا في قضية جمعية الدعوة الإسلامية ببني سويف في العام1998؛ حيث كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة جمعية الدعوة جامعة بني سويف بعد اعتقال حسن جودة.

وأحيل "بديع" للمحاكمة في قضية النقابيين سنة 1999؛ حيث حكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن خمس سنوات، قضى منها ثلاث سنوات وثلاثة أرباع السنة وخرج بعد قضاء ثلاثة أرباع المدة سنة 2003.

محمد بديع من مواليد مدينة المحلة الكبرى عام 1943، وحصل على بكالوريوس الطب البيطري من جامعة القاهرة سنة 1965، وعين معيدا بالكلية، ثم حصل على الماجستير ليصبح مدرسا مساعدا عام 1977 بجامعة الزقازيق، وحصل على الدكتوراه في عام 1979 ليعين بعدها مدرسا في الجامعة، وتدرج حتى وصل إلى أستاذ بجامعة القاهرة فرع بني سويف عام 1987، ليصبح رئيس قسم الباثولوجيا بكلية الطب البيطري عام 1993.

وتولى بديع منصب مرشد الجماعة عقب إعلان عاكف عدم استمراره في المنصب، فتم انتخابه في يناير 2010، وقال عنه عبد الستار المليجي، المنشق عن الجماعة بأنه قطبي الفكر، وسيقود الجماعة إلى صدام حقيقي مع الدولة، وهو ما حدث فعليًا في خلال أقل من 4 سنوات فقط من توليه رئاسة الإرشاد.

وكان من أهم قرارات بديع عدم المشاركة في ثورة 25 يناير، وأكد أن الدعوة مجهولة المصدر ولا يمكن التعامل معها، كما خالف وعد الجماعة بعدم ترشح أحد للرئاسة.

محمود عزت قائد التيار ''القطبي'' بالجماعة

بعد إلقاء القبض على محمد بديع المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين، تداولت قيادات الاخوان والصفحات المؤيدة لهم خبر تولي الدكتور ''محمود عزت'' منصب المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين خلفا لبديع .

وعلى الرغم من أنه لم يكن على علاقة بالإعلام، ولم يظهر كثيرا إلا ان قيادات الجماعة كانت تراه المرشد الفعلي والقائد الحقيقي لعلاقته القوية بالتنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين وحركة حماس، وهو من أخطر رجال الجماعة على الإطلاق، واحتفظ دوماً لنفسه بتلك الهالة الداخلية، وساعدته ملامحه الحادة ونظراته الثاقبة وجسده النحيل أن يطلق عليه شباب الجماعة ''الثعلب''.

ويعرف بأنه أحد أهم صقور التيار القطبي المتشدد في الجماعة وكان يشكل مع ''الشاطر'' الثنائي الذي دفع الجماعة أكثر إلى اليمين ونحو التحالف مع المجموعات الجهادية مؤخراً، وكان الرأس المدبر لاعتصامي ''رابعة'' و''النهضة'' ويتلقى يوميا تقارير من مصر بشأنهما، وحلقة الوصل بين مصر والتنظيم الدولي وقادة تركيا.

ولهذا يري الكثيرون إن اختياره خلفا للمرشد السابق يمثل خطر كبيرا، ويفتح الباب واسعاً نحو مزيد ومزيد من الدم، فهو الرجل الثاني بعد ''الشاطر''.

ويراه دكتور ثروت الخرباوي، القيادي المنشق عن جماعة الاخوان المسلمين أنه رجل مخابرات من الطراز الأول وهو صاحب الكلمة الأولى بجماعة الإخوان مع ''خيرت الشاطر''، وهو إن قال شيئاً لابد من تنفيذه وهو أقوى من محمد بديع، ولكن في ترتيب القوى ''بديع'' تابع له، ونستطيع أن نقول إن ''محمود عزت'' هو المرشد الحقيقي للجماعة، وهو عقلية مخابراتية تكفيرية تآمريه، فكره يقوم على تكفير المجتمع وهو من أكثر الشخصيات تأثيراً داخل الجماعة، وهو صاحب الخطط التي تم على أساسها الإطاحة بـدكتور ''محمد حبيب'' ودكتور ''عبدالمنعم ابو الفتوح'' والمحامي ''مختار نوح''

وأضاف الخرباوي ''أن عقله منظم وله الإدارة بالتنظيم ويعين رؤساء المناطق ونظم الانتخابات لاختيار الأعضاء الحاليين لمجلس شورى الجماعة وتصعيد أعضاء مكتب الإرشاد من على شاكلته ومن رجاله، فهو الذي يدير الجماعة من خلف الستار''

ويحلل عبد الجليل الشرنوبي، أحد المنشقين عن الاخوان، سرعة الاعلان عن المرشد الجديد بأن  ''بديع'' بعد فترة كمون  كان يتحرك فيها بصفته و ليس بصلاحياته، ثم بسرعة أعلن التنظيم أن  ''محمود عزت'' مرشدا مؤقتا و لن يكون له صلاحيات و لن يتولى شيء من الإدارة، و هو في مكانه يختبئ ولكن المهم لدى القيادة أن تلغي صفة المرشد ''بديع'' حتى لا يصدر أي تصريح و هو في السجن.

وفي نفس الوقت، كما يوضح، تضمن الحفاظ على وجود شكل تنظيمي متماسك، يحصل على دعم التنظيم الدولي ومن خلفه الدول وفي مقدمتها أمريكا وإضافة إلى ذلك يضمن هذا التعيين الذي تم الترتيب له سلفا يضمن استمرار حشد القواعد لمواجهات الشوارع، بدعوى أن المعركة مستمرة وأنه  لو سقط منا مرشد فكلنا مرشدون، وألا في أن يجد أي وسيط دولي يصل مصر، ويضعه من  مهربه الذي يدير منه الجماعة بغزة على مقعد المرشد بالقاهرة، و لو كان عبارة عن ( كرسي حمام ) مصنوع من عظام أبناء الجماعة.

ومحمود عزت، هو أمين عام جماعة الاخوان المسلمين سابقا، وعضو مكتب الارشاد حاليا ، ونائب المرشد، واعتُقل سنة 1965م، وحُكِم عليه بعشر سنوات وخرج سنة 74، وكان وقتها طالبًا في السنة الرابعة، وأكمل دراسته وتخرج في كلية الطب عام 76، وظلَّت صلتُه بالعمل الدعوي في مصر- وخصوصًا الطلابي التربوي- حتى ذهب للعمل في جامعة صنعاء في قسم المختبرات سنة 81، ثم سافر إلى إنجلترا ليكمل رسالة الدكتوراه، ثم عاد إلى مصر ونال الدكتوراه من جامعة الزقازيق سنة 85م، اختير عضوًا في مكتب الإرشاد سنة 1981م.

واعتُقل ستةَ أشهُر على ذمة التحقيق في قضية الإخوان المعروفة بقضية (سلسبيل)، وأُفرِج عنه في مايو سنة 1993م، وفي عام 95 حُكِم عليه بخمس سنواتٍ لمشاركته في انتخابات مجلس شورى الجماعة، واختياره عضوًا في مكتب الإرشاد، وخرج عام 2000م، وأعتقل أيضا ً في 2 يناير 2008 يوم الجمعة بسبب مشاركته في مظاهرة وسط القاهرة احتجاج على الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.

رشاد بيومي.. تلميذ قطب النجيب

يدير الجماعة من الداخل بالحديد والنار.. إنه رشاد البيومي المسئول عن قسم الطلاب وأحد أبرز تلاميذ سيد قطب، عاصر كل الأزمات التي مرت بها الجماعة بداية من 1954وحتي الآن وكان من أشد المقربين لمصطفي مشهور وكان بمثابة المستشار له، البيومي من مواليد قرية الحديدات الغربية بمحافظة سوهاج عام 1935 وانضم لجماعة الإخوان وهو ابن اثنا عشر عاماً أي في عام 1947، التحق بكلية العلوم جامعة القاهرة قسم الجيولوجيا في عام 1951وتولي مسئولية الإخوان داخل كلية العلوم ودخل السجن عام 1954 حتي عام 1971 تربي علي كتاب "معالم في الطريق" لمنظر الجماعة وصاحب التحول الرهيب في فكرها سيد قطب، تركت سنوات السجن بصماتها علي رشاد البيومي وأصبح يوصف بالقطبي الأول في مصر، وبعد خروجه من السجن عاد للالتحاق بكلية العلوم في 5/1/1972 وسجل بالفرقة الثانية وتخرج معيدا بالكلية عام 1974ثم حصل علي الدكتوراه عام 1980، يعد من أهم من تولي قسم الطلاب في تاريخ الجماعة وساعده في ذلك كونه أستاذا بجامعة القاهرة، وكان قد تم انتخابه وكيلاً أول، لنقابة العلميين عام 1991، واستقر في القاهرة تاركا الصعيد وأصبح بمرور الوقت في الصدارة داخل الجماعة.

رشاد البيومي تم نفيه إلي الإمارات لمدة خمس سنوات وتدخل وزير الداخلية الأسبق زكي بدر لإنهاء سفره وإعادته لمصر.

تم اختياره عضوا بمكتب الإرشاد منذ عام 1995 وحتي الآن وكان وصوله إلي مكتب الإرشاد بمثابة الإعلان الرسمي لسيطرة القطبيين علي جماعة الإخوان، يعد رشاد البيومي من الذين لهم الفضل في سيطرة الإخوان علي النقابات المهنية بل هو من قاد عملية السيطرة الإخوانية علي النقابات المهنية ووضع خطتها، وتدرج البيومي في التنظيم الإخواني وأثبت جدارته في إحكام السيطرة علي قسم الطلاب الذي أسند إليه في 2002، بالإضافة إلي دوره في مكتب الإرشاد وتوليه أيضا ملف المشكلات الطارئة وحسمها؛ لأنه الوحيد القادر علي حسم أي تمرد داخل الجماعة ومواجهة أي انشقاقات أو مشكلة ما جعل البعض يطلق عليه حلاَّل العقد داخل الجماعة.

سلك البيومي منهج الإقصاء في حياته مع من يعارضه ويقوم بفصل وشطب من يخرج عن النص وفي الانتخابات التكميلية الأخيرة لمكتب الارشاد، رشاد البيومي الرجل الغامض الذي يملك كل مفاتيح العمل والحركة داخل الجماعة، الكلمة كلمته والأمر أمره، هو الحاكم الفعلي لدولة الإخوان، والكل يعمل له ألف حساب، وقد ظهر هذا جليا في أول مؤتمر لطلاب الإخوان المسلمين بعد الثورة والذي عقد في 24سبتمبر 2011 في مركز المؤتمرات بالقاهرة بحضوره بجانب محمد بديع مرشد الجماعة والدكتور محمود غزلان ومهدي عاكف المرشد السابق والدكتور محمود عزت والدكتور محمود أبوزيد وألقي المرشد كلمة ثم قام الطلاب باللقاء بعض الاسئلة علي الدكتور محمد بديع.. ولكن قام طالب يقول: نري ان الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح هو الشخص الأصلح والأنسب لتولي رئاسة الجمهورية لماذا ترفض الجماعة هذا الرأي؟ وكان السؤال موجهاً للدكتور محمد بديع الذي قال علي الفور وجه هذا السؤال للدكتور رشاد البيومي نائب المرشد لأن عنده اليقين في هذه المسألة؟.

وأجاب رشاد البيومي "إن الدكتور أبو الفتوح خالف السمع والطاعة وقال: الجماعة لم تفصل أبو الفتوح ولكن هو من فصل نفسه.. بديع يرفض الإجابة عن السؤال ويجيب رشاد البيومي في وسط كل قيادات الجماعة من مكتب الإرشاد ولا يعلق علي كلامه أحد حتي من سأل السؤال عندما تكلم صمت الجميع، ويدل ما فعله بديع من إحالة السؤال إلي رشاد البيومي علي مكانة البيومي وقوته، وأنه هو رجل المهام الصعبة وهو أيضاً صاحب القرار الأخير في كل المسائل، وفي هذا المؤتمر أيضاً الذي كان يحضره «3000» شاب من طلاب الإخوان وجه الدكتور رشاد البيومي كلمة إلي الأخوات داخل وخارج المؤتمر أمرهن فيها بالمشاركة الفاعلة في كل أعمال الجماعة وطالبهن ببذل الجهد والعطاء.. ولكن ماذا يعني أن يوجه البيومي كلمته إلي الأخوات داخل وخارج المؤتمر؟!.. أليس معني هذا أن ملف الأخوات الذي يتولاه جمعة أمين أيضاً ليس ببعيد عن رشاد البيومي؟!

الواضح أن رشاد البيومي لا يقبل بأي حال خروج أحد عن النص أو عن الخط المرسوم له، رجل حازم لا يعرف المناطق الرمادية ولكن غموضه يطغي عليه فلا تعرف ما يدور برأسه إلا وانت تراه ينفجر كالقنبلة في وجهك، فقال مؤخرا ليصيب الساحة السياسية بالسخونة أكثر وأكثر إن المتظاهرين في ميدان التحرير بلطجية وخونة يريدون هدم مؤسسات الدولة، ولا يريدون المصلحة العامة، كما قال إن شباب الإخوان المسلمين وجميع المخلصين من أبناء مصر سيخرجون في جمعة الشرعية والشريعة لدعم الرئيس مرسي في ميدان التحرير، وعلي جميع من هناك أن يرحلوا فورا لأن التحرير ليس ملكهم بل هو ملك لشعب مصر، ورغم أن مكتب الإرشاد استجاب لدعوات بعض القوي السياسية التي طالبت بديع ورفاقه بتغيير مكان مليونيتهم من ميدان التحرير، إلي ميدان النهضة رفض البيومي بشدة هذا الأمر لكن المرشد العام ضغط عليه ليقبل بذلك حتي لا تحدث فتنة داخل الجماعة علي وجه التحديد وبين أبناء الأمة بصفة عامة.

أبو التنظيمات الجهادية في العالم

يعتبر سيد قطب الاب الروحي لجميع قادة التنظيمات الارهابية والجهادية في العالم ، فقد قال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في صحيفة الشرق الأوسط، في ديسمبر 2001: إن سيد قطب هو الذي وضع دستور "الجهاديين !!" في كتابه الديناميت!! : (معالم في الطريق)، وإن سيد هو مصدر الإحياء الأصولي!!، وإن كتابه العدالة الاجتماعية في الإسلام، يعد أهم إنتاج عقلي وفكري للتيارات الأصولية!، وإن فكره كان شرارة البدء في إشعال الثورة الإسلامية ضد أعداء الإسلام في الداخل والخارج، والتي ما زالت فصولها الدامية تتجدد يوماً بعد يوم).

قال عبدالله عزام احد قادة الجهاديين ضد السوفيت، في كتابه "عشرون عاما على استشهاد سيد قطب ":والذين يتابعون تغير المجتمعات وطبيعة التفكير لدى الجيل المسلم يدركون أكثر من غيرهم البصمات الواضحة التي تركتها كتابة سيد قطب وقلمه المبارك في تفكيرهم.

ولقد كان لاستشهاد سيد قطب أثر في إيقاظ العالم الإسلامي أكثر من حياته ، ففي السنة التي استشهد فيها طبع الظلال سبع طبعات بينما لم تتم الطبعة الثانية أثناء حياته، ولقد صدق عندما قال: إن كلماتنا ستبقى عرائس من الشموع حتى إذا متنا من أجلها انتفضت حية وعاشت بين الأحياء.

ولقد مضى سيد قطب إلى ربه رافع الرأس ناصع الجبين عالي الهامة ،وترك التراث الضخم من الفكر الإسلامي الذي تحيا به الأجيال، بعد أن وضح معان غابت عن الأذهان طويلا ، وضح معاني ومصطلحات الطاغوت، الجاهلية، الحاكمية، العبودية، الألوهية، ووضح بوقفته المشرفة معاني البراء والولاء، والتوحيد والتوكل على الله والخشية منه والالتجاء إليه.

والذين دخلوا أفغانستان يدركون الأثر العميق لأفكار سيد في الجهاد الإسلامي وفي الجيل كله فوق الأرض كلها)

وأكد باحث أمريكي ان أفكار سيد قطب الإخوانية هي أساس إعلان تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام - داعش - الخلافة الاسلامية.

أشار فيليب جينكينز المدير المشارك لبرنامج بايلور للدراسات التاريخية في الدين، في ولاية تكساس الأمريكية، ، في مقال له على موقع "ديلي بيست" الأمريكي إلى أن "دولة الخلافة الإسلامية"، التي تطمح الجماعات المتطرفة لإنشائها اليوم، تحمل دمارها بين ثناياها.

وقال جينكينز "إعلان دولة الخلافة، في حد ذاته، يعبر عن يأس شديد، وفشل سياسي وثقافي".

ويبين جينكينز أنه منذ عشرينيات القرن الماضي، كانت جماعات عديدة، ومنها جماعة الإخوان، تدعو إلى نظام إسلامي أوسع، عبر استعادة للخلافة، وقد ذهب العديد من مفكري هذه الجماعات لتعزيز أفكار تعد البنية الأساسية لتنظيمات كداعش والقاعدة، اليوم.

ويلفت جينكينز إلى أن أحد أكثر هؤلاء المفكرين تأثيراً، كان العضو السابق في "مكتب الإرشاد" التابع لجماعة الإخوان، سيد قطب.

ورغم تعاليم قطب العديدة، إلا أن فكرتين أساسيتين لقيتا رواجاً كبيراً مقارنةً بغيرهما، حيث الأولى هي "الجاهلية"، وهو مصطلح يستخدم عادة لوصف الهمجية المرتبكة التي كانت سائدة بين العرب في العصر الجاهلي، بحسب جينكينز، حيث طبّق قطب هذه الفكرة على العالم المعاصر، ونظام الدولة السائد، لاسيما على الدول والمجتمعات الإسلامية.

واعتبر قطب، حينها، أن المجتمعات الإسلامية هي على نفس القدر من السوء الذي عليه الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل، وكانت جميعها "دولاً فاشلة"، ورأى أن الحل الوحيد لهذه "الجاهلية" هو قبول "الشريعة".

والفكرة الأخرى التي انتشرت حينها، على يد قطب، هي اعتبار أن جميع المسلمين ليسوا مسلمين "حقاً"، حيث اعتبرهم قطب "غير مؤمنين" و"مرتدين"، منادياً بتكفيرهم، أو نفيهم، أو إعلان خروجهم عن الدين رسمياً، ووحدهم الناشطين المخلصين للدعوة، من وجهة نظر قطب، اعتبروا "مسلمين صادقين".

ورغم أن قطب نفسه لم يجعل فكرة "الخلافة" أساسيةً لفكره، إلا أن أتباعه رأوا فيها "البديل الوحيد" عن الجاهلية، وهكذا رآها "حزب التحرير" أيضاً، الذي يعد جماعة متطرفة يمتد نشاطها عبر القارات، ويعتبر "لعنةً" على وكالات الاستخبارات في جميع أنحاء أوروبا وآسيا الوسطى، بحسب جينكينز.

يذكر أن تنظيم القاعدة في العراق كان يبث "صوت الخلافة" عبر الإنترنت، وفي جنوب شرق آسيا، تزعم "الجماعة الإسلامية" أن هدفها "دولة خلافة تحل بديلاً عن النظام الدولي الحالي، من إندونيسيا إلى تايلاند"، واليوم، عندنا التنظيم المعروف سابقاً بداعش، وها هو يسير على هذا النهج الداعي لخلافة إسلامية أيضاً، كما يفيد جينكينز.

شهادات الإخوان على سيد قطب

القرضاوي: سيد قطب تكفيري بامتياز

هناك العديد من الشهادات حول فكر سيد قطب من قبل اعضاء جماعة الإخوان، يقول يوسف القرضاوي "إن أفكار سيد قطب ليست من أفكار الإخوان المسلمين كما أنها أفكار خرجت عن منهج أهل السنة والجماعة، وبعد يومين من هذه التصريحات استضافت إحدى القنوات د. يوسف القرضاوي وشرح فيها أفكار قطب بالتفصيل وحاكم من خلالها أفكار سيد قطب وقال إن هذا الفكر ليس من أفكار الإخوان وأن التنظيم الذي أنشأه عام 1965 بعيد عن أفكار الإمام البنا ولكن خرج بعدها أعضاء مكتب الارشاد الحالي مدافعين عن أفكار سيد قطب ردا على تصريحات القرضاوي.".

وقال في مقال بموقعه الخاص بعنوان "كلمة أخيرة حول سيد قطب": (هذه مرحلة جديدة تطور إليها فكر سيد قطب، يمكن أن نسميها "مرحلة الثورة الإسلامية"، الثورة على كل "الحكومات الإسلامية"، أو التي تدعي أنها إسلامية، والثورة على كل "المجتمعات الإسلامية" أو التي تدعي أنها إسلامية، فالحقيقة في نظر سيد قطب أنَّ كل المجتمعات القائمة في الأرض أصبحت مجتمعات جاهلية.

تكوَّن هذا الفكر الثوري الرافض لكل من حوله وما حوله، والذي ينضح بتكفير المجتمع، وتكفير الناس عامة؛ لأنهم "أسقطوا حاكمية الله تعالى" ورضوا بغيره حكماً، واحتكموا إلى أنظمة بشرية، وقوانين وضعية، وقيم أرضية، واستوردوا الفلسفات والمناهج التربوية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية وغيرها من غير المصادر الإسلامية، ومن خارج مجتمعات الإسلام.. فبماذا يوصف هؤلاء إلا بالردة عن دين الإسلام؟!

بل الواقع عنده أنهم لم يدخلوا الإسلام قط حتى يحكم عليهم بالردة، إنَّ دخول الإسلام إنما هو النطق بالشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وهم لم يفهموا معنى هذه الشهادة، لم يفهموا أن "لا إله إلا الله" منهج حياة للمسلم، تميزه عن غيره من أصحاب الجاهليات المختلفة، ممن يعتبرهم الناس أهل العلم والحضارة.

أقول: تكوَّن هذا الفكر الثوري الرافض داخل السجن، وخصوصاً بعد أن أعلنت مصر وزعيمها عبد الناصر، عن ضرورة التحول الاشتراكي، وحتمية الحل الاشتراكي، وصدر "الميثاق" الذي سماه بعضهم "قرآن الثورة"! وبعد الاقتراب المصري السوفيتي، ومصالحة الشيوعيين، ووثوبهم على أجهزة الإعلام والثقافة والأدب والفكر، ومحاولتهم تغيير وجه مصر الإسلامي التاريخي.

هنالك رأى سيد قطب أن الكفر قد كشف اللثام عن نفسه، وأنه لم يعد في حاجة إلى أن يخفيه بأغطية وشعارات لإسكات الجماهير، وتضليل العوام.

هنالك رأى أن يخوض المعركة وحده راكباً أو راجلاً، حاملا سيفه "ولا سيف له غير القلم" لقتال خصومه؛ وما أكثرهم، سيقاتل الملاحدة الجاحدين، ويقاتل المشركين الوثنيين، ويقاتل أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ويقاتل المسلمين أيضاً الذين اغتالتهم الجاهلية فعاشوا مسلمين بلا إسلام!.

وأنا برغم إعجابي بذكاء سيد قطب ونبوغه وتفوقه، وبرغم حبي وتقديري الكبيرين له، وبرغم إيماني بإخلاصه وتجرده فيما وصل إليه من فكر، نتيجة اجتهاد وإعمال فكر - أخالفه في جملة توجهاته الفكرية الجديدة، التي خالف فيها سيد قطب الجديد سيد قطب القديم، وعارض فيها سيد قطب الثائر الرافض سيد قطب الداعية المسالم، أو سيد قطب صاحب "العدالة" سيد قطب صاحب "المعالم".

ولقد ناقشت المفكر الشهيد في بعض كتبي في بعض أفكاره الأساسية، وإن لامني بعض الإخوة على ذلك، وأخطر ما تحتويه التوجهات الجديدة في هذه المرحلة لسيد قطب، هو ركونه إلى فكرة "التكفير" والتوسع فيه، بحيث يفهم قارئه من ظاهر كلامه في مواضع كثيرة ومتفرقة من "الظلال" ومما أفرغه في كتابه "معالم في الطريق": أنَّ المجتمعات كلها قد أصبحت "جاهلية". وهو لا يقصد بـ "الجاهلية" جاهلية العمل والسلوك فقط، بل "جاهلية العقيدة" إنها الشرك والكفر بالله، حيث لم ترضَ بحاكميته تعالى، وأشركت معه آلهة أخرى، استوردت من عندهم الأنظمة والقوانين، والقيم والموازين، والأفكار والمفاهيم، واستبدلوا بها شريعة الله، وأحكام كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم)

فريد عبد الخالق

فريد عبد الخالق هو أحد كبار الإخوان المسلمين  يقول في كتابه "الإخوان المسلمون في ميزان الحق": "أمعنا فيما سبق إلى أنَّ نشأت فكرة التكفير بدأت بين شباب بعض الإخوان في سجن القناطر في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، وأنهم تأثروا بفكر الشهيد سيد قطب وكتاباته، وأخذوا منها أنَّ المجتمع في جاهلية، وأنه قد كفَّر حكامه الذين تنكَّروا لحاكمية الله بعدم الحكم بما أنزل الله، ومحكوميه إذا رضوا بذلك".

وقال: "إنَّ أصحاب هذا الفكر وإن تعددت جماعاتهم، يعتقدون بكفر المجتمعات الإسلامية القائمة، وجاهليتها جاهلية الكفار قبل أن يدخلوا في الإسلام في عهد الرسول عليه السلام، ورتبوا الأحكام الشرعية بالنسبة لهم على هذا الأساس، وحددوا علاقاتهم مع أفراد هذه المجتمعات طبقاً لذلك، وقد حكموا بكفر المجتمع لأنه لا يطبق شرع الله، ولا يلتزم بأوامره ونواهيه، ومنهم من قال بعدم كفر مخالفيهم ظاهرياً، وقالوا بنظرية (المفاصلة الشعورية)، فأجاز هذا الفريق الصلاة خلف الإمام الذي يؤم المصلين المسلمين في سجونهم ومتابعته في الحركات دون النية، وقالوا بعدم تكفير زوجاتهم، وأجَّلوا كفرهم على أساس نظرية (مرحلية الأحكام)، وأنهم في عصر الاستضعاف – أي: العهد المكي – بأحكامه التي نزلت إبانه، فلا تحرم المشركات ولا الذبائح ولا تجب صلاة الجمعة ولا العيدين ولا يجوز الجهاد، ويكفرون من لم يؤمن بفكرهم، وأخذوا ببعض أساليب الباطنية في (التقية)؛ ألا يذكروا أسرار معتقداتهم لغيرهم، ويظهرونها لخواصهم وأتباع فكرهم، وذلك عندهم ضرورة حركية، وطائفة تمسكت بالمفاصلة الصريحة، وكفَّرت مخالفيهم ومن كان معهم، ومنهم جماعة الإخوان المسلمين ومرشدهم وآباؤهم وأمهاتهم وزوجاتهم، وهم جماعة (التكفير والهجرة)، الذين يسمون أنفسهم "جماعة المؤمنين".

الخطاب الأيديولوجي

ورغم قطعية الخطاب القطبي، فإن محطات مسيرة صاحبه تعد بمثابة شواهد صريحة على نزوعه الفارط إلى المراجعة، ويعد كتاب (سيد قطب.. الخطاب والأيديولوجيا) لمؤلفه د. محمد حافظ دياب محاولة منهجية قد تساعد على تأسيس سوسيولوجيا للخطاب الإسلامي، في اتخاذها من الخطاب القطبي مادة لها، قصد الإحاطة بمكوناته، وسبر دلالته، ومساءلته عن مراميه، مما يعنى في المجمل، أننا نبتغي تحقيق غرضين، وقد يبدوان متباعدين، لكنهما مترابطان: الأول، مباشر وصريح، وهو دراسة الخطاب القطبي، والثاني، أكثر شمولية وضمني، ويعني المساهمة في تطوير مدخل تحليل سوسيولوجي ذي كفاءة على دراسة الخطاب الإسلامي من خلال أحد نماذجه.

كما يتضمن الكتاب صورة من حكم إعدام سيد قطب، وتقرير الأزهر عن كتاب (معالم في الطريق) ووثيقة (لماذا أعدموني)، حيث نقرأ في كتاب "سيد قطب.. الخطاب والأيديولوجيا" للدكتور محمد حافظ دياب أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، والذي قام بمساءلة الخطاب القطبي والكشف عن لغته وحيدة البعد التي تستبعد مفرداتها وتراكيبها كافة الأفكار والمفاهيم التي كرسها تراث الاجتهاد، ما يشي أننا بإزاء خطاب مغلق، وإن كان على مستوى بنيته أو دلالته أو تداوله.

وقد بدأ دياب بالحديث عن الظروف التاريخية التي أحاطت بـ"قطب"، للتأكيد على سوسيولوجيا الممارسة النظرية للخطاب الإسلامي، والبحث على المحيط التاريخي والاجتماعي الذي تأثر به وأثر فيه؛ فما كان للخطاب القطبي أن يتحقق، ما لم يسبقه صراع الفئات الاجتماعية.

وفي هذا الصدد، يؤكد دياب أن الإطار السوسيولجي للخطاب القطبي يتحدد بشروط ثلاثة يقدمها بالتفصيل، أولها الشروط المادية التي ساهمت فيه، وثانيها صورة الانتاج النظري المتعلق بهذه الشروط والمتماس مع قضاياها من خلال عرض لخصائص كل من الخطاب الليبرالي والراديكالي والقومي والإسلامي والناصري، وثالثها تجربة قطب الحياتية، التي ساعدت على بلورة خطابه.

في ثاني فصول الكتاب، قدم المؤلف قراءة نقدية للخطاب القطبي والتي تتناول خصائص الكتابة عند قطب، الذي يرى أنها تتكئ وتقوم على حدود من الصياغة واللغة الدلالية، أبرزها الأدبية التي جعلته يقدم أفكاره ومواقفه بصيغة بلاغية، والانفعالية التي تتضح في انطواءها على تبشيرية جلية، وتتبدى في إثارتها على أجواء التوتر والعصبية، وأيضًا النصية والقطعية إذ هو يؤمن بحاكمية النص وتكريسه وانفراده بالمرجعية، كما تجلت الرسولية كشعور أسس في نفسه اقتناعا متجذرا بأنه معنيُّ بأمر أمته وملزم بإصلاحها.

ثم وجه الباحث نقده للقراءات التي تصدت للخطاب القطبي، كمفتتح للوقوف على السوية التي مارسها في نصوصه، ليصدر الحكم على هذه المقولات، في محاولة لإعادة وضعها في الإطار الذي تنسب إليه، فيقول: "إن مقولات إعادة لإنتاج مقولات تراث سابق، كما أن الخطاب القرآني هو المصدر الأساسي الذي تقوم عليه مقولاته".

واختتم دياب فصله الثاني بنقده للخطاب القطبي، وتحليله لمقولاته وعوائقه، الذي اعتبره معطى جاهز يبحث عن حضوره في فضاء خارج عن إطاره، فهو لا يواجه الواقع المعيش ولا يدعو إلى تغييره وإصلاحه.

كذلك تناول الفصل الثالث علاقة الخطاب القطبي بالمشروع الناصري، على اعتبار أن هذا المشروع كان أحد الركائز الأساسية، التي ساعدت على استكمال اشكالية هذا الخطاب وبروزها.

هذا، وقد بدأ الفصل قبل الأخير بالحديث عن تسيس المقدس في الخطاب القطبي، باعتباره أحد أشكال منظومة الخطاب السياسي، في استخدام الخطاب الإسلامي، فالمعتقد السياسي في الخطاب القطبي جاء بصورته الجهيرة، في كتاب معالم في الطريق، كما قال عنه قطب أثناء محاكمته: “هو كتاب فيه خلاصة آرائي التي كنت أقود التنظيم على أساسها”. لكنه برؤية “دياب” تخلى عن الرمز في القول بلا بلاغة، ليصير الكلام لغة على المكشوف، لا على المجاز، بل غدت حقائق تسعى في الأرض بأسمائها الأصلية.

ويواجه المؤلف هذا بـ"تقديس السياسي في المشروع الناصري"، الذي لم يؤمن بأن يتحول الفكر الديني إلى حركة سياسية منظمة، ووافقه على وجود وظيفه سياسية للفكر الديني، يقوم الزعيم، بتوجيهها دعما لسياسته لاحتواء الصراع الاجتماعي والوطني من ناحية، وكمحاولة مضادة لتجاوز المشروع الإخواني من ناحية أخرى.

اختتم دياب فصول كتابه بالحديث عن ايديولوجية الخطاب القطبي، متتبعا بداية الخطاب العقيدي في التحول ليصبح خادما للنفوذ السياسي منذ أحداث الفتنة الكبرى ونشأة الخلافة العباسية، وصولا لكتابات حسن البنا عام 1938، التي لا تفرق ما بين الدين والسياسة، معتبرا عكس هذا بدعة أوروبية، في تأكيد من المؤلف على أن الخطاب القطبي يسعى إلى إقامة حاكمية الله، مقررا أن الإسلام وحده عقيدة وسلوك اجتماعي.

وعن البنية القطبية للخطاب الأيديولوجي، التي استعانت بالتجمع العضوي الحركي بعد عجزها عن الدفاع عن معتقداتها، رأت في الانقلاب ضرورة بها يتحقق أملها الكوزمولوجي، كاستعانة تنم عن عمق المخاوف والاهتزاز الداخلي.

يؤكد د.حافظ دياب، من خلال كتابه أن قطبًا أراد بخطابه أن يقيم قطيعة مع النقاش والمراجعة، ورفض الاعتراف بأي رأي، ما يعني إقامتهما -قطب وخطابه- في مملكة المختلف، دون القبول بالنقاش وبالآخر، وتلك هي الاستحالة المعذبة التي يعانيها كل خطاب مغلق. وتوصّل من خلاله إلى أن أصبح مؤسس “التمامية” – نسبة لابن تيمية – الإسلامية المعاصرة، على معنى احتكامه إلى فكر لا يرى الإسلام إلا على هيئة واحدية ناجزة، وفق رؤية تمت صياغتها على شكل ميزان يمتاز إقامته فارقا بين المشروع الإلهي والمشروع البشري.

ويرى المؤلف أن مسيرة حياة قطب متنقلة، ومضطربة؛ ففي شبابه انتابته حالة من الشك والارتياب في الحقائق الدينية إلى أقصى حد، على حسب قوله بالحرف، استمرت معه قرابة خمسة عشر عامًا، 1925-1940. نشر خلالها ديوانه الشعري الوحيد “الشاطئ المجهول” الذي تبرأ منه بعد ذلك واعتبره من آثار جاهليته.

وإبان انشغاله بالنقد الأدبي، بدأ يميل إلى التعامل مع مفاهيم الدرس النقدي الغربي "الواقعية، الكلاسيكية، الرومانسية" وفي أثنائها، انتقد الرافعي لحساب العقاد، وصاحب العقاد ثم هجر مجلسه، وتنازع مع طه حسين ثم صالحه، ودخل في معركة مع الشيخ علي الطنطاوي انتهت بمؤازرته.

وخلال اهتمامه بقضايا الإصلاح الاجتماعي، كان أميل إلى الاشتراكية وتقرير العدالة الاجتماعية، حين طالب بحرية العمال في تكوين نقاباتهم، وحدّ أدني لأجورهم، وعقد عمل يؤمنهم، لتتراجع بعدها آراءه إلى مجرد تكافل اجتماعي يستند إلى الزكاة والإحسان. لا ومع مدوامته العمل السياسي، انضم للوفد وتركه إلى الحزب السعدي، وأيد معاهدة 1936 واعتبرها معاهدة الشرف والاستقلال وقت كان وفديًا، ثم انتقدها بعد تركه الحزب، واعتبر أن أيدي من وقعوها ملوثة. لا وناوأ الاشتراكية بدعوى تناقضها مع الإسلام من قبل رحلته إلى أمريكا، ليعلن بعد عودته أن الرجل الأبيض “الغرب” هو العدو الحقيقي لا الشيوعية أو الاستعمار.

كما يحتوى الكتاب على أربعة ملاحق، من ضمنها: تقرير الأزهر الشريف عن كتاب "معالم في الطريق" والذي يقول: “لأول نظرة في الكتاب يدرك القارئ أن موضوعه دعوة إلى الإسلام، ولكن أسلوبه أسلوب استفزازي فيفاجئ القارئ بما يهيج مشاعره الدينية، بخاصة إذا كان من الشباب، أو البسطاء الذين يندفعون في غير رؤية إلى دعوة الداعي باسم الدين، ويتقبلون ما يوحي إليهم به من أهداف، ويحسبون أنها دعوة الحق الخالصة لوجه الله.

ويؤكد التقرير على أن سيد قطب يزعم لنفسه الهيمنة العليا الإلهية في تنظيم الحياة الدنيا؛ حيث يقترح أولا هدم النظم القائمة دون استثناء وطرد الحكام وإيجاد مجتمع جديد، ثم التشريع من جديد لهذا المجتمع، مصورا نفسه مخلص المسلمين، وربما الإنسانية بأكملها متخيلا أن الإسلام دين المهاجمات لكل طائفة، وفي كل وطن وفي كل حين. (21)

ومن حين لآخر يكشف لنا التنقيب والبحث في تاريخ ومقالات الشخصيات التي تتصدر ساحة فكر الإسلام السياسي، الكثير من تناقضها وتقلباتها، وفي هذا السياق يقدم لنا الكاتب والباحث حلمي النمنم في كتابه (سيد قطب سيرة التحولات ) قراءة مختلفة لما هو متداول عن سيد قطب، فمثلا دائما يشيع الإخوان وخاصة القطبيون منهم مقولة إن التكفير نتاج التعذيب في السجون، وتم ترديد هذه المقولة خلال فترة حكم الرئيس السادات، حين كانت علاقة الجماعة مع السادات على أحسن ما يُرام، وحين كانت الصفقة التي أعادهم بها السادات إلى العمل العام قائمة، وكان الهدف المشترك عند الطرفين (السادات وهم)، إدانة التجربة الناصرية ووصمها بكل ما هو سيء ورديء، كانت تلك هي السنوات التي انطلق فيها مصطفي أمين بمجموعته «سنة أولي سجن» وما تلاها من سنوات.. ولم ينتبه السادات إلى أن إدانة الجماعة لعبد الناصر خطوة أولى نحو الانقضاض عليه باعتباره وريث عبدالناصر وكل منهما يحمل نفس الشرعية، شرعية 23 يوليو 1952، و يناقش الكتاب من الناحية الفكرية والتوثيقية، هل كان التكفير عند سيد قطب من جراء التعذيب.. تعذيبه هو أو تعذيب غيره من الإخوان في السجون بعد اصطدامهم بالرئيس عبد الناصر حين حاولوا اغتياله في ميدان المنشية سنة 1954؟ ويقول النمنم إن سجن إنسان أي إنسان ظلماً هو جريمة والتعذيب هو أيضاً جريمة لا يمكن ولا يجوز الدفاع عنها، ومن ثم فإن التعذيب في السجون الناصرية جريمة كاملة، يجب أن يحاكم ويحاسب من قام بها أو شارك فيها ومن أمر بها أو سكت عنها.

لكن يجب القول إن الإخوان لم يكونوا وحدهم هم الذين تعرضوا للتعذيب، ما جرى للشيوعيين حين اعتقلوا جماعياً سنة 1959 يفوق في بشاعته ما تعرض له الإخوان.. ويمكن الرجوع إلى العديد من الشهادات في ذلك مثل كتابات مصطفي طيبة وسعد زهران وفتحي عبد الفتاح ومحمود السعدني وغيرهم وغيرهم، بل إن ما تعرض له تحديداً شهدي عطية الشافعي يفوق ما تعرض له أي معتقل آخر، حيث جرى قتله والقضاء عليه تحت التعذيب، وهو لم يكن مسجوناً، أي لم يحاكم ولم يصدر بحقه حكم إدانة.. لم يعرض علي النيابة، ولا وقف أمام محكمة، هو فقط اعتُقل، لكن يبدو أن الإخوان يرون رجالهم شهداء ويرون الآخرين يستحقون ما جرى لهم، وإلا كيف نمنح سيد قطب لقب شهيد، بينما لا يعتبر شهدي كذلك؟ وكيف نعد قطب شهيداً ولا نعد خميس والبقري شهيدين؟! والأهم من ذلك كيف نفسر ظهور التكفير عند سيد قطب بينما لم يظهر شيء من ذلك لدي شهدي الشافعي ومحمود أمين العالم ولويس عوض وإسماعيل صبري عبدالله وفؤاد مرسي وفؤاد سراج الدين، بل ولدي العلامة المحقق الشيخ محمود شاكر؟

الإجابة بسيطة وهي أن التكفير، أي رفض وجود المختلف، كان سمة في تفكير وكتابات سيد قطب، بل يمكننا القول إنه عند سيد قطب، في البدء كان التكفير، (22) ويكشف الكتاب عن ذلك بالتفصيل فيقول النمنم، "في عام 1948 أصدر سيد قطب كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام».. وقتها كان قطب في الولايات المتحدة الأمريكية يؤدي بعثة أو منحة تابعة لوزارة المعارف العمومية ممولة من مشروع النقطة الرابعة، وانتبه النقاد إلى الكتاب بعد عودته من الولايات المتحدة، وتصوروا أنه كتبه بعد العودة، لكنه كان قد كتبه ودفع به إلى المطبعة قبل السفر، وبهذا الكتاب تم تدشين سيد قطب في الحركة الإسلامية وتحديداً في جماعة الإخوان المسلمين.

الكتاب يتناول قضية الثروة في الإسلام والتقريب بين الفقراء والأغنياء، وما يجب القيام به في هذا الصدد، وقد عرض الكاتب موضوعه باستفاضة، وما أن انتهي من ذلك كله، حتى بدأ جزءاً جديداً، هو الجزء الأخير من الكتاب ولا علاقة له بموضوعه الأساسي، وجعل له عنواناً جديداً هو «حاضر الإسلام ومستقبله»، طاف في هذا الجزء بالقضايا الإسلامية وحاول الاشتباك مع بعض الكتابات الجديدة عن الإسلام مثل كتابات د. محمد حسين هيكل صاحب «حياة محمد» و«الفاروق عمر» و« في منزل الوحي» وغيرها، في استعراض لواقع أو حاضر الإسلام كما يراه، قال بالحرف الواحد ص183/ طبعة سنة 2002 الصادرة عن دار الشروق، (وحين تستعرض وجه الأرض كله اليوم، علي ضوء هذا التقرير الإلهي لمفهوم الدين والإسلام، لا نري لهذا الدين وجوداً.. إن هذا الوجود قد توقف منذ تخلت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله سبحانه وتعالي بالحاكمية في حياة البشر، وذلك يوم أن تخلت عن الحكم بشريعته وحدها في كل شئون الحياة، ويجب أن نقرر هذه الحقيقة الأليمة وأن نجهر بها ولا نخشى خيبة الأمل التي تحدثها في قلوب الكثيرين الذين يحبون أن يكونوا «مسلمين»، فهؤلاء من حقهم أن يستيقنوا: كيف يكونون مسلمين) (23) وهذا يعني أن الكثيرين من المسلمين أو من يتصورون ذلك عن أنفسهم ويحبون ذلك، هم عنده ليسوا مسلمين، ويواصل هو مقدماً الوصفة أو «الروشتة» التي تجعلهم مسلمين أو تعيدهم إلى الإسلام، يقول سيد قطب في نفس الكتاب (إن استئناف حياة إسلامية لا يتم بمجرد وضع تشريعات وقوانين ونظم مستمدة من الشريعة الإسلامية، فهذا ركن واحد من ركنين يعتمد عليهما الإسلام دائماً في إقامة الحياة، وهو الركن الثاني لا الأول، أما الركن الأول فهو العقيدة الصحيحة وهو تفرد الله سبحانه بالألوهية، ومن ثم تفرده بالحاكمية، وتنكر علي غير الله أن يعرف حق الألوهية بادعاء من الحاكمية ومزاولتها فعلاً!) ويستعرض سيد قطب آيات الحاكمية الثلاث بالقرآن الكريم ويقول إنها «نصوص قاطعة لا سبيل إلى تأويلها ولا الاحتيال عليها»، ويقول إنها (كلها تقرر حقيقة واحدة، أنه لا إسلام ولا إيمان بغير الإقرار بالحاكمية لله وحده) (24)

أخلاق إسلامية أو أخلاق جاهلية

ويتوقف سيد قطب عند الدراسات الاجتماعية والأخلاقية للأفراد والمجتمعات في ذلك العصر، عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية ليقول: (ليست هناك أخلاق زراعية، وأخلاق صناعية، وليست هناك أخلاق للمجتمع البرجوازي، وأخلاق لمجتمع الصعاليك (البروليتاريا) وليست هناك قيم للمجتمع البرجوازي وقيم لمجتمع الصعاليك.. ليست هناك أخلاق رأسمالية وأخلاق اشتراكية ولا قيم رأسمالية وقيم اشتراكية.. وإنما هناك فقط أخلاق إسلامية وأخلاق جاهلية، وقيم إسلامية وقيم جاهلية) (25) ويحاول أن يعرف القارئ بما يعنيه بالقيم الجاهلية فيقول: (التصورات الجاهلية هي كل ما عدا التصور الإسلامي)

ويتحدث هو عن نفسه هنا فيقول إن الذي يقول هذا الكلام إنسان عاش يقرأ أربعين سنة كاملة وكان عمله الأول فيها هو القراءة والاطلاع، في معظم حقول المعرفة الإنسانية، ما هو من تخصصه وما هو من هواياته الثقافية، ثم عاد إلى مصادر عقيدته وتصوره وما هو بنادم علي ما قضى فيه أربعين سنة من عمره، وإنما عرف الجاهلية علي حقيقتها، وعلى انحرافها وعلى ضآلتها، أي أن الجاهلية ليست هي الحقبة السابقة علي ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، لكنها الحقبة التي عاشها هو، ومن ثم عاشها المجتمع المصري خلال النصف الأول من القرن العشرين.. والقراءات التي عاش عليها، وهي معظمها قراءات أدبية ونقدية تعبر عن «الجاهلية»، أو ما سيطلق عليه بعد ذلك شقيقه محمد قطب «جاهلية القرن العشرين» وينهي سيد قطب كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام» بنصيحة إلى ما يسميها «حركات البعث الإسلامي» محدداً لها نقطة البدء الصحيحة في الطريق الصحيح.. وهي أن تعرف تلك الحركات جيداً أنها (تستهدف إنشاء الإسلام من جديد، أو بتعبير أدق ردة مرة أخرى إلى حالة الوجود بعد أن توقف هذا الوجود فترة أي أن الإسلام ذاته ليس موجوداً، وبحاجة إلى تأسيس من جديد ويحذر هذه الحركات بما يسميه «الطريق الآخر» وهو «أن تظن هذه الحركات لحظة واحدة أن الإسلام قائم وأن هؤلاء الذين يدعون الإسلام ويتسمون بأسماء المسلمين هم فعلاً مسلمون". (27) أي أن من يعتبرون أنفسهم مسلمين يحملون أسماء المسلمين مثل محمد وأحمد وعلي وإبراهيم وخالد وعمر وحمزة وعمرو، هما في الواقع ليسوا مسلمين.. تري ماذا يمكن أن نطلق على هذا؟ هل هو شيء غير التكفير..؟!

هذا ما كتبه سيد قطب سنة 1947، أي قبل أن يتشكل تنظيم الضباط الأحرار بعامين وقبل قيام ثورة 23 يوليو 1952 بخمس سنوات كاملة!!

معركة الإسلام والرأسمالية

لم تكن تلك الآراء عارضة لدى سيد قطب ولا طارئة عليه، وكان يمكن أن يعيد النظر فيها ويراجعها ثانية، لكننا نلاحظ أنه أخذ يعمقها بعد ذلك ويتوسع فيها طوال سنوات عمره، أي من سنة 1965 لحظة القبض عليه آخر مرة.. ففي سنة 1950 نراه يواصل ما بدأه من قبل، فقد نشر مجموعة مقالات جمعها في كتاب صدر في العام التالي 1951، بعنوان «معركة الإسلام والرأسمالية»، يقول: «إذا أريد للإسلام أن يعمل فلابد للإسلام أن يحكم، فما جاء هذا الدين لينزوي في الصوامع والمعابد أو يستكن في القلوب والضمائر، إنما جاء ليحكم الحياة ويعرفها، ويصوغ في المجتمع وفق فكرته الكاملة عن الحياة، لا بالوعظ والإرشاد، بل كذلك بالتشريع والتنظيم".

وسوف نلاحظ في سنة 1950 احتداد أسلوبه أكثر وهجومه الحاد العنيف علي من يمكن أن يخالفه الرأي أو من يعتبرهم خصومه، فهو يتحدث بتهكم عن الذين ينادون بفصل الدين عن الدولة أو ما نسميه مدنية الدولة، يقول بعد استعراض تجربة أوروبا في هذا المجال: «نحن ببلاهة غبية وسطحية ناقصة قد حاولنا بالإسلام هذه المحاولة لا لأن الإسلام لم يتضمن التشريعات التي تحكم الحياة وتصرفها، بل لأننا بشعور العبيد وعلي طريقة القرود، قد أردنا أن نجعل مصر قطعة من أوروبا»، هو هنا يهاجم تياراً كاملاً، ثم ينتقل إلى تيار آخر، أنصار الوطنية المصرية، الوطنية هنا لا مكان لها ولا معني لها لديه.. يقول: «إن العقيدة الوطنية وحدها لم تعد تكفي بدليل أنها لا تستطيع أن تقاوم العقيدة الشيوعية في كثير من أقطار الأرض».. وهو لا يمانع في وطنية إسلامية.. وطنية مصرية لا.. «فكرة الوطنية في الوطن الإسلامي الأكبر حينما مد الإسلام ظله»، ويعود إلى قضيته المفضلة الحاكمية «لا إسلام بلا علم ولا مسلمين بلا إسلام.. «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»، ويقول أيضاً: «إن الذي يجدي وحده أن يحكم الإسلام الحياة ويصرفها، أن تحكم الدولة حكماً إسلامياً".

السلام العالمي والإسلامي

في السنة نفسها 1951، أصدر سيد قطب كتابه «السلام العالمي والإسلامي» وهو في الأصل كان مجموعة مقالات نشرها قطب عامي 1949/1950 وهذا الكتاب وضح فيه التكفير كاملاً والدعوة إلى مقاومة الحاكم والدولة التي لا تحكم بما أنزل الله «ويجب القول إن هناك صفحتين تم حذفهما من الكتاب في الطبعات التالية، التي أصدرها الإخوان، لأنه كان بهما تكفير شديد، ومع ذلك فلن نعتمد علي الصفحتين، بل سنعتمد علي الطبعة المتداولة والتي أصدرتها دار الشروق»، يقول قطب متحدثاً عن شروط طاعة الحاكم «وجوب الطاعة بإقامة كتاب الله دون سواه والقرآن صريح في الحكم علي من لا يحكمون بما أنزل الله: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» ثم يقول: «والإسلام صريح كذلك في وجوب مجاهدة من لا يحكم بما أنزل الله» وتحريم طاعة المسلم علي الإطلاق» ويقول كذلك: «طاعة الناس للحاكم مرهونة بإقامة هذه الشريعة وتنفيذ ذلك القانون، فإن فسق عنه فقد سقطت طاعته» ويقول أيضاً إن القرآن صريح في الحكم بعدم إيمان من يريدون أو يقبلون التحاكم إلى غير شريعة الله".

من النصوص السابقة، نصوص عامي 1950/1951 نحن بإزاء مجموعة أفكار قال بها سيد قطب، وستظل محور حياته بعد ذلك:

أولاً: إن الوطنية بمعناها المصري الذي نعرفه ليست مقبولة ولا مكان لها عنده، ولكنه يؤمن بالوطن الإسلامي الكبير، ولعل هذا يذكرنا بحديث المرشد السابق مهدي عاكف عن أنه لا غضاضة لديه في أن يحكمه ماليزي مسلم ومقولته «طظ في مصر".

ثانياً: إن أساس الحكم هو بما أنزل الله.. الحكم بالشريعة الإسلامية.

ثالثاً: من لا يحكم بهذه الشريعة فهو كافر أو عديم الإيمان، ومن يقبل أن يحتكم إلى غير الشريعة (القانون الوضعي) هو غير مؤمن، ومن ثم فإن عدم الإيمان هو من نصيب الحاكم والمحكوم، أي المجتمع كله.

رابعاً: طاعة الحاكم مقترنة بالتزامه بالحكم بما أنزل الله، فإن فسق عنها فلا طاعة له.

خامساً: يكفي للمحكوم ألا يطيع الحاكم، بل يجب عليه الجهاد ضده، هو لا يقولها كدعوة أخلاقية أو نداء سياسي، ولكنها هنا حالة وجوبية أي فريضة.

سادساً: سوف نلاحظ أن المفردات عنده لا تعرف المصطلحات الحديثة مثل المواطن.. الفرد.. الإنسان، بل عنده حاكم ومحكوم.. العبيد.. القرود.. عدم الإيمان.. الكافرون.

وفي السنة نفسها، صدرت في القاهرة الطبعة الثانية من كتاب أبو الحسن الندوي «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» 1951، وقدم لهذه الطبعة كل من د. محمد يوسف موسى وسيد قطب ود. أحمد الشرباصي، وفي تقديمه يعرف قطب ما يعنيه بالجاهلية: «إنها الجاهلية في طبيعتها الأصلية فالجاهلية ليست فترة من الزمن محددة، ولكنها طابع روحي وعقلي معين، طابع يبرز فور أن تسقط القيم الأساسية للحياة البشرية، كما أرادها الله، وتحل محلها قيم مصطنعة تستند إلى الشهوات الطارئة، وهذا ما تعانيه البشرية اليوم مرحلة الارتقاء الأولى، كما كانت تعانيه من قبل في أيام البربرية الأولى.

كل هذه الآراء والأفكار ولم نصل بعد إلى مرحلة «معالم في الطريق»، حيث توسع في مفهوم الجاهلية والتكفير، «إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية» وجاهلية اليوم أخطر «إنها تسند الحاكمية إلى بشر فتجعل بعضهم لبعض أرباباً، لأن الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى، ولكن في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم والشرائع والقوانين والأنظمة بمعزل عن منهج الله للحياة» (العالم ص10) وفي كتابه «خصائص التصور الإسلامي ومقوماته» يلمح إلى هذا المعنى: «إن التصور الإسلامي من ثم يقوم علي أساس أن هناك حالتين اثنتين للحياة البشرية، ولا علاقة للزمان أو للمكان في تقرير يحكم هاتين الحالتين حالتان اثنتان تتنازعان البشرية علي مدى الزمان واختلاف المكان: حالة الهدي وحالة الضلال، مهما تنوعت ألوان الضلال حالة الإسلام وحالة الجاهلية، مهما تنوعت ألوان الجاهلية، حالة الإيمان وحالة الكفر، مهما تنوعت ألوان الكفر، وإما أن يلتزم الناس الإسلام ديناً أي منهجاً للحياة ونظاماً وإلا فهو الكفر والجاهلية» (ص84 و85).