الإثنين 27 مايو 2024

الأخوان رحباني وفيروز وعلاقتهم بمصر.. وزيارة شادية لـ«جارة القمر».. ورفض عرض أنور وجدي

فن20-11-2020 | 22:52

فيروز: شهادة عبد الناصر وسام أعتز به

أم كلثوم اختارت قصيدة لمنصور الرحباني لتغنيها بألحان عبد الوهاب

لماذا رفضت فيروز عرض أنور وجدي السينمائي؟

فيروز تغني للشيخ سلامة حجازي مشروع لم يتم

أوبريت مجنون ليلى بصوت فيروز وعبد الحليم حافظ

عاصي يعترف بتأثره بلحن "اتمخطري ياحلوة يا زينة" في أغاني "بياع الخواتم"

فيروز تغني لداود حسني ومدحت عاصم وسيد درويش وفتحي قورة ومرسي جميل عزيز

لحن بليغ حمدي وعبد الرحيم منصور المجهول لفيروز

"كامل الأوصاف" و"احذر يا قلبي".. مشروعان للموجي وكامل الشناوى لفيروز

 لازال البعض إلي اليوم في مصر يطرح أسئلة من نوع لماذا لم تتعاون فيروز مع ملحنين مصريين مثل بليغ حمدي والموجي وكمال الطويل وغيرهم، ولماذا لا تأتي إلى مصر وتحيي فيها حفلات كما كانت تفعل في دمشق مثلا، ولماذا لم تغني باللهجة المصرية ،وهل كانت هناك حالة من الجفاء بينها وبين مصر في وقت ما، وهل منعت حقا أغانيها فترة من الوقت في عهد الرئيس جمال عبد الناصر في الإذاعة المصرية، ولمن غنت فيروز من الفنانين المصريين بخلاف سيد درويش ومحمد عبد الوهاب، ونحن نحاول في هذا التحقيق والتحقيق التالي له الإجابة على تلك الأسئلة مما حدث على أرض الواقع، وعن تعاون كل من الأخوين رحباني وفيروز مع الفنانين المصريين.

 منذ ثلاثينات القرن العشرين خاصة بعد ظهور السينما الناطقة، كان أقصي طموح أي مطرب أو مطربة من بلاد الشام أن يسافر إلى مصر يحقق نحاجا فنيا على أرضها وبلهجتها الغنائية ومدرستها الكلاسيكية في الغناء، وشهدت مصر زيوع ولمعان اسماء منذ ذلك الحين مثل نادرة وأسمهان ونور الهدى وصباح ونجاح سلام وسعاد محمد فايزة أحمد ونازك وغيرهن.

غير أن الأخوين عاصي ومنصور بحكم ثقافتهما وارتباطهما بالتربة اللبنانية وتراثها وفلكلورها لم يشأ ان ينسلخا عن هذه التربة كان لديهما مشروعا فنيا مستقلا عن المدرسة المصرية وإن تأثر بها بشكل او باخر، لم تتشكل صورته في البدء، غير أنه مع مرور الوقت تشكل رويدا حتى بلغ رشده ونضجه نهاية خمسينيات القرن الماضي،  وكان من حسن طالعهما ان التقي في بداية المشوار بالشاعر سعيد عقل وتأثرا بأفكاره وانتمائه لمبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يؤمن بالقومية الشامية، قومية دولة سورية الكبري وهذا يفسر كون سعيد عقل هو من كتب معظم الأغنيات التي غنتها فيروز لدمشق وللاردن كما كتب لفلسطين وذلك قبل أن يتحول عقل من ايمانة بقومية دولة سورية الكبرى الي القومية اللبنانية الفينيفية.

 إن ارتباط أي فنان بقوميته وإخلاصه لها بالتاكيد هو أحد أهم العوامل التي تجعله ينتج فنا قوميا ناجا يحمل  سمات وخصائص تراث بلاده، لقد انطلقا الأخوين رحباني من قوميتهما اللبنانية إلى قومية دولة سوريا الكبري، ثم ومن خلال هذا النتاج المغرق في محليته وصلا الي محيطهما العربي الكبير وأصبحت تجربتهما الفنية مع ارتباطها بصوت فيروز الذي كان شريكا في العملية الفنية وليس مجرد صوت مؤد، وصلا أيضا الي العالمية لقد كانت فيروز اول فنان عربي يعتلي خشبة مسرح البرت هول في لندن عام  1962 .

إذن نعود ونقول بعد ما ذكرنا لن يصبح مجديا أن يبدى جمهور فيروز في مصر أسفه لأن فيروز لم تغني لحنا لبليغ حمدي او كمال الطويل او محمد الموجي او محمود الشريف، إن عاصي ومنصور لو كانا تركا فيروز عرضة للتأثر بألحان مصرية وباللهجة المصرية لفقدت فيروز طابعها القومي المحلي ولتمصرت واصبحت نجاح سلام جديدة أوسعاد محمد جديدة مع كامل احترامنا وتقديرنا لتجربتهما الفنية الكبيرة.

حتى في تلك المرات القليلة التي سمح فيها الاخوان لفيروز ان تغني من الحان آخرين كان ولابد ان يختارا هما الملحن وان يكتبا الشعر المغنى او يختاراه وان يوزعا العمل ويشرفا على تنفيذه وهو ماكان يحدث مع فيلمون وهبي ومحمد عبد الوهاب ومحمد محسن ونجيب حنكش.

في عام 1986 وقبل غنائها على مسرح فسيتيفال في لندن طُلب من فيروز في مؤتمر صحفي عقدته التعليق على ما نشره الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل حول اعتبار جمال عبد الناصر ظهور فيروز في لبنان وليس مصر هو من اخطاء المصادفات، علقت فيروز قائلة :" من دواعي غبطتي واعتزازي أن يشعر الأخوة العرب بأنني أنتمي اليهم جميعا، وهذا ما يحملني في الواقع مسؤلية قومية كبيرة بل أنها نعمة أعيش في ظلها، ولا شك أنني أعتبر شهادة الرئيس جمال عبد الناصر شهادة تاريخية تطوقني بأعباء جسيمة وأفاخر بها مثلما أفاخر بشهادة أي زعيم عربي أو قائد عربي آخر ويسعدني أن ينجح  الفن حيث تفشل السياسة، كما يسعدني أن يكون صوتي أو صوت سواي جامعة دول عربية تدعو الي المحبة والتضامن، وتجمع ولا تفرق" .

كانت فيروز المطربة العربية الوحيدة التي لم تنطلق فنيا من القاهرة ولم تمصر لهجتها الغنائية انطلقت من محليتها اللبنانية المشرقية وبلهجه بلدها الي العالم العربي ومنه الي العالم .

 ولا يعني ذلك ان الأخوان رحباني وفيروز كانوا في حالة خصام أوقطيعة مع المدرسة المصرية الكلاسيكية في الغناء أو مع مصر نفسها، يندر كثيرا أن يكون هناك موسيقي عربي لم يتأثر بالمدرسة المصرية الغنائية الكلاسيكية وليدة مدرسة تجويد القرآن والإنشاد الديني الكلاسيكي التي شهدت نهضتها منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

لقد دربت فيروز من قبل مكتشفها محمد فليفل على  تجويد القران ليستقيم نقطها للحروف وتتعلم كيف تخرج صوتها من حنجرتها بغناء عربيا سليما، وهنا يحضرنا قول الموسيقار اللبناني الكبير زكي ناصيف: " ان الصوت الذي يجيد الغناء العربي السليم هو الصوت المقرئن" أي الصوت الذي تمرس على تجويد القرآن الكريم.

كما تأثر الأخوين رحباني كثيرا بفنان الشعب سيد دوريش ليس بموسيقاه فحسب بل بمسرحة الغنائي، وقد أكملا مشواره في المسرح الغنائي لكن بخصوصية تجربتهما، كما تأثرا بالفنان محمد عبد الوهاب حسب تأكيدهما.

 واعترف الفنان عاصي الرحباني خلال برنامج "نجمك المفضل" مع المذيعة سلوى حجازي خلال وجودهما في القاهرة 1966 أنه وشقيقه منصور تأثرا كثيرا خلال تلحينهما اوبريت "بياع الخواتم" 1964، بلحن أغنية "اتمخطري يا حلوة يا زينة" وهي أغنية فلكلورية ذاعت بصوت سلطانة الطرب "منيرة المهدية". وقال عاصي إن اللحن على بساطته وسذاجته يصل الي قلب الجمهور بسرعة كبيرة وقد بدا هذا التأثر جليا في لحن أغنيتي: "يابياع الخواتم بالموسم اللي جايي" و" طلي اضحكيلوا ياصبية" لفيروز ، وقبل ذلك وفي اول مسرحية غنائية للأخوين رحباني "موسم العز" 1960 في بعلبك وضع الأخوان رحباني موسيقى اغنية "اتمخطري ياحلوة يازينة" في بدء المقطوعة الموسيقية التي تحمل اسم: "رقصة المناديل".

كما قام الأخوان رحباني بتقديم مقطوعة موسيقية مأخوذة عن الأغنية المصرية الشعبية "آه يازين العابدين" بتوزيعهما وسجلت على أسطوانة لصالح الشركة اللبنانية للتسجيلات الفنية نهاية خمسينات القرن الماضي .

 فيروز تغني لمدحت عاصم وداود حسني وسيد درويش

 أعادت فيروز بتوزيع الأخوان رحباني غناء أعمال عشقاها منذ طفولتهما لسيد درويش ومحمد عبد الوهاب وداود حسني، فظهرت على خشبة مسرح معرض دمشق الدولي عام 1959 وخلال وحدة مصر وسورية ظهرت في الإقليم الشمالي وهي ترتدى الملاية اللف والمنديل "ابو قوية" وهو زي الفتاة الشعبية المصرية لتغي فاصلا من اغنيات سيد درويش بدأها الكورس بغناء "عطشان ياصبايا" لتدخل فيروز الي المسرح وخلفها الشباب والصبايا وقد ارتدوا زي الفلاحين المصريين، وانطلق صوت فيروز بغناء أغنية لسيد درويش التي يقول مطلعها "الحلوة دي قامت تعجن في البدرية"  وتختم المشهد المصري "زروني كل سنة مرة" ، قبلها كانت فيروز سجلت اغنية سيد درويش "طلعت يامحلا نورها" مع "زروني" و"الحلوة دي" على اسطوانات لصالح الشركة اللبنانية للتسجيلات الفنية بعد اعادة توزيعها من قبل الاخوين رحباني.

 وضمن اسطوانة "أندلسيات" غنت فيروز موشح سيد درويش "ياشادي الألحان" بمشاركة المطرب الفلسطيني محمد غازي عام 1966، وكان هناك مشروع لتسجل اسطوانة لدور سيد درويش "انا هويت" بمشاركة غنائية من الموسيقار محمد عبد الوهاب وللاسف لم يخرج المشروع الي النور، غير ان فيروز غنت مذهب الدور غناءا حيا ضمن مسرحية "يعيش يعيش" عام 1970 ،وأعاد الاخوين رحباني تقديم  أغنية "سالمة ياسلامة" لسيد درويش بصوت رونزا ضمن البرنامج التليفزيوني "ساعة وغنية" عام 1979.

 عندما غنت فيروز في القاهرة عام 1989 بدأت حفلاتها عند سفح الاهرامات بغناء طقطوقة "اهو ده اللي صار" لسيد درويش لأول مرة بتوزيع واقتراح من نجلها زياد رحباني، وهي من أغنيات ثورة 1919 كان غناها لاول مرة المطرب عبد اللطيف البنا، والاغنية تتضمن تلميحا ذكيا من لبنان الذي كان يعاني ويلات الحرب الأهلية انذاك الي مصر في قولها: "مصر يا ام العجايب شعبك اصيل والخصم عايب / خلي بالك من الحبايب دول هما أنصار القضية".

في بداياتها الاولى غنت فيروز من الحان حليم الرومي باللهجة المصرية عددا من الاغنيات كان غناها بصوته في سنوات سابقة في اذاعة "الشرق الأدني" من بينها أغنيتان من شعر فتحي قورة سجلتهما فيروز لصالح شركة "بيضا ريكورد" وهما: "ياحمام يامروح بلدك متهني" و"أحبك مهما اشوف منك".

 فيروز غنت ايضا من الحان مدحت عاصم أغنية بعنوان "القلب نال في هواك مناه" ربما تكون سجلت لصالح اذاعة "الشرق الأدني" التي قدم لصالحها أعمالا غنائية ولا يوجد تسجيل لها ، إذاعة "الشرق الادني" أنتجت أعمال لكبار ملحنى مصر آنذاك القصبجي والسنباطي ومدحت عاصم واخرين وحتى محمد عبد الوهاب، وفي مرحلة لاحقة غنت فيروز من الحان الحان الملحن المصري داود حسني "ياماريا يامسوسحة القبطان والبحرية" قدمتها في مهرجانات بعلبك ضمن مسرحية "إيام فخر الدين" عام 1966.

 وبدأتها فيروز بغناء الليالي المصرية "ياليلي ياعيني" فاستحوذت على قدر كبير من الإعجاب ربما كانت المرة الاولى التي تغني فيها فيروز الليالي المصرية، لكنها لم تكن الاخيرة فقد اعادت الامر في أربع اغنيات على الاقل، الاولى قبل غنائها الموال البغدادي "جينا على الدرا تنشوف اللي حبونا" في مسرحية "ناس من ورق" في البيكاديللي 1972 ، والثانية في القد الحلبي  "بيلبقلك شك الالماس" عندما غنته ضمن المنوعات الغنائية "قصيدة حب " في بعلبك 1972 ، والثالثة في لحن فيلمون وهبي "يادارة دوري فينا" ضمن مسرحية "المحطة" 1973، والرابعة في لحن فيلمون أيضا "ورقوا الاصفر" ضمن اسطوانة "دهب أيلول" 1980، يذكر أن المطرب الفسطيني محمد غازي هو من تولى تدريب فيروز على أداء الليالي المصرية التي أدتها في بدء أغنية "ياماريا" والمعروف أن غازي كان أستاذا ومعلما لفيروز على أداء فن الموشحات منذ مطلع الخمسينات وشاركها إداء موشح "ياشادي الالحان" ضمن اسطوانة "أندلسيات" 1966.

 

مشاريع غنائية لم تنفذ

 بعد غناء فيروز لداود حسني بستة أعوام كان هناك مشروعا آخر لغناء فيروز أحد ألحان  الشيخ سلامة حجازي ضمن مسرحية كان يكتبها الاخوين رحباني بعد انتائهما من تقديم مسرحية "ناس من ورق" المسرحية كانت تحمل اسم "الهوية" كتب منها الأخوين رحباني أربعة مشاهد قبل أن يصاب عاصي بنزيف في راسة حسب التقرير الذي نشرته مجلة "آخر ساعة" بتاريخ 20 ديسمبر 1972، تحت عنوان "فيروز تغني ألحان الشيخ سلامة حجازي" وجاء فيه أن الأخوين رحباني ارسلا الي المطرب سيد إسماعيل في القاهرة كي يرسل اليهما في بيروت جميع النوت المتوفرة لاغاني الشيخ سلامة حجازي ليختارا من بينها واحدة مناسبة لتغنيها فيروز، المعروف أن "الهوية" لم تخرج الي النور وقدما عوضا عنها مسرحية "المحطة" ولم يخرج لحن الشيخ سلامة حجازي الي النور كذلك.

 مشرع آخر كثر الحديث عنه منذ نهاية الستينيات هو لحن من بليغ حمدي لصوت فيروز، خلال سهرة أمضاها بليغ والشاعر محمد حمزة في منزل السيدة فيروز وفي السهرة غني بليغ على عوده اغنية فيروز "سهار بعد سهار" ،وردت فيروز التحية وغنت لحنه المشهور "سواح وماشي في البلاد سواح" وحسب مانشرت مجلة الشبكة بتاريخ الثالث من يونيو 1969 أسفرت السهرة على اتفاق هو أن يلحن بليغ لفيروز أغنية من كلمات  محمد حمزة، غير أن الأغنية لم تخرج إلى النور، بعد أربعة أعوام نشرت مجلة "صباح الخير" في السابع عشر من مايو 1973 يقول ان بليغ حمدي سيضع لحنا لصوت فيروز تغنية في مسرحيتها المقبلة وفي الوقت نفسه سيقوم الأخوان رحباني بتلحين قصيدة من شعر نزار قباني عنوانها "القلب المسافر" لتغنيها المطربة وردة الجزائرية زوجة بليغ حمدي أنذاك، مرت الاعوام دون ان يظهر اللحن الموعود لبليغ حمدي بصوت فيروز، حتى وقع الطلاق بين بليغ ووردة الجزائرية، وانفصلت فيروز عن الاخوين رحباني في نفس العام 1979 .

وكان بليغ حمدي في مدينة بيروت لتنفيذ بعض المشاريع الفنية منها تسجيل اغان له مع وليد توفيق واخرين، اعلن بليغ وقتها انه انتهي من لحن وضعه لصوت فيروز وضع كلماته هو وصديقه عبد الرحيم منصور وانه سجل اللحن بصوته على العود وارسل الشريط الي  فيروز، والاغنية تحمل عنوان "غربة" تقول بعض أبياتها:" وأسامينا في المينا غرقت ويا الأحزان / يابلادي ياحزينة ع الحب وع الانسان" كما صرح بليغ لمجلة "الشبكة بتاريخ الثاني من ابريل 1979، وانتظر بليغ رد من فيروز ولم يحصل عليه وقتها وأن كان اعلن بعد ذلك ان فيروز ستغني لحنا لبليغ ضمن حفلاتها المزمع تقديمها في مسرح البيكاديللي 1983 والتي الغيت في اخر لحظة بسبب تدهور الظروف الامنية في بيروت أيام الحرب الاهلية اللبنانية وقتها.

وكان الموسيقار محمد الموجي أيضا قد صرح غير مرة أنه عرض على فيروز غناء موشح "كامل الأوصاف" للشاعر مجدي نجيب عام 1967، لكن الاخوين رحباني اعتذرا له عن غناء فيروز للحن ،وخرج اللحن في النهاية بصوت عبد الحليم حافظ.

 من بين المشاريع الجميلة التي لم تنفذ للاسف مشروع غناء قصيدة للشاعر كامل الشناوي بصوت فيروز فقد نشرت مجلة "صباح الخير" خبرا في السادس عشر من يونيو  1971  يقول:" بدأ الأخوين رحباني تلحين آخر قصيدة كتبها المرحوم كامل الشناوي لتغنيها فيروز ،عثر الرحبانية على الكلمات عند أحد أصدقاء كامل الشناوي أثناء زيارته لبيروت ،القصيدة لم تنشر حتى الآن وتقول كلماتها :أحذر ياقلبي وإهدأ في صدري / لاترفع صوتا يفضح لي سري / أخرس آهاتك خلجاتك ".سمعتها فيروز في بيتها بانطلياس بالجبل فظلت تدندن بها، التقي كامل الشناوي بمطربة الجبل ذات يوم ، وعرض عليها أغنية "لاتكذبي"، فوافقت وتحمست للفكرة ، ثم فوجئت بالفنانة نجاة تغنيها، قرأ سعيد عقل شاعر لبنان الكبير قصيدة كامل الشناوي ورشحها للرحابنية".

غنت فيروز من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب خمسة الحان اثنتين من قديمة قدمتا بتوزيع جديد للاخوين رحباني هما : "خايف اقول اللي في قلبي" و"ياجارة الوادي " وثلاثة اعمال جديدة وضعت خصيصا لصوتها هي: "سهاربعد سهار" شعر رحباني و"سكن الليل" لجبران خليل جبران، واخيرا "مربي " لسعيد عقل.

من عبد الوهاب الي رياض السنباطي الذي سجلت فيروز من ألحانه في منتصف الثمانينيات ثلاث قصائد لم تطلق بعد هي: "بيني وبيك" و"أمشي إليك" شعر جوزيف حرب و"آه لو تدري بحالي "شعر عبد الوهاب محمد لم تصدر حتى اليوم.

نجاة الصغيرة وشادية وحليم

 في المقابل وضع الأخوين رحباني غير لحن لعدد لابأس به من المطربين المصريين لعل اولهم كان المطرب محمد أمين الذي لحن وغنى قصيدة كتبها الاخوين رحباني لمناسبة احتفال الإذاعة اللبنانية بـتجد يد ولاية الرئيس اللبناني بشارة الخوري  في  الثامن عشر من عام 1949 ثم تعاونا مع  كارم محمود بعد ذلك باربعة اعوام  فقد شارك فيروز غناء الصورة الغنائية "إبن هند" في اذاعة الشرق الأدني 1953 بالاضافة الي اغان اخرى قدمها بصوته منفردا بحسب الباحث والفنان التشكيلي محمود زيباوي.

عندما جاء الأخوان رحباني للقاهرة 1955 شارك كارم محمود فيروز غناء ثلاث صور غنائية للاخوين رحباني هي :" حكايات الربيع " و"زرياب" و"راجعون" وكان الاخوين رحباني تعاونا من قبل في اذاعة الشرق الادنى حيث قدمها له بضع اغنيات من بينها الصورة الغنائية "ابن هند" بمشاركة وغناء فيروز.

في عام  1963 غني عبد الحليم حافظ من اشعار وتوزيع الاخوين رحباني وألحان محمد عبد الوهاب "ضي القناديل" وكان هناك أكثر من مشروع بعد هذا التعاون يجمع بين عبدالحليم وفيروز منها اقتراح بمشاركتهما معا بغناء أوبريت "مجنون ليلى" عن المسرحية الشعر لأمير الشعراء احمد شوقي بعد أن اكمل تلحينها عبد الوهاب، وكان قدم فصلا منها بصوته ومشاركة أسمهان في فيلم "يوم سعيد" 1940 للمخرج محمد كريم، يروي الصحفي جورج ابراهيم الخوري في مجلة "الشبكة" بتاريخ 19 مارس 1990 أن عبد الحليم اقترح على عاصي الرحباني ان يكتب مسرحية غنائية ليقوم ببطولتها في مهرجانات بعلبك بمشاركة فيروز وذلك بسبب غضب حليم من لجنة مهرجانات بعلبك التي لم تكلف نفسها بدعوته للغناء في بعلبك في حين وجهت الدعوة نفسها لأم كلثوم ثلاث مرات، لكن عاصي رفض اعتراضا منه  لان الجمهور لن يصدق حليم اذا ما غني باللهجة اللبنانية  ،ولم ينفذ الاقتراح رغم تأكيد حليم بعناد لعاصي انه يستطيع الغناء باللهجة اللبنانية وأن الجمهور سيصدقه فقد غني من قبل باللهجة الكويتية اكثر من مرة وصدقه جمهور الخليج العربي.

في النصف الأول من عام 1968 توزعت موسيقي الاخوين رحباني على حنجرة كل من نجاة الصغيرة وشادية، ففي يناير من ذلك العام زارت نجاة الصغيرة بيروت لتحصل على لحن من الاخوين رحباني لتغنيه في فيلم " 7ايام في الجنة" للمخرج فطين عبد الوهاب وبالفعل سجلت نجاة في ستديو بعلبك في بيروت أغنية "دوارين في الشوارع" من كلمات والحان وتوزيع الاخوين رحباني، الاغنية كتبت باللهجة المصرية وتضمنت موالا مصريا بديعا يقول:" قالوا السلام بالايادي قلت انا بعيني/ عايزة أسلم عليكوا واضحكلكوا بعيني"، في حينها اقامت فيروز حلفة عشاء في منزلها تكريما لنجاة الصغيرة حضرها المنتج رمسيس نجيب والشاعر صالح جودت والمخرج عاطف سالم والصحفي سعيد فريحة والتقطت صورا تجمع فيروز ونجاة .

 الأخوان رحباني كانا  قد صرحا قبل هذا اللقاء بأنهما من اكثر المعجبين بصوت نجاة وانهما على استعداد ان يلحنا أغنية لها شرط ان تكون من اشعار مرسي جميل عزيز او احمد شفيق كامل.

بعد شهرين وفي أبريل زارت شادية لبنان من اجل تسجيل عملين من الحان الشيخ سيد درويش من اوبريت "شهرزاد" بتوزيع وإشراف الاخوان رحباني لتقدمهم ضمن حداث فيلم "الحب الضائع" الذي كانت ستتولى بطولته هي ونادية لطفي من اخراج حسن الامام قبل أن تعتذر عنه شادية ويذهب الي سعاد حسني وزبيدة ثروت والمخرج هنري بركات فيما بعد، دعت فيروز ايضا شادية الي منزلها لحفل عشاء هي وزجها وقتها صلاح ذوالفقار لكن للأسف لم يتم تصوير السهرة هذه فتوغرافيا.

سجلت شادية العمل في ستديو بعلبك وطبعت اثنتين منها على اسطوانات "موريكو" في العام التالي في بيروت ، ثم اختفت تلك الاعمال تماما حتى العام قبل الماضي عندما قام المطرب اللبناني مروان محفوظ بنشرها على صفحة "اسطوانات فيروز" على موقع فيس بوك ، الاولي ديالوج يحمل  عنوان "آديني أهه جتلك بدري" غنته شادية بمشاركة المطرب اللبناني إيلي شويري، والثانية غنتها المجموعة دون مشاركة من شادية، وبقيت أغنية ثالثة من نفس الأوبريت مجهولة ومغيبة الي اليوم ، فقد صرح الفنان الراحل منصور الرحباني لزميلنا الكاتب محمد سعيد رحمه الله خلال وجودة في مصر 1999 أن بجوزته ثلاثة اعمال بصوت شادية لم تطلق بعد من الحان سيد درويش .

في عام 1970 قدم الأخوان رحباني ثلاث اغنيات من شعر جورج جرداق لمطربة مصرية مغمورة تدعي شمس هما "مركب حبيبي" و"ياليل ياسواح" و"ناطرة"، كانت شمس قد ظهرت في استعراض " قاضي البلاج " من الحان منير مراد في فليم "ابي فوق الشجرة" مع عبد الحليم حافظ  في نفس العام ،حيث غنت المقطع الذي يقول:" أنا خدت الاعدادية بعديها التوجيهية/ وصبحت جامعية وفاضلي عالتخرج كام سنة" .

بعدها لم تلتق الحان رحباني مع فنان مصري حتى التقيا بالمطربة عفاف راضي عام 1982 عندما عادا الي تقديم مسرحية "الشخص" غناء وتمثيل عفاف راضي وكانت المسرحية قامت ببطولتها فيروز عام 1968، ثم اعيد تقديمها عام 1980 من بطولة وغناء رونزا ، واخيرا في نسخة مصرية لعفاف راضي قدمت على مسرح البالون في القاهرة عام 1982، ساعد الاخوان رحباني في تمصير حوارها الشاعر أمل دنقل وكتب مقابل اسمه في تيترات العمل أعداد أمل دنقل، واخرجها الدكتور جلال الشرقاوي وشارك في بطولتها الفنان محمد نوح الذي قام بدور المحافظ بدلا من نصري شمس الدين الذي كان يقوم بدور المتصرف، والدكتور جابر البلتاجي في دور القاضي وسيد الملاخ في دور الشاويش الذي كان يقوم به وليم حسواني وتوفيق فريد في دور بياع التفاح وكمال يسن قيادة اوركسترا الدكتور مصطفى ناجي، قدم فيها الاخوين  ثلاثة اغنيات جديدة خصيصا لصوت عفاف لتحل محل ثلاث اغنيات غنتم فيروز لا يمكن تمصيرها هي:" ياوابور الساعة اتناشر" التي حلت مكان أغنية "جبلية النسمة" وأغنية " غرب الجزيرة الهوى" حلت مكان أغنية "فايق ياهوى" واخيرا اغنية "الصاري عالي" وحلت مكان أغنية "بكرا إنت وجايي".

  للأسف لم تحظ المسرحية بالانتشار او النجاح الجماهيري الذي هي جديرة به لأنها ممنوعة ولاتزال من ان تعرض تليفزيونيا على ايه محطة، لكن عزاء جمهور عفاف راضي والاخوين رحباني في كونها اصبحت اليوم متاحة على شبكة الانترنت تحديدا موقع يوتيوب .

حكي لي الفنان مروان منصور الرحباني واقعة طريفة تخص "الشخص"، خلال لقاء جمعني به ووالده وشقيقه غدي وأسامة عام 1999 في القاهرة  قال: عندما شرع الأخوان رحباني في بروفات المسرحية وعند دخول عاصي الرحباني الي مسرح البالون نظر الي الملصق الكبير على واجهة المسرح وطالع الأسماء المكتوبة للفنانين المشاركين في المسرحية فوجد اسم جلال الشرقاوي يسبقه لقب دكتور وكذلك اسم جابر البلتاجي وايضا المايسترو مصطفى ناجي، فنظر الي شقيقه منصور وقال في دهشة: "مسرح هيدا والا مستشفى".

غير أن المشروع الاستثائي  الذي لو تم لكان له شأنا آخر هو غناء أم كلثوم لقصيدة من كلمات الاخوين رحباني وتحديدا الفنان منصور الرحباني وألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب، القصيدة عنوانها "عرفت أم لا ؟"، القصيدة اقترحها عبد الوهاب على أم كلثوم وأعجبت بها وقررت غنائها ، وكان ذلك بعد فترة قصيرة من إنشادها لقصيدة "هذه ليلتي" للشاعر اللبناني جورج جرداق التي غنتها من الحان محمد عبد الوهاب عام 1968 ، تقول بعض أبيات القصيدة

 :" عرفت ام لا كل شئ زائل عيناك و الأطفال و القوافل / الزهر لا يرجع مرتين  كذبت حين قلت مرتين / وانا ياقمر الفرار آتيا من سفر العينين / خوفا على إسمك كتبته على كنيسة قديمة / خوفا على اسمك كتبته على سفر النبؤات على الإنجيل والأدعية الحميمة / سافرت في تهدج الاصوات في تضرع العجائز وفي صلاة البسطاء/ كتبته إسمك مرتين الزهر لا يرجع مرتين ".


يقول الفنان أسامة الرحباني نجل الفنان منصور الرحباني: "طلب عبدالوهاب و ام كلثوم هذه القصيدة لكي يتم تلحينها وتغنيها أم كلثوم . وافق منصور في البداية ثم طلبوا تعديل كلمة في القصيدة واستبدالها بأخرى، وهنا رفض منصور الأمر رفضاً قاطعاً والكلمة كانت "كنيسة" ثم عادت ام كلثوم وطلبت من منصور ان يؤلف ويلحن قصيدة أخرى لها، وهنا تغاضى منصور عن الموضوع سألته مرةً لماذا؟ قال التزاماً بفكر الاخوين والانحياز الفيروزي.


وأخيرا وبعد مرو نحو خمسة عقود قام الفنان أسامة الرحباني بتلحين القصيدة للفنانة هبة طوجي سجلتها في أوكرانيا مع أوركسترا سمفونية، وخرجت إلى النور قبل أشهر.