الأحد 22 سبتمبر 2024

سد روفيجي.. نقلة كبيرة للتنمية في تنزانيا بـ«بأيادٍ وعقول مصرية»

تحقيقات18-11-2020 | 11:59

استعادت مصر دورها الرائد فى قارة إفريقيا، في ظل علاقات تاريخية ومصالح مشتركة ومشروعات تنموية، حيث باتت التحركات المصرية تمضي بخطي ثابتة، بعدما استردت مصر عضويتها في الاتحاد الإفريقي في يونيو 2014، كما حصلت علي عضوية مجلس الأمن والسلم الإفريقي لمدة 3 سنوات، وترأست لجنة المناخ في الاتحاد الإفريقي لعامين، بالإضافة إلي حصولها علي العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي وانخراطها في العديد من القضايا والملفات الافريقية فى مقدمتها الملف التنموى .

واليوم شهد وزيرا الكهرباء والإسكان احتفالية تحويل مجرى نهر روفيجى لتنفيذ الأعمال بجسم السد الرئيسى، بمشروع إنشاء سد ومحطة جيوليوس نيريرى لتوليد الطاقة الكهرومائية بقدرة 2115 ميجاوات، على نهر روفيجي، بمنخفض شتيجلرز جورج، بدولة تنزانيا، والذي يعد شاهدًا على العمق المصري في إفريقيا وجهودها لتنمية القارة السمراء.


التعاقد على إنشاء السد وخطة تصميمه:

تعاقدت شركة المقاولون العرب على تصميم وتشييد سد ومحطة روفيجي للكهرباء بمنطقة "ستيجلر جورج" في تنزانيا، بتكلفة بناء بلغت 3.6 مليارات دولار، ويستغرق ثلاثة أعوام ليكون الافتتاح بحلول 2021، إذ يعد أحد أهم المشروعات التي تحتاج تنزانيا إليها منذ ستينيات القرن العشرين.

ويهدف السد إلى توليد الطاقة، فمن المتوقع أن تصل إجمالي الطاقة من خلال السد إلى 2100 ميجاوات، عبر خط كهربائي عالي الجهد (400)، لدمجها في شبكة الكهرباء الوطنية التنزانية.

ويصل ارتفاع السد إلى 134 مترا، وتخزين البحيرة الخاصة به تصل إلى 34 مليار متر مكعب من المياه، وتغطى مساحة 1350 كيلو مترا بطول 100 كيلو.

وعقدت المقاولون العرب ورشة تضم 35 مهندسًا فى كل التخصصات للوصول إلى تصميم المشروع النهائى، رغم صعوبة تنفيذه على الأرض بسبب طبيعة التضاريس بالمنطقة، التى تقع عبر نهر روفيجى، فى مضيق ستيجلر، فى محمية سيلوس، منطقة موروغورو، وبدأ العمل فى السد القومى لتنزانيا، ليتم إنجازه فى مدة لم تزد عن 36 شهرًا،

 

فكرة إنشاء السد:

سد روفيجي أو نيريري واحد أكبر السدود في أفريقيا الذي يتم إنشاؤه حاليًا على نهر روفيجي في تنزانيا وذلك بعد فوز التحالف المصري بين شركتي “المقاولون العرب” و”السويدي إليكتريك”، بمناقصة بناء السد في عام 2018، على أن يتم الانتهاء من المشروع وافتتاح السد عام 2022.

وترجع فكرة إنشاء سد على نهر روفيجي في تنزانيا إلى بداية القرن العشرين، وتم إجراء أول دراسة للسد في عام 1940، تصورت هذه الدراسة بناء سد صغير الحجم للسيطرة على الفيضانات في المنطقة وحماية البنية التحتية للري، ولكن بحلول عام 1961 نشرت منظمة الفاو دراسة تتضمن إمكانية إنشاء سد بحجم أكبر يهدف إلى توليد كهرباء وتحويل المنطقة إلى بيئة صناعية بالإضافة للسيطرة على الفيضانات وتوفير مياه الري والشرب.

بعد استقلال تنجانيقا في عام 1961 رأى الرئيس “نيريري” في السدود الكهرومائية فرصة لتطوير تنزانيا والاتجاه نحو التصنيع بكهرباء رخيصة الثمن، للخروج من الأزمة الاقتصادية التي كانت تعاني منها تنزانيا، الأمر الذي دعاه للبحث عن مصدر خارجي لتمويل السد. 

ولكن لم يتم التنفيذ بسبب رفض البنك الدولي تمويل المشروع؛ نظرًا لرؤية البنك حينها أن نمو الطلب على الكهرباء في تنزانيا محدود ولا توجد حاجة لبناء سد، بالإضافة إلى المخاوف البيئية المتزايدة حول المشروع. ثم تعقدت الأمور بعد إعلان اليونيسكو المنطقة محمية طبيعية وموقعًا للتراث العالمي عام 1982، مما دفع إلى مزيد من التعقيد في الحصول على التمويل الدولي.

وبالرغم من ذلك، لم تيأس الحكومات المتعاقبة على تنزانيا من البحث عن ممول وتطوير خطط السد باعتباره مخلّصًا للبلاد من أزمة الطاقة الحادة، ووضعته الحكومات التنزانية التي أعقبت "نيريري" على رأس أولوياتها للنمو الاقتصادي في البلاد، وأعربت العديد من الشركات العالمية عن اهتمامها بتمويل وتنفيذ سد تنزانيا، كانت آخرها شركة برازيلية ظلت تتفاوض لمدة 3سنوات مع الحكومة التنزانية من عام2009 وحتى 2012، وكان من المنتظر أن تقوم بتنفيذه، ومع ذلك بحلول عام 2014 توقف الحديث عن السد لأسباب لم يتم الإعلان عنها. وبحلول عام 2017، أعلنت حكومة الرئيس “ماجوفولي” أن مشروع سد تنزانيا سيكون مشروعًا قوميًا وسيتم تمويله من قبل الحكومة بدلا من اللجوء لممول خارجي.

طرحت الحكومة التنزانية مناقصة لبناء السد، تنافست عليها مجموعة شركات من مختلف دول العالم منها شركات مصرية وصينية وتركية وبرازيلية ولبنانية، ليفوز بها التحالف المصري بين شركتي "المقاولون العرب والسويدي اليكتريك"، على أن تعمل الشركتان تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية، بطلب من الرئيس التنزاني ماجوفولي وبدعم مباشر من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتم توقيع العقد في ديسمبر 2018 بحضور رئيس تنزانيا والدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء  لتنفيذ مشروع بناء سد، ومحطة توليد كهرومائية بقدرة 2115 ميجاوات، على نهر روفيجي بتنزانيا، بهدف توليد 6307 آلاف ميجاوات / ساعة سنوياً، تكفي استهلاك حوالي 17 مليون أسرة تنزانية، كما يتحكم السد في الفيضان لحماية البيئة المحيطة من مخاطر السيول والمستنقعات، ولتخزين حوالي 34 مليار م3 من المياه في بحيرة مُستحدثة بما يضمن توافر المياه بشكل دائم على مدار العام لأغراض الزراعة، والحفاظ على الحياة البرية المحيطة في واحدة من أكبر الغابات في قارة أفريقيا والعالم.

مواصفات السد

تضمن الاتفاق بين الحكومة التنزانية والتحالف المصري إنشاء سد خرساني بارتفاع 134متر يشتمل على 9توربينات، بقدرة 235ميجا وات للتوربين، وبقدرة إجمالية تصل إلى 2115ميجا وات، بالإضافة إلى 4 سدود فرعية، وطرق دائمة تربط الموقع بشبكة الطرق الحالية بطول حوالى 21 كيلو متر، وأخرى مؤقته للخدمة الداخلية تربط جميع المنشآت الدائمة بطول حوالى 59 كم، ومحطة ربط كهرباء فرعية بقدرة 400 كيلو فولت، وخطوط نقل كهرباء، فضلًا عن نفق لتحويل مياه النهر بطول 660 مترًا ومفيض للمياه في منتصف السد الرئيسي يتكون من سبعة بوابات قطاعـية ومفيض للطوارئ على السد الفرعي الأول بدون بوابات، وكوبري خرساني دائم على نهر روفيجي، ومجمع سكني متكامل على مساحة 19ألف متر مسطح. وتبلغ حجم المياه المخزنة في بحيرة المشروع حوالي 33مليار متر مكعب، بتكلفة 2.9مليار دولار.


يقع مشروع السد على مساحة حوالي 1350كم، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء منه خلال 42 شهر، وسيتم تنفيذ السد على مرحلتين، المرحلة الأولى: 6 أشهر تتضمن تجهيز موقع المشروع وتدريب العمالة، فيما تمثل المرحلة الثانية المدة الفعلية لتنفيذ السد ومدتها 3 سنوات، على أن يتم الانتهاء منه في عام 2022، ليصبح رابع أكبر سد في أفريقيا، وأحد أكبر السدود في العالم.


أهداف بناء السد:

يهدف بناء السد للسيطرة على موجات الجفاف الحادة والفيضانات الموسمية التي تتعرض لها تنزانيا من أهم فوائد بناء سد روفيجي  والتى وتقضي على عشرات الأرواح وآلاف المنازل سنويًا، بما يضمن توافر المياه بشكل دائم على مدار العام لأغراض الزراعة والشرب، بالإضافة إلى توليد الكهرباء التي تحتاجها تنزانيا لتلبية الاحتياجات المحلية المتنامية لاستهلاك المواطنين، حيث يرتبط 10% فقط من السكان بشبكة الكهرباء الوطنية، بينما يستطيع السد توفير الكهرباء لـ17 مليون أسرة تنزانية، فضلًا عن قدرة السد على مساعدة تنزانيا في التحول نحو التصنيع الذي ترى حكومة “ماجوفولي” أنه المخلّص للاقتصاد التنزاني، وسيؤدي إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين، وتعزيز الاقتصاد التنزاني على المدى المتوسط والطويل، ولذلك تعتبر حكومة تنزانيا مشروع سد ستيجلر مشروع قومي يصعب التنازل عنه تحت أي ضغط.

ويهدف المشروع أيضًا إلى توفير فرص عمل للتنزانيين، حيث من المتوقع أن يصل عدد العمالة في السد إلى 12000 عامل، وحتى مارس 2020 بلغ عدد العاملين بالسد 5233 عاملاً، منهم 526 عاملاً مصرياً، و3974 عاملاً تنزانياً، و733 عاملاً أجنبياً من دول أخرى،

كما تتعرض تنزانيا إلى القطع الجائر للغابات بسبب نقص الطاقة، حيث تفقد البلاد حوالي 400هكتار من الأشجار يوميًا لاستخدامها كمصدر بديل للطاقة من قبل المواطنين غير القادرين على الوصول للكهرباء، مما يتسبب في تلوث بيئي كبير، في الوقت الذي يستطيع فيه السد أن يمد جزءًا كبير من تلك الأسر بالكهرباء، وبالتالي يسهم في المحافظة على البيئة في المدى الطويل.


ماذا تستفيد مصر؟

يأتي فوز شركتي المقاولون العرب والسويدي اليكتريك بإنشاء سد تنزانيا، في إطار حرص مصر الدائم على دعم جهود التنمية في دول حوض النيل، كما يمثل فرصه أمام الشركات المصرية في قطاعي المقاولات والطاقة لإثبات نفسها والتوسع بشكل أكبر في الأسواق الإفريقية، ويمهد الطريق لغيرها من الشركات. ونجاح الشركات المصرية في إنجاز مشروع سد ستيجلر يُعد مُعبرًا قويًا عن قدرة قطاع المقاولات المصرية على إنجاز المشروعات الكبرى بأعلى جودة داخل مصر وخارجها، بالإضافة إلى أن 10% من العمالة الموجودة في المشروع حتى الآن عماله مصرية.


أما الفائدة الأهم والأكبر فهي استعادة مصر لمكانتها ودورها التنموي وتأثيرها داخل القارة الأفريقية، ليكون ذلك امتدادًا للنجاحات المصرية التي يتم تحقيقها في مختلف المجالات على الصعيد الأفريقي، ويبعث برسالة تأكيد واضحة للعالم على أن القاهرة ليست ضد قيام أي دولة أفريقية ببناء سدود وتحقيق التنمية الاقتصادية لشعوبها، بل بالعكس تقف مصر إلى جانب الدول الأفريقية وتدعمها لتحقيق تنميتها من خلال تنفيذ مشروعات تنموية مشتركة، ولكن دون الإضرار بمصالح دول أخرى.