الأحد 12 مايو 2024

وعاد الوفد

كنوزنا20-11-2020 | 14:12

وهكذا جاء عام 1949 ومصر مختنقة ومختلفة وممزقة وحالها حال . حكومات الأقلية تحكم البلاد منذ خمس سنوات ، والوفد مطرود ومنبوذ ومحاصر من السراي ومن الانكليز ومن كل الجهات .

ولكن لحسن حظ مصر ، فقد صور العملاء للملك و الصالح ، أن الوفد كحزب قد انتهى وأن الجماهير التي كانت تلتف به قد انفضت من حوله ، وصدق الملك الأكذوبة فدعا الى انتخابات حرة لكي بضع كل انسان في حجمه ، ولكي يمنح الشعب فرصة القضاء على حزب الوفد ، وجاء حسين سري باشا ليجري الانتخابات ومعه مهره محمد هاشم . وتالفت وزارة ائتلافية في البداية ، ثم لم تلبث الوزارة أن انفرط عقدها وحلت محلها وزارة من بعض المستقلين والمستوترین والأرزقية ، وجرت انتخابات لم تشهد مصر لها مثيلا ، انتخابات حرة بالفعل ، وفي جو من الارهاب النفسي ضد الوفد لم يحدث له مثيل من قبل . انطلقت الجرائد والمجلات الموالية للسرای تهاجم مصطفى النحاس زعيم الوفد وتنهش لحمه وتنهش عرضه ، ثم جاءت النتيجة في النهاية لتضع كل انسان في حجمه بالفعل . لقد اكتسح الوفد الانتخابات بأغلبية ساحقة . وسقط باشوات واصحاب ملايين واصحاب عمارات واطيان أمام افندية مجهولين ومدرسين في التعليم الثانوي ومشایخ صغار في الأزهر ، وسقط مرشح الإخوان المسلمين في الجيزة الاخ مصطفی مؤمن ، ولحق به المرشح الشيوعي الوحيد ، ولم ينجح من حزب مصر الفتاة الا مرشح واحد نجاحه في الدائرة مضمون بسبب العصبية والعائلة وليس بسبب الأحزاب والمبادىء وجاء الوفد الى الحكم بعد غيبة طويلة ، وجاء معه الرخاء والاستقرار وجاءت الحرية ايضا وانطلقت صحافة المعارضة تكشف كل شيء وتهاجم كل شيء ابتداء من جلالة الملك الصالح والى وزير الداخلية فؤاد سراج الدين باشا .

ولعبت صحف روزاليوسف والجمهور المصرى والاشتراكية والمصري الى حد ما دورا رهيبا وعظيما في تقويض دعائم النظام الفاسد , وان ترك إحسان عبد القدوس وحلمي سلام في كشف مايسمى بقضية الأسلحة الفاسدة ، وهي الأسلحة التي اشتراها الملك وبطانته وسلح بها الجيش المصري في حرب فلسطين ، والتي كانت السبب الأوحد في هزيمة جيش مصر وطلائعة تقف على أبواب تل أبيب ! وحاول الملك الصالح عندئذ لجم المعارضة ووقفها عند حدها ، وحرك أحد النواب لتقديم مشروع قانون سمي بمشروع حظر أنباء القصر ، وهاجت مصر وماجت ووقفت ولم تقعد قط . واستطاع مجلس نواب مصر العظيم في تلك الفترة دحر المشروع الملكي . وخرجت جريدة المصري يوم التصويت على المشروع بصور الموافقين وقد لطختهم بالسواد !

وفي هذا اليوم المحموم وقف مصطفى النحاس وكان قد تعدي الستين بكثير ليعلن على شعب مصر نبا إلغاء معاهدة سنة 1936 مع بريطانيا العظمی -وكانت بريطانيا في ذلك الحين لم تزل عظيمة وأسطولها يرهب جميع أقطار الأرض ، وجيشها الذي لا يقهر يحتل نصف المعمورة ! ومن أجل مصر وقعت معاهدة ۱۹۳۶ ومن أجل مصر أعلن إلغاء المعاهدة، وتحولت مصر الي بركان من النار ، هدرت الجماهير في الشوارع، وانطلقت الجموع نهاجم معسكرات الانجليز في القناة ، ووقف رجال الشرطة موقفا سيظل خالدا في تاريخ مصر ، وتكونت الجماعات الفدائية واشترك في المعركة كل الأحزاب وكل الاتجاهات . ودخل المعركة انتهازيون ولصوص وقطاع طريق . ووقف وزير الداخلية الى جانب الجميع يدعمهم بالاسلاح وبالمال ، وسقط الف قتيل مصري نصفهم من رجال الشرطة ونصفهم من الطلبة والعمال ومختلف طوائف الشعب .

وبدا أن الأنجليز في محنة ، وأن الملك في مأزق ، كان لابد من حل .

محمود السعدني

    Dr.Radwa
    Egypt Air