«ضيف النسيان».. قصة من مجموعة «جئتك بالحب» لتيسير النجار
لا أدري عم كنت أبحث، طوال الوقت هناك شيء ضائع مني، أردد كلمات أغنية نسيت معظمها، ألف رأسي في كل الاتجاهات حتى اصطدمت برجل شارد، سقطت زجاجات النبيذ، أغرقت أحذيتنا، كان يعتذر بحركات يديه المرتعشة ويحاول قول "آسف"، لكنها لم تخرج من شفتيه، طلبت منه تعويضي، أدخل كفيه بجيوبه وأخرجهما فارغتين، أمال شفتيه كطفل على حافة البكاء، أخرجت من جيبي الخلفي بعض الأموال وأعطيتها له، أمسك بها مستفسرًا، أشعلت سيجارتي وأوضحت أن تعويضه لي سيكون بمشاركتي سهرتي، أسندت ظهري للعمود الساهر فوق رأسي، لم يتأخر، سبقته بخطوات تبعني دون سؤال، وصلنا غرفتي، ناولني الزجاجات فرأيت دمًا متجمدًا أسفل أظفاره، هرش رأسه بيديه، كانت محاولة فاشلة للهروب، وضعت قطع الجبن الرومي وبقايا المقبلات من ليلة أمس على المنضدة القصيرة، جلس على حافة الأريكة، كان السرير فوضويًا يحمل ثيابي وبطانية ملقاة بإهمال، خلعت معطفي القصير وحذائي المتسخ بالنبيذ، نهض وفتح النافذة على آخرها، وقام بتشغيل المكيف، جلس بالشورت والفانلة الداخلية ولم يخلع جواربه، كانت شعيرات صدره متشابكة بفوضى مثيرة، تجرعنا النبيذ وثرثرنا في موضوعات كثيرة، ركعت أمامه، سحرني البحر الممتد بعينيه، لعب بخصلات شعري ومسح على وجهي، غسلت دموعي مساحيقي الخادعة، كنت أبدو قبيحة بلا شك، احتضنني وألقينا أجسادنا المنهكة فوق بعضها .. سقطت الثياب، قضمت ظفر سبابته بشراسة، لأزيل الدم المتجمد، أغمض عينيه، انساب الدم كالنهر وأغرق يده .. شعرت بالذعر .. حاولت لفة بقطعة قماش مزقتها من جلباب لي، لم يتوقف الدم تدفق مثل قلم حبر فقد سنه، وضعت الثلج فوقه، لم يصرخ فقط أبطأ دورتي الدموية بنظرته، دب الصقيع في جسدي العاري، سحب البطانية فوق جسدي المرتعش، وأفرغ ما تبقى من النبيذ على سبابته تجلط الدم
- الجرح يثمل أيضًا
ونمنا بل نمت داخله كان عالمًا يحويه رجل.
دقت ساعتي منزوعة الأرقام لتعلن مجيء الصباح، سألني:
• أين الأرقام؟
• الوقت إما صباح أو مساء وحسب.
• ما الفرق بينهما؟
• الصباح إعداد للعمل والمساء وقت العمل.
• وماذا عن مساء البارحة؟
• الحياة كما ينبغي أن تكون، وماذا عن عملك؟
• أنا أعيش كما ينبغي.
ودعته بقبلة وذهبت لشراء الطعام، عند العودة وجدت غرفتي صارت منزلاً، جدد داخلي فرحة الطفلة صباح يوم العيد.
• لكنكِ غير مهيأة للعيد.
حممني وصفف شعري المعقد، تفتحت مسامي كنت استنشق الحياة، يقف سؤالي عن الدم العالق بأظفاره في حلقي، رنا إليّ وهمس:
• لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسوؤكم.
لجمني، أخبرته أن في المساء سيحدث شيء يسوؤه، هز رأسه دون رد، أتي زبوني، كان ضيفي مختبئًا أسفل السرير حيث لا مكان بغرفتي وقد يذهب الزبون إلى الحمام، أنهيت عملي سريعًا، خرج ووقف بجواري، ريح عاصف ضربت بحر عينيه فاضطرب، أزال من جسدي بقايا الزبون.. كنت أتقيأ بشدة، حممني وقدم لي كوبًا من الحليب .. رفضت شربه .. صرخت "أريد نبيذًا" لم يجب "اعطِني سيجارة حشيش" لم يجب، عيناه سهام تمزقني، لوم أم عقاب، مسحت وجهي بأصابع قدميه، رفعني .. علقت ذراعيّ بكتفيه، أجلسني على أريكتي ووضع زجاجة النبيذ بجواري، تجرعت نصفها دفعة واحدة وبكيت، ارتدى ثيابه في عجالة سألته :
- إلى أين..؟
- الحياة ليست غرفة منخفضة السقف.
نظر إلى المنضدة القصيرة باحتقار "وبعض المال" أغلق نافذتي خلفه ومضى.