الثلاثاء 21 مايو 2024

فى ظل كورونا.. اليونانيون يعيدون صياغة علاقة الإنسان بالحياة (1)

فن19-11-2020 | 18:57

إيمانويل كانط 

تحتفى الأمم المتحدة- اليوم الخميس- باليوم العالمي للفلسفة، الذى نحتفل به منذ عام 2002 عندما أقرت منظمة اليونسكو بالإحتفاء بالفلسفة في الخميس الثالث من شهر نوفمبر من كل عام، وذلك إيمانا بدور الفلسفة البارز فى رصد تطور الفكر البشري، وتستهدف إحتفالية اليوم العالمي هذا العام إلى أهمية التأمل الفلسفي لمواجهة الأزمات المختلفة وعلى وجه الخصوص أزمة كورونا "كوفيد19"، فنحن فى أمس الحاجة إلى التفلسف وإعادة قراءة الأزمات من منطق الفلاسفة أكثر من أى وقت آخر.

يرى الفلاسفة دائمًا أن الأزمات ما هى إلا أسئلة كبرى تطرحها الطبيعة علينا، التي تنقسم بدورها إلى أسئلة تحتاج إلى إجابات وافية وأخرى تدفعنا بشكل أو بآخر نحو التأمل لإعادة قراءة أوضاع العالم فى ظل الأزمات الملحة التي تجتاح حياتنا بدون أسباب مسبقة، فالفلسفة ليست جزءا من الماضى بل يمكن أن توفر لنا حلولًا لتلك الأزمات التي نعيشها في الوقت الحاضر، فالفلسفة تعيد للمجتمع اتساقه المفقود.

منذ عام وجدت البشرية نفسها أمام فيروس تحول إلى جائحة فى غضون أسابيع قليلة ليكون أكبر معضلة تطرحها علينا الطبيعة وهو "كوفيد-19 "، وبالرغم من اتخاذ الدول خطوات إلزامية من أجل الحد من تفاقم تلك الأزمة، إلا أن الحجر الصحى والعزلة التامة عن العالم لن تستطيع أن تتخلص من تلك الجائحة، فكل دولة أصبحت منعزلة عن العالم كله فى سابقة لم تحدث على مر التاريخ الحديث، وقد حاول العالم فى نطاق البحث العلمي إيجاد حلولا سريعة للحفاظ على استقرار الإنسان فى النظم الإجتماعية التي حددها وفق البنية الاجتماعية التى تشكل إطار المجتمع، وبالرغم من أن المجتمعات البشرية منذ إرهاصتها الأولى تعيش دائما مع مخاوف المجهول وبالرغم من أن حيز المجهول بإمكانه أن يتقلص فى نطاق المعرفة البشرية لقوانين الطبيعة، وفى ظل المواجهة الدائمة للإنسان والصراع مع الطبيعة التي شكلت هويته على مدى حقب زمنية مختلفة، ولكن فى خضم أزمة كورونا أعادت تلك الأزمة تعريف علاقة الإنسان بالحياة بصورة معقدة.

نبدأ هنا بتناول الفلسفة لعلاقة الإنسان بذاته حيث نزوع الفرد نفسه إلى التوغل بدواخله بشيء من التأمل لتفسير ما يدور من حوله ولعل العزلة التامة والحجر الصحي أحد أسباب نزوع اإنسان لمعرفه نفسه إنطلاقًا من مقولة سقراط "إعرف نفسك بنفسك" فنحن في ظل تلك الجائحة محاطون بأسئلة معقدة لا إجابة لبعضها، وآراء مختلفة وحكومات عاجزة عن التبصر والتكهن في ظل التكنولوجيا المتسارعة بنهاية أو بحلول منطقية للقضاء عليها، لذا نتبصر من خلال رؤية بعض الفلاسفة لماهية الحياة حتى لا نظل بعد إنتهاء تلك الجائحة كالأنبوب الأجوف الفارغ بل نستغل قدرتنا على التبصر والتفلسف فى الإرتقاء بمستوى تجاربنا وتصحيح نظراتنا إلى الحياة، فالفلسفة هي التي تمكننا من الوصول إلى الأهداف البعيدة التي تجاهد البشرية من أجلها.

 

يرى الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط فى كتابه "نقد العقل الخالص" أن نشاط الذات يمر خلال ثلاث مراحل، المرحلة الأولى تؤكد على أن هناك وعيا بالإدراك فتنتظم فيه كثرة الإحساسات فى صورتي الزمان والمكان ومقولات الفهم حتى إننا نلاحظ الموضوعات الجزئية فى بيئتنا مميزة بعضها البعض ومع ذلك ترتبط زمانيا ومكانيا، أما المرحلة الثانية فهي إعادة الإنتاج فى الخيال أى الحفظ،  وتأتي المرحلة الثالثة التي تعني بالتعرف عن طريق التصورات من موضوعات موجودة في الذاكرة، أي تلك التى اختبرناها فى الماضي، فنحن نتحقق من ذواتنا ونعرف أننا نفس الأشخاص التى اختبرناها حتى الآن ونستطيع أن نقارن موضوعات تجربتنا المختلفة ونصنفها ونكون تصورات عنها، ولعل أزمة جائحة الكورونا جعلت الإنسان يختبر صنوفا من المشاعر ويتعرف على ذاته ويختبرها كما لم يختبرها من قبل.

يعتقد كانط أن الأزمات الكبرى التي يتعرض لها الجنس البشري كالحروب الفاشية، الأوبئة كالطاعون والكوليرا، المجاعات، الكواراث الطبيعية كالسيول والزلازال، يعتقد كانط أن تلك الأزمات هي بمثابة إختبار من الطبيعة ويأتي بشكل غير محسوس وفوق قدرة البشر، بحيث يبدأ وينتهي في الوقت التي تحدده الطبيعة بظهوره أو إختفاؤه، ويكون أكثر  شيء متوقع مننا نحن البشر  هو أن نستفيد من التجربة وأن نخضعها للتفكير النقدي فلا نخرج من تلك الأزمة خاليين الوفاض .

يتصور أيمانويل كانط أن أي موجود عاقل، يمكنه أن يسلم بقضية واضحة بذاتها وهي أن الخير الوحيد الذي يمكن تصوره فى العالم هو "الإرادة الخيرة"، أو كما نقول الأخلاق الجيدة، فحتى الفضائل الظاهرة مثل الشجاعة والمثابرة يمكن استخدامها بطرق خبيثة، ولذلك فلا يمكن النظر إليها على أنها خيرة بصورة ذاتية أو مطلقة بلا تحفظ، أما الإرادة الخيرة التي تعمل فقط من منطلق إحترام الواجب بغض النظر عن النتائج والتى تستجمع كل المصادر داخل قوتها، فلا يهمها إذا نجحت فى محاولاتها أم لم تنجح، أو إذا أعاقت ظروف خارجية جهودها أو لم تفعل، فإنها خيرة فى ذاتها، أى أشبه بجوهرة تتلالأ بذاتها ولا يمكن أن تفشل في أن تبهر الملاحظ غيرالمتحيز، ولعلنا نلاحظ ما تحدثه تلك الجائحة وكيف هي قسوتها على الكثير من الناس إلا أن الإرادة الخيرة كما يسميها كانط،  تجلت فى أسمى صورها فى كثير من الأحيان، وإذا كانت على الإتجاه الآخر فإن الصورة الخبيثة منها يتغاضى عنها المجتمع ويتغاضى بالكامل عن المنظور السلبي في التجربة لتنقشع الغمة في أقرب وقت ممكن.